تاريخ الاستلام: 01 أكتوبر2023
تاريخ التحكيم: 12 ديسمبر 2023
تاريخ القبول: 04 فبراير 2024
وليد بن خالد الحازمي
أستاذ مشارك، قسم الأدب والبلاغة، كلية اللغة العربية والدراسات الإنسانية، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة – المملكة العربية السعودية
whazmi@iu.edu.sa
يسعى هذا البحث إلى استجلاء العلامات والدلالات الإشارية التي احتوتها أحدث التجارب الشعرية للشاعر محمد عبد الباري في ديوانه «أغنية لعبور النهر مرتين»؛ إذ امتاز الديوان بِسِمَات إشارية سيميائية على مستويات متعددة؛ لذا اختصّ المبحث الأول بدراسة سيميائية التوازي النصّي عبر ثلاثة محاور، هي: سيميائية العنوان، وسيميائية الاقتباس، وَسيميائية التشكيل البصري، واختصّ المبحث الثاني بدراسة سيميائية بنية النص الشعري عبر ثلاثة محاور، هي: العلامة اللغوية، والعلامة العددية، والعلامة اللونية، مُستعينا بمعطيات المنهج السيميائي المعتمِد على رصد وتتبع العلامات الرئيسة في التجربة الشعرية، وتَبَيُّنِ دلالتها.
الكلمات المفتاحية: القصيدة الديوان، محمد عبد الباري، العلامة اللغوية، العلامة اللونية، سيميائية التشكيل البصري
للاقتباس: الحازمي، وليد بن خالد. »ديوان «أغنية لعبور النهر مرتين» لمحمد عبد الباري: التشكيل والدلالة – دراسة سيميائية«. أنساق في الآداب والعلوم الإنسانية، المجلد الثامن، العدد 1، 2024، ص131-156. https://doi.org/10.29117/Ansaq.2024.0201
© 2024، الحازمي، الجهة المرخص لها: كلية الآداب والعلوم، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
Received: 01 October 2023
Reviewed: 12 December 2023
Accepted: 04 February 2024
Waleed Khalid Alhazmi
Associate Professor, Department of Literature and Rhetoric, College of Arabic Language and Humanities, Islamic University of Madinah–Kingdom of Saudi Arabia
whazmi@iu.edu.sa
This Research seeks to clarify signs and indicative connotations contained in the latest poetic experiences of the poet Mohammed Abdelbari in his Collection (Diwan) titled: “Song for Crossing the River Twice”. The latter was characterized by indicative and semiotic features on multiple levels. Therefore, the first section focused in studying the semiotics of textual parallelism across three themes: semiotics of the title, semiotics of quotation, and the semiotics of visual formation. In addition, the second section studies the semiotics of the structure of the poetic text through three themes: the linguistic sign, numerical sign, and the color sign, using the data of the semiotic approach based on monitoring and tracking the main signs in the poetic experience, and identifying their indication.
Keywords: Poetic Collection; Mohammed Abdelbari; Linguistic Sign; Color Sign; Semiotics of Visual Formation
Cite this article as: Al hazmi, W.K. "Poetry Collection of 'A Song for Crossing the River Twice', by 'Mohammed Abdelbari': A Semiotic Study of Formation and Significance". Ansaq in Arts and Humanities, Vol. 8, Issue 1, 2024, pp. 131-156. https://doi.org/10.29117/Ansaq.2024.0201
© 2024, Al hazmi, licensee, College of Arts and Sciences & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
يسعى هذا البحث إلى تتبع الدلالات السيميائية في ديوان (أغنية لعبور النهر مرتين) للشاعر محمد عبد الباري، إذ مثّل الديوان تجربة جديدة للشاعر في كتابة القصيدة الديوان، تميّزت بسمات إشارية سيميائية على مستويات متعددة، ابتداء من مستوى عنونة الديوان، وتقسيمه، وتشكيله البصري، إضافة إلى الرسومات الفنية التي احتوتها صفحات الديوان، يُضاف لذلك كله دافع ذاتي لدى الباحث متمثّل في رصد ومتابعة التجارب الشعرية الحديثة، خاصة أن الطبعة الأولى من الديوان صدرت عام 2022.
ينبني البحث على مقدمة ومبحثين، هما: سيميائية التوزاي النصّي، وسيميائية بنية النص الشعري، تضمن المبحث الأول دراسة لسيميائية العنوان، وسيميائية الاقتباس، وسيميائية التشكيل البصري، فيما عُني المبحث الثاني بدراسة أبرز العلامات الرئيسة في بنية النص الشعري، وهي: العلامة اللغوية، والعلامة العددية، والعلامة اللونية.
يهدف هذا البحث إلى استجلاء العلامات والدلالات الإشارية التي احتوتها أحدث التجارب الشعرية للشاعر محمد عبد الباري في ديوانه (أغنية لعبور النهر مرتين)، وذلك عبر مستويات التوازي النصّي في عنوان الديوان، والاقتباسات، والتشكيل البصري، وفي مستويات بنية النص الشعري عبر العلامات اللغوية والعددية واللونية؛ لذلك يسعى البحث لتحقيق الأهداف الآتية:
1- استجلاء مظاهر تشكل سيميائية النص الموازي في العنوان، والاقتباسات، والتشكيل البصري.
2- رصد مظاهر تشكل سيميائية بنية النص الشعري عبر دراسة أبرز العلامات اللغوية والعددية واللونية.
ارتكز البحث على المنهج السيميائي المعتمد على رصد وتتبع العلامات والإشارات الرئيسة في التجربة الشعرية، وتبيّن دلالتها؛ إذ «تدرسُ السيمياءُ النصَّ الأدبيَّ بوصفه علامة، فهي تنظر إلى أبنية النصوص على أنها نسق من العلامات مغلق على ذاته» (الأحمر 60)، وتُعرَفُ العلامة بأنها التي: «تمثّلُ شيئًا آخر تستدعيه بوصفها بديلا له، ويمكن أن تكون العلامات طبيعية أو اصطلاحية أو مُشفّرة...» (قاسم وأبو زيد 440).
نظرا لحداثة زمن صدور الديوان بطبعته الأولى عام 2022 فإنه لم يُتح القدر الزمني الكافي لإنجاز دراسات متعددة نقدية حول الديوان، ومع ذلك فقد اطّلعتُ على دراسة وحيدة اختصت بدراسة الديوان هي: «قصيدة السرد، فصول الماكث الشعري في الزمكان ولوحاته» (غركان 2023)، التي اعتمدت على منهج (الإمكان النصي)، حسب تعبير الباحث، وقُسّمت الدراسة إلى أربعة فصول تبعًا لعدد لوحات القصيدة، وفيها سعى المؤلف إلى تقديم مقاربة تحليلية للقصيدة كلها، ولم يكن هدفها دراسة التشكيل السيميائي واستجلاء بنية العلامات النصية؛ مما فتح الأفق أمام دراسة ورصد التشكيل السيميائي في الديوان، ومع ذلك فإنني أفدتُ منها، وأشرتُ إلى الاقتباسات التي أفدتها منها.
كما استفاد هذا البحثُ من المصادر العلمية التي تناولت المنهج السيميائي، إضافة إلى الدراسات التي تناولت التجربة الشعرية لدى الشاعر محمد عبد الباري في دواوينه السابقة، خاصة ما اتصل منها بالمنهج السيميائي، وسأورد تلك الاقتباسات في مواضعها من البحث مع الإشارة للمصدر.
يُعدّ ديوان (أغنية لعبور النهر مرتين) أحدث دواوين الشاعر محمد عبد الباري، وهو شاعر سوداني، وُلِد عام 1985م في السودان، صدرت له عدة دواوين شعرية، هي: (مرثية النار الأولى، 2013)، (كأنك لم، 2014)، (الأهلة، 2016)، (لم يعد أزرقا، 2020)، (أغنية لعبور النهر مرتين، 2022)، وقد حاز على عدة جوائز، منها: جائزة الشارقة للإبداع العربي 2013، وَجائزة الأمير عبد الله الفيصل العالمية 2019.
صدرت الطبعةُ الأولى من ديوان (أغنية لعبور النهر مرتين) عام 2022م، وهو ديوانٌ تشكّل وفق بنية القصيدة الديوان، إذ تكوّن الديوان كلّه من قصيدة واحدة، وقد استغرق نظمُ الديوان قرابة عام، كما صرّح بذلك الشاعر حين قال: «كُتِبت هذه القصيدة في مدينة نيويورك في الفترة ما بين يونيو 2020 إلى مايو 2021» (عبد الباري 5)، وقد تكونت القصيدة من (12) مقطوعة شعرية، امتدت على (95) صفحة.
يُقصد بمصطلح التوازي النصي: «مجموع النصوص التي تخفر المتن وتحيط به مِن عناوين، وأسماء المؤلفين، والإهداءات، والمقدمات، والخاتمات، والفهارس، والحواشي» (بلال 21)، وهي تؤدي «مهمة ترتيب العلامة بين القارئ والنص، وذلك بقصد ميثاق قرائي يزيد من حساسية المتلقي على النحو الذي يخدم النص» (الحجمري 9)، وفي هذا المبحث ستتم دراسة السمات السيميائية للتوازي النصّي عبر ثلاثة محاور، هي: سيميائية العنوان، وسيميائية الاقتباس، وسيميائية التشكيل البصري.
تُبرِز عتبات النص جانبا أساسيا من العناصر المؤطّرة لبناء القصيدة، «كما أنها أساس كل قاعدة تواصلية، تمكّن النصَّ من الانفتاح على أبعاد دلالية تغني التركيب العام» (الحجمري 16)، ويحتل العنوان قيمة كبيرة بوصفه علامة تشير إلى مدلول محدد، يظهر عبر استكشاف بنية العنوان وصلته بالمتن الشعري في الديوان، إذ «يمثّلُ العنوانُ البُنيةَ الموازيةَ للقصيدة العربية دلاليا وتركيبيا، ويمتلك المعنى الكلّي للخطاب» (بلعيد 47)، لذلك يؤدي العنوان وظيفة دلالية رئيسة، فهو «يمدّنا بزادٍ ثمين لتفكيك النصّ ودراسته، ويقدّم معونة كبرى لضبط انسجام النص» (مفتاح 72).
وجدير بالتأمل عند بدءِ دراسة عنوان الديوان الحالي ملاحظة مقدار عناية الشاعر محمد عبدالباري بعنونة دواوينه الشعرية، وما بين هذه العناوين من مشتركات دلالية يجدر تأملها واستنباطها؛ إذ اشتركت عناوين ثلاثة من دواوينه السابقة وهي: مرثية النار الأولى، والأهلة، وَلم يعد أزرقًا - في ارتكازها على الطبيعة؛ بوصفها مكونًا رئيسًا لجملة العنوان، وبذلك أمكن رصد الطبيعة بوصفها علامة تشير إلى بُعد دلالي رئيس في تجربة الشاعر المنسجمة مع الطبيعة؛ لما تمثله الطبيعة من مظاهر الحيوية والتجدد والديمومة التي يتمحور حولها الشعراء، فمفردة (النار) حضرت في عنوان ديوانه الأول، لتقدم دلالة إيجابية؛ لما تحمله النار من دلالة «التعبير عن الثورة والقوة والتمرد» (كار وَبوزيدي 89)، وأدّت كذلك مفردة (الأهلة) دلالة إيجابية لما تحمله من معاني الضياء والعلوّ، كما أدت مفردة (أزرقا) دلالة إيجابية، فهو لون مرتبط بعناصر الطبيعة الرئيسة كزُرقةِ السماء، وزُرقةِ البحر، وكلاهما يعبران عن الطبيعة والامتداد المُتّسع غير المنتهي، ويُعدّ اللون الأزرق لون «الوقار، والأمن، والراحة، والقوة، والعمق، والسرور» (عبد الغني 27)، وكذلك الشأن في عنوان الديوان مجال الدراسة (أغنية لعبور النهر مرتين) إذ حضرت الطبيعة بوصفها محورا ارتكازيا رئيسا في بنية العنوان عبر مفردة (النهر) ذات الدلالة الإيجابية؛ لما تحمله الكلمة من معاني: الجريان، والقوة، والعذوبة، بذلك يُدرك مقدار الحضور المكثف للطبيعة بوصفها علامة محورية في عنونة دواوين الشاعر محمد عبدالباري.
وعند تأمل العلامات والدلالات الإشارية في بنية عنوان الديوان مجال الدراسة (أغنية لعبور النهر مرتين) يُلحظ تصدّر الدّالّة الأولى كلمة (أغنية) عبارةَ العنوان لأهميتها الدلالية، وجاءت نكرة لتدل على العموم، مما يزيدها إبهاما، ويزيد المتلقي تشوقا لمعرفتها.
والأغنية واحدةُ الغِنَاء، و«كلُّ مَنْ رَفَع صوتَه ووَالاهُ فصَوْتُه عند العرب غِناءٌ» (ابن منظور 3309)، و«الأُغْنِيَةَ: ما يُتَرنّم به من الكلام الموزون وغيره» (مجمع اللغة العربية 688)، وهي بذلك علامة تشير إلى صوت الشاعر وقصيدته، إذ الديوان مُتكوّنٌ من أغنية واحدة طويلة يرفع بها الشاعر صوته، وبذلك أدّت كلمة (أغنية) في العنوان وظيفة وصفية، عبر وصف العنوان لنصّ الديوان بإحدى خصائصه الشكلية، وهي وظيفة مركزية للعنوان.
ومجيء كلمة (أغنية) في مستهل العنوان أفاد علامة دلالية تقابل الكلمة الأولى في عنوان الديوان الأول للشاعر (مرثية)، فبينهما علاقتان: الأولى (تضادية)، والأخرى (توافقية)، أما العلاقة التضادية فتظهر من خلال التقابل بين معنى كلمتي (أغنية، ومرثية) إذ تحمل كلمة (أغنية) دلالة الفرح والحياة خلافا لكلمة (مرثية) التي تحمل دلالة الحزن والفقد، إذ عبّرت كلمة (مرثية) «عن ذات الشاعر المقهورة والمتألمة لما حلّ مِن خراب ودمار بالوطن العربي» (كار وبوزيدي 89)، أما العلاقة التوافقية فتظهر عبر التزام الشاعر ببنية الجملة الاسمية في كلا العنوانين، إضافة إلى التزامه فيهما بالإفراد والتنكير، وبهذه العلامات تُتاح للمتلقي أبعاد دلالية جديدة تعتمد على الرؤية الأفقية التي تنظر لأعمال الشاعر كلّها عبر الربط بين لحظتي البداية والنهاية.
حملت كلمة (أغنية) إشارة لأبعاد فنية تُمهّد المتلقي الذي اعتاد في دواوين الشاعر السابقة اشتمالها على قصائد متعددة، إذ إنه في هذا الديوان سيتلقى قصيدة (أغنية) واحدة، إضافة إلى أن كلمة (أغنية) تعبر بدقة عن بنية إيقاعية مزج فيها الشاعر بين الشكلين التناظري والتفعيلي، وهي بذلك تعبّر عن مستوى من التآلف بين الشكلين بعد عقود طويلة من العراك النقدي بين أنصار الشكلين، ليُعزّز الشاعر ثنائية التآلف بينهما، فبامتزاجهما تتشكل هذه (الأغنية) المطولة.
وهي أغنية لأنها ليست قصيدة درامية تعتمد على الصراع والحوار وتعدد الأصوات، وليست قصيدة قصصية تعتمد على السرد وتتابع الأحداث، وإنما هي قصيدة غنائية اعتمدت على التداعي الحر للأفكار، محافظة على البنية الغنائية عبر انتظام إيقاعاتها التناظرية والتفعيلية.
الدّالة الثانية في العنوان هي كلمة (العبور) التي تحمل دلالة الانتقال، «عَبَرَ فُلانٌ النهرَ عَبْرًا وعُبُورا: قَطَعَهُ من شاطئٍ إلى شاطئ» (مجمع اللغة العربية 601)، بذلك يتّسع معنى الانتقال في مدلوله العام ليشمل مستويين اثنين، هما: الانتقال المكاني، والانتقال الزماني، يتبدى الأول عبر الانتقال من مكان لآخر، أو عبر تجاوز حيز مكاني محدد كما في حالة عبور النهر بالصورة الواردة في عنوان الديوان، ويمكن اعتبارها دالة على عبور الشاعر منطقة العالم العربي التي عاش فيها إلى منطقة العالم الغربي في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، فكأن الشرق مثّل أحد ضفتي النهر، بينما مثّل الغربُ الضفة الأخرى، ويتبدى الآخر - الانتقال الزماني - عبر الانتقال من زمن إلى زمن آخر، إذ الزمن وحدة متغيرة دائما بين وحداتٍ متنوعة متقابلة كالنهار والليل يوميا، ووحدات أطول متغيرة على مدار فصول السنة الأربعة بطقوسها المتقلّبة (الصيف، والخريف، والشتاء، والربيع)، وهو مدلول رئيسٌ اعتمدت عليه بنية القصيدة التي قُسِّمت إلى أربع لوحات بحسب فصول السنة الأربعة.
ويُلحظ وجود تمايز بين العبورين المكاني والزماني، إذ العبور الزماني عبورٌ حتمي، تتمثّل فيه حقيقة انقضاء عمر الإنسان وفق قدر كونيّ مطلق، خلافًا للعبور المكاني بوصفه اختياريا غالبا؛ تدفع الإنسانَ إليه وتضطره عواملُ اجتماعية أو معيشية أو غيرهما، مع قدرة الإنسان على البقاء في حيّزٍ مكاني واحدٍ، وعند تتبع مظاهر أو مستويات هذين العبورين في تجربة الديوان يُلحظ أن مدينة نيويورك قد شكّلت محور ارتكاز ثابت على مستوى الديوان كلّه، بينما تشكل الزمن من وحدات متغيرة بعدد فصول السنة الأربعة.
وعند تأمل الدّالّة الثالثة في العنوان كلمة (النهر) تُلحظ دلالة التجدد، فحياة النهر تعتمد على تدفقه وتجدد مياهه وتتابع اندفاعها، وهو رمز إيجابي الدلالة لارتباطه بمعاني الخصب والنماء، ومجيء كلمة (النهر) معرفةً في العنوان إشارةً إلى مدلول معهود معلوم يدل على الحياة، كما سيتضح في الأسطر القادمة عند الحديث عن التناص التضميني في العنوان.
لقد أسهمت كلمة (النهر) بوصفها دالّةً محورية في تحقيق مدلول رئيس تشكّل عبر البنية الإيقاعية للقصيدة، إذ وردت أربع مقطوعات تفعيلية في الديوان، وكل مقطوعة منها قد وردت بين مقطوعتين تناظريتين، فكأن المقطوعة التفعيلية ترمز لمياه النهر المتدفقة بين ضفتين من الشعر التناظري، وتكرر هذا النسق البنائي الإيقاعي أربع مرات في الديوان.
أمّا الدّالّة الرابعة في العنوان كلمة (مرتين) فقد أدّت وظيفة دلالية ضمنية، بوصفه علامة تتضمن معنى التكرار والتثنية، وهي سمة أسلوبية، تمظهرت في القصيدة عبر تكرار الكلمات، والتراكيب، كما أنها حملت مدلولا ضمنيا يشير إلى تشكيلٍ محدد في البنية الإيقاعية للديوان، إذ تكررت تفعيلة وزن الكامل (مُتَفَاعِلُنْ) مرتين في لوحتي فصل الصيف والشتاء، كما تكررت تفعيلة وزن المتقارب (فَعُولُنْ) مرتين في لوحتي فصل الخريف والربيع.
وعند تأمل عبارة العنوان كاملة تُدرَك دلالة التناص التضميني لمقولة الفيلسوف هرقليطس: «أنت لا تعبر النهر نفسه مرتين، أي: إنك لا تستطيع أن تخطو خطوتين في نهر واحد، لأن مياهًا أخرى لا تنفك تجري إليك» (ديورانت ج6 ص265)، فهل قصد الشاعر من خلال هذه العبارة التضمينية الإشارة إلى تجربته الجديدة على المستويين الفني والاجتماعي، تمثّل المستوى الأول عبر اتجاهه إلى بنية القصيدة الديوان، وتمثّل المستوى الآخر في انتقال الشاعر من الشرق إلى الغرب، بما تمثله مدينة نيويورك من حياة تخالف بيئة المجتمع العربي وثقافته، ليعبّر عنوان الديوان عن هذه الانتقالة المكانية المحورية للشاعر، وبذلك يكتسب العنوان بُعدا دلاليا يعكس هذه التجربة الجديدة لدى الشاعر، لتشير كلمة (أغنية) إلى دلالات إيجابية تحمل معنى التفاؤل والصمود في عبور نهر الحياة حسب رؤية الشاعر.
بالنظر إلى الوظائف الأربع للعنوان: الوظيفة التعيينية، والوصفية، والدلالية، والإغرائية (بلعابد 86) يُلحظ تحققها جميعا في عنوان الديوان، فالوظيفة التعيينية التي تهدف إلى تسمية النص وتعيينه قد تحققت في عبارة العنوان بشكل واضح، كما تحققت الوظيفة الوصفية عبر كلمة (أغنية) التي وصفت الديوان ببعض خصائصه الإيقاعية، فهو متكوّن من قصيدة واحدة غنائية طويلة، تعتمد على التداعي الحر، وتحفل بالإيقاع، كما تحققت الوظيفة الدلالية عبر كلمة (مرتين) التي أفادت شيوع بعض الأساليب الدلالية المرتبطة بالعدد رقم (2)، مثل: التثنية، والتكرار مرتين، كما تحققت الوظيفة الإغرائية عبر التناص مع مقولة هرقليطس، لتحقيق جذبٍ قرائي، وتعزيز للتواصل الأولي المباشر بين الشاعر والمتلقي؛ لما تمثّله هذه المقولة من أبعاد فلسفية ودلالية، والتي قد تستثير فضول المتلقي لمعرفة حقيقة النهر، وحقيقة عبوره مرتين، وتزيد تشوّقه لقراءة الأغنية الديوان.
يمكن عبر تأمل عنوان الديوان استخلاص ثلاث علامات رئيسة، الأولى: هي العلامة الإيقاعية المتمثّلة في كلمة (أغنية)، والثانية: علامة موضوعية دلّت على كثافة مستوى حضور الطبيعة وتجذّرها، دلّت عليها كلمة (النهر)، والثالثة: علامة عددية تدل على سمة التكرار والتثنية، أدّتها كلمة (مرتين).
تَبِعَ عنوانَ الديوان العتبةُ الاستهلاليةُ التي تُعرَف بأنها «عبارة توجيهية تمتلك العديد من الوظائف النصية تبعا للموقع الذي تحتله في بناء عالم النص على مستوى توجيه مسار القراءة النصية» (الحجمري 31)، وقد تضمنت العبارة الاستهلالية في الديوان عنصرين اثنين، عرّف العنصر الأولُ بزمان ومكان كتابة الديوان: «كُتِبت هذه القصيدة في مدينة نيويورك، في الفترة ما بين يونيو 2020م إلى مايو 2021م» (عبد الباري 5)، وتضمّن العنصر الثاني كلمة الإهداء، حيث أهدى الشاعرُ ديوانه إلى والدته، بقوله: «إلى والدتي: أم كلثوم القاسم، إلى السيدة الجليلة التي جاءت بي إلى الوجود مَرّة واحدة، ولكنها ما تزال تلدني كل يوم، أهدي هذا الكتاب» (عبد الباري 7)، احتوت عبارةُ الإهداء إحدى الدلالات الرئيسة وَالمركزية لكلمة (النهر) الواردة في عنوان الديوان، وكأن النهر معادلٌ موضوعي للأم التي تتجدد بعطائها كل يوم «تلدني كل يوم»، بذلك يتبين للمتلقي مقدار عناية الشاعر ببناء علاقات شفيفة بين العناصر المشكّلة لبنية الديوان.
احتوى الديوانُ عتبةً نصيةً رئيسةً أخرى على الغلاف الخلفي، نصُّها:
«القراءاتُ حُرّة
القراءاتُ حُرّة
ولكنْ بحقّ الأغاني البعيدةِ
أرجوكَ يا صاحبي
أن تُعيدَ قراءة أغنيتي مرتين
فأغنيتي نجمةٌ في مدى
ومدى في مجرّة».
هذه العتبةُ ذاتُ دلالةٍ تأكيدية للعلامات الإشارية في العنوان، إذ تأكّدَ عبر هذه العتبة النصية تعزيز للدلالة العددية في كلمة (مرتين) - المذكورة في عنوان الديوان - عبر تكرار عبارة (القراءات حُرة) مرتين، وعبر التصريح بكلمة (مرتين) في قوله: «أن تُعيدَ قراءة أغنيتي مرتين»، كما تؤكد مدلول كلمة (أغنية) - المذكورة في العنوان - إذ وردت ثلاث مرات في قوله: (الأغاني البعيدة) و(قراءة أغنيتي) و(أغنيتي نجمة)، كما عزّز الشاعرُ مدلول كلمة (النهر) - المذكورة في العنوان - عبر استعمال الألفاظ الدّالة على الطبيعة، وهي: نجمة، مدى، مجرّة، إذ هي عناصر طبيعية تشترك مع النهر بكونها عناصر تكوينية ذات أبعاد ديمومية.
شكّلت النصوص التي اقتبسها الشاعر من معجم «لسان العرب» دلالة رئيسة؛ لاعتماده عليها في تضمين دلالات محددة في صدارة اللوحات الشعرية الأربع، إذ صدّر الشاعر اقتباسين من لسان العرب قبل ابتداء اللوحة الشعرية الخاصة بفصل الصيف، وتكرّر هذا النمط الاقتباسي مع بقية اللوحات الشعرية الأخرى (لوحة الخريف، ولوحة الشتاء، ولوحة الربيع).
بذلك تكررت الاقتباسات من معجم لسان العرب (4) مرات في الديوان، وذلك في اللوحات الشعرية الأربع، وَتمحورت الاقتباسات حول كلمات هذه الفصول، أو بما يرتبط بها من عناصر طبيعية على النحو الآتي:
الاقتباس الأول ورد في مُستهلّ لوحة الصيف، واشتمل على مفردتين: «أصاف الرجلُ، فهو مُصِيفٌ: وُلِدَ له في الكبر، أراح: دخل في الريح» (عبد الباري 9). ففي «الأول (أصاف) كان الزمن قد خلص إلى أقصى النضج (وُلِدَ له في الكبر)، وفي الثانية (أراحَ) كان الزمن قد بلغ أقصى الحركة الذائبة في الأشياء» (غركان 30).
الاقتباس الثاني وَرَدَ في مستهل لوحة الخريف، وَتضمّن مفردتين: «الخريف في الأصل هو اسم مطر القيظ، ثم سمي الزمن به، الشجن الحاجة أينما كانت» (عبد الباري 27)، حملت المفردة الأولى دلالة الانتقال والتغير؛ حيث انتقلت دلالة كلمة الخريف من وصف أحد العناصر الطبيعية لفصل الصيف - وهو: مطر القيظ - لتكون دالّة على الفصل اللاحق له أي: فصل الخريف، وحملت المفردة الثانية دلالة التغير أيضا إذ الحاجات متغيّرة، إما بتركها حين تعذر الظفر بها، واستبدال حالة أخرى بها هي أهم وألزم منها، أو بتغير حال الحاجة وموقعها كأن تكون الحاجةُ رزقا أو أمرا يطلبه الإنسان في بلدان مختلفة كحال الشاعر الذي انتقلت حياته - خلال مدة نظم هذا الديوان - من العالم العربي إلى أقصى غرب العالم في الولايات المتحدة الأمريكية.
الاقتباس الثالث وَرَدَ في مستهلّ لوحة الشتاء، وَتضمّن مفردتين: «شتا القومُ يشتون: أجدبوا، الغربي من الشجر ما أصابته الشمس بحرّها عند أفولها» (عبد الباري 49)، وقد حملت المفردتان دلالة التغير أيضا، فالجدبُ تغيرٌ بيئي يعقُبُ حالة الربيع والازدهار، بذلك يمثل الجدبُ معنى التغير السلبي بدلالة الانتهاء والزوال، وكذلك كلمة الغربي، فإصابة الشمس بِحَرِّها على الأشجار عند الأفول مظنّة إجداب وإهلاك لهذا الشجر، فهي دلالة «متصلة بالإيحاء بمعاني: الجدب، والاحتراق، والأفول» (غركان 104)، وَبذلك ترتكز دلالة التغير في هذا الاقتباس على الدلالات السلبية للتغير والانتقال.
الاقتباس الرابع وَرَدَ في مُستهلّ لوحة الربيع، وَتضمّن مفردتين: «الربيع: الساقية الصغيرة تجري إلى النخل، رجَعَ عودُه على بدئه، تريد أنه لم يقطع ذهابَه حتى وصله برجوعه» (عبد الباري 73). وكلا المفردتين تحملان دلالة التجدد والتغير عبر جريان الساقية، والرجوع على البدء بعد حالتي الجدب والأفول المذكورين في الاقتباس الثالث، لتعود بذلك دورة الحياة في انبعاثها من جديد، وهي بهذه المعاني تحمل دلالة التغير الإيجابي.
مثّلت الاقتباسات من معجم لسان العرب عدة دلالات تمحورت حول توثيق وتمتين دلالة التجدد والتغيير، وهي إحدى الدلالات الرئيسة المتكونة من كلمة (النهر) في عنوان الديوان، كما اشتمل كل موضع على اقتباس دلالة مفردتين اثنتين، تمثلان ضفتي نهر، توثّقان الدلالة الرئيسة المتكونة من كلمة (مرتين) في عنوان الديوان، بذلك كله يشعر المتلقي أنه أمام نصّ تحكمه علاقات رئيسة من العلامات المحورية الممتدة من العنوان إلى كافة العناصر المُشَكّلة لبنية الديوان.
يُعرَف التشكيل البصري بأنه: «كل ما يمنحه النص للرؤية، سواء أكانت الرؤية على مستوى البصر (العين المجرّدة)، أم على مستوى البصيرة (عين الخيال)» (الصفراني 18)، وبذلك تشكّلت للقصيدة الشعرية الحديثة معمارية بنائية جديدة أسهم في تكوينها استعانة الشعراء بمعطيات الفنون الأخرى، مما منح التشكيل البصري قيمة فنية تتجاوز القيمة البصرية الظاهرة في النّسق الشكلي إلى دلالات ذات أبعاد رُؤَوِيّة ودلالية، إذ «لا يمكن للمتلقي أن يَسْتَكْنِهَ النصّ ويغور في داخله ما لم يتمثل كلية صورته الطباعية، ذلك أن جملة أنساقه غير اللغوية ليست بمعزل عن الدوال اللغوية» (بن حميد 99)، لذلك اتّسعت مهمة النقد الأدبي في «تجاوز حدود الناقد اللغوي ليفيد من المعطيات الطارئة على النص الشعري كالرسم والموسيقى؛ لأن النص الشعري أصبح مليئًا بإشارات لغوية وتشكيلية يمكن أن تؤسس مشروع قراءة معاصرة للإبداع الشعري الرُّؤَوي المعاصر في القصيدة التشكيلية» (التلاوي 263)، وعند معاينة العلامات الإشارية المتضمَّنة في التشكيل البصري للديوان أمكن جمعها في خمسة مظاهر تشكيلية رئيسة على النحو الآتي:
اعتمد الشاعر في التشكيل الكتابي للقصيدة على نسق الكتابة السطرية سواء في المقطوعات الشعرية التناظرية أم التفعيلية، مما وَسَمَ التشكيل البصري للنص الشعري في الديوان كلّه بِسِمَةٍ موحّدة، أحالتها أغنيةً واحدةً، فلا انتقال من نسق الكتابة البيتية في الشعر التناظري إلى الكتابة السطرية في الشعر التفعيلي، وإنما هي بنية إيقاعية ذات نسق كتابي موحد، حفظت الإطار الإيقاعي والشكلي لهذه القصيدة الديوان الأغنية.
احتلت منطقة منتصف السطر نقطة ارتكاز رئيسة، بدءًا بصفحة الغلاف، وانتهاء بالسطر الشعري الأخير، ففي صفحة الغلاف كُتِب اسم الشاعر في منتصف الجزء العلوي، تَبِعَهُ عنوان الديوان متوسّطًا منتصف الصفحة، تَبِعَها اسم الجهة الناشرة في منتصف الجزء السفلي، ويُلحظ أنه مع تعدد مواضع هذه العبارات الثلاث - أعلى الصفحة ومنتصفها وأسفلها - إلا أنها التزمت بِسِمَةِ التوسط، مما يجعلها علامة تشكيلية رئيسة للديوان، وكذلك التزم الشاعر بكتابة جميع الأسطر الشعرية للقصيدة مرتكزًا على سِمَةِ التوسط؛ لتمتد أطوال الأسطر الشعرية أفقيا باتساق واتّزان جهتي اليمين واليسار، دون اعتبار من الشاعر للشكل الكتابي للقصيدة التناظرية ذات الشطرين، مُتخلّيا عن نسق الكتابة البيتي لها، بذلك شكّل الارتكاز على توسيط السطر الشعري علامةً لبنية التشكيل البصري للديوان في الشكلين الشعريين التناظري والتفعيلي على حدٍّ سواء، علما بأنّ هذا النسق من الكتابة لم يسبق للشاعر اتباعه في دواوينه الشعرية المنشورة السابقة، مما أحالها علامة مائزة تُبرِز مستوى خصوصية التجربة الشعرية في هذا الديوان الذي قدّم الشاعرُ فيه تجربة شعرية جديدة عبّرت عن المكوّن الجديد في تجربة الشاعر الاجتماعية، الذي انتقل من محيط المجتمع العربي إلى محيط المجتمع الأمريكي مُمَثّلا بانتقاله للعيش في مدينة نيويورك.
يُقصد به: «التساوي السطري الوارد ضمن النص الشعري من غير أن تكون له وظيفة تكرارية» (الصفراني 177)، وقد تكرر هذا التشكيل البصري في مواضع كثيرة في القصيدة، منها قوله (عبد الباري):
«هو الراهن الآنَ
إذ لا مكانَ
وإذ لا زمانَ
وإذ لا أحدْ» (94).
فالتساوي السطري بين الأسطر الثاني والثالث والرابع وصل إلى درجة التطابق بينها في عدد الكلمات، وفي بنية تشكيل الجملة فيها، فالمتغير الوحيد في هذه الأسطر الثلاثة هو الكلمة الأخيرة، ولولا تغيرها لكانت تكرارا تطابقيا، وهذا النسق من التشكيل الكتابي يمنح الشاعر مجالا أرحب لتداعي المعاني واستقصائها تعبيرا عن معنى مطلق، تنتفي فيه الأبعاد الطبيعية في تكوين الوجود (المكان، الزمان، الإنسان)، وهذه السِّمَة وإن كانت بصرية ظاهرية إلا أنها تعزّز دلالة كلمة (أغنية) بوصفها إحدى العلامات الرئيسة في الديوان، لِمَا لهذه السّمَة البصرية من أبعاد دلالية تُسهِم في تحقيق التّداعي الحرّ للمعاني الذي يُعدّ أحد ركائز الغنائية.
حين تُكتَب الأسطر الشعرية في شكل كتابي يشبه شكل المثلث، «ويُعد المثلث من أكثر الشكول الهندسية شيوعا في الشعر العربي الحديث» (الصفراني 43)، وقد وظّف الشاعر شكل المثلث في نمطين اثنين، هما: المثلث، والمثلث المقلوب، حيث ابتدأت اللوحة الشعرية الأولى في الديوان بنمط المثلث ذي القاعدة السفلية، حين قال (عبد الباري):
«وحدي
هنا والآن
بابي المنتمي للصيف تُفتَح باسمه الأبوابُ» (11).
يوظّفُ الشاعر شكل المثلث في بناء النصّ؛ «ليسجّل للمتلقي حدّة نبرة الصوت التي يخاطبه بها تسجيلا بصريا» (الصفراني 45)، لتستقِلّ كلمة (وحدي) منفردة في السطر الأول بتركيز المتلقي في مُفتَتَح القصيدة الديوان، بوصفها الكلمة الأولى الواصفة لحال الشاعر، تبِعتْها في السطر الثاني كلِمَتَا (هنا والآن) ليتضح بهما عنصرا الزمان والمكان، تبعها السطر الثالث المُشكِّل لقاعدة المثلث المتكوّن من ستّ كلمات - أي ضعف عدد كلمات السطرين الأول والثاني -، ليمثّل شكل المثلث أبعادا دلالية يستنفذ الشاعرُ معطياتها في مستهلّ قصيدته، وليبرُز المثلث بوصفه العلامة الشكلية الأولى التي تواجه المتلقي في مفتتح هذه القصيدة المطوّلة.
تُعدّ هذه المقطوعة - أي المقطوعة الأولى في الديوان - وفق بنيتها الإيقاعية مقطوعة تناظرية، لكن الشاعر لم يلتزم بكتابتها وفق النظام البيتي المعهود، وإنما كتبها وفق نسق الكتابة السطرية التي منحته حرية أكبر في امتداد أطوال الأسطر الشعرية تبعًا للحالة الشعورية التي رغب الشاعر بالتعبير عنها، وقد أتاح له نمط الكتابة السطرية الاستعانة بأنساق شكلية متنوعة كالنّسق المثلث في المقطوعة الشعرية السابقة في مفتتح القصيدة، ليجيء صوت الشاعر وفق تدرج صوتي زمني تصاعدي، يزيد مع زيادة المتلقي في القراءة والانتقال من سطر لآخر، مستعيضا بهذا النسق الكتابي عن النسق المألوف المتوارث الذي يُحتّم الكتابة وفق الشكل البيتي المحدودة بدايته ونهايته في سطر واحد ثابت لا يتجاوزه.
وكما افتتح الشاعر قصيدته بشكل المثلث، فإنه قد اختتمها بالشكل المثلث أيضًا، لكنه خالف بينهما في تشكيل نمط المثلث، إذ اعتمد على المثلث المقلوب في مُخْتَتَم القصيدة بقوله (عبد الباري):
«ومن ضيق منفايَ في الراهن الآن
آتيك يا وطني
في الأبدْ» (95).
وظّف الشاعر شكل المثلث المقلوب في بناء القَفْلة الختامية ليجسّد للمتلقي دلالة الانتهاء وفق تدرج صوتي زمني تنازلي، يقل ويقصُر مع استمرار المتلقي في القراءة؛ تمهيدا للحظة الصمت والنهاية.
احتوى الديوان على عدد (12) مقطوعة شعرية، وقد قدّم الشاعرُ لوحةَ رسمٍ فنية قبل كل مقطوعة شعريةٍ، تعزيزًا لقيمة الصورة في الثقافة المعاصرة بوصفها علامة مؤثرة، حرص الشاعر على الاستفادة من معطياتها وأبعادها الدلالية في تقوية وتدعيم رؤيته الإبداعية الفنية، خاصة أن تلك اللوحات التشكيلية تنتمي إلى الثقافة الغربية إذ هي من رسْمِ الفنانة (تامتا أرفلادزي)، وبالتالي شكّل الديوانُ مرحلة فارقة في تجربة الشاعر، وذلك بتعاونه مع رسّامةٍ تقوم بتقديم رسومات فنية خاصة بالديوان، وبلغ مجموع عدد هذه الرسومات (12) لوحة رسم فنية.
تنتمي هذه الرسومات إلى مجال الرسم الرمزي، الذي يُعرَف بأنه: «الرسم الذي يرمز إلى النص برمزٍ بصري يعادل إبداعيا دلالته المحورية» (الصفراني 89)، واعتمدت العناصر المكونة للرسومات الفنية على عناصر الطبيعة الحَيّة والجامدة، تشكلت جميعها في أنماط وأنساق تشكيلية متباينة من حيث الاعتماد على تكبير بعض العناصر ذات الأهمية حسب رؤية الفنانة ومدى ارتباطها بالنص الشعري، مثل تكبير عنصر الشمس بوصفها علامة رمزية في اللوحة الأولى من لوحات فصل الصيف، حيث امتد قرص الشمس على مساحة كبيرة في منتصف اللوحة، مع بروز خطوط جانبية تمتد من قرص الشمس إلى خارجه بمختلف الاتجاهات دلالة على وهج الشمس وأشعتها ولهيبها وحرارتها، لذلك ارتبطت كثير من المفردات في المقطوعة الشعرية بهذه الدلالة، ومنها الكلمات: (يشعّ، اللّهّابُ، صحو، شمس، شعاع، شمسان، السماء، الظهيرة)، بذلك تجانست الدلالات والعناصر المكونة لأبعاد اللوحتين؛ الرسمة الفنية والمقطوعة الشعرية.
يُعد اللونان الأبيض والأسود هما الوحيدان اللذان اعتمدت عليهما جميع الرسومات الفنية، ويمكن بذلك اعتبارهما علامة لونية دالة على التباين والتقابل والتضاد، وهي سمة رئيسة امتدت من البنية اللونية إلى البنية اللغوية كما سيوضحها هذا البحث عند دراسة سيميائية بنية النص.
ونظرًا لكثرة عدد الرسومات الفنية في الديوان التي بلغ عددُها (12) لوحة رسم فنية، واختلاف عناصرها التكوينية مما يجعلها مادة ثرية للدراسة البينية المشتركة بين المتخصصين في أقسام الفنون وأقسام الأدب والنقد، بما يُثري مستويات التلقي للديوان لدى المتلقين، إضافة إلى إثراء مجال التداخل الأجناسي بين الشعر والرسم خاصة وأنها نتاج انسجام بين الشرق ممثّلا بالشاعر، والغرب ممثّلا بالفنانة التشكيلية (تامتا أرفلادزي Tamta Arveladze).
يُعد «النص من حيث هو علامات دالّة شفّافة تغيب أمام النظر، فيخترقها مباشرة إلى مدلوله أو مرجعه» (الزناد 42)، وعند معاينة بنية النص الشعري لديوان (أغنية لعبور النهر مرتين) بغية رصد واستظهار العلامات الإشارية البارزة أمكن تفنيدها إلى ثلاث علامات رئيسة هي: العلامة اللغوية، والعلامة العددية، والعلامة اللونية، وبيانها كما يأتي:
لقد ظهر عبر المبحث الأول عند دراسة التوازي النصي محورية عنوان الديوان، حين شكّلت مفرداته علامات رئيسة امتدت مدلولاتها إلى بنية النص الشعري، وبرزت العلامة اللغوية عبر ثلاث مفردات هي: أغنية، وَالنهر، ومرّتين، إذ اكتسبت كل كلمة منها مدلولات لغوية وأسلوبية تمثّلت عبر بنية نصّ الديوان كله، وبيانها كما يأتي:
شكّلت كلمة (أغنية) - إحدى مفردات عنوان الديوان - قيمة بارزة بوصفها علامة رئيسة، إذ أدّت دورًا وصفيًا لبنية إيقاع الديوان، مهّدت المتلقي - الذي اعتاد في دواوين الشاعر السابقة تكوّنها من قصائد متعددة - إلى تلقّيه قصيدة واحدة في هذا الديوان، إضافةً إلى دلالتها الوصفية على السّمة الإيقاعية لبنية الديوان وهي السّمة الغنائية، التي «تتطلّب تركيزًا إيقاعيًا عاليًا» (الرحاحلة 102)؛ لذلك اعتمد الشاعرُ - أمام طول القصيدة الممتدة على (95) صفحة - على تحقيق التركيز الإيقاعي عبر الاستعانة بالشكلين الشعريين التناظري والتفعيلي، وتقسيم القصيدة إلى أربع لوحات شعرية بعدد فصول السنة (الصيف، والخريف، والشتاء، والربيع)، ومُستعينا بالمراوحة بين وزن بحري الكامل (مُتَفَاعِلُن)، والمتقارب (فَعُولُنْ)، على النحو الآتي:
اللوحة الأولى: تكونت لوحة الصيف من ثلاث مقطوعات شعرية، الأولى والثالثة نُظِمَتَا وفق الشكل التناظري، بينما نُظِمَت المقطوعة الثانية وفق الشكل التفعيلي، وقد بُنيت جميعها على تفعيلة بحر الكامل (مُتَفَاعِلُن)، كما التزمت جميعها بتفعيلة ضرب موحدة مقطوعة (متفاعلْ)، والتزمت جميعها بتقفية موحدة، هي: حرف الباء المضمومة، المردوفة بالألف، الموصولة بالياء.
اللوحة الثانية: تكونت لوحة الخريف من ثلاث مقطوعات شعرية، الأولى والثالثة منظومتان وفق الشكل التناظري، بينما نُظِمَت المقطوعة الثانية وفق الشكل التفعيلي، وقد بُنيت جميعها على تفعيلة بحر المتقارب (فَعُولُنْ)، وقد التزمت المقطوعتان التناظريتان بتفعيلة الضرب المحذوفة (فَعُو)، أما المقطوعة التفعيلية فقد التزمت بتفعيلة الضرب المقصورة (فَعُولْ)، أما التقفية فقد التزمت المقطوعة التناظرية الأولى بالراء المكسورة رويًا، والتزمت المقطوعة التناظرية الأخرى برويّ القاف المكسورة الموصولة بالياء، بينما تنوع رويّ المقطوعة التفعيلية.
اللوحة الثالثة: تكونت لوحة الشتاء من ثلاث مقطوعات شعرية، الأولى والثالثة منظومتان وفق الشكل التناظري، بينما نُظِمَت المقطوعة الثانية وفق الشكل التفعيلي، وقد بُنيت جميعها على تفعيلة بحر الكامل (مُتَفَاعِلُن)، وقد التزمت المقطوعتان التناظريتان بتفعيلة الضرب المقطوعة (مُتَفَاعِلْ)، أمّا المقطوعة التفعيلية فقد راوحت بين ضربين، هما: الضرب المقطوع، والضرب المذيّل (مُتَفَاعِلانْ)، أما التقفية فقد التزمت المقطوعتان التناظريتان برويّ الهمزة المضمومة، المردوفة بالألف، الموصولة بالواو، أما المقطوعة التفعيلية فقد راوحت بين قافيتين، الأولى: تتبع لروي المقطوعتين التناظريتين، والأخرى: نون ساكنة مردوفة بالألف.
اللوحة الرابعة: تكونت لوحة الربيع من ثلاث مقطوعات شعرية، الأولى والثالثة منظومتان وفق الشكل التناظري، بينما نُظِمت المقطوعة الثانية وفق الشكل التفعيلي، وقد بُنيت جميعها على تفعيلة بحر المتقارب (فَعُولُنْ)، وقد التزمت جميعها بتفعيلة الضرب المحذوفة (فَعُو)، أما التقفية فقد التزمت المقطوعة التناظرية الأولى برويّ الدال المفتوحة الموصولة بالألف، بينما نوعت المقطوعة التناظرية الأخرى حروف الروي حيث استقل كل (12) بيتًا شعريًا - يمثّل هذا الرقمُ عدد شهور السنة - بحرف روي مستقل، وهي مرتبة: الراء الساكنة، ثم اللام الساكنة، ثم الدال الساكنة، أما المقطوعة التفعيلية فلم تلتزم بروي واحدٍ ملتَزَم.
استطاع الشاعرُ محمد عبد الباري عبر المراوحة بين الشكلين الشعريين التناظري والتفعيلي ابتداع نسقٍ بنائي إيقاعي يعبّر عن خصوصية تجربته، أسهم في تعزيز المستوى الغنائي للقصيدة، إضافة إلى الدور المركزي الذي أدّته التقفية في الديوان عبر شيوع القوافي المطلقة بما نسبته (82%)، إذ تُسهِمُ القوافي المطلقة في تحقيق غنائية الشعر (حماسة 137) عبر امتداد الصوت وإطالته عند النطق بحرف الرويّ الموصول غالبا بحرفٍ من جنس الحركة.
تشير كلمة النهر إلى ضفتين اثنتين وإلى الماء الجاري المُتدفّق بينهما، إذ سعى الشاعر إلى مقاربة هذا التشكيل النهري في بناء قصيدته عبر اعتماده على إيراد مقطوعتين تناظريتين تمثلان ضفتي النهر بينهما مقطوعة تفعيلية تمثل الماء الجاري بين الضفتين، وقد كرّر الشاعرُ هذا النمط البنائي أربع مرات في لوحة الصيف، ثم الخريف، ثم الشتاء، ثم الربيع، وهذا التشكيل الإيقاعي وفق هذه المعمارية لم يرِد بصورة عفوية إذ دلّ تكرُّرُها في اللوحات الشعرية الأربع على استقصادِ الشاعر لها تمثيلا لغويا وإيقاعيا لدلالة النهر بوصفه علامة سيميائية محورية للديوان.
اتضح عبر دراسةِ سيميائية العنوان في المبحث الأول محورية دلالة كلمة (مرتين) بوصفها علامة دالّة رئيسة، تتأكد محوريتها عند تأمل بنية النص الشعري وملاحظة مقدار شيوع الثنائيات فيه، وأقصد هنا الثنائيات المتّحدة، والثنائيات المتنافرة، وبيانهما كما يأتي:
· الثنائيات المتّحدة: هي: التي تتألف من الجمع بين كلمتين ذات دلالة واحدة، كالتكرار، الذي ظهر عبر نسقين، هما: تكرار الكلمة الواحدة، وتكرار التركيب، على النحو الآتي:
أ. تكرار الكلمة الواحدة: شاع في الديوان تكرار بعض الكلمات مرتين في سطر واحد أو في سطرين متتابعين، كقوله (عبد الباري):
«لي حكمتي
أنّ المياه بعيدةٌ
أنّ القريب من المياه سرابُ
لي في يدي وطنٌ
وأعرفُ أنه وطنٌ وبالمنفى البعيدِ مُصابُ» (15).
فتكرّرت كلمتي (المياه) و(وطن) مرتين في أسطر متعاقبة، ومثال تكرار الكلمة الواحدة مرتين في سطر واحد قوله (عبد الباري):
«أذُوقُ أذُوقُ
البياضَ الذي يتناقضُ في المِلْحِ والسُّكَّرِ
أشُمُّ أشُمُّ
احتراقَ المسافةِ في عابرٍ شاخَ في معبَرٍ
وأسمعُ أسمعُ
حتّى دوِيّ ملامسة الريش للمرمرِ» (31).
إذ كرّر الشاعرُ الأفعال (أذُوقُ، أشُمُّ، أسْمعُ) مرتين، وكل تكرار استقلّ بسطرٍ واحدٍ، وهذا التكرار سواءٌ ما ورد في سطر واحد أم في سطرين متتاليين يُعدّ أحد المظاهر اللغوية لتشكيل مدلول علامة (مرتين) الرئيسة الواردة في عنوان الديوان.
ب. تكرار التركيب: استعان الشاعرُ بأسلوب تكرار التركيب لما يُتيحه هذا الأسلوبُ من استقصاء للمعاني والأفكار استجابةً للتداعي الحرّ ولحظات التدفق الشعوري، منها قوله (عبد الباري):
«ومُنتصفُ الليلِ يطرُقُ بابَ المدينةْ
نُجومٌ تُشارِفُ نِصْفَ المدارِ
رياحٌ تُشارِفُ نِصْفَ المهبِّ» (37).
فالسطران الثاني والثالث تكوّنا من جملتين ذات بناء تركيبي مُوحّد، معتمدٍ على الجملة الاسمية المتكوّن خبرُها من جملة فعلية (فعل + مفعول به + مضاف إليه)، وهذا التطابق قد تجاوز مستوى التطابق اللغوي التركيبي إلى مستوى التماثل الإيقاعي، مع أنها وردت في مقطوعة تفعيلية - ومن شأن الشكل التفعيلي الاعتماد كثيرا على تفاوت عدد التفعيلات بين الأسطر - إلاّ أنّ بين السطرين تطابقًا إيقاعيًا، على النحو الآتي:
«فَعُولُنْ فَعُولُ فَعُولُنْ فَعُولُ
فَعُولُنْ فَعُولُ فَعُولُنْ فَعُولُ»
مما يعزّز بروز الثنائيات المتحدة بوصفها مدلولا لغويا وإيقاعيا مباشرا للعلامة الرئيسة (مرتين) التي تمثّل أحد الأنساق اللغوية المُعينة على تحقيق مستوى الغنائية عبر سمة التداعي الحرّ بما يتيحه تكرار التراكيب من جريان وامتداد للمعاني والأفكار.
· الثنائيات المتنافرة: هي التي «تتكون مِن الجمع بين وحدتين بدلالات معاكسة» (طامين وهوبر 44)،، مثل: الجناس، التضاد، وبيانهما على النحو الآتي:
أ. الجِناس: وهو أحد السّمات الأسلوبية الشائعة في الديوان، كقوله (عبد الباري):
«في مُعْتِمٍ
في صَامِتٍ
مِن عالمي الشّبَحيِّ
يصحو الضّوءُ والضّوضاءُ» (54).
إذ بين (الضّوء) و(الضّوضاء) تماثل صوتي مع اختلافٍ دلالي بينهما، وهو من الجناس غير التام، ويؤدي الجناس عبر التناغم الصوتي بين المفردتين وظيفة إيقاعية صوتية مهمة في تعزيز غنائية النصّ.
ب. التّضاد: يمثّله الطّباق، وهو أحد الأنساق الأسلوبية التي شاعت في الديوان، منها قوله (عبد الباري):
«مَوتَى
وإذ يستأجِرون قبورَهُم يشكُون من فرطِ الغلاءِ
مُراهِنونَ
وفي سلالِمَ من رمالٍ يرفعونَ إلى الأمامِ
ويرجعونَ
فقد تفشّى في الأمامِ وراءُ» (60).
ورَدَ هذا الشاهدُ الشعريُّ في سياق تعبير الشاعر ووصفِه للحضارة الغربية مُمَثّلةً بمدينة نيويورك، حيث تكرّرت جملة (أنا في المدينة) في المقطوعة الشعرية بوصفها بادئةً تتيحُ له مجالا رحبا في وصف أحوال المدينة وتناقضاتها، هادفًا لبيان مقدار المفارقة وحجم التباين بين طرفي حضارتها المادية والأخلاقية، عبر أسلوب التراكم الدلالي للتضادات تحقيقًا للمفارقة السياقية، بذلك شكّلت جملة (متقدمون إلى الأمامِ ويرجعون) صورة التضاد الذي أبانَ عن اختلال الموازين الحضارية لديهم.
برزت هذه العلامة بأوضح مظاهرها عبر تقسيم الديوان إلى أربع لوحات رئيسة مثّلت عدد فصول السنة، تكونت كل لوحة من ثلاثة مقاطع شعرية متوازية في هذا النمط التعدادي، مع تكوّن الفصل الواحد من ثلاثة أشهر، بذلك كله يكون مجموع عدد المقاطع الشعرية (12) مقطعا شعريًا، تمثّل عدد أشهر السنة الواحدة، وهي المدة الزمنية التي تمثل مدة نظم الشاعر لهذه القصيدة الديوان.
عمَدَ الشاعرُ إلى ترقيم كافة المقطوعات الشعرية وفق ترقيم متسلسل ابتداء بالرقم (1) للمقطوعة الشعرية الأولى، وانتهاء بالرقم (12) للمقطوعة الشعرية الأخيرة في الديوان، «ولعل ظاهرة ترقيم المقطوعات الشعرية من أبرز الأمثلة على كيفية استغلال طرائق الكتابة الشعرية كوسائل للتعبير الفني» (لوتمان 107). فالترقيم يُشكل محورًا ارتكازيًا مهمًا في التشكيل البنائي للنص، تعبيرا عن رؤية الشاعر، ويؤدي وظيفة دلالية تشيرُ إلى تسلسل هذه المقطوعات، واتصالها، وترابطها وفق منهجية ترتيبِيّة قصَدَها الشاعر، ولأن: «تنظيم الشكل الكتابي للشعر يُعتبر من أهم خواص النص الشعري، ذلك أن تنظيم الكتابة الشعرية يتيح إمكانية رصد عدد من قوانين العلاقة بين البنية الشعرية والبنية اللغوية العامة» (لوتمان 106)، فقد أمكن عبر استقراء بنية النص الشعري للديوان إدراك مقدار مركزية الرقم (2)، إذ حظِيَ بالقيمة الكبرى به أبرز الأرقام حضورًا في الديوان، وقد ظهر عبر عدة أنساق صريحة ومضمرة، هي كما يأتي: أولا: مَثّل الرقم (2) ارتباطا وثيق الصلة بكلمة (النهر) الواردة في عنوان الديوان، إذ يتماثل الرقم ويتطابق مع ضفتي النهر الاثنتين. ثانيا: بروز الرقم صراحة عبر كلمة (مرتين) الواردة في عنوان الديوان، وهي دلالة صريحة ومباشرة. ثالثا: مثّلت الاقتباسات من معجم لسان العرب في مواضع متعددة من الديوان بوصفها سمة تشكيلية ورُؤَويّة بارزة، وكل اقتباس فيها تضمن معنى لمفردتين اثنتين. رابعا: تشكلت الرسومات الفنية الاثنتا عشرة جميعها من لونين اثنين فقط، هما الأبيض والأسود. خامسا: تشكلت أبرز سمات الإيقاع الداخلي في البنية الإيقاعية للديوان من الثنائيات بنسقيها المتحدة والمتنافرة على النحو الذي سبق بيانه. سادسا: شاعت الكلمات المُثنّاة الدالة على العدد رقم (2) داخل القصيدة، مثل: (مرتين، مدينتان، سماءان، شمسان، عُشبان،...). سابعا: شاع في الديوان تكرار بعض الكلمات مرتين على النحو الذي سبق بيانه في الثنائيات المتحدة.
شكّلت العلامة اللونيةُ حضورًا كثيفا في بنية القصيدة، إذ وردت الكلمات الدالة على الألوان (60) مرة، وهو عددٌ كبيرٌ بالنسبة لورودها في قصيدة واحدة حتى لو كانت مطولة، مما يؤكد أهمية حضور العلامة اللونية في القصيدة، وأهمية تبيّن مدلولاتها.
وردت الألوان الرئيسةُ الستة وفق تكرارات متباينة قلّةً وكثرةً، وقد وردت على النحو الآتي: الأبيض (19) مرة، الأصفر (11) مرة، الأحمر (8) مرات، الأسود (6) مرات، الأخضر (4) مرات، الأزرق (4) مرات، إضافة إلى لونين فرعيين هما: الفضّي والرمادي، إذ ورد كلٌّ منهما مرة واحدة، إضافة إلى تكرار الكلمات الدالة على التعدد اللوني مرتين هما (قوس قزح، المُلوّن)، وتكررت كلمة اللون في مواضع أخرى مرتبطة بدرجة اللون مرتين مثل غامق، ووردت كلمة اللون مضافة إلى الوطن مرة ومضافة إلى المنفى مرة أخرى.
تنوّعت دلالات الألوان باعتبار إيجابية الدلالة وسلبيتها، وكانت الغلبة للدلالة السلبية بما نسبته (67%)، بينما نالت الدلالة الإيجابية ما نسبته (33%)، مما يشير إلى مدلول محوري سلبي في رؤية الشاعر الذي اتخذ من الألوان رموزًا كثيفة الدلالة في تشكيل المعنى، وأكثر الفصول الأربعة احتواء للدلالة اللونية السلبية هو فصل الشتاء، تلاه فصل الخريف، ثم الربيع، ثم الصيف، وتصدّر فصل الشتاء للدلالة اللونية السلبية يقارب واقع الطقس الشتائي في مدينة نيويورك ذي البرودة القارسة، والغزيرة بالمطر، وامتداد ساعات الليل، وعتمة النهار بكثرة الغيوم.
وأكثر الفصول الأربعة احتواء للكلمات اللونية هما فصلا الشتاء والربيع، إذ تضمن كلٌّ منهما ما نسبته (30%) من الكلمات اللونية، أي بما مجموعه (60%)، واحتل فصل الخريف المرتبة التالية لتضمنه ما نسبته (28%) من الكلمات اللونية، وجاء فصل الصيف بوصفِهِ أقل الفصول في احتواء الكلمات اللونية بما نسبته (12%)؛ إذ هو فصل اشتداد الحرارة، وجدب الأرض، مما تغيبُ معه مظاهر الألوان المتعددة.
وتُلحظ عبر متابعة نسق ظهور العلامة اللونية في الديوان أنها تأخذُ في الازدياد لوحةً بعد لوحة، في اتجاه تصاعدي، بدءًا باللوحة الأولى الصيفية، ثم الخريفية، ثم الشتائية والربيعية، بذلك تكتسب العلامة اللونية قيمة في خضمّ تشكيل التجربة الشعرية التي امتدت سنةً كاملة بالشاعر، مما يدل على قوة تجذّرها في وجدانه، وقدرتها على تحقيق الأثر والدلالات المباشرة وغير المباشرة التي سعى الشاعرُ للإشارة إليها.
وتأطيرًا لمجال دراسة العلامة اللونية ذات الشواهد الشعرية الغزيرة سأعرض لدراستها عبر عرض شواهد شعرية للألوان باعتبار إيجابية الدلالة وسلبيتها إلى ثلاثة مستويات على النحو الآتي:
1- الألوان الإيجابية الدلالة:
يمثّلها اللون الأخضر الذي «يُشيرُ إلى الفتوة والهدوء والسّلام والانتعاش والشباب» (عبد الغني 27)، وقد ورد اللون الأخضر في سياق الدلالات الإيجابية بنسبة (75%)، كقوله في لوحة الصيف (عبد الباري):
«عُشبانِ لي:
عشبٌ بريءٌ حين تلبسُ ثوبَ أخضرِها الجديدِ هضابُ» (13).
فاللون الأخضر الذي «يوحي بالخير والنعيم» (عبد الغني 28) يحلّ على العشب رداءً تتزين به الهضاب، وهي دلالة إيجابية ترتبط بالحياة والنماء.
وقوله في لوحة الربيع (عبد الباري):
«وخُذني إلى أخضرٍ في بلادي
هنا حُسِمَ الأمرُ» (87).
إذ يكتسب اللون الأخضر دلالة إيجابية لاقترانه بدلالة الوطن في كلمة (بلادي)، ليمثّل الأخضرُ لون الحياة مقابلًا بها ألوانًا قاتمة صورت مدنيةً مزيّفة في الغرب عبر مدينة نيويورك.
2- الألوان السلبية الدلالة:
مثّلها اللون الأسود الذي «يرمز إلى الحزن، والخوف، والقلق، والرفض، والاكتئاب، والشيخوخة، والغيظة، والتعاسة، والتعصّب» (عبد الغني 27)، وقد ورد اللون الأسود في سياق الدلالات السلبية بنسبة (83%)، كقوله في لوحة الشتاء (عبد الباري):
«وتسقُطُ الأصداءُ
فوقي،
وتُخفي نفسَها عن نفسِها تحت الليالي وردةٌ سوداءُ» (52).
فاستحضر الشاعرُ اللونَ الأسودِ في وصف وردةٍ تحاول إخفاء نفسها عن نفسها وسط ظلام الليل، في صورة سوداوية مُعتمة باللون الأسود وبظلمة الليل في سياق سلبي الدلالة باجتماع الكلمات (تسقط، تُخفي، الليالي، وردة سوداء).
وقوله في لوحة الربيع (عبد الباري):
«إلى حفلةٍ من تآخي (البلوزِ) مع (الجازِ)
في نصفِ فوضى
سيرتجِلُ العازفُ الأسْودُ اللحنَ
حتى تعودَ الحدودُ الوراءَ إلى عالَمٍ دون حد
سيرفعُ حُمّى الموسيقى
إلى أن تطابق حُمّى العذاباتِ
في جدِّهِ الأسْوَدِ المُضطهدْ» (85).
إذ اكتسب اللونُ الأسودُ أبعادا سلبيةً في الرؤيتين الاجتماعية والتاريخية، تبدّت الرؤية الاجتماعية عبر الإشارة إلى التمييز العنصري العرقي تبعًا لألوان أفراد المجتمع، وفيها يحتل الفرد الأسودُ منطقة دونية، وتبدّت الرؤية التاريخية عبر الإشارة إلى حقيقة الحضارة الغربية - الأمريكية تحديدًا - التي بُنِيت عبر استعباد واضطهاد الرجال السُّودِ من بلدانهم الإفريقية، ليشكل الشاعر من اللون الأسود علامةً إشاريةً دالةً على مقدار التناقضات في بيئة الغرب وثقافته وتاريخه وواقعه اليوم.
3- تحوير الألوان إيجابية الدلالة إلى السلبية:
يمثلها اللون الأبيض الإيجابي الدلالة عادة؛ إذْ هو لون «يرمز إلى النقاء، والفراغ، والهدوء، والشجاعة، والهيبة، والسلام، والأمن» (عبد الغني 27)، ومع كل هذه الدلالات الإيجابية للون الأبيض إلاّ أنّ الشاعر حوّره ليكون ذا دلالة سلبية حسب رؤيته وتجربته الشعورية، لذلك ورد اللون الأبيض في سياق الدلالات السلبية بنسبة (63%)، كقوله في لوحة الخريف (عبد الباري):
«أذوقُ أذوقُ
البياضَ الذي يتناقضُ في الملح والسّكّرِ» (31).
فاللون الأبيض المعهود بدلالة الوضوح والنقاء يُبصِرُ فيه الشاعرُ - حسب رؤيته - دلالة التباين والتناقض بين طعمين متناقضين - الملوحة والحلاوة- في سياق وصف نيويورك المكان الجديد - الضفة الأخرى من النهر -، وهو بلا شك يرصد ملامح التناقض البائنة بين ما تدّعيه من حضارة وما تعيشه من تخلف اجتماعي وأخلاقي، حسب رؤيته.
وقوله (عبد الباري) في وصف (ميدان كولمبوس) بنيويورك:
«(كولمبوسْ سيركلْ)
احتفاءٌ من الرجلِ الأبيضِ المستفزِّ
بتاريخهِ في الجريمةْ» (38).
إذ ينتقل الشاعر عبر المكان - ميدان كولمبوس - المزدحم بالسيارات والمُحاط بالمباني الشاهقة إلى التاريخ المرتبط بشخصية كولمبوس بوصفِهِ رمز استكشاف القارة الأمريكية، وما تبع هذا الحدث من تشييدٍ للدولة الأمريكية الحديثة على أنقاضِ جرائم استئصال للسكان الأصليين - الهنود الحُمْر - وما لحقها من استعبادٍ للأفارقةِ السُّودِ، ليستغلّ الشاعرُ الإمكانات الدلالية التي يفيضُ بها اللون الأبيض في تحقيق مفارقةٍ سياقية سلبية الدلالة.
سعى البحث إلى استجلاء العلامات والدلالات الإشارية التي احتوتها أحدث التجارب الشعرية للشاعر محمد عبد الباري في ديوانه (أغنية لعبور النهر مرتين) عبر دراسة سيميائية التوازي النصّي، وسيميائية بنية النص الشعري، وانتهى البحث إلى نتائج منها:
– ظهر عبر دراسة التوازي النصي محورية عنوان الديوان، حين شكّلت مفرداته علامات رئيسة امتدت مدلولاتها إلى بنية النص الشعري، هي: العلامة الإيقاعية المتمثّلة في كلمة (أغنية)، والعلامة الموضوعية المتمثّلة في كلمة (النهر)، التي مثّلت تكثيف مستوى حضور الطبيعة وتجذّرها، وَالعلامة العددية المُتمثّلة في كلمة (مرتين) التي تتضمن معنى التثنية والتكرار، وهي سمة أسلوبية تمظهرت عبر الثنائيات المتحدة والمتنافرة.
– استوفى عنوانُ الديوان الوظائف الأربع للعنوان، وهي: الوظيفة التعيينية، والوصفية، والدلالية، والإغرائية.
– مثّلت الاقتباسات من معجم لسان العرب عدة دلالات تمحورت حول توثيق وتمتين دلالة التجدد والتغيير، وهي إحدى الدلالات الرئيسة المتكونة من كلمة (النهر) في عنوان الديوان.
– حظيت سيميائية التشكيل البصري بتأثير بارز على مستوى الديوان عبر استعانة الشاعر بعدد من الأنساق المتنوعة، منها: النسق السطري، وتوسيط السطر الشعري، والتطابق السطري، والتشكيل المثلث، والرسومات الفنية.
– برزت العلامة اللغوية عبر التكثيف الدلالي المتمظهر في عنوان الديوان، إذ سعى الشاعر إلى تمتين شبكة العلامات بين العنوان وبنية النص الشعري، عبر المراوحة بين تفعيلتي (مُتَفَاعِلُن، فَعُولُنْ)، وعبر المراوحة بين الشكلين التناظري والتفعيلي، بما أسهم في تعزيز المستوى الغنائي للقصيدة، إضافة إلى الدور الإيقاعي المركزي الذي أدّته التقفية عبر شيوع القوافي المطلقة بما نسبته (82%).
– برزت العلامة العددية بأوضح مظاهرها عبر تقسيم الديوان إلى أربع لوحات رئيسة مثّلت عدد فصول السنة، تكونت كل لوحة من ثلاثة مقاطع شعرية متوازية في هذا النمط التعدادي؛ ليتواءم هذا التّقسيم العددي للوحة الشعرية مع تكوّن الفصل الواحد - من فصول السنة الأربعة - من ثلاثة أشهر، بذلك كله يكون مجموع عدد المقاطع الشعرية (12) مقطعا شعريًا، تمثّل عدد أشهر السنة الواحدة، وهي توازي المدة الزمنية التي نظم فيها الشاعر هذه القصيدة الديوان.
– شكّلت العلامة اللونيةُ حضورًا كثيفا في بنية القصيدة، إذ وردت الكلمات الدالة على الألوان (60) مرة، وتشكّلت العلامة اللونية عبر ثلاثة أنساق، هي: الألوان الإيجابية الدلالة، والألوان السلبية الدلالة، وتحوير الألوان الإيجابية الدلالة إلى السلبية، كما أبان البحث عبر دراسة العلامة اللونية مقدار غلبة وشيوع العلامة اللونية ذات الدلالة السلبية إذ بلغت ما نسبته (67%)، وهو مدلول محوري سلبي عبّر عن رؤية الشاعر الذي اتّخذ من الألوان رموزًا كثيفة الدلالة في تشكيل رؤيته.
– يوصي البحث بإنشاء دراسة مختصة بالرسومات الفنية التي احتواها الديوان، البالغ عددها (12) لوحة رسم فنية، نظرًا لاختلاف عناصرها التكوينية مما يجعلها مادة ثرية للدراسة البينية المشتركة بين المتخصصين في أقسام الفنون وأقسام الأدب والنقد، بما يُثري مستويات التلقي للديوان لدى المتلقين، إضافة إلى إثراء مجال التداخل الأجناسي بين الشعر والرسم، خاصة وأنها نتاج انسجام بين الشرق ممثّلا بالشاعر، والغرب ممثّلا بالفنانة التشكيلية تامتا أرفلادزي (Tamta Arveladze).
أولًا: العربية
الأحمر، فيصل. معجم السيميائيات. ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2010.
بلال، عبد الرزاق. مدخل إلى عتبات النص: دراسة في مقدمات النقد العربي القديم. أفريقيا الشرق، المغرب، 2000.
بلعابد، عبد الحق. عتبات جيرار جينت من النص إلى المناص. ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2008.
بلعيد، خليل صلاح الدين. «انسجام القصيدة العربية المعاصرة قصيدة الجسر لمحمود درويش». مجلة علوم العربية وآدابها، جامعة الشهيد حمة لخضر بالوادي بالجزائر، مج13، ع2، سبتمبر 2021، ص45-65،
بن حميد، رضا. «الخطاب الشعري الحديث من اللغوي إلى التشكل البصري». مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، مج15، ع2، صيف 1996، ص95-107.
ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم. لسان العرب. دار المعارف، القاهرة، 1990.
التلاوي، محمد نجيب. القصيدة التشكيلية في الشعر العربي. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2006.
الحجمري، عبد الفتاح. عتبات النص: البنية والدلالة. ط1، منشورات الرابطة، الدار البيضاء، 1996.
حماسة، محمد. الجملة في الشعر العربي. ط1، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1990.
ديورانت، ول وايريل. قصة الحضارة. ترجمة: محمد بدران. دار الجيل للطبع والنشر، بيروت، 1988.
الرحاحلة، أحمد زهير. القصيدة الطويلة في الشعر العربي المعاصر. ط1، دار الحامد للنشر والتوزيع، عمّان، 2012.
الزناد، الأزهر. نسيج النص: بحث في ما به يكون الملفوظ نصًا. ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1993.
الصفراني، محمد. التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث. ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2008.
طامين، جويل جارد؛ وهوبر، ماري كلود. قاموس النقد الأدبي. ترجمة محمد بكاي. ط1، دار الرافدين للنشر والتوزيع، بيروت، 2021.
عبد الباري، محمد. أغنية لعبور النهر مرتين. ط1، دار صوفيا، الكويت، 2022.
عبد الغني، خالد محمد. سيكولوجية الألوان. ط1، الوراق للنشر والتوزيع، عمّان، 2015.
غركان، رحمن. قصيدة السرد: فصول الماكث الشعري في الزمكان ولوحاته. ط1، دار تموز، دمشق، 2023.
قاسم، سيزا؛ وأبو زيد، نصر حامد. أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة. ط1، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، 2014.
كار، خالد؛ وبوزيدي، رضا. سيميائية العتبات النصية في ديوان مرثية النار الأولى لمحمد عبد الباري. [أطروحة ماجستير]. كلية الآداب واللغات، جامعة الشهيد حمة لخضر بالوادي، الجزائر، 2019.
لوتمان، يوري. تحليل النص الشعري: بنية القصيدة. ترجمة محمد فتوح. دار المعارف، القاهرة، 1995.
مجمع اللغة العربية. المعجم الوسيط. ط4، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2008.
مفتاح، محمد. دينامية النص: تنظير وإنجاز. ط2، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1990.
ثانيًا: الأجنبية
References:
ʻAbd al-Bārī, Muḥammad. Ughniyah li-ʻUbūr al-Nahr Marratayn (in Arabic). 1st ed., Dār Ṣūfiyā, al-Kuwayt, 2022.
ʻAbd al-Ghanī, Khālid Muḥammad. Sīkūlūjīyat al-Alwān (in Arabic). 1st ed., al-Warrāq lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, ʻAmmān, 2015.
al-Aḥmar, Fayṣal. Muʻjam al-Sīmīyāʼīyāt (in Arabic). 1st ed., al-Dār al-ʻArabīyah lil-ʻUlūm Nāshirūn, Bayrūt, 2010.
al-Ḥijmarī, ʻAbd al-Fattāḥ. ʻAtabāt al-Naṣṣ: al-Binyah wa-al-Dalālah (in Arabic). 1st ed., Munshaʼāt al-Rābiṭah, al-Dār al-Bayḍāʼ, 1996.
al-Raḥāḥilah, Aḥmad Zuhayr. al-Qaṣīdah al-Ṭawīlah fī al-Shiʻr al-ʻArabī al-Muʻāṣir (in Arabic). 1st ed., Dār al-Ḥāmid lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, ʻAmmān, 2012.
al-Ṣufrānī, Muḥammad. al-Tashkīl al-Baṣarī fī al-Shiʻr al-ʻArabī al-Ḥadīth (in Arabic). 1st ed., al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, Bayrūt, 2008.
al-Talāwī, Muḥammad Najīb. al-Qaṣīdah al-Tashkīlīyah fī al-Shiʻr al-ʻArabī (in Arabic). al-Hayʼah al-Miṣrīyah al-ʻĀmmah lil-Kitāb, al-Qāhirah, 2006.
al-Zanād, al-Azhar. Nasīj al-Naṣṣ: Baḥth fī Mā Bihī Yakūn al-Malfūẓ Naṣṣan (in Arabic). 1st ed., al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, Bayrūt, 1993.
Balʻābid, ʻAbd al-Ḥaqq. ʻAtabāt Jīrār Jīnīt min al-Naṣṣ ilá al-Munāṣṣ (in Arabic). 1st ed., al-Dār al-ʻArabīyah lil-ʻUlūm Nāshirūn, Bayrūt, 2008.
Balʻīd, Khalīl Ṣalāḥ al-Dīn. "Insijām al-Qaṣīdah al-ʻArabīyah al-Muʻāṣirah Qaṣīdat al-Jisr li-Maḥmūd Darwīsh" (in Arabic). Majallat ʻUlūm al-ʻArabīyah wa-Ādābihā, Jāmiʻat al-Shahīd Ḥamma Lakhdar bi-al-Wādī bi-al-Jazāʼir, Majallat 13, ʻAdad 2, Sibtimbar 2021, ṣaḥīfah 45-65.
Bilāl, ʻAbd al-Razzāq. Madkhal ilá ʻAtabāt al-Naṣṣ: Dirāsah fī Muqaddimāt al-Naqd al-ʻArabī al-Qadīm (in Arabic). Afrīqīyā al-Sharq, al-Maghrib, 2000.
Dīūrānt, Wāl wa-Iyrīl. Qiṣṣat al-Ḥaḍārah (in Arabic). Tarjamah: Muḥammad Badrān. Dār al-Jīl lil-Ṭabʻ wa-al-Nashr, Bayrūt, 1988.
Ghirkān, Raḥmān. Qaṣīdat al-Sard: Fuṣūl al-Mākith al-Shiʻrī fī al-Zamkān wa-Lawḥātuh (in Arabic). 1st ed., Dār Tamūz, Dimashq, 2023.
Ḥamāsah, Muḥammad. al-Jumlah fī al-Shiʻr al-ʻArabī (in Arabic). 1st ed., Maktabat al-Khānjī, al-Qāhirah, 1990.
Ibn Ḥumayd, Riḍā. "al-Khiṭāb al-Shiʻrī al-Ḥadīth min al-Lughawī ilá al-Tashakkul al-Baṣarī" (in Arabic). Majallat Fuṣūl, al-Hayʼah al-Miṣrīyah al-ʻĀmmah lil-Kitāb bi-al-Qāhirah, Majallat 15, ʻAdad 2, Ṣayf 1996, ṣaḥīfah 95-107.
Ibn Manẓūr, Jamāl al-Dīn Muḥammad ibn Mukarram. Lisān al-ʻArab (in Arabic). Dār al-Maʻārif, al-Qāhirah, 1990.
Kār, Khālid; wa-Būzīdī, Riḍā. Sīmīyāʼīyat al-ʻAtabāt al-Naṣṣīyah fī Dīwān Marthīyat al-Nār al-Ūlá li-Muḥammad ʻAbd al-Bārī (in Arabic). [Aṭrūḥah Mājistīr]. Kullīyat al-Ādāb wa-al-Lughāt, Jāmiʻat al-Shahīd Ḥamma Lakhdar bi-al-Wādī, al-Jazāʼir, 2019.
Lūtmān, Yūrī. Taḥlīl al-Naṣṣ al-Shiʻrī: Binyat al-Qaṣīdah (in Arabic). Tarjamah: Muḥammad Futūḥ. Dār al-Maʻārif, al-Qāhirah, 1995.
Majmaʻ al-Lughah al-ʻArabīyah. al-Muʻjam al-Wasīṭ (in Arabic). 4th ed., Maktabat al-Shurūq al-Dawlīyah, al-Qāhirah, 2008.
Miftāḥ, Muḥammad. Dīnāmiīat al-Naṣṣ: Tanẓīr wa-Injāz (in Arabic). 2nd ed., al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, Bayrūt, 1990.
Qāsim, Sīzā; wa-Abū Zayd, Naṣr Ḥāmid. Anẓimat al-ʻAlāmāt fī al-Lughah wa-al-Adab wa-al-Thaqāfah (in Arabic). 1st ed., Dār al-Tanwīr lil-Ṭabʻ wa-al-Nashr, Bayrūt, 2014.
Ṭāmīn, Juwayl Jārd; wa-Hūbir, Mārī Kalūd. Qāmūs al-Naqd al-Adabī (in Arabic). Tarjamah: Muḥammad Bakkāy. 1st ed., Dār al-Rāfidīn lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, Bayrūt, 2021.