تاريخ الاستلام: 22 فبراير 2023
تاريخ التحكيم: 29 مارس 2023
تاريخ القبول: 28 سبتمبر 2023
محاضر، قسم اللّغة العربيّة، كلّيّة العلوم الإنسانيّة، جامعة النّجاح الوطنيّة، نابلس – فلسطين
mohammad.qadri@najah.edu
عبد الخالق عيسى
أستاذ مشارك، قسم اللّغة العربيّة، كلّيّة العلوم الإنسانيّة، جامعة النّجاح الوطنيّة، نابلس – فلسطين
abed.esa@najah.edu
حاول البحث النّظر في ما وراء الخطاب الجاهليّ في معلّقتي زهير بن أبي سُلمى وطرفة بن العبد هادفًا بذلك إلى كشف النّظام السّياسيّ النّسقيّ الّذي يؤدّي بمنتج الخطاب إلى الحصول على القَبول المجتمعيّ المناسب أو عدم القبول، وتأثير هذا القَبول أو عدمه على حياة منتج الخطاب/الشّاعر لاحقًا، واختار البحث شاعرين مختلفين في أوصافهما ومكانتهما الاجتماعيّة والسّياسيّة؛ للنّظر في هذا الاختلاف وأثره في اختلاف الخطاب النّسقيّ واختلاف الرّدّ المجتمعيّ القَبليّ، وأخيرًا، اختلاف النّهاية السّياسيّة لحياة كلٍّ منهما انطلاقًا من وعيهما النّسقيّ في معلّقتيهما، ويشمل البحث تنظيرًا يُعنى بالنّسق الثّقافيّ وماهيته وخصائصه وشروط الوظيفة النّسقيّة، وحديثًا حول النّقد وعلاقته بالسّياسة ومهمّة النّاقد، وإجراءً لهذا التّنظير على المعلّقتين، على المستوى الفنّي لمقدّمة القصيدة والنظر في علاقة هذا المستوى بالخطاب الذي أُنتجت من أجله.
الكلمات المفتاحية: الخطاب، النّسق، الوعي السّياسيّ، زهير بن أبي سلمى، طرفة بن العبد، الهيمنة
للاقتباس: قادري، محمّد باسل وعيسى، عبد الخالق. »الوصف في سيرة «الوعي النسقي السياسي: قراءةٌ في معلّقتي زهير بن أبي سُلمى وطرفةَ بنِ العبد«. أنساق في الآداب والعلوم الإنسانية، المجلد الثامن، العدد 1، 2024، ص89-114. https://doi.org/10.29117/Ansaq.2024.0199
© 2024، قادري وعيسى، الجهة المرخص لها: كلية الآداب والعلوم، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
Received: 22 February 2023
Reviewed: 29 March 2023
Accepted: 28 September 2023
Mohammad Basel Qadri
Lecturer, Arabic Language Department, College of Human Sciences, An-Najah National University, Nablus–Palestine
mohammad.qadri@najah.edu
Abd Alkhaliq Esa
Associate Professor, Arabic Language Department, College of Human Sciences, An-Najah National University, Nablus–Palestine
The study attempted to look beyond the pre-Islamic discourse in the Mu’allaqat of Zuhair bin Abi Salma and Tarfa bin Al-Abd, aiming to reveal the rhetorical political system which leads to obtain the appropriate societal acceptance or rejection, and the effect on the life of the discourse producer or the poet. The study chose two poets who are different in terms of their styles, and their social and political status. It focuses on this difference’s impact on the systematic discourse, the tribal response, in addition to the political end of both of their lives, based on their systemic awareness in their Mu’allaqat.
The study included a theorization concerned with the cultural system, its nature, characteristics, and the conditions of the systemic function. It focuses on criticism and its relationship to politics and the task of the critic, in addition to an execution for this analogy on the two Mu’allaqat, on the technical level of the introduction to the poem and the relationship of this level to the discourse for which it was produced.
Keywords: Discourse; Political awareness; System; Tarfa bin al-Abd; Zuhair bin Abi Salma; Domination
Cite this article as: Qadri, M.B. & Esa, A. "Political Systemic Awareness: A reading in the Mu'allaqat of Zuhair bin Abi Salma and Tarfa bin Al-Abd". Ansaq in Arts and Humanities, Vol. 8, Issue 1, 2024, pp. 89-114. https://doi.org/10.29117/Ansaq.2024.0199
© 2024, Qadri & Esa, licensee, College of Arts and Sciences & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
يتحدّث الباحث عن الهيمنة النّسقيّة في معلّقة زهير بن أبي سلمى ومعلّقة طرفة بن العبد، ومدى أهمّيّة الوعي الخطابيّ السّياسيّ في التّأثير في منتج الخطاب لاحقًا، ويكشف عن الأنساق الأوّليّة الّتي أدّت لاحقًا إلى نجاح معلّقة زهيرٍ سياسيًّا وإلى فشل معلّقة طرفة انتهاءً بقتله.
وينقسم البحث إلى قسمين؛ يعالج في الأوّل النّسق وتعريفاته ويدرس بعضًا من الجدال الدّائر حوله، كما يتحدّث عن أهمّيّة «الوعي النّقديّ»، ويكشف عن مهمّة النّاقد الحقيقيّة/ فضح الممارسات السّياسيّة في العمل الأدبيّ، ويعالج في القسم الثّاني المعلّقتين معتمدًا على نماذج دالّةٍ؛ فهو لا يُعنى بتحليل المعلّقتين سياسيًّا بقدر ما يُعنى بالكشف عن حيل السّلطة والهيمنة في الخطاب الأدبيّ.
ويهدف الباحث إلى محاولة الإفادة من معطيات النّقد الثّقافيّ في دراسة النّصّ الشّعريّ الجاهليّ، كما أنّه يمكن الاستفادة منه بالإحاطة بعددٍ من أساليب الهيمنة السّلطويّة الّتي تتملّك لاوعي الشّاعر/ الفرد في المجتمع، ومن ثَمّ، يمكن قراءة الواقع المعيش استنادًا إلى ما يمكن قراءته في المعلّقتين، وأخيرًا، يهدف إلى الكشف عن أهمّيّة الوعي السّياسيّ لدى الفرد في المجتمع، والكشف عن النّتائج الّتي قد تترتّب عليه جرّاء عدم وعيه سياسيًّا.
وهناك عددٌ من الدراسات التي أفادت من النظريّة الثقافيّة في إطار قراءتها للمعلّقتين، منها:
- دراسةٌ للباحثة هدى عمّاري، بعنوان: «تجلّيات ثنائيّة الحرب والسلم في النصّ الشعريّ القديم مقاربة الأنساق الثقافيّة المضمرة لنماذج مختارة»، ووقفت الباحثة على هذه الثنائيّة/ الحرب والسلم عند عددٍ من الشعراء، واختتمت بحثها بالحديث عن صورة الحرب عند زهير بن أبي سُلمى، ومحاولته الجنوح إلى السلم بأيّة طريقةٍ، واستفاد منها البحث في الوقوف على هذا الجنوح نحو السلم بمعالجةٍ دقيقةٍ للأنساق الفنّيّة والخطابيّة في المعلّقة.
- رسالة ماجستير للباحثة أمل الحراحشة، بعنوان: «معلّقة زهير بن أبي سلمى وتاريخ التلقّي بين القدماء والمحدثين»، وعرضت هذه الدراسة للمنهج الثقافيّ في قراءة معلّقة زهيرٍ، ولكنّها اعتمدت على عموميّات النقد الثقافيّ وبدهيّاته، وكانت في معظمها نقولًا للأكاديميّ الأردنيّ يوسف عليمات، ووقفت على القراءة الثقافيّة للجانب الفنّيّ من المعلّقة فحسب.
- رسالة ماجستير للباحثة مريم عفّانة، بعنوان: «المعلّقات العشر دراسة ثقافيّة»، وضمّنت الدراسة معلّقة زهير بن أبي سلمى في عنوان النسق الطلليّ، ومعلّقة طرفة في عنوان ثقافة الخمر، وترى الباحثة أنّ الخمر هي المحرّك الأساسيّ لطرفة بن العبد، غير أنّ هذا البحث يعرض أنّ المحرّك الأساسيّ له هو نفسه الطمّاعة إلى كلّ سبقٍ، وما الخمر إلّا نتيجةٌ لهذا البحث عن المجد الرفيع.
ويفترض الباحث أنّ القراءة الثّقافيّة والنّسقيّة قادرةٌ على إعادة قراءة النّصّ الجاهليّ، والخروج بنتائج متعدّدةٍ جديدةٍ تثري ذلك النّصّ، وأنّه من الممكن فهم صورةٍ جزئيّةٍ من العقليّة العربيّة، استنادًا إلى مخرجات هذا البحث، وفلاحِ زهيرٍ وعدم فلاح طرفة في التّعامل مع المجتمع سياسيًّا.
عند الحديث عن تشكّلات النّسق السّياسيّ السّلطويّ الّذي بإمكانه تمرير نسقيّته المتعالية بأفعاله السّلطويّة، فإنّه يُستأنس بقصّة فرعون الملك في القرآن الكريم، الّذي جعل من نفسه إلهًا أمام قومه، ومع ذلك مرّت نسقيّته السّلطويّة بهدوءٍ: ﴿فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ٥٤﴾ [الزّخرف: 54]، وفي الشّقّ الثّاني: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ﴾ يتّضح أنّ قوم فرعون على وعيٍ كافٍ لمعرفة أنّ الملك ليس إلهًا، ولكنّ تعظيمهم فرعون (السّياسيّ) يعود إلى أصلٍ دينيٍّ؛ ادّعاء الألوهيّة؛ ذلك أنّ حاجتهم إلى المقدّس هي الّتي دفعتهم إلى التّمسّك به، فكما يذكر الأكاديميّ نادر كاظم، لا ينحصر نطاق الأشياء المقدّسة في الأرواح، بل قد يشمل صخرةً، أو شجرةً، أو حيوانًا، أو طائرًا (كاظم 104)، وهو ما يدلّ على مقدار الحاجة البشريّة إلى التّمسّك بالمقّدس.
وبعد أن ترسّخ حضور السّياسيّ في العقليّة البشريّة اللّاواعية، أصبح من المهمّ بمكانٍ دراسة تأثير هيمنته في اللّاوعي، وللبدء بذلك، لا بدّ من التّوقّف رويدًا عند مفهوم الهيمنة من وجهة نظر أبرز منظّريها المفكّر الإيطاليّ الماركسيّ أنطونيو غرامشي Antonio Gramsci، الّتي هي ممارسةٌ سياسيّةٌ تطبّقها المجموعة المسيطرة على المجموعة المسيطر عليها في أيّة مرحلةٍ من التّاريخ، وتتفرّع عنها هيمنةٌ ثقافيّةٌ، أو أخلاقيّةٌ، أو معرفيّةٌ (Hoare 118).
وهي بحسب رايموند ويليامز Raymond Williams ليست مجرّد توجيهٍ فكريٍّ، بل مجموعةٌ كاملةٌ من الممارسات الثّقافيّة الانتقائيّة الّتي تلقّنها المؤسّسات التّعليميّة لطلبتها، بوصف هذه المؤسّسات اللّبنة الطّيّعة الّتي بها تتشكّل ذهنيّة المجتمع، وهذه الانتقاءات تُؤخذ من ممارساتٍ محدّدةٍ من الماضي، وَفق ما ترتضيه القوّة المهيمنة، فتصبح اللّبنة الطّيّعة تمثالًا لا يقوى على التّحرّر من صَنَميّته (Williams chapter 11 section 4).
أمّا المفكّر الفلسطينيّ إدوارد سعيد فيلفت النّظر إلى أنّ المثقّف العضويّ عندَ غرامشي هو خبير الإعلانات، أو العلاقات العامّة، الّذي هدفه توسيع السّوق، وتوجيه العقول نحو انتخاب مرشّحٍ ما؛ وذلك بتوجيه رأي المستهلكين، وهذا المثقّف يصدر أنساقًا معرفيّةً انتقائيّةً دعائيّةً تؤثّر في ذهن المستهلكين، فتجعلهم يرغبون في شراء منتجٍ، أو انتخاب مرشّحٍ (سعيد 22)، وهو ما يعني نجاح الهيمنة الفكريّة.
ومن ثَمّ، فيمكن القول إنّ الهيمنة عملٌ توجيهيٌّ عقليٌّ، يؤدّي بالمُهيمَن عليه إلى إعادة تنظيم خطابه مرّةً بعد مرّةٍ ليصبح وَفق ما ترتضيه القوّة المهيمنة، ومن هذه النّتيجة، ستُدرس معلّقتا زهير بن أبي سُلمى وطرفة بن العبد انطلاقًا من وعي الأوّل سياسيًّا؛ وهو ما جعله ينتج خطابًا يتوافق مع القوّة المهيمنة وخاطب المجتمع سياسيًّا فاستطاع تحقيق السّلام، ومن عدم وعي الثّاني وعناده الّذي أدّى به إلى قتله وانقطاع حبل حياته.
من المهمّ قبل الإلمام بمعطيات الخطاب الجاهليّ الالتفات إلى عددٍ من بدهيّات النّقد الثّقافيّ، الّذي هو «الوقوفُ على (فعل) الخطاب، وعلى تحوّلاته النّسقيّة، بدلًا من الوقوف على مجرّد حقيقته الجوهريّة، التّاريخيّة، أو الجماليّة» (الغذّامي 13)، ومن مصطلح «التّحوّلات النّسقيّة» يتبدّى شغف هذا النّقد بما يُدعى النّسق الثّقافيّ، الّذي يعدّ مصطلحًا يحتاج إلى مِراسٍ ودُربةٍ حتّى تُفهَمَ بواطنه.
ففي حوارٍ أكاديميٍّ بين الباحثين عبد الله الغذّامي وعبد النّبي اصطيف استهزأ الأخير من الأوّل لأنّه حاول إنشاء مشروعٍ متكامل النّواحي والأطراف في النّقد الثّقافيّ، ومع ذلك، غاب عنه تعريف النّسق، فقال اصطيف: «لستُ أدري كيف يمكن أن يتابع القارئ محاجّة الغذّامي وهو يصول ويجول في دفاعه المستميت عن هذا المجهول، أو النّسق، دون أن يسعفه ولو بتعريفٍ بسيطٍ ييسّر عليه صحبته في كفاحه من أجل النّقد الثّقافيّ» (اصطيف والغذّامي 189)، ومع ذلك، لم يكن غياب التّعريف غياب نسيانٍ، إنّما هو غياب عدم اكتراثٍ؛ فالغذّامي أدرك مدى تعقيد تعريف النّسق، فلاذ بما سمّاه «الوظيفة النّسقيّة» واطمأنّ إليها، وقال: «يتحدّد النّسق عبر وظيفته، وليس عبر وجوده المجرّد...» (الغذّامي 77)، وهذا يعني أنّ الغذّامي يكترث لوظيفة النّسق وما يؤدّيه أكثر من الوقوف عند حدود تعريفاته وتلمّس أطرافها.
ولكنّ كثيرًا من الباحثين وقفوا عند تعريف النّسق؛ فلم يدّخروا جهدًا، ولم يألوا محاولة استجلاء مضمراته، وخلص بعضهم مثل محمّد مفتاح إلى «أنّ النّسق مكوّنٌ من مجموعةٍ من العناصر، أو من الأجزاء الّتي يترابط بعضها ببعضٍ مع وجود مميّزٍ، أو مميّزاتٍ، بين عنصرٍ وآخر» (مفتاح 158)، وله عددٌ من الخصائص الّتي يكاد يتّفق عليها الباحثون:
- كلُّ شيءٍ مكوّنٍ من عناصرَ مُشتركةٍ ومختلفةٍ فهو نسقٌ.
- له بنيةٌ داخليّةٌ ظاهرةٌ.
- له حدودٌ مُستقرّةٌ بعض الاستقرار.
- له قَبولٌ مُجتمعيٌّ؛ لأنّه يؤدّي وظيفةً لا يُؤدّيها نسقٌ آخر.
ويتحدّث الأكاديميّ نادر كاظم، بعد صولاتٍ علميّةٍ وجولاتٍ يفتّش فيها عن مضمرات تعريف النّسق عند الغرب، عن ارتباط الدّين والأيديولوجيا بالنّسق؛ فكلٌّ منهما يعدّ نسقًا مستقلًّا، ويخلص إلى أنّ للنّسق وظيفةً تحكّميّةً في سلوك متّبعيه وحامليه.
وممّا اختُلف فيه في موضوع النّسق الشّروط الّتي حدّدها الغذّامي للوظيفة النّسقيّة؛ وهي (الغذّامي 77):
- لا يمكن أن يتوفّر نسقٌ ظاهرٌ واحدٌ حسب؛ فهناك دائمًا نسقٌ آخر معه مضمرٌ.
- على النّسق المضمر بالضّرورة الحتميّة أن يناقض الظّاهر.
وثَمّ شرطان آخران يجب على الخطاب التّحلّي بهما حتّى يتمكّن النّسق في التّأثير بمن يتلقّى هذا الخطاب، وهما:
- تمتّع الخطاب بالجماليّة؛ لأنّها تُشكّل ما سمّاه حالة «العمى الثّقافيّة»؛ فبها تمرّ مطمئنّةً أخطر الأنساق الثّقافيّة.
- على الخطاب أن يكون جماهيريًّا، حتّى تتخلّل الأنساق المضمرة في عقليّة المتلقّين، ومن ثَمّ يصبح لزامًا دراسة السّلوك الثّقافيّ للجماهير تبعًا للمُنتجات الثّقافيّة الّتي استهلكوها (الغذّامي 77).
ومن هذه الشّروط، يُلحظ أنّ الوظيفة النّسقيّة تخدم فكرتين؛ فكرة خداع المتلقّي وفكرة التّأثير فيه؛ فأوّل شرطين يخدمان الفكرة الأولى، وآخر شرطين يخدمان فكرة تأثير الأنساق بالجماهير/ المجتمع، وبهذه الشّروط، يقضي الغذّامي على المُنتجات الأدبيّة أن تُقرأ بوصفها حالةً ثقافيّة.
وفي موضوع الشّروط الّتي حدّدها الغذّامي دار سجالٌ آخر حول فكرة وجوب نَسْخِ النّسق المضمر للنّسق الظّاهر؛ فالغذّامي بهذه الفكرة أصبح معميًّا في مشروعاته التّطبيقيّة لمختلف الخطابات عن الجماليّات الثّقافيّة؛ لكونه في قلقٍ دائمٍ في محاولة استخراج النّسق النّاسخ للجماليّات الأدبيّة؛ وهو ما سمّاه «القُبحيّات الثّقافيّة»، فكما أنّ النّسقَ المضمر ناسخٌ للنّسق الظّاهر، صارت القُبحيّات الثّقافيّة ناسخةً للجماليّات الأدبيّة.
والطّعن في الشّرط الأوّل من شروط الغذّامي -حول وصف النّسق المضمر ناقضًا للنّسق الظّاهر- تقويضٌ لجزءٍ كبيرٍ من مشروعه النّقديّ، ومن أشدّ المتحاملين ضدّ هذا الشّرط الباحث الأردنيّ عبد القادر الرّباعي الّذي يردّ على كلام الغذّامي قائلًا: «إنّ ما يراه الغذّامي نسقًا ناسخًا قد يراه غيره معزّزًا، أو مكمّلًا» (الرّباعي 121)، كما أنّه يرى أنّ في وجوب تعارض الظّاهر للمضمر تحديدًا لمساحة المتلقّي بالتّفكير.
وفعلًا، تحدّدت الحالة الفكريّة للغذّامي بسبب وجود «النّسق المضمر» النّاسخ للظّاهر؛ فأصبح لا يفكّر إلّا في البحث عن تناقضات النّسق الظّاهر ودراستها؛ فإذا وُلد النّقد الثّقافيّ فعلى النّقد الأدبيّ أن يموت، وَفق مبدأ تناسخ الأنساق، وإذا كان في الشّعر العربيّ جماليّاتٌ أدبيّةٌ فلا بدّ أن يضمّ بين ثناياه قُبحيّاتٍ ثقافيّةً، وبذلك، ينطلق الغذّامي بحالةٍ نسقيّةٍ مُعَدَّةً قبلًا، قبل الشّروع في أيّة قراءةٍ للأنساق الثّقافيّة، وهذا ما جعل باحثًا مثل عيسى المصري يعلّق على خطورة القراءة النّسقيّة بفكرٍ موجّهٍ قائلًا: «يبدو أنّ الحكم المسبق، أو تخطّي الخطاب، كان حاضرًا في المعالجة النّسقيّة للشّعر العربيّ عامّةً [...] وهو حضورٌ عدائيٌّ تبخيسيٌّ...» (المصري 2464) أو كما تساءل الرّباعي: «من الّذي يحدّد سلفًا ذلك النّصّ ذا النّسقين السّالفين بالماهيّة والوظيفة المحدّدة؟» (الرباعي 121)، وناقش الباحث مبحثًا من مباحث كتاب الغذّامي «النّقد الثّقافيّ» الّذي به دَرس الشّاعر العبّاسيّ أبا تمّامٍ، ووقف على كلّ مصدرٍ ومرجعٍ، وتناول حضور النّسق المضمر عنده واتّكاءه عليه، وتوصّل إلى أنّه «لا يُعقل أن يكون هناك ركونٌ مطمئنٌّ إلى تفسير الغذّامي لنسقيّة أبيات أبي تمّامٍ؛ فهو ينتقل من النّسق المضمر إلى الظّاهر متى شاء حتّى يبرّر لنفسه ما هو قارٌّ فيها، وتحدّثُ الغذّامي عن الأنساق (قادري 107)، ومع ذلك، يبقى للغذّامي فضل الصّدارة في مشروعه الثّقافيّ بجهده المبارك.
شُغف النّاقد الأردنيّ يوسف عليمات بفكرة تطوير النّسق؛ فبدأ مشروعه النّقديّ بكتابٍ يحمل عنوان «جماليّات التّحليل الثّقافيّ: الشّعر الجاهليّ نموذجًا»، ثمّ كتاب «النّسق الثّقافيّ: قراءةٌ ثقافيّةٌ في أنساق الشّعر العربيّ القديم»، وكتاب «النّقد النّسقيّ: تمثيلات النّسق في الشّعر الجاهليّ القديم»، ونهايةً بكتاب «ثقافة النّسق: تجلّيات الأرشيف في الشّعر العربيّ القديم»، وآخر كتابين يوازن عليمات فيهما بين النّسق وسياقه المعرفيّ والتّاريخيّ.
وفي كتاب «النّقد النّسقيّ» يطرح عليمات مفهوم النّقد النّسقيّ الّذي اجترحه من النّقد الثّقافيّ، والنّقد الحضاريّ، والنّقد المعرفيّ (عليمات 8)، وبذلك، انقلب النّسق على النّقد الثّقافيّ، وصار الأخير فرعًا للأوّل، ويطرح عليمات، في الكتاب نفسه، مفهوم القراءة النّسقيّة، ويؤمن بأنّ النّسق المضمر مخاتلٌ ومتمنّعٌ؛ لأنّ من خصوصيّاته القدرة «على الانفلات، والبناء/ إعادة البناء، والتّمايز، والتّحويل، والتّوليد؛ أي أنّه بهذا المفهوم نسقٌ عابرٌ للمرجعيّات المتعدّدة للخطاب» (عليمات 21) ومن ثَمّ، يجب على الباحث في النّسق أن يتبنّى استراتيجيّات «مشبعةً بالفكر والثّقافة، من أجل الوعي بهاته الأنساق الحرّة ذات الوظائف النّوعيّة؛ ذلك أنّ الأنساق، كما تشير كاترين بالسي Cathrine Belsey، تملك تاريخًا من الأفكار» (عليمات 21)، ومن المهمّ الانتباه إلى أنّ عليمات لم يصرّح بوجوب نسخ النّسق المضمر للظّاهر، إنّما اكتفى بوصفه بالمخاتلة.
وفي الكتاب الأخير ينتقل عليمات من النّسق الثّقافيّ إلى ثقافة النّسق، ويخلص إلى أنّ النّسق «له ثقافته، وله أرشيفه الموارب، أو ذاكرته المركزيّة في البنى النّصّيّة؛ إنّه نظامٌ يملك استراتيجيّةً/ استراتيجيّات العبور نحو المضمر والمسكوت عنه في أنظمة الخطاب التّاريخيّ، والأيديولوجيّ، والثّقافيّ، والجماليّ، والمعرفيّ، وتأسيس المخاتل والمفارق» (عليمات 8)، ثمّ يربط بين ثقافة النّسق والسّياق الّذي ينشأ فيه، وهذا يحيل إلى التّاريخانيّة الجديدة، الّتي ترى أنّ السّياق لا يُقرأ خلفيّةً للنّصّ، إنّما يُقرأ ضمن النّص.
يطرح سعيد في «العالم والنّصّ والنّاقد» مفهومًا يسمّيه «الوعي النّقديّ» الّذي هو «الوصول إلى أيّ معنًى دقيقٍ لما تنطوي عليه تلك القيم الإنسانيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة الّتي تنجم عن قراءة أيّ نصٍّ وإنتاجه ونقله» (سعيد 31)، فمهمّة النّاقد الثّقافيّ الّذي يقف على التّحوّلات النّسقيّة في (فعل) الخطاب، فضح بواطن النّسق المضمر وكشف عنها، وفي ذلك يكمل سعيد حول مفهومه: «إنّ الوقوف بين الثّقافة والمنظومة يعني الوقوف قريبًا من واقعٍ مادّيٍّ يستوجب الإدلاء بالأحكام الاجتماعيّة والأخلاقيّة والسّياسيّة عنه، ويستوجب، إن تعذّر ذلك، تعريته وفضح أسراره» (سعيد 31)، وهذا يعني أنّ النّقد الثّقافيّ يتماهى في تعريفه مع رؤية سعيد لدور النّاقد.
والاهتمام بالنّظريّة الثّقافيّة الّتي تحاول ربط الخطاب بالثّقافة وكشف الحيل الخفيّة للسّلطة، جاء ردًّا على النّظريّة الأدبيّة الّتي لم تُفلح في كشف أساليب السّلطة، بل كانت منحازةً سياسيًّا في كثيرٍ من أحوالها، إلى الحدّ الّذي حدا بتيري إيغلتون - وهو أحد المتحمسين - لموت النّقد الأدبيّ أن يقول: «في الحقيقة، ليس ثمّة حاجةٌ لجرّ السّياسة إلى النّظريّة الأدبيّة؛ فهي موجودةٌ هناك منذ البداية [...] والنّظريّة الأدبيّة مرتبطةٌ بالقناعات السّياسيّة والقيم الأيديولوجيّة على نحوٍ لا يقبل بالانفصال» (إيغلتون 326)، ويخلص أخيرًا إلى أنّ النّظريّة الأدبيّة الخالصة من شوائب السّياسة ما هي إلّا «أسطورةٌ أكاديميّةٌ»، وقوله نابعٌ من عدم جدوى النّظريّة الأدبيّة في قراءة الواقع الحاليّ؛ فهذه النّظريّة لا تقدّم جديدًا في عالمٍ يحتوي على أكثر من ستّين ألف رأسٍ نوويٍّ حربيٍّ، وبخمسةٍ بالمئة من تكلفة هذه الرّؤوس يمكن التّخفيف من مشكلات العالم الثّالث.
وقبل سعيد وإيغلتون وغيرهما من المهتمّين بالمجال الثّقافيّ للخطاب، يُلقي ميشيل فوكو النّظر على الخطاب نفسه في محاضرةٍ ألقاها يقول فيها: «أفترض أنّ إنتاج الخطاب، في كلّ مجتمعٍ، هو في نفس الوقت إنتاجٌ مراقبٌ ومنتقًى ومنظّمٌ، ومُعادٌ توزيعه من خلال عددٍ من الإجراءات الّتي يكون دورها هو الحدّ من سلطاته ومخاطره، والتّحكّم في حدوثه المحتمل، وإخفاء مادّيّته الثّقيلة والرّهيبة» (فوكو 8)، وعند مقارنة افتراض فوكو بكلام إيغلتون حول ارتباط النّظريّة الأدبيّة بالسّياسة وانحيازها لها، تُفهم الكيفيّة الّتي بها ترتبط النّظريّة بالسّياسة عبر «إخفاء ماديّة الخطاب» بإشغال فكر المتلقّي بالجماليّات البلاغيّة، ولكنّ مهمّة النّاقد الحقيقيّ، بحسب سعيد، فضح هذه المادّيّة والتّحدّث عنها.
ويرتبط الحديث عن السّلطة بالوعي الكافي لكشف أساليبها والحيل الّتي بها تتدثّر وتتوسّل باللّغة الجماليّة الّتي تمرّر نفسها فيها، وعند العودة إلى شروط النّسق لدى الغذّامي الّتي تفترض جماليّة الخطاب المحتوي على النّسق وجماهيريّته، يُنتبه إلى أنّه باسم «الجماليّة» مرّت أخطر الأنساق في عقليّة المتلقّي؛ فالعلاقة بين تمرير النّسق المضمر والوقوف على ظاهره فحسب في الدّراسات الأدبيّة الجماليّة، ترتبط بالسّياسة الّتي تحاول الحدّ من سلطة هذا الخطاب الأدبيّ أو ذاك.
لا شكّ في أنّ الخطاب يحمل على عاتقه مسؤوليّة تغيير الفكر، وإثبات وجهة النظر، والتأثير في لاوعي المتلقّي، ولكن تختلف شدّة هذا التأثير من خطابٍ إلى آخر، بناءً على نوعه، ومُنتِجه ومكانتِه في المجتمع، ولا يعدّ كلّ خطابٍ قادرًا على تمرير نسقيّته في المجتمع المتلقّي؛ فالشعر، مثلًا، له قيودٌ تؤدّي إلى جعله خطابًا ناجعًا؛ تتعلّق بطبيعة المجتمع الذي يتلقّاه؛ فمنزلة الشعر عند المتلقّي الجاهليّ تختلف تمامًا عنها في العصر الحديث، وقدرة الشعر على التأثير حينذاك تختلف عن قدرته في اليوم المعاصر.
وقد شكّلت الكلمة هاجسًا عند العربيّ قديمًا، الذي عاش في كنفها، ومحاطًا بظلالها، ومن ذلك ربطُ لسان عبد يغوث الحارثيّ ساعة أرادوا قتله لئلّا يهجوهم، وشراء عمر بن الخطّاب أعراض المسلمين من الحطيئة، وقصصٌ كثيرةٌ غير ذلك؛ فعبد يغوث عندما فُكّ رباط لسانه أنشد قصيدته المشهورة: ألا لا تلوماني...، ورثى فيها نفسه، وما زالت ذائعة الصيت حتّى هذا اليوم، وكذلك الحطيئة شعره مذاعٌ في الأوساط النقديّة والاجتماعيّة إلى هذا اليوم، وصاحب الكلمة، قديمًا، من ثَمّ صاحب تأثيرٍ، وله سلطته الخاصّة، وحرّيّته في إنتاج ما يريده.
ولكنّ هذه الحرّيّة المتمثّلة بالسلطة الفرديّة خدّاعةٌ، وقد تغري الشاعر إلى الانسياق وراءها، ثمّ الوقوع في مأزق السلطة الحقيقيّة، وهي في العصر الجاهليّ؛ إمّا أن تكون سلطة القبيلة، أو سلطة السياسيّ، ولا مندوحة لأيّ جاهليٍّ عن واحدةٍ من هاتين السلطتين، إلّا أن يغدو صعلوكًا، فيحتقر من المجتمع، وبناءً على هذا، يمكن القول إنّ الخطاب الأدبيّ الجاهليّ يحمل في ثنيّاته أنساقًا تعبّر عن مدى قرب مُنتج الخطاب من السلطة القبليّة، أو السياسيّة، أو بُعده عنها، وهذه الأنساق تعكس وعيه، أو حذره، في التعامل مع السلطة.
وممّا طُرح، وقبل معالجة المعلّقتين، لا بدّ من الحديث عن الجوانب الفنّيّة للقصيدة الجاهليّة، الجوانب التي تحمل، أيضًا، التفاتاتٍ سياسيّةً، إذا قُرئت بنسقها المضمر، وهذا ما يتغيّاه الباحث في قراءته للمعلّقتين نسقيًّا؛ فهو يقرأ النسق المضمر في الجانب الفنّيّ، والجانب الخطابيّ المجتمعيّ، ويفترض أنّ القصيدة الجاهليّة بشقّيّها؛ الفنّيّ والخطابيّ، خطابٌ واحدٌ اختلفت طرق التعبير عنه؛ فالفنّ لا يمكن في حالٍ أن ينفصل عن القضايا الأساسيّة التي يريدها الشاعر؛ فهو، وإن أنشد الجوانب الفنّيّة لذاتها، لا بدّ أن يحمل لاوعيه فيها لفتاتٍ إلى النسق المضمر لقضيّته الأساسيّة، أو لظلّها، كما يقول رولان بارت: «إنّ بعضهم يريد نصًّا-فنًّا، لوحةً- من غير ظلٍّ، ومقطوعًا عن الإيديولوجيا المهيمنة، ولكنّ هذا يدلّ على أنّهم يريدون نصًّا لا خصوبة فيه، ولا إنتاجيّة له، إنّهم يريدون نصًّا عقيمًا... ألا إنّ النصّ لمحتاجٌ إلى ظلّه، هذا الظلّ هو قليلٌ من الإيديولوجيا، وقليلٌ من العرض، وقليلٌ من الذات...» (بارت 63).
ومهمّة النّاقد الثّقافيّ الوقوف على التّحوّلات النّسقيّة لهذا الخطاب، ومحاولة فضح تلك «المادّيّة الثّقيلة»، وفي الإجراء الآتي سيُقرأ زهير بن أبي سُلمى بكونه حاملًا نسق الوعي السّياسيّ الّذي به داهن المجتمع القَبليّ واستطاع مخاطبة قبيلتين اقتتلتا شطرًا من الدهر بصورةٍ حقّقت القبول عندهما، ويُقرأ طرفة بن العبد بكونه واحدًا من المتمرّدين الّذين انشقّوا عن واقع القبيلة فناله كلّ سوءٍ لاحقًا؛ لأنّه لم يُتح له الوعي السّياسيّ الكافي لفهم أنساق القبيلة، ولم يُدرك أنّ الخطاب «منظّمٌ ومُنتقًى» برغبات السّلطة وأوامرها، الأمر الّذي أدّى إلى قتله بَعدًا.
وسبب اختيار هاتين المعلّقتين أنّ زهيرًا أنشد معلّقته في ظروفٍ سياسيّةٍ، وهو ليس بتابعٍ مثل عنترةَ، أو الحارث، أو النابغة، وليس بسيّدٍ مثل عمرٍو وامرئ القيس، وإن كان له قدرٌ محفوظٌ في قبيلته وكلمةٌ مسموعةٌ، ويخاطب زهيرٌ في المعلّقة المجتمع القَبليّ عامّةً، وإن كانت في ظاهرها خطابًا موجّهًا إلى هرم بن سنانٍ والحارث بن عوفٍ، وتحمل أنساقًا مضمرةً لطيفةً خلف أنساقها الفنّيّة تكشف عن تأنٍّ آخر له غير مدروسٍ؛ وهو التأنّي النسقيّ. أمّا طرفة بن العبد فهو رجلٌ غريب، وغرابته هذه منشؤها أنّه لم يعش في كنف القبيلة كما عاش غيره، وهو رجلٌ يحاول أن يطلب السيادة من صغره متجاهلًا «قداسة» النسب، وقوّة المال، وغير ذلك من الأسباب التي تؤدّي إلى تمكّن الجاهليّ في قبيلته، كما أنّه لا يعي حقّ قبيلته عليه؛ فهو معتمدٌ في جلّ أمره على وَحدانيّته وتفرّده، الأمر الذي يتعارض مع ما أشار إليه غسّان الخالد عن القبيلة العربيّة: «لا جماعة إلّا بالسّمع والطّاعة» (خالد 91)، وهذا يعني أنّ القبيلة تمتلك حقّ السّلطة ومراقبة الخطاب وإعادة توزيعه إعلاميًّا بما يخدم وجودها الثّقافيّ؛ فهي المستهلك الأوّل للأنساق الّتي يصدرها الشّاعر، وحال رغبتها تمرّ القصيدة بما فيها من أنساقٍ ثقافيّةٍ، أمّا إذا نُفي الشّاعر فقد فقدَ الحماية، وفقد حقّ «مراقبة الخطاب»، ومن ثَمّ قد لا يستطيع التّعامل مع الواقع الحياتيّ خارج حدود القبيلة بصورةٍ سليمةٍ.
من المعلوم في الدّراسات الأدبيّة ومن بدهيّاتها، أنّ زهير بن أبي سلمى شاعرٌ حوليٌّ يتأنّى في لغة شعره، وهذا التّأنّي دُرس على مدار قرونٍ متعاقبةٍ بعَدّه تأنّيًا جماليًّا، ومع تطوّر النّظريّة الثّقافيّة، أصبح بالإمكان دراسة هذا التّأنّي على المستوى النّسقيّ السّياسيّ، خصّيصى أنّ زهيرًا شاعرٌ سياسيٌّ يمدح من بيده «سلطة» المال.
ويقع على عاتق الباحث الكشف عن الانحياز إلى السّلطة/ القبيلة الّذي يحمله التّأنّي الشّعريّ؛ وهو ما يُسمّى بالنّسق المُضمر، أو كما يروق للغذّامي أن يقول «قبحيّات ثقافيّة»، والأجدر تسمية انحياز زهير بن أبي سلمى إلى السّلم وإلى صاحبَي المال اللّذين بهما تحقّق السّلم «وعيًا سياسيًّا»؛ فزهيرٌ أنشد معلّقته بعد حربٍ جعلت كلّ يابسٍ طِحنًا، فاقترنت عنده صورة الحرب باللّون الأحمر والخراب، ودعوته ستكون ثَمّ دعوةً إلى السّلام والانصهار الثّقافيّ بين القبيلتين المتناحرتين.
ولمّا كان زهير بن أبي سُلمى مُتعبًا وفاقدًا إثر الحروب، اتّفق مطلع المعلّقة مع هذا التّعب، وتلك الآهة الحزينة (الأنباري 237): (الطَّويل)
أَمِنْ
أُمِّ
أَوْفى
دِمْنَةٌ
لَمْ تَكَلَّمِ |
|
بِحَوْمانَةِ
الدُّرّاجِ،
فَالمُتَثَلِّمِ[1] |
بِها
العِينُ
والآرامُ يَمْشينَ
خِلْفَةً |
|
وَأَطْلاؤُها
يَنْهَضْنَ
مِنْ كُلِّ
مَجْثَمِ[2] |
وَقَفْتُ
بِها مِنْ
بَعْدِ
عِشْرينَ
حِجَّةً |
|
فَلَأْيًا
عَرَفْتُ
الدّارَ
بَعْدَ
تَوَهُّمِ |
أَثافِيَّ
سُفْعًا في
مُعَرَّسِ
مِرْجَلٍ |
|
وَنُؤْيًا
كَجِذْمِ
الحَوْضِ
لَمْ يَتَثَلَّمِ[3] |
فَلَمّا
عَرَفْتُ
الدّارَ
قُلْتُ
لِرَبْعِها |
|
أَلا
انْعَمْ
صَباحًا،
أَيُّها
الرَّبْعُ،
وَاسْلَمِ
|
ويقف خلف هذا النسق الطلليّ الفنّيّ نسقٌ آخر مضمرٌ؛ يكشف عنه سكوت الدار، وتنكّرها في عين شاعرها، ودراسة النسق الطلليّ لا تتمّ إلّا بدراسته في قصائد أخرى تضمّ سكوتًا للدار، من ذلك قول النابغة لمّا أحسّ بالنّفي من النعمانِ بن المنذر (النحّاس 734): (البسيط)
وَقَفْتُ
فيها
أَصيلًا
كَيْ
أُسائِلَها |
|
عَيَّتْ
جَوابًا،
وَما
بالرَبْعِ
مِنْ أَحَدِ |
أو قول امرئ القيس الذي قال قصيدته المشهورة بعدما ذهب إلى قيصر وأحسّ بخداعه له، وباقتراب أجله إثر الحلّى المسمومة (امرؤ القيس 105): (الطويل)
أَلِمّا
عَلى
الرَبْعِ
القَديمِ
بِعَسْعَسا |
|
كَأَنّي
أُنادي،
أَوْ
أُكَلِّمُ،
أَخْرَسا |
فسكوت الطلل عند زهير بن أبي سلمى، وعدم التكلّم معه، ليس بدعةً، وليس نسقًا فنّيًّا، كما يظهر، بل يجب قراءته وَفق مستويين؛ حياتِه أولًا، وقصيدته هذه ثانيًا، أمّا عن حياته فكانت مضطربةً لأثر الحرب التي عاشها وجعلت كلّ يابسٍ طِحنًا، حتّى غدا لا يتعرّف على هذه الدار التي تمثّل نسقيًّا ذكراه الماضويّة، بعد عشرين عامًا من الانشغال عنها بمقتضيات الحرب وضروراتها.
أمّا على مستوى القصيدة فهي تمثّل جزءًا دالًّا على مضمونها؛ فالحرب، كما سيأتي، عركت القبائل عرك الرحى بثفالها، وهذا يتطابق، بالضرورة، مع قوله: فلأيًا عرفتُ الدار بعد توهّمِ؛ فتوهّمُ زهيرٍ الطللَ هو نفسُه توهّمُه القبيلتين، اللتين عُركتا بفعل الاقتتال، حتّى غدت العداوة مضمرةً فيهما جيلًا فجيلًا. ولكنّ زهيرًا يأبى أنْ يرضخ لهذا الرفض الطلليّ، ويأبى أنْ يستسلم لمقتضيات الحرب ومخلّفاتها؛ فالطلل المُنكَر سيعرفُه صاحبُه بذلك الحوض الذي لم يتثلّم، ولم تنقطع قناته، وبهذا الحوض، يؤسّس زهيرٌ للمستقبل، بادئًا: ألا انعم صباحًا...
ومن بعدُ، يتأتّى لمشاعر المستقبل المشرق الانبلاج والنّور، فيبدأ زهيرٌ بالتّبصّر لذلك المُستقبل ومسالكه وطرقه، متخيّلًا جماليّاتٍ فنّيّةً وراءه (الأنباري 244):
تَبَصَّرْ
خَليلي هَلْ
تَرى مِنْ
ظَعائِنٍ |
|
تَحَمَّلْنَ
بِالعَلْياءِ
مِنْ فَوْقِ
جُرثُمِ[4] |
جَعَلْنَ
القَنانَ
عَنْ يَمينٍ
وَحَزْنَه |
|
وَكَمْ
بِالقَنانِ
مِنْ
مُحِلٍّ وَمُحْرِمِ[5] |
وَعَالَيْنَ
أَنْماطًا
عِتاقًا
وَكِلَّةً |
|
وِرادَ
الحَواشي
لَوْنُها
لَوْنُ
عَنْدَمِ[6] |
ظَهَرْنَ
مِنَ
السُّوبانِ
ثُمّ
جَزَعْنَهُ |
|
عَلى
كُلِّ
قَيْنيٍّ
قَشيبٍ
وَمُفْأَمِ[7]
|
وَوَرَّكْنَ
في
السُّوبانِ
يَعْلونَ
مَتْنَهُ |
|
عَلَيْهنَّ
دَلُّ النّاعِمِ
المُتَنَعِّمِ[8] |
كَأَنَّ
فُتاتَ
العِهْنِ في
كُلِّ
مَوْقِفٍ |
|
نَزَلْنَ
بِهِ حَبُّ
الفَنا لَمْ
يُحَطَّمِ[9] |
بَكَرْنَ
بُكورًا
وَاسْتَحَرْنَ
بِسُحْرَةٍ |
|
فَهُنَّ
وَوادي
الرَّسِّ
كَاليَدِ
لِلفَمِ |
فَلَمّا
وَرَدْنَ
الماءَ
زُرْقًا
جِمامُه |
|
وَضَعْنَ
عِصِيَّ
الحاضِرِ
المُتَخَيِّمِ |
وَفيهِنَّ
مَلْهًى
لِلَّطيفِ
وَمَنْظَرٌ |
|
أَنيقٌ
لِعَيْنِ
النّاظِرِ
المُتَوَسِّمِ |
وهذه اللوحة الفنّيّة يلحظ أنّها تنقسم إلى عددٍ من الأنساق الفنّيّة المتداخلة فيما بينها، وكلّ نسقٍ يؤدّي وظيفةً خطابيّةً، وهذه الأنساق، هي:
ويمكن تفسير هذا النسق على أنّه مستقبل القبيلة، وهذا ما يفيده الفعل «تبصّر»؛ بمعنى النظر في مستقبل القبيلة، ويحمل هذا النسق وصفَ ما مرّت به القبيلة فلون العندم الأحمر هو نفسه لون الدم المراق في الحرب، وحبّ الفنا نبتٌ أحمر اللون؛ فالظعائن/ القبيلة في عبورها نحو مستقبل السلام أسقطت في كلّ منعطفٍ سياسيٍّ لها عددًا من الضحايا، وهذا يتّفق مع قوله لاحقًا:
فَقضَّوْا مَنايا ....
وبذلك، يثبت أنّ لاوعي الشاعر ما زال رهين وعيه الخطابيّ، أو ما يتغيّاه في خطابه.
يلحظ أنّ الظعائن متحرّكاتٌ بغير استقرارٍ على مدى مواقفَ متعدّدةٍ، وهذا العبور نحوَ المجهول «فهنّ ووادي الرسّ...» يتمثّل فيه واقعان للقبيلة؛ واقع اضطرابها وعدم استقرارها أمنيًّا وسياسيًّا، وواقع عدم معرفة ما ستؤول إليه الأمور في مستقبلها، وكأنّه سيجري التهامُها، أو هضمُ حقّها، إن استمرّت ملتفّةً في هذا النسق من عدم الاستقرار والاضطراب.
يظهر هذا في البيت الأخير، ودلالة اللون الأزرق عند العرب تقترن بالشرّ عادةً، وهو لونٌ مكروهٌ عندهم (أبو عون ص107)، ولكنّ زهيرًا أراد من هذا اللون الصفاءَ لأمرين؛ إمكانيّة الشرب منه، والثباتِ، أو الاستقرار: «ضربن عصيّ...»، وهذا الثبات يفيده فعل السلام الذي رسّخه كلٌّ من صاحبَي المال الممدوحَينِ، ولذلك، يشير هذا البيت بصورةٍ جليّةٍ إلى إمكانيّة البدء بالنسق الخطابيّ، الذي تمثّل في قول زهيرٍ (الأنباري 252):
سَعى
ساعِيا
غَيْظِ بنِ
مُرّةَ بَعْدَما |
|
تَبَزَّلَ
ما بَيْنَ
العَشيرَةِ
بالدمِ |
ويقصد زهيرٌ أنّ هذين الممدوحين سعيا في الصلح بعد أن تشقّق بالدم.
وفي الأبيات الآتية، تتجلّى الهيمنة السّياسيّة في معرفة زهيرٍ بالواقع السّياسيّ القبليّ، وتعاطيه مع هذا الواقع في المعلّقة، فتبدّى الوعي النّسقيّ عنده على أساس معرفته بالأنساق الثّقافيّة السّياسيّة لكِيان القبيلة، وانبلج هذا الوعي ضمن عددٍ من المحاور في المعلّقة، هي: الامتثال بالطاعة لموقف السيّدين، ومحاورة المنادين إلى الحرب بصناعة ذاكرةٍ مشؤومةٍ وكريهةٍ لها، ومخاطبة قبيلة عبسٍ للامتثال للصلح، والنّصيحة لذوبان الذّات في القبيلة والمجتمع، وتتضامّ المحاور جميعًا مشكّلةً جسدًا يصعب تفكيكه، وفيما يأتي بيان شواهد على كلّ محورٍ.
- الامتثال بالطاعة لموقف السيّدين:
لمّا بدأ زهيرٌ معلّقته علم أنّ لزامًا عليه أن يمدح السّاعيين إلى السّلام، والمُخرجين غيرهما من أقطاب الرّحى وما تحمله ثفالها من أشلاء المقاتلين، وهذا يعكس وعيًا نسقيًّا لدى زهيرٍ بخصوصيّة الممدوح؛ فلم يمدح أميرًا ولا ملكًا ولا صاحب بلاطٍ، إنّما مدح من امتلك المال واشترى المئين من الإبل معفّيًا الكلوم، ودافعًا الدّيات؛ لأنّ المال، في هذا المقام، يعدّ وسيلةً سُلطويّةً قادرةً على قلب الأوضاع، يقول (الأنباري 260):
يَمينًا
لَنِعْمَ
السَّيِّدانِ
وُجِدْتُما |
|
عَلى
كُلِّ حالٍ مِنْ
سَحيلٍ
وَمُبْرَمِ |
تَداركْتُما
عَبْسًا
وذُبيانَ
بَعْدَما |
|
تَفانَوْا
وَدَقّوا
بَيْنَهُمْ
عِطْرَ مَنْشَمِ[10] |
وَقَدْ
قُلْتُما
إِنْ
نُدْرِكِ
السِّلْمَ واسِعًا |
|
بِمالٍ
وَمَعْروفٍ
مِنَ
القَوْلِ
نَسْلَمِ |
فَأَصْبَحْتُما
مِنْها عَلى
خَيْرِ
مَوْطِنٍ |
|
بَعيدَينِ
فيها مِنْ
عُقوقٍ
وَمَأْثَمِ |
عَظيمَينِ
في عُليا
مَعَدٍّ
هُديتُما |
|
وَمَنْ
يَسْتَبِحْ
كَنْزًا
مِنَ
المَجْدِ يَعْظُمِ |
ويُلحظ في نسقيّة الأبيات أعلاه المضمرة أنّ زهيرًا ينسب القدرة على مجيء السّلام إلى الممدوحين الرّجلين، وذلك في قوله «تداركتما»، ويُتنبّه إلى أنّ عبسًا وذبيان كانوا على حالةٍ واحدةٍ «دقّوا بينهم عطر منشم»، فلم تكن القبيلة الأولى بحالٍ فضلى من الثّانية، وهذا دليلٌ على أنّ الحرب استهلكتهم حتّى صيّرتهم ذَرًّا، وقد مدح زهيرٌ الرّجلين بما تُمدح به الملوك؛ فكما قال الحارث «وأكمل من يمشي»، أو النّابغة «له فضلًا على النّاس في الأدنى وفي البعد» فإنّ زهيرًا يقول «لنعم السّيّدان وجدتما»، وفي هذا إيمانٌ مضمرٌ بأنّ المال الّذي يملكه هذان الرّجلان أعطاهما السّلطة نفسها الّتي تُعطى للملوك، وزهيرٌ بهذه العبارة ينفي كلّ فضلٍ وكلّ جودٍ عن غيرهما كما نفى الحارث أو النّابغة أو غيرهما كلّ فضلٍ عن غير الممدوحين من الملوك.
وخطاب زهيرٍ هذا يظهر فيه امتنانٌ واضحٌ لصنيعهما، لا سيّما أنّهما أدّيا ديةً لا تقع عليهما، وفيه استنكارٌ واضحٌ وتبرّؤٌ ممّن أراق الدماء، يتجلّى، بدايةً، في قوله (الأنباريّ 265):
تُعَفّى
الكُلومُ
بِالمِئينَ
فَأَصْبَحَتْ |
|
يُنَجِّمُها
مَنْ لَيْسَ
فيها
بِمُجْرِمِ[11] |
ويوازن زهيرٌ بوعيه السياسيّ بين عدم رضاه بصنيع حصين بن ضمضمٍ ومدحه لهرم بن سنانٍ والحارث بن عوفٍ؛ في البيتين أعلاه؛ فهذان البيتان، وإن أبديا عدم رضا زهيرٍ بما حدث، أتيا في نسقيّة المديح.
محاورة المنادين إلى الحرب بصناعة ذاكرةٍ مشؤومةٍ وكريهةٍ لها:
يعمد زهيرٌ إلى تخصيص جزءٍ جيّدٍ من المعلّقة من أجل تصوير الحرب، وما تفعله بالقبائل، مريدًا إزاحة القبائل عنها داعيًا إلى السّلام الثّقافيّ القبليّ، وقبل أن يشرع في الحديث عن الحرب، يخاطب زهيرٌ قبيلته مستندًا إلى الدين والعقل، وموازنًا فيه بين إظهارهم البطش، وإسرارهم المحبّة في الامتثال للصلح، قائلًا (الأنباريّ 265):
أَلا
أَبْلِغِ
الأَحْلافَ
عَنّي
رِسالَةً |
|
وَذُبْيانَ
هَلْ
أَقْسَمْتُمُ
كُلَّ مُقْسَمِ؟ |
ويلحظ ركون زهيرٍ إلى الثابت الدينيّ المقدّس واستحلافه إيّاهم بالقسم لئلّا يشرعوا في الحرب، ويسيروا ضدّ ما في نفوسهم، ويركن إلى المنطق وحديث العقل؛ وذلك باستخراج ما في مكنوناتهم، وحتّى لا يساءَل زهيرٌ عن إخراجه المكنونَ والمخبّأ في نفوس رجال قبيلته، يشرع في الحديث عن صورة الحرب، وتعكس صورة الحرب الّتي يلتقطها وعيًا لمآلات الأمور، مخاطبةً العقل بالحقائق، والعاطفة باستذكار مشاعر الحرب الكريهة، يقول (الأنباري 267):
وَما
الحَرْبُ
إِلّا ما
عَلِمْتُمْ
وَذُقْتُمُ |
|
وَما
هُوَ عَنْها
بِالحَديثِ
المُرَجَّمِ |
مَتى
تَبْعَثوها
تَبْعَثوها
ذَميمَةً |
|
وَتَضْرَ
إِذا
ضَرَّيْتُموها
فَتَضْرَمِ |
فَتَعْرُكُكُمْ
عَرْكَ
الرَّحى
بِثِفالِها |
|
وَتَلْقَحْ
كِشافًا
ثُمّ
تُنْتَجْ
فَتُتْئِمِ[12] |
فَتُنْتِجْ
لَكُمْ
غِلْمانَ
أَشْأَمَ
كُلُّهُمْ |
|
كَأَحْمَرِ
عادٍ ثُمّ
تُرْضِعْ
فَتَفْطِمِ |
فُتُغْلِلْ
لَكُمْ ما لا
تُغِلُّ
لِأَهْلِها |
|
قُرًى
بِالعِراقِ
مِنْ قَفيزٍ
وَدِرْهَمِ |
وفي هذه الأبيات، يحاول زهيرٌ إلصاق صفاتٍ مذمومةً للحرب ليس في ذاكرة الجيل الحاليّ حسب، بل لما بعده من أجيالٍ، بدليل ذكر أولاد النّاقة المشؤومين، وهذه الذّاكرة تنبني على حقيقيٍّ «علمتم وذقتم» ومتخيّلٍ يتمثّل بالصّور الفنّيّة والتّشبيهات، ويوجّه نحوها مشاعر الشّؤم والسّخرية «فتُغلل لكم»، وفي نسقيّة الأبيات يُلحظ وعيُه بطريقة ربط المتلقّي بعائلته/ قبيلته الّتي قد تتوارث الأضغان لثأرٍ قديمٍ، وحتّى لا يُساءل نسقيًّا عن دعوته إلى السّلام في مناخٍ حربيٍّ يستعير قصّة «أحمر عادٍ»، والمراد ثمود، ولكنّ هذا الخطأ ربّما تكون له دلالةٌ أخرى في محاولة زهيرٍ جمع العذابين معًا في تركيبٍ واحدٍ، أو إشغال فكر المتلقّي بالمقصود.
مخاطبة قبيلة عبسٍ للامتثال للصلح:
ويخاطب زهيرٌ بعد ذلك قبيلة عبسٍ، ولكن مخاطبةً مضمرةً ظاهرُها مدحٌ لقبيلته، بقوله (الأنباريّ 275):
لَعَمْري
لَنِعْمَ
الحَيٌّ
جَرَّ
عَلَيْهُمُ |
|
بِما
لا
يُواتيهمْ
حُصَيْنُ
بْنُ
ضَمْضَمِ[13] |
وَقالَ
سَأَقْضي حاجَتي
ثُمّ
أَتَّقي |
|
عَدُوّي
بِأَلْفٍ
مِنْ
وَرائِيَ
مُلْجِمِ |
ومخاطبة زهيرٍ لقبيلة عبسٍ تتبدّى في إظهاره عدمَ موافقة قبيلته لصنيع حصينٍ؛ فهو لم يُواتِهم «لم يوافقهم»، وأخفى أمر ثأره، كما أنّ زهيرًا يحاول تملّق قبيلة عبسٍ، أو مداراتهم بقوله، «ولم ينظر بيوتًا كثيرةً»، ويقول الأنباريّ في تفسير البيت: «شدّ على عدوّه وحده فقتله ولم يفزع العامّة بطلب واحدٍ -يريد بذلك تملّقهم وألّا يغضبوا- وإنّما قصد لثأره ولم يردكم. فاقبلوا الدية والصلح ودعوا الحرب» (الأنباريّ 277)، ويتجلّى وعي زهيرٍ في الموازنة بين مدح قبيلته «لنعم الحيّ» ورفضه لصنيع حصينٍ ومحاولة تملّق عبسٍ لقبول الدية والصلح، وهذه موازنةٌ أعقد من سابقاتها؛ لأنّها اشتركت في ثلاثة أنساقٍ.
النّصيحة لذوبان الذّات بالقبيلة والمجتمع:
يدرّ زهيرٌ نصائح متعدّدةً على المتلقّي ليذوب في كِيان القبيلة، وهذه النّصائح تكشف عن فكر زهيرٍ ووعيه النّسقيّ، يقول (الأنباري 284):
وَمَنْ
يَكُ ذا
فَضْلٍ
فَيَبْخَلْ
بِفَضْلِهِ |
|
عَلى
قَوْمِهِ
يُسْتَغْنَ
عَنْهُ
وَيُذْمَمِ |
وَمَنْ
لا يَزَلْ يَسْتَرْحِلُ
النّاسَ
نَفْسَهُ |
|
وَلا
يُعْفِها
يَوْمًا
مِنَ
الذَمِّ
يَنْدَمِ |
وَمَنْ
يَغْتَرِبْ
يَحْسِبْ
عَدُوًّا
صَديقَهُ |
|
وَمَنْ
لا
يُكَرِّمْ
نَفْسَهُ لا
يُكَرَّمِ |
وَمَنْ
لا يَذُدْ
عَنْ
حَوْضِهِ
بِسِلاحِهِ |
|
يُهَدَّمْ،
وَمَنْ لا
يَظْلِمِ
النّاسَ يُظْلَمِ |
وَمَنْ
لَمْ
يُصانِعْ في
أُمورٍ
كَثيرَةٍ |
|
يُضَرَّسْ
بِأَنْيابٍ،
وَيُوطَأْ
بِمَنْسِمِ[16] |
وهذه الأبيات وغيرها كلّها تنضح بوعيٍ قَبليٍّ سياسيٍّ ومجتمعيٍّ، وهي خلاصة «وعي» زهيرٍ بدوره تجاه المجتمع القبليّ عمومًا؛ فيرى أنّ على الفرد أن ينصهر في قبيلته، وأن يبقى في حدود إطارها المكانيّ؛ فلا يغترب، ويتعامل زهيرٌ مع المتلقّي بما يناسبه ويتلاءم مع فكره؛ فعرض لقيمة البَدء بالظّلم مع أنّ القصيدة تتحدّث عن السّلام، وعرض لأهمّيّة القبيلة للفرد بقوله «يُستغن عنه ويذمم»، ونَمّ البيت الأخير عن وعيٍ نسقيٍّ يتأرجح بين الجماليّات والقُبحيّات؛ فهو يعرض لقيمة «المُداراة» أو المجاملة؛ فيظهر من جهةٍ أنّ في الأنساق الّتي يبثّها زهيرٌ نوعًا من المجاملة للمجتمع والقبيلة، ومن جهةٍ أخرى يؤسّس لبثّ هذه القيمة في نفس المتلقّي، حتّى يصبح ذائبًا في قبيلته.
وبهذه الموازنات جميعًا وتعاضدها يتّضح نجاح المعلّقة في غرضها نسقيًّا قبل أن تنجح لغويًّا، ويعود سبب نجاحها إلى مخاطبة زهير بن أبي سلمى الرّجلين مخاطبة الدّبلوماسيّ الّذي يعي الواقع السّياسيّ لتشكّلات القبيلة وتحوّلاتها، وطبيعة الفرد الجاهليّ السّبّاق إلى الظّلم؛ فخاطب زهير بن أبي سلمى المتلقّي الجاهليّ بمختلف أطيافه إن فردًا وإن عبدًا، واستطاع الموازنة بين إحساسه الفرديّ في بداية المعلّقة تجاه الحرب، وخطابه الواعي سياسيًّا للقبيلتين ورفضه لتصرّف حصينٍ وثأره، وغيرها من السمات النسقيّة المتشابكة التي تشير، بوضوحٍ، إلى وعي صاحبها.
نشأ طرفة يتيمًا بغير أبٍ فكفله أعمامه، وقد أدرك الشّاعر ظلم أعمامه لأمّه فتمرّد عليهم وانشقّ عنهم (الأندلسيّ 1983)، وهذه البداية والنّشأة أعلنت بزوغ فجر شاعرٍ ثائرٍ باحثٍ عن الحرّيّة في الحياة وفي اللّذّات، وبالمقابل، أصبح طرفة لا يعي نسق القبيلة سياسيًّا تمام الوعي، ولم يكن يهمّه في حالٍ مخاطبتها نسقيًّا في المعلّقة وفي غيرها من شعره.
وأدّى عدم وعيه بالنّسق القَبَليّ السّياسيّ إلى عدم وعيٍ إلى ما هو أبعد من ذلك؛ بالنّسق السّلطويّ أمام عمرو بن هندٍ، فانتهى به الحال مقتولًا شرّ قِتلةٍ[17]، مأخوذًا بما يرى في نفسه، وبما يعمى ويخفى عن عينيه، وإن لم تكن المعلّقة تدلّ على شيءٍ من مواجهة طرفة لعمرو بن هندٍ، ولكنّها تحيل إلى بدايات الصّراع وعدم الوعي النّسقيّ بسياسات القبيلة، الأمر الّذي يتيح دراسة طرفة سياسيًّا بالانطلاق من المادّة الآتي عرضها.
بدأ طرفة كتابة الشّعر بسبب أعمامه لمّا ظلموا أمّه، فالظّلم هو الدّافع الأساس في نبع عين الشّعر عنده، ومن ثَمّ يجب قراءة المعلّقة على أساس هذا الدّافع، الّذي منه تنبثق مختلف أنواع الأنساق، يقول (الأنباري 132): (الطّويل)
لِخَوْلَةَ
أَطْلالٌ
بِبُرْقَةِ
ثَهْمَدِ |
|
ظَلِلْتُ
بِها أَبْكي
وَأَبْكي
إِلى الغَدِ |
وُقوفًا
بِها صَحْبي
عَلَيَّ
مَطِيَّهُمْ |
|
يَقولونَ:
لا تَهْلِكْ
أَسًى،
وَتَجَلَّدِ |
كَأَنَّ
حُدوجَ
المالِكِيَّةِ
غُدْوَةً |
|
خَلايا
سَفينٍ
بِالنَّواصِفِ
مِنْ دَدِ[18] |
عَدَولِيَّةٌ
أَوْ مِنْ
سَفينِ
اِبْنِ يامِنٍ |
|
يَجورُ
بِها
المَلّاحُ
طَوْرًا
وَيَهْتَدي[19] |
يَشُقُّ
حَبابَ
الماءِ
حَيْزومُها
بِها |
|
كَما
قَسَمَ
التُّرْبَ
المُفايِلُ
بِاليَدِ[20] |
وَفي
الحَيِّ
أَحْوى
يَنْفُضُ
المَرْدَ شادِنٌ |
|
مُظاهِرُ
سِمْطَيْ
لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ[21] |
خَذولٌ
تُراعي
رَبْرَبًا
بِخَميلَةٍ |
|
تَناوَلُ
أَطْرافَ
البَريرِ
وَتَرْتَدي[22] |
وَتَبْسِمُ
عَنْ أَلْمى
كَأَنَّ
مُنَوِّرًا |
|
تَخَلَّلَ
حُرَّ
الرَّمْلِ
دِعْصٌ لَهُ
نَدِي[23] |
سَقَتْهُ
إِياةُ
الشَّمْسِ
إِلّا
لِثاتِهِ |
|
أُسِفَّ
وَلَمْ
تَكْدِمْ عَلَيْهِ
بِإِثْمِدِ[24] |
وَوَجْهٍ
كَأَنَّ
الشَّمْسَ
حَلَّتْ
رِداءَها |
|
عَلَيْهِ
نَقِيُّ
اللَّوْنِ
لَمْ
يَتَخَدَّدِ[25] |
وَإِنّي
لَأُمْضي
الهَمَّ
عِنْدَ
اِحْتِضارِه |
|
بِعَوْجاءَ
مِرْقالٍ
تَروحُ
وَتَغْتَدي[26] |
أَمونٍ
كَأَلْواحِ
الإِرانِ
نَسَأْتُها |
|
عَلى
لاحِبٍ كَأَنَّهُ
ظَهْرُ
بُرْجُدِ[27] |
ويُلحظ من الوِقفة الطّلليّة استعجال الشّاعر؛ فلم يتأمّل الدّار، ولم يطل الوقوف فيها، إنّما جعل بُغيته الظّاعنات والمحبوبة الّتي ظعنت معهنّ، وتتجلّى بصورة المرأة عنده تمثالًا ومرفّهةً كما هي عند امرئ القيس، ولكنّه أراد إظهارها بمقامٍ عالٍ يناسب تطلّعات ذلك الضّرب الخشاش، والنسق المضمر خلف هذه الجماليّات إثبات الكمال؛ فطرفة يريد أن يقف على الأطلال كما وقف الشعراء العظماء فنّيًّا، ويريد أن يسير في اتّجاههم الفنّيّ أكثر من الاتّجاه الواقعيّ؛ فهو لم يتحدّث عن متعلّقات الطلل وعن الطلل كلّه بصورةٍ تظهر وعيًا واحترامًا له كما صنع زهيرٌ، إنّما اكتفى ببيتين عامّين فنّيّين؛ ليظهر بمظهر الباكي على الأطلال كما ظهر غيره.
وفي الوصف الظعينيّ يوجد اختزالٌ آخرُ؛ فهو لا يُعنى بواقع هذا الخليط، ويكتفي بتشبيهه، والتمثيل له، وكذلك الأمر نفسه في وصف المحبوبة، وهذا كلّه يؤدّي إلى النتيجة نفسها التي ظهرت في اختزال الطلل، وطرفة مشغولٌ بنفسه أكثر من انشغاله بمتعلّقات القصيدة القبليّة الواعية/ الطلل والظعائن والمحبوبة، وهذا يكشف عن واحدٍ من أمرين؛ إمّا أن يكون طرفة غير واعٍ لأهمّيّة الحضور الطلليّ وغيره في التقاليد الخطابيّة أو أنّه يعي أمر ذلك ولكنّه لا يكترث له، وفي الحالتين، يظهر استعجاله الشديد، وهروبه إلى ناقته الّتي تعين على الهمّ، وفي هذه الصّورة تحديدًا، يُلحظ طول نَفَسه في وصفها والحديث عنها، مُدلّلًا بذلك على تَطوافه في الآفاق، وإلى غربته النّفسيّة قبل الغربة الجغرافيّة، فهي مِئناسٌ له أمام وحشة الصّحراء المخيفة الّتي يفزع منها صاحبه، يقول (الأنباري 182):
عَلى
مِثْلِها
أَمْضي إِذا
قالَ صاحِبي |
|
أَلا
لَيْتَني
أَفْديكَ
مِنْها
وَأَفْتَدي |
وَجاشَتْ
إِلَيْهِ
النَّفْسُ
خَوْفًا وَخالَهُ |
|
مُصابًا،
وَلَوْ أَمْسى
عَلى غَيْرِ
مُرْصَدِ |
إِذا
القَوْمُ
قالوا: مَنْ
فَتًى؟
خِلْتُ أًنّني |
|
عُنيتُ
فَلَمْ
أَكْسَلْ،
وَلَمْ
أَتَبَلَّدِ |
ويُلحظ أنّ طرفة نسب الخوف إلى غيره/ الآخر أنفةً وشموخًا، وهذا الآخر قد يكون فردًا من قبيلته، ثمّ نسب إلى نفسه النّشاط والفاعليّة، وهذا النّشاط نسقٌ عليه ينبني عدم الوعي النّسقيّ لسياسات القبيلة، وعلى جذر هذا النّسق تتفرّع أبيات أكثر المعلّقة، منها قوله (الأنباري 187):
مَتى
تَأْتِني
أَصْبَحْكَ
كَأسًا
رَوِيَّةً |
|
وَإٍنْ
كُنْتَ
عَنْها
غانِيًا
فاغْنَ
واِزْدَدِ |
وَإِنْ
يَلْتَقِ
الحَيُّ
الجَميعُ
تُلاقِني |
|
إِلى
ذِرْوَةِ
البَيْتِ
الكَريمِ
المُصَمَّدِ |
وقوله المشهور (الأنباري 194):
فَلَوْلا
ثَلاثٌ
هُنَّ مِنْ
عِيشَةِ
الفَتى |
|
وَجَدِّكَ
لَمْ
أَحْفِلْ
مَتى قامَ
عُوَّدي |
فَمِنْهُنَّ
سَبْقُ
العاذِلاتِ بِشَرْبَةٍ |
|
كُمَيْتٍ
مَتى تُعْلَ
بِالماءِ
تُزْبِدِ[28] |
وَكَرّي
إِذا نادى
المُضافُ
مُحَنّبًا |
|
كَسيدِ
الغَضا،
نَبَّهْتَه،
المُتَوَرِّدِ[29] |
وَتَقْصيرِ
يَوْمِ
الدَّجْنِ،
وَالدَّجْنُ
مُعْجِبٌ |
|
بِبَهْكَنَةٍ
تَحْتَ
الخِباءِ
المُعَمَّدِ[30] |
ويُلحظ من الأبيات أنّ الشّجاعة عنده قرينةٌ باللَّذّة، وهما تتفرّعان عن الفاعليّة، ويستمرّ طرفة في نسبة الفاعليّة إلى الأشياء من حوله، كقوله عن قينته (الأنباري 188):
نَدامايَ
بِيضٌ
كالنُّجومِ
وَقَيْنَةٌ |
|
تَروحُ
إلينا
بَيْنَ
بُرْدٍ
وَمُجْسَدِ[31] |
رَحيبٌ
قِطابُ
الجَيْبِ
مِنْها رَفيقَةٌ |
|
بِجَسِّ
النَّدامى
بَضَّةُ
المُتَجَرَّدِ |
إِذا
قُلْتُ:
أَسْمِعينا
اِنْبَرَتْ
لَنا |
|
عَلى
رِسْلِها
مَطْروفَةً
لَمْ
تَشَدَّدِ |
ولا يفوت طرفة أن يحدّد قيمة الجارية الّتي تتدرّع ببُردها، ثمّ ينسب إليها نشاطها في الغناء انسيابًا بغير تشدّدٍ، ويستمرّ طرفة على حاله من نسق الفاعليّة من شجاعةٍ وشربٍ ولهوٍ، وجرى لومه لأجل ذلك، ولكنّه أجاب (الأنباري 192):
أَلا
أَيُّهذا
اللّائِمي
أَشْهَدَ
الوَغى |
|
وَأَنْ
أَحْضُرَ
اللَّذّاتِ،
هَلْ أَنْتَ مُخْلِدي؟ |
فَإِنْ
كُنْتَ لا
تَسْطيعُ
دَفْعَ
مَنِيَّتي |
|
فَدَعْني
أُبادِرْها
بِما
مَلَكَتْ
يَدي |
وبالفعل، بادر طرفة إلى منيّته لكونه لم يستمع إلى لائميه؛ فنسق الفاعليّة لديه تمادى ظهوره إلى أن أصبح معميًّا عن الأنساق القبليّة السّياسيّة الّتي تحيط به، حتّى أصبحت حاله كما يقول (الأنباري 191):
وَما
زالَ
تَشرابي
الخُمورَ وَلَذَّتي |
|
وَبَيْعي
وَإنْفاقي
طَريفي
وَمُتْلَدي |
إِلى
أَنْ
تَحامَتْني
العَشيرَةُ
كُلُّها |
|
وَأُفْرِدْتُ
إِفْرادَ
البَعيرِ
المُعَبَّدِ
|
وإن كان طرفة سالمًا من سياسات القبيلة لعدم وعيه النّسقيّ في مخاطبتها، فإنّه لم يسلم من عدم وعيه أمام الملك عمرو بن هندٍ، ويتجلّى عدم وعيه في قصيدته الّتي مطلعها (طرفة بن العبد 38): (الوافر)
فَلَيْتَ
لَنا مَكانَ
المَلْكِ
عَمْرٍو |
|
رَغوثًا،
حَوْلَ
قُبَّتِنا
تَخورُ[32] |
مِنَ
الزَّمِراتِ،
أَسْبَلَ
قادِماها |
|
وَضَرَّتُها
مُرَكَّنَةٌ
دَرورُ[33] |
ولمّا أدرك أنّ نسق الفاعليّة عنده أصبح معميًّا وأورده المهالك عمد إلى تخفيف حدّة خطابه، وإلى الاستجداء في قصيدته الّتي يقول فيها (طرفة بن العبد 53): (الطّويل)
أَلا
اِعْتَزِليني
اليَوْمَ يا
خَوْلَ، أَوْ
غُضّي |
|
فَقَدْ
نَزَلَتْ
حَدْباءُ
مُحْكَمَةُ
العَضِّ |
أَبا
مُنْذِرٍ
كانَتْ
غُرورًا صَحيفَتي |
|
وَلَمْ
أُعْطِكُمْ
بِالطَّوْعِ
مالي وَلا عِرْضي |
أَبا
مُنْذِرٍ،
أَفْنَيْتَ،
فَاِسْتَبْقِ
بَعْضَنا |
|
حَنانَيْكَ
بَعْضُ
الشَّرِّ
أَهْوَنُ
مِنْ بَعْضِ |
فَأَقْسَمْتُ
عِنْدَ
النُّصْبِ
إِنّي لَهالِكٌ |
|
بِمُلْتَفَّةٍ،
لَيْسَتْ
بِغَبْطٍ
وَلا خَفْضِ[34] |
ولات حين ندمٍ ساعتها، فقتلته تلك الصّحيفة الّتي ظنّ بها خيرًا لعماه، وأدّى عدم وعيه إلى قتله، كما أدّى وعي زهير بن أبي سلمى إلى تحقيق مقصده وغرضه من معلّقته.
ويتّضح من الوقوف السريع على معلّقة طرفة أنّها لا تحمل نسقًا يمكن معالجته بصورةٍ دقيقةٍ، كما عند زهيرٍ؛ فنسق طرفة أبسط؛ لكونه يتمثّل في «عدم الوعي»، والكشف عن «عدم الوعي» أيسر من الكشف عن «الوعي» عند أيّ امرئٍ، ومع ذلك، فنسقيّة المعلّقة القائمة على تفرّده ووحدانيّته وانسلاخه عنها لا يمكن في حالٍ تفسيرها إلّا بمستقبله مع السلطة الأخرى للإنسان الجاهليّ؛ وهي سلطة السياسيّ أو الملك، فلمّا قُرئ «عدم الوعي» عند طرفة في ضوء تعامله مع عمرو بن هند، تجلّت قلّة وعيه، وأصبحت ظاهرةً؛ وبهذا، يمكن القول إنّ النسق نشأ صغيرًا، وكان ظاهره التفرّد والوحدانيّة والانسلاخ من سلطة القبيلة، ولكنّ مضمرَه في ضوء خطاب طرفة عمومًا يكشف عن «عدم وعيه» في التعامل مع السلطة.
أمّا بعد، فيتبيّن أخيرًا أنّ الخطاب، أيَّ خطابٍ، في بواطنه عمليّةٌ معقّدةٌ من أساليب الهيمنة بمختلف أنواعها، خاصّةً الهيمنة السّياسيّة، ومن المهمّ على الفرد أن يدرك هذه العمليّة الباطنيّة الموجودة في نظام خطاب المجتمع؛ فكما أدّى وعي زهير بن أبي سلمى إلى تحقيق السّلام وتوثيق عراه بين قبيلتين افتتنتا بالقتل والدّمار، فإنّ عدم وعي طرفة أدّى به إلى قتلةٍ لا يتمنّاها أيّ عاقلٍ لنفسه، ولعلّ من المهمّ الرّجوع إلى ما قاله ميشيل فوكو في هذا الصّدد: «أفترض أنّ إنتاج الخطاب، في كلّ مجتمعٍ، هو في نفس الوقت إنتاجٌ مراقبٌ، ومُنتقًى، ومنظّمٌ، ومعادٌ توزيعه من خلال عددٍ من الإجراءات الّتي يكون دورها هو الحدّ من سلطاته ومخاطره، والتّحكّم في حدوثه المحتمل، وإخفاء مادّيّته الثّقيلة والرّهيبة» (فوكو 8).
وقراءة هاتين المعلّقتين انطلاقًا من هذا المبدأ محاولةٌ لتسليط الضّوء على هذه العمليّة من إنتاج الخطاب، العمليّة الّتي تبدو في ظاهرها يسيرةً، ولكن يتّضح تعقيدها عند الوقوف على تحوّلاتها النّسقيّة المضمرة، وبناءً على تنظيم الخطاب وإنتاجه يتحصّل مُنتِج الخطاب على سعي إنتاجه، فلكلّ فعلٍ خطابيٍّ ردّ فعلٍ مجتمعيٌّ أو سياسيٌّ أو غير ذلك، وهذا ما يتّضح بيانًا وتفصيلًا في شعر طرفة بن العبد، الأمر الّذي يفرش المهاد واسعًا لدراسة تشكّلات الخطاب وتأثيره في منتجه.
1- تتحقّق هيمنة المهيمِن بالرّضا والقَبول لا بالقوّة والإكراه، وهو ما يجعلها محلّ اهتمامٍ بحثيٍّ قد يؤدّي إلى التّغوّل بعيدًا في عقليّة المُهيمَن عليه، حتّى تُفهم الكيفيّة الّتي انبثق بها وجود الهيمنة، كما أنّها تتيح دراسة الأساليب الّتي تمارسها السّلطة بحيث تجعل من وجودها أمرًا مرغوبًا فيه ومرضيًّا عنه بلا مقاومةٍ، ومن ثَمّ استنباط عددٍ من الأساليب الّتي يمكن بها قراءة الواقع المعيش سياسيًّا.
2- تختلف درجة تأثير الفعل الخطابيّ من خطابٍ إلى آخر، بحسب قرب الخطاب من الاستهلاك المجتمعيّ أو بُعده، والقصيدة الجاهليّة، عمومًا، والمعلّقات، خصوصًا، كان لها استهلاكٌ بوصفها خطابًا أعلى من غيرها من النظم الخطابيّة الأخرى، الأمر الذي يضع هاتين المعلّقتين أمام تساؤلٍ من قرب من السلطة أو بُعدها عنها، وبذلك، تُقرأ معلّقة طرفة سياسيًّا، مع أنّها لا تشي بواقعٍ أو نسقٍ سياسيٍّ، وهذا يجيب عن تساؤل الباحث حول سيطرة النّسق السّياسيّ على موضوعات المعلّقتين؛ فالإجابة هي أنّ السّياسة تكاد بنسقيّتها الظّاهرة أو الخفيّة تسيطر على كلّ خطابٍ ونصٍّ يمتلك سلطة التأثير بوصفه خطابًا قابلًا للاستهلاك المجتمعيّ.
3- الإفلاح في الوصول إلى ردّ الفعل المناسب قرينٌ بإنتاج الفعل الخطابيّ المناسب؛ فقد أفلح زهيرٌ في فهم واقعه ما أتاح له إدراك النُّجح في طِلبته، ولكنّ طرفة الثّائر لم يفلح سياسيًّا أو نسقيًّا؛ لكون خطابه لم يفلح في فهم النّسقيّة السّياسيّة آنذاك.
4- يقف النّصّ الجاهليّ أمام الأفكار الحداثيّة موقف ابن السّبيل، ووظيفة الباحث أن يجعل الألفة بينهما قائمةً باستخدام ما يتّفق من الفكر الحداثيّ مع النّصّ الجاهليّ بعيدًا عن التّكلّف والتّشدّق والإسراف في التّأويل، وإن خالف ذلك فلن يخرج الدّارس إلّا بتشوّهاتٍ لا تحترم منظّري الفكر الغربيّ، ولا منتجي النّصّ الجاهليّ.
5- من الممكن الاستفادة من مخرجات هذا البحث الّذي يسلّط الضّوء على تعامل التّابعين مع السّياسيّين وإفلاحهم أو عدم إفلاحهم في الوصول إلى المطلوب، في فهم الواقع السّياسيّ الحاليّ، وكيفيّة التّصرّف وَفقًا لهذه المخرجات.
6- من الممكن فهم المرجعيّة الثقافيّة للعقليّة العربيّة الحاليّة الّتي ترى القبيلة أو العشيرة أو العائلة أساسًا لوجودها الثّقافيّ والحيويّ بما جرى تناوله في المعلّقتين، والكيفيّة الّتي تعامل بها كلّ شاعرٍ مع قبيلته، والنّتيجة الّتي توصّل إليها، وهذا الفهم لا يؤخذ على إطلاقه من الخطاب؛ فقد تغيّرت الظروف والأحوال، ولم يعد العربيّ اليوم كالعربيّ آنذاك، ولم تعد القبيلة كما كانت، ومع ذلك، يمكن القول إنّ للمعلّقتين، بوصفهما مرجعًا ثقافيًّا، ظلًّا في العقليّة العربيّة المعاصرة.
وأخيرًا، يوصي الباحث بإعادة قراءة «الجماليّات الفنّيّة» قراءةً تتّفق مع مقاصد الشاعر وبيئته، وإلى توسعة مجال النسق المضمر؛ ليصبح غير مرتهنٍ بكونه ضدًّا للنسق الظاهر، وإلى عدم تخطّي الخطاب بحكمٍ مسبقٍ، كمن يبدأ قراءة الخطاب من أجل البحث عن «القبحيّات الثقافيّة» الأمر الذي يتنافى مع أهمّ مبادئ البحث العلميّ، كما أنّه من المهمّ لدى الباحثين أن يعوا أنّ الدرس الثقافيّ يُعنى بالخطاب الذي له استهلاكٌ مجتمعيٌّ، وبذلك، لا يكترث النقد الثقافيّ لكثيرٍ من الشعر العربيّ، غير الجاهليّ؛ لأنّه لم يتحصّل على خاصّيّة الاستهلاك المجتمعيّ، ومن ثَمّ لا تأثير فيه يُدرس على العقليّة العربيّة.
الأنباريّ، أبو بكرٍ محمّد بن القاسم. شرح القصائد السّبع الطّوال الجاهليّات، تح: عبد السّلام هارون. ط5، دار المعارف، مصر، (د. ت).
الأندلسيّ، أبو الحجّاج يوسف بن سليمان. أشعار الشّعراء السّتّة الجاهليّين اختياراتٌ من الشّعر الجاهليّ، تح: لجنة إحياء التّراث العربيّ. ط3، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1983.
إيغيلتون، تيري. نظريّة الأدب، تر: ثائر ديب. منشورات وزارة الثّقافة، سوريا، 1995.
بارت، رولان. لذّة النصّ، تر: د. منذر عيّاشي. ط1، مركز الإنماء الحضاريّ، 1992.
خالد، غسّان، البدوقراطيّة قراءةٌ سوسيولوجيّة في الدّيمُقراطيّات العربيّة. ط1، مكتبة مؤمن قريش، بيروت، 2012.
الرّباعي، عبد القادر. جماليّات الخطاب في النّقد الثّقافيّ رؤيةٌ جدليّةٌ جديدةٌ. ط1، دار جرير، عمّان، 2015.
سعيد، إدوارد. العالم والنّصّ والنّاقد. اتّحاد الكتّاب العرب، 2000.
–––. صور المثقّف، تر: غسّان غصن، ومراجعة: منى أنيس. دار النّهار، بيروت، 1996.
اصطيف، عبد النّبي، والغذّامي، عبد الله. نقدٌ ثقافيٌّ أم نقد أدبيّ؟. ط1، دار الفكر، بيروت، [د. ت].
طرفة بن العبد. الدّيوان، تح: مهدي محمّد ناصر الدّين. ط3، دار الكتب العلميّة، لبنان، 2002.
عليمات، يوسف. ثقافة النّسق تجلّيات الأرشيف في الشّعر العربيّ القديم. ط1، الأهليّة للنّشر والتّوزيع، عمّان، 2021.
–––. النّقد النّسقيّ تمثيلات النّسق في الشّعر الجاهليّ. ط1، الأهليّة للنّشر والتّوزيع، عمّان، 2015.
الغذّامي، عبد الله. النّقد الثّقافي قراءة في الأنساق الثّقافيّة العربيّة. ط3، المركز الثّقافيّ العربيّ، 2005.
فوكو، ميشيل. نظام الخطاب، تر: محمّد سبيلّا. ط3، التّنوير، 2012.
قادري، محمّد باسل. «في نقد نقد الغذّامي: مناقشة مبحث (العمى الثّقافيّ أبو تمّامٍ بوصفه شاعرًا رجعيًّا) من كتاب (النّقد الثّقافيّ)». مجلّة أنساق للفنون والآداب والعلوم الإنسانية، مج3، ع2، 2022 (83-114).
كاظم، نادر. تمثيلات الآخر: صورة السّود في المتخيّل العربيّ الوسيط. ط1، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، لبنان، 2004.
امرؤ القيس بن حجر. ديوان امرئ القيس، تح: محمّد أبو الفضل إبراهيم. ط3، دار المعارف، مصر.
المصري، عيسى. «الوعي الشّعريّ عند أبي تمّامٍ-قراءة نسقيّة». مجلّة جامعة النّجاح للأبحاث (العلوم الإنسانيّة)، مج30، ع12، فلسطين، 2016.
مفتاح، محمّد. التّشابه والاختلاف نحو منهاجيّةٍ شموليّةٍ. المركز الثّقافيّ العربيّ، (د. ت).
النّحّاس، أبو جعفرٍ. شرح القصائد التّسع المشهورات، تح: أحمد خطّاب. دار الحرّيّة للطّباعة، بغداد، 1973م.
ثانيًا: الأجنبية
References:
alghdhdhāmy, ʻAbd Allāh. alnnqd alththqāfy qirāʼah fī al-ansāq alththqāfyyh al-ʻArabīyah (in Arabic), ed. 3, al-Markaz alththqāfī alʻrbī, 2005.
al-Miṣrī, ʻĪsá. al-Waʻy alshshʻrī ʻinda Abī tmmāmin-qrāʼh nsqyyh (in Arabic), Majallah Jāmiʻat alnnjāḥ lil-Abḥāth (al-ʻUlūm al-Insānīyah), V. 30, Filasṭīn, 2016.
alʼnbārī, Abū bkrin Muḥammad ibn al-Qāsim. Sharḥ al-qaṣāʼid alssbʻ alṭṭwāl aljāhlyyāt (in Arabic), ʻAbd alsslām Hārūn, ṭ5, Dār al-Maʻārif, Miṣr, (D. t).
alʼndlsī, Abū alḥjjāj Yūsuf ibn Sulaymān, ashʻār alshshʻrāʼ alsstth aljāhlyyyn akhtyārātun min alshshʻr aljāhlī (in Arabic), Lajnat Iḥyāʼ alttrāth alʻrbī, ed3, Manshūrāt Dār al-Āfāq al-Jadīdah, Bayrūt, 1983.
alnnḥḥās, Abū jʻfrin. Sharḥ al-qaṣāʼid alttsʻ al-mashhūrāt (in Arabic), Ed. Aḥmad khṭṭāb, Dār alḥrryyh llṭṭbāʻh, Baghdād, 1973.
alrrbāʻy, ʻAbd al-Qādir. jmālyyāt al-khiṭāb fī alnnqd alththqāfī rʼytun jdlyytun jdydtun (in Arabic), ed. 1, Dār Jarīr, ʻAmmān, 2015.
Aṣṭīf, ʻAbd alnnby, wālghdhdhāmy, ʻAbd Allāh. nqdun thqāfyyun Umm Naqd adbī? (In Arabic) ed. 1, Dār al-Fikr, Bayrūt,
Bārt, Rūlān. ldhdhh alnṣṣ (in Arabic), tara: D. Mundhir ʻyyāshy, ed1, Markaz al-Inmāʼ alḥḍārī, 1992.
Fūkū, Mīshīl. Niẓām al-khiṭāb (in Arabic), tara: Muḥammad sbyllā, ed3, alttnwyr, 2012.
Hoare, George, and Sperber, Nathan. An Introduction to Antonio Gramsci-His Life, Thought and Legacy, bloomsbury academic, 2016.
Imruʼ al-Qays. alddywān Muḥammad Abū al-Faḍl Ibrāhīm (In Arabic), ed. 3, Dār al-Maʻārif, Miṣr.
iyghyltwn, tyry, nẓryyh al-adab (in Arabic), tara: Thāʼir Dīb, Manshūrāt Wizārat alththqāfh, Sūriyā, 1995.
Kāẓim, Nādir. Tamthīlāt al-ākhar: Ṣūrat alsswd fī almtkhyyl alʻrbī al-Wasīṭ (in Arabic), ed. 1, almʼsssh al-ʻArabīyah llddrāsāt wālnnshr, Lubnān, 2004.
Khālid, Ghssān. albdwqrāṭyyh qrāʼtun swsywlwjyyh fī alddymuqrāṭyyāt al-ʻArabīyah (in Arabic), ed. 1, Maktabat Muʼmin Quraysh, Bayrūt, 2012.
Miftāḥ, Muḥammad. alttshābh wa-al-ikhtilāf Naḥwa mnhājyytin shmwlyytin (in Arabic), al-Markaz alththqāfī alʻrbī, (D. t).
Qādirī, Muḥammad Bāsil. fī Naqd Naqd alghdhdhāmy: munāqashah mabḥath (alʻmá alththqāfī Abū tmmāmin bi-waṣfihi shāʻran rjʻyyan) min Kitāb (alnnqd alththqāfī) (in Arabic), Majallah ansāq lil-Funūn wa-al-Ādāb wa-al-ʻUlūm, V. 3, 2022.
Saʻīd, Idwārd. al-ʻālam wālnnṣṣ wālnnāqd (in Arabic), attḥād al-Kuttāb al-ʻArab, 2000.
–––. ṣuwar almthqqf (in Arabic), tara: ghssān Ghuṣn, wa-murājaʻat: Muná Anīs, Dār alnnhār, Bayrūt, 1996.
Ṭarafah ibn al-ʻAbd, alddywān (in Arabic), Mahdī Muḥammad Nāṣir alddyn, ed. 3, Dār al-Kutub alʻlmyyh, Lubnān, 2002.
ʻUlaymāt, Yūsuf. alnnqd alnnsqī Tamthīlāt alnnsq fī alshshʻr aljāhlī (in Arabic), ed. 1, alʼhlyyh llnnshr wālttwzyʻ, ʻAmmān, 2015.
–––. Thaqāfat alnnsq tjllyāt al-arshīf fī alshshʻr alʻrbī al-qadīm (in Arabic), ed. 1, alʼhlyyh llnnshr wālttwzyʻ, ʻAmmān, 2021.
Williams, R. Culture and Materialism. 2nd ed., Verso, 2020.
* هذا البحث مستلٌّ من رسالة ماجستير بعنوان: «هيمنة الأنساق الثقافيّة السياسيّة في شعر المعلّقات العشر: الرؤية والواقع»، من إعداد الباحث الأول، 2022، بإشراف الدكتور عبد الخالق عيسى، والشكر موصول لكل من الدكتور حسن أبو الربّ، والأستاذ الدكتور يحيى جبر -رحمه الله تعالى، على حسن التوجيهات والإرشادات، حتّى أصبح البحث بهذه الحلّة.
* This research is taken from a master’s thesis entitled: “The Dominance of Cultural-Political Patterns in the Poetry of the Ten Mu'allaqāt: Vision and Reality,” by the first researcher, 2022, under the supervision of Dr. Abdul Khaleq Issa. Thanks are due to Dr. Hassan Abu Al-Rub and Professor Yahya Jabr, for the good directions and instructions.
[1]- الدِّمنة: ما بقي من الدّيار وآثار النّاس. حومانة الدّرّاج والمتثلّم: موضعان.
[2]- العِين: البقر. الآرام: ظباءٌ. خِلْفةً: تمشي مختلفةً في كلّ وجهٍ. أطلاؤها: أولاد الظّباء.
[3]- الأثافيّ: الأحجار الّتي يُنصب عليها القِدْر.
[4]- الظّعائن: النّساء في الهوادج. جُرثم: ماءٌ لبني أسدٍ.
[5]- القنان: جبلٌ لبني أسدٍ. الحَزن: ما ارتفع وغلظ من الأرض.
[6]- وعالين أنماطًا عتاقًا: جعلن المتاع كالأنماط (البُسُط). وِراد: لونها مائلٌ إلى الحُمرة. الحَواشي: جمع حاشيةٍ. العَنْدم: صبغٌ أحمر.
[7]- ظهرن: خرجن. السّوبان: وادٍ. جزعنه: خلَّفْنَه. قينيّ: قتبٌ طويلٌ يكون تحت الهودج. قشيب: جديد. مُفأم: جملٌ ضخمٌ.
[8]- ورّكن: مِلْنَ فيه. المَتن: ما غلظ من الأرض.
[9]- العهن: الصّوف المصبوغ. الفَنا: شجرٌ ثمره حبٌّ أحمر وفيه نقطةٌ سوداء، وقال الفرّاء هو عنب الثّعلب.
[10]- منشَم: امرأةٌ عطّارةٌ، وقد تحالف قومٌ على أن يقاتلوا فوضعوا أيديهم في عطرها فقُتلوا جميعًا، فتشاءمت العرب بها.
[11]- تُعفّى: تُمحى. الكلوم: الجراح. المئين: يقصد مئات الإبل «الدية». ينجّمها: يؤدّيها.
[12]- الثِّفال: جلدةٌ أو خِرقةٌ تُجعَل تحت الرَّحى ليكون ما سقط من الطّحين في الثّفال. تلقح: يقصد النّاقة. الكِشاف: أن تحمل على النّاقة في كلّ سنةٍ فتلقح، وهذا يجعل نتاجها رديئًا.
[13]- حصين بن ضمضمٍ ثأر لأخيه هرمٍ بقتل رجلٍ من بني عبسٍ بعد أن اتّفقت قبيلتا عبسٍ وذبيان على الصلح، فكادت تنشب الحرب بسببه مرّةً أخرى، فدفع هرم بن سنان والحارث بن عوف الديات إلى عبسٍ يطلبان السلم والصفح.
[14]- يريد أنّه دبّر لهذا الأمر وحده، ولم تكن له صلةٌ مع غيره من بني ذبيان.
[15]- أمّ قشعم: المنيّة.
[16]- المَنسِمان: الظّفران في صدر خفّ البعير.
[17]- كان قد أوصى عمرو بن هندٍ عامل البحرين على قطع يدَي طرفةَ ورجليه ودفنه حيًّا (الأندلسيّ، 1983).
[18]- الحدوج: مراكب النّساء. المالكيّة: بنو مالكٍ. وهم أولاد ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة. الخليّة: السّفينة العظيمة. النّواصف: المواضع الرّحبة في الوادي. دد: مكانٌ.
[19]- العَدَوْليّة: منسوبةٌ إلى جزيرةٍ من جزائر البحر يُقال لها عَدَوْلى. ابن يامنٍ: ملّاحٌ من أهل هَجر. يجور بها الملّاح: يعدِل بها ويميل.
[20]- حباب الماء: طرائق الماء. المفايل: الذي يلعب لعبة الفِيال. والمُفايلة: ترابٌ يكوّمونه أو رملٌ يخبّؤون فيه خبيًّا.
[21]- الأحوى: ظبيٌ. ينفض المرد: يحاول أكل ما تساقط من ثمر الأراك. مظاهر سمطي لؤلؤ: لبست واحدًا فوق آخر، والسّمط: الخيط.
[22]- الخذول: الّتي خذلت صواحبها وأقامت على ولدها. الرّبرب: البقر. الخميلة: الأرض السّهلة. ترتدي: تمدّ نفسها لتناول ما تطاله من ثمر الأراك.
[23]- الألمى: الأسمر، ويقصد سُمرة اللّثات؛ لكونها تعكس بياض الأسنان. الدّعص: كثيب الرّمل.
[24]- إياة الشّمس: شعاعها وضوؤها.
[25]- التّخدّد: اضطراب الجلد واسترخاء الّلحم.
[26]- العوجاء: النّاقة الّتي ضمرت فاعوجّ شخصها. المرقال: المسرعة.
[27]- أمونٍ: النّاقة الّتي يؤمن زللها. الإران: تابوتٌ يُجعل فيه سادات القوم وكبراؤهم، وبه شُبّهت النّاقة. نسأتُها: حملتُها على السّير.
[28]- كميت: الحمراء.
[29]- المُضاف: المُدرَك. المتورّد: الّذي يرد الماء.
[30]- تقصير يوم الدّجن: أقصّره بالّلهو. البهكنة: التّامّة الخلق. المعمّد: المرفوع بالعمد.
[31]- القَينة: الأَمَة مغنّيةٌ أو غير مغنّيةٍ.
[32]- الرَّغوث: النّعجة. تخور: تُطلق صوتها.
[33]- الزّمرات: النّعجة الّتي يقلّ صوفها، ويكثر لبنها. أسبل قادماها: طالت أذناها. دَرور: تدرّ اللّبن.
[34]- النّصب: ما يُبنى من تماثيل للعبادة. الملتفّة: الأرض كثيرة الشّجر، ويقصد البحرين؛ لأنّه قُتل فيها. الغبط: المسرّة والفرح. الخفض: لين العيش ورغده.