تاريخ الاستلام: 3 نوفمبر 2023
تاريخ التحكيم: 19 ديسمبر 2023
تاريخ القبول: 5 مارس 2024
عدوان نمر عدوان
أستاذ النقد الأدبي، كلية الآداب، جامعة النجاح الوطنية - فلسطين
طالبة دكتوراه في الأدب الحديث، كلية الآداب، جامعة النجاح الوطنية - فلسطين
omqusay40@gmail.com
يهدف البحث إلى الكشف عن تقنيّة الوصف في سيرة المتوكّل طه «رمل الأفعى – سيرة كتسيعوت – معتقل أنصار3» التي مثّلت أنموذجًا حيًّا للإبداع الذي يولد من رحم المعاناة في أقبية السّجون، وعتمة زنازين الاحتلال الإسرائيلي، وكيف تغير الوصف من مشهد لآخر تبعا للحالة النفسية التي كابدها الكاتب والمعتقلون. وتكمن إشكالية البحث في أن السيرة كتبت في ظروف صعبة تختلف عن ظروف الكتابات الأدبية الأخرى ظروف يقاسيها السّجين في عتمة الزّنازين؛ ما يضفي عليها أبعادا نفسية مختلفة، وتحديات قاسية، وإشراقات جمالية، كل ذلك استحضر باستخدام تقنية الوصف لتثبيت الزمان والمكان وعرض الشخصيات، ورصد الأفعال والتصورات والأحلام والعجائب. واستخدم البحث المنهج الوصفي التحليلي لدراسة الوصف وتجلياته في سيرة المتوكل.
وخرج البحث بعدد من النتائج من أهمها، أنّ الكاتب ركز على وصف إكراهات المحتل في المكان المتمثل في حشرهم في المعتقلات الصحراوية لجعلها أماكن معادية؛ ذلك أنّ السجن مكان كبّل الكاتب، وقيّده في بقعة محدّدة تقييدا فيزيائيا ونفسيًا، لا يمتلك فيه حرية التنقل حتى بين أقسام السجن نفسه. كما أن الكاتب ركز على وصف الأماكن المعادية مثل المعتقلات والسجون، وركز على محاولة التأقلم معها وأنسنتها؛ لأنها قطعة من الوطن فما أراد له المحتل أن يكون معاديا استطاع السجين أن يجعله ودودا، كما وصف الكاتب المتناقضات، وخاصة المحتل الذي من خلاله، ومن نزعته الشريرة استطاع السجناء تكوين نزعة خيرة مقاومة، مستخدما اللغة الوصفية التقريرية في وصف المحتل والسجن، ومستخدما اللغة الوصفية الشعرية في وصف الحالة الفلسطينية. ويوصي البحث بدراسة الموافقة والمفارقة بين الفن والواقع في أدب المتوكل طه، والبعد الرعوي في شعره ونثره.
الكلمات المفتاحية: السجن، السرد، المكان، الوصف، السيرة
للاقتباس: عدوان، عدوان نمر، وعَمُّوص، آيات شفيق سعيد. »الوصف في سيرة «رمل الأفعى: سيرة كتسيعوت – معتقل أنصار 3» للمتوكل طه«. أنساق في الآداب والعلوم الإنسانية، المجلد الثامن، العدد 1، 2024، ص15-37. https://doi.org/10.29117/Ansaq.2024.0196
© 2024، عدوان وعموص، الجهة المرخص لها: كلية الآداب والعلوم، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
Received: 03 November 2023
Reviewed: 19 December 2023
Accepted: 05 March 2024
Adwan Nimr Adwan
Professor of Literary Criticism, Faculty of Arts, An-Najah National University–Palestine
Ayat Shafiq Saeed ‘Ammous
PhD Student in Modern Literature, Faculty of Arts, An-Najah National University–Palestine
This study aims to uncover the technique of description in the biography of Al-Mutawakkil Ṭāhā " Snake Sand: The Biography of Ketziot Anṣār Detainee 3," which served as a vivid example of creativity born from the crucible of suffering in the depths of prisons, the darkness of Israeli occupation cells. It examines how the description evolves from one scene to another based on the psychological state endured by the author and the detainees.
Research Problem: The biography was written under difficult conditions that differ from those of other literary works, conditions experienced by the prisoner in the darkness of cells, which imbue it with unique psychological dimensions, harsh challenges, and aesthetic illuminations. All of this is accomplished through the use of descriptive techniques to establish time and place settings, present characters, and capture actions, visions, dreams, and marvels.
The research used a descriptive-analytical methodology to study the description and its manifestations in Al-Mutawakkil's biography. It yields several key findings, including:
The author focused on describing the oppressions of the occupier in the setting represented by their confinement in desert prisons, turning these places into hostile territories. The prison became a place that shackled the author, physically and psychologically, confining them to a specific spot within it, devoid of the freedom to move even between different sections of the prison. The author emphasized describing antagonistic places, such as detention centers and prisons, while also highlighting attempts to adapt and humanize them.
Keywords: Prison; Narration; Place; Description; Biography
Cite this article as: Adwan, N.A. & ‘Ammous, A.S. "Description in the Biography 'Snake Sand: Biography of Ketziot Ansār Detainee 3' by Al-Mutawakkil Țāhā". Ansaq in Arts and Humanities, Vol. 8, Issue 1, 2024, pp. 15-37. https://doi.org/10.29117/Ansaq.2024.0196
© 2024, Adwan & ‘Ammous, licensee, College of Arts and Sciences & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
شكلت القضية الفلسطينية والظروف التي واكبتها، منعطفًا حادًّا في تاريخ الشعب الفلسطيني، وانعكس ذلك على واقعهم السياسي والاجتماعي والثقافي، فسار الأدب الفلسطيني جنبًا إلى جنب مع قضية شعبه، ومسار حياته، فلم يتوقف العمل الوطني ومقاومة الاحتلال عند الكفاح المسلح فحسب؛ بل وظف أبناء الشعب الفلسطيني وسائل المقاومة كافة، ومنها الكلمة الحارقة الملتهبة، المشحونة بدلالة الرفض والمقاومة.
وكانت لتجربة الاعتقال التي يمر بها المقاومون الفلسطينيون، أثر بالغ في إثراء الحركة الأدبية، فتكونت مجموعة من الأعمال الأدبية من تأليف المعتقلين في سجون الاحتلال ومعتقلاته، فكانت إحدى أشكال النضال ضد الكيان الصهيوني، فغدت أكثر قدرة، وأعمق دلالة، وأكثر تعبيرًا عما يعتور نفس المعتقل الفلسطيني، ويعبر عنها وعن نوازعها، ويبرز للعالم ما يتعرض له المعتقل على أيدي السجان.
يعد السجن وسلب حرية الإنسان، وإقصاؤه عن بيئته من أقسى الأفعال التي يتعرض لها أيّ إنسان، وهو «يتقدم لائحة المؤسسات الانغلاقيّة» (ميشيل 42)، التي تهدف لمعاقبة الأفراد على مخالفتهم لقانون ما.
يعرف فليب لوجون السيرة الذاتية (Autobiography) بأنها حكي استعادي نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك عندما يركز على حياته الفردية، وعلى تاريخ شخصيته بصفة خاصة (لوغون 22).
لم تغادر الانتفاضة الأولى (1987-1993) ذاكرة الفلسطينيين، وتفاصيل أيّامهم وخيالهم؛ حيث بقيت راسخة في مختلف مناحي حياتهم؛ ولا غرابة أن يكون لها مخزون مكتنز بالمشاعر والصّور في ذاكرة الكُتّاب والمثقّفين الّذين يحملون همومَ شعوبهم، فبعد أكثر من ربع قرن على اشتعال الانتفاضة تطلّ تلك الثورة بكامل قوّتها وكينونتها كأنّها تحدث الآن، وما زالت تتسلل إلى روح القلم، وتتفجّر إبداعًا في كتابات الكُتّاب، ومن أبرز هذه الكتابات سيرة الشّاعر والكاتب والنّاقد الدكتور المتوكل طه «رمل الأفعى- سيرة كيتسعوت- معتقل أنصار3».
يفصح المتوكل في هذه السّيرة عن الأهوال التي رزح تحت وطأتها داخل المعتقل (معتقل كيتسعوت الذي عُرِف بـأنصار 3 على وجه الخصوص)، في صحراء النّقب جنوبيّ فلسطين، ويبيّن كيف جسدّ السّجناء فترات الاعتقال بأيّامها ولياليها الموصوفة بأنّها (فوق الوصف). إنّ هذه السّيرة كتاب توثيقيّ، يزخر بشهادات حيّة تكشف وجه المحتل، وفي الوقت نفسه كتاب فني كان للوصف دور في تكوينه الجمالي.
فالكتابة عن الذات تتجاوز مستوى العلاقات الشخصية، وتهتم بقدر أكبر بعلاقات الذات مع العالم، حيث ترتكز على تجربة شخصية حتى تتمكن من وصف وقائع أو ظواهر اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، فتأخذ الكتابة قيمة الشاهد (كاسباريني 115-116).
لقد سُخّر ذلك المعتقل ليناصب الفلسطينيين القابعين فيه العداء؛ بحكم استراتيجية صهيونيّة لقهر روح المقاومة الفلسطينيّة الفتيّة التي اتّقدت وتجددت عام 1987م، واستمرت حتى عام 1993؛ حيث وُقّع اتّفاق أوسلو.
وتكشف السيرة عن جانب مهم من جوانب المقاومة الفلسطينيّة، وهو عناية الأسرى ببناء شخصيّاتهم الثّقافيّة والسّياسيّة بناءً متينًا في أوقات وجودهم في المعتقلات؛ إذ شكّلوا – بغية تحقيق ذلك – فِرَقًا لمحو الأميّة، ولهذا دلالته وأهميتّه في توطين حركة المقاومة الفلسطينية الشّاملة التي تتحدى الظّروف القاسية، وتأبى الاستسلام لها، متسلّحةً بالثّقافة المجابهة المشتبكة.
ومع أنّ السيرة قد اختصّت بتجربة الاعتقال الشّخصيّة للمتوكل طه، إلا أنّها سيرة اعتقال جماعيّة لكل أبناء الشّعب الفلسطيني الّذين مرّوا بهذه التّجربة الاعتقالية.
وقد وصف المتوكل المشاهد الزّاخرة بالحياة والحيوية بعفويّة مطلقة، تجعل القارئ يتابع الوصف بلهفة وتشويق كما يتابع حدثا مرعبًا في فيلم سينمائي مليء بالمفاجآت، فاللّغة الواصفة والأحداث تأخذان بالألباب.
يعدّ الوصف من أبرز التّقنيّات الفنيّة، التي حفل بها الأدب في شتّى مجالاته، وقد حظي بعناية الدّارسين والباحثين؛ لذا لا بد من التّعريج على المعنَيَيْن اللّغوي والاصطلاحي للوصف.
جاء في معجم مقاييس اللغة «الواو والصاد والفاء أصل واحد، وهو تحلية الشيء،... والصفة الأمارة اللازمة للشيء» (ابن فارس 115)، ووَصَف الشيء «عيّنه باسمه ومقداره» (أنيس وآخرون 126)، وكذلك «اتصف الشيء: مطاوع وصفه، وأمكن وصفه،... والصفة: الحالة التي يكون عليها الشيء من حليته ونعته» (ابن منظور327)، ويقال: «وصف الشيء له وعليه وصفًا: حلّاه» (أنيس وآخرون 127).
وجاء في التنزيل ﴿وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: 18]، دلّت الآية الكريمة على القَصّ الكاذب الذي قصّه أخوة يوسف لوالدهم، كما صوّرت أحداث أكل الذئبِ المزعوم ليوسفَ عليه السلام (السعدي 394)، ﴿قَٰلَ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّۗ وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: 18]، وما يصفون؛ أي ما يجادلون به النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه لهم من ثواب وعقاب على أعمالهم (السعدي 531).
يقول قدامة بن جعفر (873-948) عنه: «هو ذكر الشيء بما فيه من الأحوال والهيئات» (بن جعفر 130)، وجاء في كتاب العمدة أنّ «أبلغ الوصف ما قلب السمع بصرًا. وأصل الوصف الكشف والإظهار» (القيرواني 295)، والوصف أسلوب يهدف إلى تبيان صفات الموصوف أيًّا كان، عن طريق تأنيق النّسيج اللّغوي في النّص الأدبي، فيغدو كلوحة فنيّة، تنهض اللّغة فيها بوظيفة فنيّة جماليّة (مرتاض 245).
ويشير الوصف إلى «تمثيل الأشياء أو الحالات أو المواقف أو الأحداث في وجودها ووظيفتها، مكانيًّا لا زمانيًّا، وقد يحدد الرّاوي الموصوف في بداية الوصف؛ ليسهل على القارئ الفهم والمتابعة» (زيتوني 171)، وهو شكل من أشكال التّصوير، وأساليب القصّ التي تتشكّل من اللّغة، ويتكوّن الوصف من بنيّة أساسيّة لها تسمية وتوسعة، تضم الموصوف وخصائصه، ومن الممكن التوسّع في الوصف إلى مالا نهاية، أو الاختصار حسب حاجة السّرد (القاضي 472).
ويعرف الوصف (Description)عادة بكونه ذلك النوع من الخطاب الذي ينصب على ما هو جغرافي أو مكاني أو شيئي أو مظهري أو فيزيونومي...إلخ سواء كان ينصب على الداخل أم الخارج (محفوظ 13).
يتألّف الوصف من مضمون (ثيمة) يشير إلى الكائن أو الأحداث، فالحديقة على سبيل المثال (ثيمة) رئيسة، ومجموعة (الثّيمات) الفرعيّة تشير إلى الجزئيات، مثل (ساحة، شجر، ألعاب...وغيرها)، والثّيمات الفرعيّة تتمّيز بصفات خاصة، كقولنا: السّاحة واسعة ونظيفة، والشّجرة كبيرة وتظللّ مساحة واسعة... وهكذا، وقد يكون الوصف تفصيليًّا ونموذجيًّا ودقيقًا، وقد يكون مجملًا أو تفسيريًّا، أو وظيفيًا (برنس 58).
وقد مرّ الوصف في السرديات العربيّة وخاصة الرواية بتطوّرات مستمرّة، من حيث غرض استخدامه، وطرق تشكيلاته الفنيّة، فقد استُخدم قديمًا كأسلوب زخرفة للقصّ، مستقلًا بذاته، مشكّلًا بذلك استراحة سرديّة تؤدّي دورًا جماليًّا خالصًا (بحراوي 167)، دون أن يكون ذا دور في تفاعل عناصر السرد والرّواية. ويسعى الواصف إلى منح الموصوف لمسة جمالية، ذات أحاسيس ومشاعر لتعبر عن أهميته، وهناك من يسعى للتمييز «بين الوصف من حيث هو مكمل لمتبوعه، ومن حيث ما يرد عبر الكلام، في جملة من أجل النهوض بوظيفة دلالية معينة، ومن حيث هو مظهر أسلوبي يتسلط على حالة ما... للنهوض بوظيفة الوصف ضمن جمالية الخطاب، وأسلوبية اللغة» (مرتاض 130).
تكمن أهميّة الوصف في الخطاب السردي؛ كونه مستوى من مستويات التّعبير عن حدث تتضافر فيه عناصر النّص ومقوّماته؛ لتأدية دلالة معيّنة، أو للتّعبير عن قضيّة، أو تحديد موقف ما (إبراهيم 131)، وذكر مظاهر الحياة المادّية من أماكن وأدوات تذكر؛ لأنّها تكشف عن حياة الشّخصيّات، ونفسيّاتها، وطباعها، ومشاعرها تجاه مظاهر الحياة وأدواتها المختلفة، وبذلك يغدو الوصف عنصرًا ذا قيمة جماليّة، يحمل شحنة دلاليّة خاصّة، بل إنّ كلّ مقطع وصفي يخدم بناء الشّخصيّة، ويسهم بطرقها المباشرة أو غير المباشرة في تطوّر الأحداث (القاسم 82-83).
يحظى الوصف بأهميّة كبيرة؛ كونه عنصرًا مهمًّا في أيّ نص سرديّ ولَبِنة أساسيّة من لَبِناته، فهو يصف عناصر سرديّة أساسيّة في الرّواية، كالشّخصيّات، والأماكن، والأحداث، ولا نغفل عن دوره في التّخييل وإيهام المتلقّي بحقيقة الموصوفات؛ ما يجعله يتفاعل معها، كما يعدّ الوصف العنصر الأبرز في تكوين المكان وتبيان حدوده الجغرافية وحدوده التصويرية والمجازية، فأداة المكان الوصف، فلا يتشكل المكان إلا بالوصف، ومما تقدّم نخلص إلى أنّ الوصف من أبرز الأساليب اللّغويّة التّعبيريّة والتّصويريّة، التي زخر بها الأدب العربي على مرّ العصور، في شتّى أشكال النّتاج الأدبي.
يوثّق المتوكل ما يجري في معتقل (كتسيعوت 3)، من بداية النّهار إلى نهايته، بشعرية لغوية تضفي على الوصف صبغة وجدانيّة عميقة، يقول: «تصحو مبكِّرًا، فترى شال الغبش ينسل برشاقة، ليجلو الطريق في الأفق...» (طه 51)، ويصف تفاصيل الصباح في السجن؛ إذ يقوم السّجين بترتيب بطانيّاته وفرشته البلاستيكيّة (البُرْش)، «ويلقي تحية الصباح على زملاء الخيمة، ويذهب إلى الماسورة التي تقذف ماءها البارد ليغسل وجهه، ويفرك قطعة الصابون برفق، حتى لا تذوب» (طه 51)؛ لأنّ إدارة السّجن تقيّد استهلاك الصّابون والماء والمرافق.
يستمر المتوكل في وصف يوم من الاستبداد والقهر، ما يقارب خمس صفحات، يقول: «في تمام السادسة صباحًا يكون كل المعتقلين قد افترشوا الأرض على شكل أسراب متتالية، ليأتي الضابط وثلّة من الجنود؛ لإجراء (العدد) أو إحصاء المعتقلين، وطبيعي أن ينادوا على أرقامنا، لنقول (موجود)، ثم لا نقوم عن الأرض أو نأتي بأيّة حركة، حتى يخرج الجنود، وينغلق الباب بالمفتاح!» (طه 51-52).
إنّ جنود الاحتلال الجبناء يخشون الفلسطينيين مع أنّهم مكبّلون بالأصفاد، إنّهم يغلقون الأبواب عليهم بإحكام، ويقف عشرات الجنود المدججين بالسّلاح في الطّرقات الّتي تفصل كلّ قسم عن الآخر، يترقّبون السّجناء بقلوب واجفة.
ويتحدث الكاتب عن وجبات الطعام بشكل تفصيلي، إفطار، وغداء، وعشاء، ويحدد وقتها والأنواع المكونة لكل وجبة، فيبدأ بالإفطار ويكون في تمام السّاعة السّابعة، فيصف الكاتب عملية تقديم الطعام بقوله: «يدخل الشباب يحملون طناجر الشاي وطعام الإفطار... ويبدؤون بالتوزيع، حيث يبدؤون كل وجبة، من عند الخيمة الأولى، ثم يبدؤون في اليوم الثاني من الخيمة الثانية، وهكذا...» (طه 52).
يصف الكاتب مكوّنات وجبة الإفطار، والخيارات المحدودة فيها، والتي تقتصر على «ملعقة (تطلي) مربّى وثلاث شرائح فينو وأربع حبات زيتون، وقطعة (مرجرين) زبدة ونصف بيضة. أو يكون حبة بطاطا مسلوقة، وأربع حبات زيتون، ونصف بيضة...، وحبة بندورة. أو مغرفة فول» (طه 53)، وشاي يحتسونه في كأس بلاستيكي، ويصفه قائلًا: «هذا السائل الأسود الذي لم نشربه ساخنًا، بل فاتر ومزّ، أو شديد المرارة أو التحلية» (طه 53)، ويصف تفاصيل الإفطار الّذي ينهض به ثلاثة معتقلين، يجمعون المخلّفات البلاستيكية الّتي استخدمت في الطّعام لتنظيفها، ثم تصدر الأوامر لتنظيف السّاحة من أعقاب السّجائر، أو بعض ما تطاير من ورق، وما سبق يشير إلى تحويل اهتمام المعتقل بالجزئيات الصّغيرة، وإلى أدنى الأمور الحياتية المتاحة لهم.
وفي السّاعة العاشرة تبدأ نشاطات المعتقلين، فينقسم المعتقلون إلى مجموعات متنوّعة؛ إذ نجد مجموعة لمحو الأميّة، وثانية تُعَلِّم العبريّة والإنجليزيّة والفرنسيّة، وثالثة تعلّم النّحو والصّرف، وأخرى تعلّم القرآن تفسيره وتحفيظه، وغيرها تقوم بمناقشة مضامين الكرّاسات التي وضعت للقراءة، وما إلى ذلك من نشاطات متنوّعة مفيدة، يتحايلون بذلك على نهار السّجن الطّويل، ويمضون الوقت فيما يفيدهم قدر الإمكان.
وفي منتصف النّهار عند السّاعة الثّانية عشرة، تبدأ فعاليّات وجبة الغداء، «يدخل الشباب حاملين طناجر طعام الغداء المكون من مغرفة رزّ صغيرة، ومغرفة شوربة بزر مكانس، أو مغرفة شوربة عدس، أو شوربة يخنة بطاطا أو بصل،...» (طه 53). تنتهي وجبة الغداء، وغسل الصّحون، وتبدأ مراسم صلاة الظُّهر، تلك الصّلاة تعدّ مقاومة بحدّ ذاتها؛ لأنّ إدارة السّجون منعت المعتقلين من رفع الأذان وإقامة الصّلاة، والرياضة في ساحة القسم؛ خشية اجتماع شخصين فأكثر، إلا أنّ المعتقلين يصرّون على رفع الأذان، مع علمهم بالعقوبة التي تطال المؤذن في كل مرة، وهي الحبس في زنزانة انفراديّة، وقد وصل عدد المعتقلين في يوم واحد إلى ثلاثة وعشرين مؤذنًا، من بينهم شاب مسيحي تطوّع للقيام برفع الأذان (طه 54). فكان الوعي الديني مصدرًا من مصادر الوعي، وتعميق المقاومة.
يمتدّ الوصف، ويصل المتوكل طه في وصف يومه حتّى السّاعة الرابعة، حيث تعود اللّجان إلى نشاطها، ويلقي كل معتقل محاضرة وفقًا لتخصّصه، ويقترحون ندوات ومحاضرات تستمرّ حتّى السّاعة السّادسة مساء، وهو موعد العشاء، وتكون تلك الوجبة تكرارًا لوجبة الإفطار، وعند الثّامنة يدخل الجنود بأسلحتهم للقيام بِعَدّ المعتقلين مرّة ثالثة، ويؤكّدون على إغلاق الخيمات عند العاشرة (طه 58).
وفي نهاية اليوم تسدل الخيام، وينتهي اليوم المتكرر الرتيب في حياة المعتقل الفلسطيني، فيحاول أن يستثمر ما استطاع من الوقت في قراءة كتاب ما؛ كنوع من أنواع التّحدي والمقاومة، ونوع من إثبات الذّات (طه 59)، وحفاظًا على العقول حيّةً وفاعلة، فإن كان السّجن يحدُّ من حركة الأسير جسديًّا، فمن يستطيع أن يأسر فكره، ويمنع تطوّره العقلي ووعيه الثّقافي؟
إنّ دقّة الوصف في سرد المتوكل طه، جعلت الصّورة تمثُل أمامنا بكلّ تفاصيلها، فهذا اليوم الذي وصفه في سيرته، يعرفه كلّ مَن دخل المعتقلات الصهيونيّة، ولا سيّما معتقل (كتسيعوت 3). لقد أضفى الوصف الدّقيق والتّعبير الجميل على السّرد متعة القراءة، والاندماج الشّعوري مع المعتقل الفلسطيني ومعاناته اليوميّة، وهذا يبرز أهميّة الوصف ودوره التوعوي والتّشويقي في سرد هذه الحقائق من حياة الاعتقال.
للمكان أهميّة محوريّة في العمل الأدبي، فهو الإطار الذي يدور فيه صراع الإنسان مع الزّمان؛ من هنا كان لزامًا على النّاقد رصد جماليّات المكان ودلالاته، ففي جنباته تبرز هويّة الكاتب بمختلف أبعادها، كما أنّ الوصف المكاني يكشف عن علاقة الشخصيات به، وما ينطوي عليه اللّاشعور الذي يقرب بين رؤية الكاتب والمتلقّي، لاسيما في المجتمع الفلسطيني الذي يحمل الألم ذاته، ويقارعه على جميع مستوياته الاجتماعيّة والثقافيّة. «المكان هو الحيّز الذي يمارس فيه الفرد نشاطه، وما يقوم به من علاقات الاتصال أو الانفصال مع عالمه الخارجي، فيصبح المكان بذلك المجال الأساسي الذي يُظهر فيه الإنسان طبيعة علاقاته» (سميث 351-352).
يعدّ المكان أحد أهم أركان بناء العمل الأدبي، ويشكّل مع الزّمان مقوّمات الحياة، فالأحداث لا تقع إلّا في مكان يكون مسرحًا لها، ووجود الشّخصيّات لا يتحقق إلا في المكان، بحيث يصبح الوصف المكاني هو وصف الإنسان الماكث فيه؛ ما يجعله ذا أهميّة بالغة في بناء العمل الأدبي، فحين يفقد العمل الأدبي المكانيّة، يفقد خصوصيّته وكينونته (باشلار5)، كما أنّ المكان في الرواية يشكل الموطن الذي تعيش فيه الشخصيات، وتجري فيه الأحداث، حتى في بعض الروايات يمكن أن يكون المكان هو البطل الذي تدور حولهُ الأحداث، إذًا المكان يمثل عامل تأثير وتأثر للشخصيات، فالمجتمع الذي يعيش به الانسان ينعكس على شخصيتهِ (عدوان 18). ويقسم المكان إلى قسمين: خاص وعام. والمكان العام هو المكان الذي يتشارك به مجموعة من البشر، والمكان الخاص «هو الحيز الذي يشغله الجسم بقدره...، والحيز المشترك هو الذي يشغله جسمان وأكثر» (وهبة 618)، والوصف المكاني ليس عبثيًّا بل هو صانع العلامة والدّلالة، ويعرّفه (يوري لوتمان Juri Lotma) على أنّه «مجموعة الأشياء المتجانسة من الظواهر أو الحالات أو الوظائف أو الأشكال المتغيرة تقوم بينها علاقات شبيهة بالعلاقات المكانية المألوفة والعادية مثل الاتصال والمسافة» (لوتمان 89).
والمكان دون غيره؛ يعطي إحساسًا بالمواطنة والمحليّة، بل نحسبه «الكيان الذي لا يحدث شيء بدونه» (النصير 9)، كما أنّه «مكان الألفة» (باشلار 36)، فنحن نعيش في إطار مكاني منذ اللّحظة التي نلتقط فيها أنفاسنا الأولى، حتّى آخر يوم في حياتنا، وتستحيل الحياة خارج المكان، فالحياة ليست سوى «حضور في المكان، فما من حركة إلا وتتم به، فهو قرين الحياة من لحظة الوجود في الرحم إلى القبر مرورًا بالعيش في الكون المتسع فهو يؤثر في الإنسان ويتأثر به ويتغلغل كل منهما بالآخر» (صالح 18).
وفي العمل الأدبي يتباين تداخل المكان من أدب إلى آخر، ومن زمن إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، ونجد المكان الأدبي يشير إلى «إخضاع الطبيعة لحركة النفس وحاجاتها» (إسماعيل 57)، وما يحدد الرؤية المكانية في الأدب هو موقف المبدع من المكان الذي يتواجد فيه، سواء أكان تواجده فيه دائمًا أم عارضًا لسبب ما؛ كون الإنسان هو الذي يعي المكان، ويصنع حضوره؛ فلا مكان دون وعي الإنسان.
ويحتاج المكان إلى تكثيف وتركيز عالٍ في الوصف؛ إذ يأتي مبدع النص على بنائه بطريقة فنية، تتلون بمشاعر الشخصيات، فيصف الأماكن بكل مكوناتها، وقضاياها، وأدق تفاصيلها، وقد يكشف وصف المكان عن مدى قدرة الكاتب على رسم ملامحه، ودقة تصويره بمختلف أبعاده؛ إذ يتجسد حقيقة حيّة في ذهن المتلقي؛ أي أن قدرة الكاتب تتجلى بالوصف المكاني، وإقامة علاقات سيكولوجية، واجتماعية، ولغوية معه.
وتشكل الأماكن المغلقة كالمعتقلات صدى في نفوس الشخصيات بسبب التأثيرات المزدحمة التي تخلقها هذه الأماكن من ذكريات الألم والحزن والفرح والخوف لذلك جعلها المؤلفون إطارا لكتاباتهم وركزوا عليها لأنها تشكل لحظات فارقة في حياتهم.
والمكان المغلق هو المكان الذي حددت مساحته ومكوناته كمكان للعيش والسكن، يأتي إليه الإنسان، ويبقى فيه فترات طويلة من الزمن سواء بإرادته أم بإرادة الآخرين؛ لذا فهو المكان المؤطر بالحدود الهندسية والجغرافية، الذي قد يكشف عن الألفة والأمان، أو يكون مصدرا للخوف والذعر (بورقبة 45).
وقد وصف المتوكل في سيرته (رمل الأفعى) الأماكن التي مرت به في مراحل الاعتقال التي عانى منها، كما عانى أبناء الشعب الفلسطيني عامة؛ لذا كان هذا العمل تجسيدًا لمعاناة الأسرى، وتجرعهم شتى أصناف العذاب خلف قضبان السجون الصهيونية، فجاء المكان محملًا بدلالات كثيرة، تحمل مشاعر المعتقلين واتجاهاتهم، وتسلط الضوء على قضاياهم وهمومهم ومصائرهم، وهنا نجد أن المكان كان انعكاسًا لهموم المعتقلين في ذلك المكان، بل كان الوصف المكاني فاعلًا وصانعًا للحدث والشّخصيّات، ولكل ما يعتري السيرة.
والأماكن مهما صغرت ومهما كبرت ومهما اتسعت أو ضاقت ومهما قلت أو كثرت تظل في الرواية الجيدة مجموعة من المفاتيح الصغيرة التي تساعد على فك كثير من مغاليق النص (النابلسي 272).
ومن الأماكن التي وصفها المتوكل في سيرته، ما يأتي:
يحاول الاحتلال نقل الأسرى – ومعظمهم من المدن والقرى والمخيّمات الفلسطينية – إلى بيئة صحراويّة، وهو مكان ترتفع في درجات الحرارة، وفيه الزواحف السّامة والمميتة، ليهدم معنويّاتهم ويضع عليهم ضغطًا نفسيًّا زائدًا على معاناتهم في تجربة الاعتقال، وما فيها من بعد عن المكان الأم.
فبدأ الكاتب في الاستهلال السّردي لهذه السيرة بالوصف المكاني الذي قضى فيهه مدة اعتقاله في سجن النّقب الصّحراوي، وأضفى عليه ما اعتراه من تأمّلات وأحاسيس فغدت صورة المكان تضجّ بالحياة، يقول الكاتب: «تنظر من حولك فترى عسل الضحى يغطي نهارك من أوّله!» (طه 7). يحدّثنا الكاتب عن أوّل ما وقع عليه نظره من لون الرمل الممتدّ على طول البصر، فيصفه بعسل الضّحى عند احمرار الشّمس وتوهجها، وهو بذلك يدخل القارئ في جوّ الصّحراء بصورة مباشرة منذ بداية السّرد، فيعكس الصورة الذهنيّة لمنظر الصحراء.
ويعقد الكاتب من خلال الوصف مقارنة بين الصّحراء والبحر، فكلاهما محيط، الصّحراء محيط رمليّ والبحر مائي؛ إذ يقول: «سندخل هذا المحيط الرملي دون أن نخشى الغرق، فالصحراء رغم هوامها وأفاعيها، أكثر رحمة من سمك القرش البحري، أو من حطم التماسيح الهائجة في المستنقعات، وفي النهاية، فإن الصحراء أكثر دماثة وشفافية من البحر – رغم أنها أقل حياة منه – غير أنّ كلًا منهما له فتنته ومنطقه وأسراره» (طه 8).
إنّ مكر التّاريخ يجعل الفلسطيني، يرى في المكان وطنه مهما بلغت قسوته، فالوطن أليف بكل ما فيه من سهول وجبال وصَحَارٍ، ويدعم هذه الرؤية في سيرة (رمل الأفعى) ثلاثة أمور الأولى: أن هذا المكان هو قطعة من الوطن، والأمر الثاني: شعرية المتوكل طه التي تستجلي الجمال في بواطن الأشياء، والأمر الثالث: أن المتوكل طه قارئ نهم للتراث العربي القديم المنبثق من أعماق الصحراء، فتأثر في وصفه للأمكنة بما جاء في التراث العربي وبما جاء به شعراء العرب وناثروهم.
ويستمر الكاتب من خلال تساؤلاته في رسم معالم المكان «هل يكره الرمل الحياة والنماء؟ هل هو جماد عبثي، اكتشف مبكرًا النهايات المفزعة، فآثر التفرد والوحدة، وعدم التعلق بصاحب أو شبيه؟ وهل أقول إنّ جفافه تعبير عن رغبة في العزلة والابتعاد، وكراهية لكل ما ينبت من البذور والجذور.. ولهذا يبتعد عنه المطر، يأسًا من طبيعته وإصراره على الضمور واليباس، مهما أغرقه في غيثه، وبسط له نور برقه؟» (طه 11)، هذه صحراء النّقب، صوّرها الكاتب بصورة رمزيّة، كما تنطبع في وجدان الأسرى، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه التماهي؛ فقد استطاع المتوكل طه أن يتماهى مع الصحراء، لدرجة أشبه بالتوحد والحلول، وهذا يمثل عنصر مقاومة يتمتع فيه خيال المبدع؛ إذ يحول الاستعباد والاستبعاد الذي أراده المحتل إلى عبادة وطنيّة جماليّة أكثر دماثة وشفافيّة من عوالم البحار التي غالبًا ما ترتبط بالعبور والاستعمار والاستيلاء.
الصحراء على وجه الحقيقة، جافة وملتهبة، قاحلةٌ يباب، وحين تضاف إلى مكان اعتقال، تزيد من جفاف الإنسان، فكان على المتوكل طه أن يطلق عنان خياله؛ فآثر التفرد والوحدة، وعدم التعلق بالأصحاب، واصطنع لنفسه مناخًا خاصًّا به، وجوًّا من الدّراسة والكتابة والخيال والإبداع، وكل خيال وإبداع يحتاج إلى كهف مطل ينظر منه المبدع إلى عالم الأشياء، ويحميه من الترهات والوقوع في وحل المجريات.
ومن الجدير بالذكر أن الكاتب قد وقع في تناقض في وصفه، فمن جهة يرى أن هذه الصحراء تمثل عنصر مقاومة وإبداع استطاع أن يتماهى معها، ومن جهة أخرى وصف الصحراء بالأرض اليباب التي تزيد من جفاف الإنسان، وتؤثر على الشخصية، وتدفعه للتفرد والوحدة.
لقد خلّفت تجربة السّجن في نفوس المعتقلين – ومنهم المتوكل – ندوبًا عميقة، وحفرت في ذاكرتهم أدقّ تفاصيل المكان الذي أمضوا فيه أكثر أيّام حياتهم ألمًا وظلمًا وقهرًا؛ لذا ابتدأ السرد والوصف فيه؛ إذ إن كثافة الوصف ترتبط بأكثر اللحظات كثافة للمشاعر، وأوّل ما يصف الكاتب سجن النّقب في الصحراء، المكان الذي لم يتبادر إلى ذهن معظم المعتقلين أن يصلوا إليه، فعند اندلاع الانتفاضة (عام1987)، ومع ازدياد أعداد المعتقلين، شرعت سلطات الاحتلال في بناء سجون جديدة، ومنها سجن (كتسيعوت) في صحراء النّقب للمبالغة والغلو في تعذيب المعتقلين، وتدمير نفسياتهم.
يصف المتوكل تفاصيل إنشاء السّجن، متناولًا شكله الخارجي، وتقسيماته الداخليّة على نحو يعطينا حقيقة واضحة حول ماهيّة سجن النّقب ووحشيته، وفي هذا يقول: «وضُربت اثنتا عشرة خيمة في كل قسم، ستٌّ مقابل ست، وبينهما مساحة تمتد إلى عشرين مترًا، وكل قسم محاط بثلاثة جدران من السياج الشائكة، تفصل مسافة متر أو أكثر بين كل سياج وسياج، حيث يرتفع السياج أكثر من عشرة أمتار» (طه 23). في السجن يتوقف الزمن، ويموت الوقت مع المعتقل، ويُظهر الزمكان التفاصيل الصغيرة البسيطة التي يراها المعتقل في ربقة السجن، وغياهبه التي لا يراها غيره من قاطني الصّحراء المتمتعين بالحريّة.
تستمر الوقفة الوصفيّة ما يقارب ثلاث صفحات، يصف فيها الكاتب ما في تلك البقعة من معالم ومظاهر، فيصف الخيام والسّياج، وعدد الأسرى في كل قسم، وطريقة توزيعهم في الخيام، ويعرض طبيعة حياة الأسير في السّجن، فيقول: «يحمل كل منهم أربع بطانيات وقطعة جلد بحجم الإنسان تسمى (البرش) يفرشها السجين تحت بطانية هي فرشته، وبطانية أخرى يجعلها وسادة، وتبقى بطانيتان، هما غطاء المعتقل في ليل وشتاء البرد الصحراء القارس» (طه 25).
عرض المتوكل وصفًا مقتضبًا لسجن (عتليت)، بقوله: «كانت غرف سجن عتليت، أقرب ما تكون للعقود العتيقة أو البيوت ذات الأقواس الضخمة، مقسمة إلى عدَّة غرف، تفصلها قضبان حديدية غليظة وقاسية... وقديمة» (طه 46)، وجاء الوصف قصيرًا عابرا؛ لأن الكاتب لم يُطِل المكوث في هذا السّجن، بل كان مرحلة انتقال وعبور لسجن آخر، فانسجم حجم الوصف مع فيزيائية الفترة القصيرة وأثرها النفسي فيه.
يصف المتوكل السّجون التي زُجَّ بها في رحلة نضاله، منها الظّاهرية في الخليل، فيتحدث عن الوضع اللّاإنساني الذي كان الاحتلال يضع الأسرى فيه، ويصف المعتقل بالمرعب (طه 28-27)، فالمكان ضيّق جدًّا، يتسع لخمسة عشر فردًا؛ إلّا أنّ الجنود وضعوا فيه ثلاثين أسيرًا، كما يشير إلى قذارة المكان، وغيرها من ظروف الاعتقال بالغة السّوء، وهنا نلاحظ الأثر النفسي للسجن الواقعي على حجم الوصف الفني وكثافته وشعريته.
ويعقد المتوكل مقارنة بين سجن الفارعة (الذي كان سجنًا قبل تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية)، ومركز شباب الفارعة (الذي غدا مركزًا لشباب الفارعة بعد تأسيس السلطة الفلسطينية)، ويُطلِع المتوكل القارئ على ما دار في فكره، وفكر زميله حول مكان كان سجنًا مقيتًا قضيا فيه أيّامًا مثقلة بالأسى والألم، وكيف بدا المكان أليفًا ومرتبًا ونظيفًا يضجّ بالحياة، بعد أن أصبح مركزًا شبابيًّا، يتبع لوزارة الشّباب والرّياضة الفلسطينية (طه 39-38)؛ فتحول المكان من الأبوية الاستعمارية إلى الأموميّة الدافئة والحنينيّة المرتبطة بسيميائيات التحرر الوطني، وفي هذا إشارة إلى أن أمكنة الوطن مهما بلغت قسوتها تتحول إلى النعومة والسلاسة عندما ترتبط بأبناء الوطن الحقيقيين، وأن المحتل المستعمر هو الذي يحول الوطن كله أو بعضه إلى مكان استلاب وطرد وشظف.
لا شكّ في أنّ تجربة الاعتقال في أيّ سجن من سجون الاحتلال متشابهة؛ فالسجن أينما وجد هو مكان مُعادٍ للإنسان، يأسر حريتّه؛ ما يخلّف المشاعر السّلبية تجاهه (حلاق 156).
يحاول الفلسطيني أن ينتزع حريتّه وحقوقه المشروعة في أرضه، فيعاقَب بالاعتقال في بقعة محصورة شائكة على الأرض ذاتها، يمارس فيها العدوّ الغاشم أبشع أنواع القمع والتّعذيب والقهر والسّاديّة.
ويرى الباحث أنّ السجن ليس دائما عنصرا سلبيا لا سيما في مناطق التحرر الوطني لعدة أسباب منها أن السجن يمثل مصدر فخر للمناضل وعلامة وجود، كما أنّه مكان لإيجاد علاقات حميمة بين المعتقلين الذين يتكاتفون ضدّ السجان، كما أنّه مصدر للخبرات والتجارب المفيدة، ومثال ذلك ما أخرجته السجون من المتعلمين الفلسطينيين الذين حازوا على شهادات علمية في السجون، وما أخرجته من قيادات وازنة كان لها دور في قيادة الشعب الفلسطيني.
تعدّ الشّخصيّة محورًا أساسيًّا في مختلف الأعمال الأدبيّة، وركيزة لعناصر السّرد المختلفة، ولا يصلح تسيير الأحداث وتشكيل الصراعات دون وجود شخصيّات تقوم بهذه الأحداث، وتربطها ببعضها علاقات متنوّعة؛ لذا تظلّ الشّخصيّة «مكونًا ضروريًّا لتلاحم السرد» (بحراوي 209)، فالحكاية هي أفعال تقوم بها الشّخصيّات، ومنها ينطلق الكاتب ليرسم معالم حكايته وطريقة سرده؛ بغية الوصول إلى الهدف المنشود من وراء الكتابة.
إنّ الأديب يصنع من الكلمات كتلًا لغويّة تصف الإنسان، ويمنح هذه الكتل أسماء، ينسب إليها أفعالًا، وأقوالًا تناسب أغراضه (فورستر 65)، فمن غير الممكن أن تدور الأحداث، وتنشأ التّفاعلات دون وجود شخصيّات في العمل الأدبي (بحراوي 209).
وتقوم الحكاية الواقعيّة بالإخبار عن حكاية تدور أحداثها مع شخصيَّة المؤلّف، فالكاتب يسعى إلى إنتاج عمل تاريخي، تكون فيه الأولوية للمضمون على حساب الشّكل، والحقيقة على حساب الفن، والواقع على حساب الخيال (زيتوني 51)، بحيث يكون السرد استعاديًّا نثريًّا، يمسك بزمامه شخص حقيقي يحكي عن وجوده الخاص، والوصف في هذه الحالة يعدّ عاملًا مشخِّصًا، أو وسيلة للتّضعيفات المتطوّرة في الحكاية (هامون 54).
وفي هذه السّيرة، تطابق المؤلّف مع الرّاوي؛ كون السّيرة ذاتيّة، كتبها المتوكل عن حياة الأسر التي عانى منها عدة مرات، فلجأ إلى استثمار إمكاناته اللّغويّة السّرديّة؛ ليقدّم فيها شخصيّات شاركته أحداث حكايته الواقعيّة، فيعمل على إظهارها بدقّة، محدّدًا أسماءها وملامحها الخارجيّة والداخليّة، ودور كل شخصيّة في الحكاية.
والشخصيات في السيرة تكون أهميتها حسب الدور الذي يناط بها في الّنص، أو تبعًا لأهميتها بالنسبة للكاتب، هذا بالإضافة إلى خاصيّة الواقعية التي تنتمي إليها شخصيّات السيرة، وهذا الأمر يتطلب من الكاتب العناية والحذر في تشخيصه للشخصيّات الفاعلة في سيرته، حيث تؤثر وتتأثر بما يدور من أحداث داخل النص السردي.
لكن تنبغي اليقظة من أن الوصف المكاني يحيل على المعتقل وعلى أجوائه، وفي الوقت نفسه يحيل على ذاته في السيرة أو في النص الأدبي؛ فالنص الأدبي هو بالضرورة نص تخيلي، ويرى جانبا معينا من الصورة غير المطلقة، ولأن المكان ليس مجرد وصف جامد للأمكنة؛ لذا قد لا يشبه الوصف الجغرافي للأماكن على حقيقتها في المعتقل فليس المعتقل هو المرجع المكاني للسيرة بالحدود الحرفية، فربما يختلف في جغرافيته، وفي تفاعل الشخصيات فيه، وليست سيرة كتسيعوت مرجعا للمعتقل الحقيقي؛ لأنها سيرة أدبية تخيلية لغوية تتماهى مع الواقع لكنها ليست الواقع المحدد تماما.
"تذهب معظم الآراء النقدية إلى أن السيرة الذاتية مهما يدع كاتبها الصدق والأمانة والصراحة في تقديمه لذاته، لا يمكنها إلا أن تكون كاذبة، فهذه الذات التي يقدمها للقراء، ليست سوى نتيجة للفعل الكلامي واستراتيجيات الخطاب والسرد؛ أي إنها ذات خطابية وسردية قام ببنائها في لحظة زمنية ما بشروطها الاجتماعية والثقافية والتداولية والأيديولوجية» (مشبال 8)، وإذا أخذنا بتفريق (إمبرتو إيكو) بين نوعين من السردية الطبيعية المرتبطة بمحاكاة أحداث وقعت فعلا، أو يعتقد المتحدث أنها وقعت أو يريد أن يقنعنا أنها وقعت فعلا، والسردية الصناعية المعتمدة على التخييل السردي الذي يتصنع قول الحقيقة مثل الرواية (عبيد الله 62).
قام الكاتب من خلال الوصف برسم معالم العديد من رفقاء الأسر، منهم من ربطته به علاقة خارج السّجن، ومنهم من تكوّنت علاقته به في داخل المعتقل، من هؤلاء الدكتور (ثابت ثابت)، شخصيّة وطنيّة لها حضورها ومكانتها في المجتمع الفلسطيني على وجه العموم، والكرميّ على وجه الخصوص؛ بوصفه مقاومًا و طبيبًا، يراه المتوكل «شمعة بحجم الإنسان، يحب الشعر الواضح وأطفال السخرية، ويمتعض من الالتباس والغمغمة، قليل الكلام، دائم الابتسام، لم يلق بالًا لقمصان السجان أو لزمهرير الهزيع، كان يفرك كفيه، ويعاود الاطمئنان على المرضى،...حمرة وجهه زائدة، كأنه مرهون لغضب أبدي» (طه 72)، وتطول الوقفة الوصفيّة التي وصفه فيها إلى صفحتين، يعرض فيهما مناقب الشّهيد الدكتور ثابت ثابت، «فعلى مثله يبكي الرجال ويموت الصبر» (طه 72)، يعاتبه على عدم نهوضه من الموت واعتذاره عنه، ويصف مهارته بلعبة الشطرنج؛ إذ كان يبارز الآخرين في هذه اللّعبة قائلًا: «إنّ بيادقي من لحم ودم، وأنا الحصان والقلعة والملك» (طه 73).
وما سبق يوحي إلينا أن الدكتور ثابت ثابت، كان رجلًا حقيقيًّا لا رجل مسرح، وأنّ قضاياه ليست ألعابًا، بل هي قضايا يمتزج بها الموت مع الحياة، وأنّ العبث والعدميّة ليست واردة في قاموسه، ولا غرابة أن يكون الدكتور ثابت ثابت نموذجًا عن شخصيّة المثقف العضوي المشتبك، وأن يندمج في المقاومة الفلسطينيّة، وأن تغتاله إسرائيل بعد ذلك كما اغتالت كثيرا من المثقفين الفلسطينيين المشتبكين.
ويقدّم المتوكل وصفًا لأبي بشّار، الذي أتى على ذكره في وصف جلسة مناقشة بين رفقاء السجن، ولم يعلمنا عنه الكاتب الكثير؛ إذ يقول «من أبو بشار؟ أبو بشار رجل تجرأت عليه السنوات، وبلغ الستين، اعتقل سنوات في معتقل الجفر الصحراوي، وظل شيوعيًّا صلبًا، يتقن الثبات والدماثة والابتسامة الكبيرة» (طه 64)، كما يأتي على وصف شخصيّة أحد معتقلي قلقيلية، بلد الكاتب (المتوكل طه)؛ حيث التقى به في المعتقل، وأخبره عن أحوال البلد، وعن بعض شخصيّاتها بتلخيص وصفي مختلط بالسرد، قائلًا «أحمد هزاع شريم، أمضى عشرين عامًا غير منقوصات، في سجون الاحتلال...، وكان إفراجه في ذروة الانتفاضة، وبعد عشرين عامًا... خرج أبو الهزاع ليجدد نضاله ونشاطه الوطني فاعتقلته إسرائيل...» (طه 69).
وقد وصف المتوكل شخصيّة (شاويش) السّجن، دون إشارة إلى اسم محدد؛ لأنه يتغير باستمرار، ويكون لكل قسم (شاويش) خاص به، فقد شغل هذا المنصب (منير العبّوشي ونبهان خريشة، والمتوكل طه، وغيرهم). إنّ الشّاويش –كما يصفه المتوكل: «هو أحد المعتقلين الفلسطينيين، ينتخبه المعتقلون ليكون حلقة وصل بينهم وبين إدارة السجن، على أن يكون معروفًا بوطنيَّته وصلابته وإتقانه العبرية، وغالبًا ما يكون (خرِّيجًا) من أحد السجون الإسرائيلية» (طه 57).
يمكننا القول إن المتوكل طه في سيرته انحاز للجانب الوطني، فالشخصيّات التي أتـى على وصفها كثيرة، ولا يتسع المجال لذكرها في هذا البحث، إلا أن اللافت في الأمر أن جميع الشخصيات التي ذكرها الكاتب هي شخصيات وطنيّة مشتبكة، وهذا ما هو إلا انعكاس لاوعي الشخصية المنحازة للجانب الوطني، فالمتوكل منحاز للوطن بوعيه الأدبي والفني والفكري، وبلاوعيه الشخصي الفطري الذي يظهر من فلتات السرد والوصف.
تتعدد أشكال الآخر في السّرد العربي، إلا أنّ الآخر في السّرد الفلسطيني يكاد يقتصر على الكيان الصّهيوني، مع أنّ مصطلح الآخر، أوسع من مجرد عدو، أو ندّ في الوعي، لكن الاحتلال بجدارة فائقة استطاع أن يختزل كل آخر وكل عدو، والآخر في العموم تركيب معقّد للذات أصلا ً، ولحركة «الأنا» في مواجهة الكون كلّه، إلّا أنّ الخطاب الثّقافي الفلسطيني المعاصر، قَصَرَ هذا المصطلح – كما يبدو – على معنى العدو المباشر (الخليلي، 2006).
إنّ الفلسطيني يرى كل ما هو آخر هامشيّ، فالقضية مع الصهيوني هي قضية حياة أو موت، قبل أن تكون قضية معيشة أو ثقافة أو ترف، فالآخر هو العدو المختزل في هذا الكيان القبيح.
يأتي الكاتب بصورة الآخر في العديد من المقاطع السردية؛ كون الآخر جزءًا لا يتجزّأ من حياة الإنسان الفلسطيني، فكيف إذا كانت التجّربة المرويّة هي السّجن، والسّجان هو الآخر الصهيوني؟! وكيف بدت صورة الآخر في سرد المتوكل في سيرته؟
-الشـحـرورة: يربط الكاتب ظهور المجنّدة، بقرب الإفراج عمّن يحظى اسمه أن يكون بين الأوراق التي تحملها تلك المجنّدة التي لقبها المعتقلون بالشّحرورة. يصوّرها الكاتب كما لو أنه يرسم صورة شخصيّة لها قائلا: «انتبه المعتقلون في كل الأقسام، إلى البنطال الكاكي المحشور بلحمها، تحمل أوراق الإفراج عن عدد من المعتقلين...، امرأة قصيرة مكتنزة سمراء، لعلها من جذر يمني...ولقد أطلق عليها المعتقلون اسم (شحرورة) لأنها تشحرر المعتقلين. واللفظة آتية من كلمة (شحرورة) العبرية، ومعناها حريّة أو إفراج، أو إطلاق سراح» (طه 21)، أي أن اللّفظ ارتبط بالوظيفة التي تؤدِّيها المجندة، وليس بالشكل أو بالصوت كما هو مألوف.
-ضابط الاحتلال (اِيتسِك): في المعتقل لا يرى السّجين إلا زملاء السّجن وجنود الاحتلال، يقفون متمسّكين ببنادقهم، وكأنّها حصنهم الوحيد الذي يلوذون به من غضب الفلسطيني المعتقل، وقد وصف المتوكل بطش الضّابط الصهيوني، الذي يُمعن في إذلال السّجناء، ويعاقبهم على أي صوت يخرج منهم، فيأتي بوصف (اِيتسِك)، قائلًا: «ضابط أمن طويل القامة، أنيق، يحمل عصا الجنرالات دائمًا، يضع نظارته الشمسية ليل نهار، لا يبتسم، كأنه مصنوع من الشمع، لكنه لا يرحم! وهو نموذج للرجل الأبيض الدموي» (طه 68-69).
هكذا بدا الضابط (ايتسك)، وكأنه تمثال متحرّك، لا تجد الإنسانيّة لقلبه طريقًا، هذا هو وصف المثقف الواعي، الذي يربط العالمي بالمحلي، والمحلّي بالعالمي، فالمحتل مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالفكر الإمبريالي الأبيض.
إنّ هذا الوصف للشّخصيّات، جعل متلقّي الحكاية أقرب ما يكون لشخصيّات السّيرة؛ حيث نجح المتوكل – عن طريق الوصف – في إطلاع المتلقي على صفات الشّخصيّات الخارجية وتأثيرها في سير الأحداث، وقد تناول البحث نماذج محدودة ظهر حضورها بارزًا في السّرد.
وكل شخصيّة من شخصيات السّيرة تشكّل نموذجًا ساطعًا، يوثِّق قضيّة اعتقال الاحتلال للفلسطينيين على خلفية المقاومة الوطنيّة، أو الآراء السياسيّة، مما سنح المجال للمتوكل لرسم صورة حقيقيّة لهذه الشخصيات، وما تعرضت له من عنف بدني وعنف رمزي.
ارتبط الزمان في المكان في وصف الحالة النفسية الصعبة التي عاشها السجين في ليل السجن مما أدى به للاندفاع في تيار متدفق من الشعور، وطاقة تعبر عن نسيج الحياة الداخلية، فجاء وصف المكان بطيئا بسبب حالة الحزن والقسوة التي يعيشها (ليل مع سجن مغلق)، فالزمن في السيرة ضابط للوصف وهو إيقاعه من حيث التكثيف والإيجاز، وترى سيزا قاسم أن الزمن حقيقة مجردة سائلة لا تظهر إلا من خلال مفعولها على العناصر الأخرى، فهو القصة والإيقاع كما ترتكز عليه النصوص في تعميق معانيها، وبناء شكلها وتكثيف دلالاتها (قاسم 38)، ومن هنا نلاحظ تلازم الزمكان في حالتي الليل والنهار في السجن، فلا يتحرك الليل والنهار إلا في حيز المكان، ولا ينبثق الحيز المكاني (السجن) إلا في زمان داخلي للنص أو زمان سياقي كالليل والنهار. كان وصف المتوكل لليل أو الصّباح انعكاسًا لحالته النّفسيةّ، فالليل «في (كتسيعوت) محيط من الثلج غير الملموس، لكنّ العظام تتخشب من مساميره التي تصطك بالنخاع الشوكي، وخناجره القاسية التي تعرّي العظام من كل دفء» (طه 63)، هذا الليل البارد لا يشعر به من هو خارج دائرة الاعتقال؛ لأنّ من يمتلك حريتّه خارج القضبان يستطيع تلمس الدفء أنّى أراد وأينما شاء، أمّا السجين فتفقده برودة المكان دفء المشاعر. استطاع الكاتب أن ينتصر على هذا الليل البارد، وأن يصنع من هذا الزمن الجحيمي زاوية فردوسيّة على نقيض ما أراده المحتل، فالمحتل أراد أن يكون الوقت الذي يقضيه الفلسطيني في المعتقل زمنًا عنيفا لتدمير السجين نفسيًّا وتحطيم أسطورته، وأن يحجب عنه التفكير، وأن يحد من وعيه وإدارة نفسه.
والناظر في سيرة المتوكل يخلص إلى نتيجة مهمة مفادها أن المحتل يستطيع تقييد الفلسطيني فيزيائيًّا، لكنه أبدًا لا يستطيع أن يحد خياله، وتنمية وعيه وثقافته؛ لهذا استخلص المتوكل (نموذج المعتقل الواعي) وقتًا لترتيب الأفكار والأشياء، ووقتًا للتأمّل والإبحار في عالم الغيب، فحول بطريقة تنموية المحنة إلى منحة حقيقية «معطف الليل من هواء! يفرد جناحيه لإعادة ترتيب الأشياء، أو ليأخذ العيون إلى رحلة الغموض، أو الموت المؤقت. والليل يبسط حريره البارد تحت رأس المتعبين، فيمتص الغيظ والعرق المتيبس، ويعري الغافي من كل حباله وقيوده...» (طه 117).
أمّا النّهار في سجن الّنقب الصّحراوي، فهو «هواء مليء بالذباب والبعوض الوقح، ولشدة حرِّه وقيظه تكاد أمعاؤك تخرج من بين شفتيك» (طه 63)، فالسّجين يستيقظ من نومه مرهقًا متثاقلًا يحاول أن يمضي يومه ما أمكن بهدوء، إلا أنّ قهر السّجن والسجّان والألم النّفسي يجثم بوطأته عليه.
كان لمعايشة تقلّبات اللّيل والنّهار، والشّتاء والصّيف أثرها النّفسي البالغ في هذه السّيرة، فصباح السّجين ليس صباحا عاديًّا، فهو محمّل بالهموم، ومثقل بالألم، وليله يغصّ بالمشاعر المتضاربة، وتضخّم المعاناة (طه 72).
يقاوم الأسرى المشّاعر السلبيّة بشتّى الطّرق، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، ومن هذه الطّرق الكتابة، فمنهم من يوثق أوجاعه، ومنهم من يحلّق بخياله ليرى المكان بصورة أفضل، ومنهم من سعى إلى نقل معاناته ومعاناة رفاقه في السّجن، عبر كتابة سيرة ذاتية، يبث فيها أوجاعَه وتجاربه المريرة، بطريقة فنيّة مؤثّرة؛ لتكون وثيقة شاهدة وديوانا مدونا على طغيان العدوّ، وهذا يمثل انتصار الوعي والسرد والفن على الموت وأشباهه الفردي والجماعي، فالوعي هو سلاح الفلسطيني ضدّ الذوبان والاستسلام والاندثار على غرار شعوب كثيرة في الأمريكيتين تعرضت للاستعمار والذوبان.
إنّ الّلغة الأدبية هي التي تميز الأدب عن باقي الأجناس لقدرتها على التّعبير، وتقديم مكونات السّرد في صورة تتحد مع الحدث والشّعور ورؤية المؤلّف الذاتيّة، واللّغة تسعى لجذب القارئ، واستمالة مشاعره وإضاءة المناحي الجماليّة في النص، فالقص يرتكز على اللّغة كما يرتكز البيت على أعمدة (كونديرا 39).
وتتشكّل رواية السيّرة من نظام لغوي، يصوّر ثقافة المجتمع الذي أبدع الرواية (بارت 8)، وبيئة معتقل أنصار 3، كانت تعجّ بالأدباء والشعراء والمثقّفين، وغيرهم ممّن كان ينضمّ إلى دورات تعليم وتثقيف في المعتقل يديرها معتقلون متخصصون فيما يعلّمون؛ لذا كانت لغة السرد بين الفصحى السلسة واللغة الشعريّة؛ أي أنها تكونت لتكون لبوسا للواقع الثقافي والحياتي.
استخدم الكاتب في الوصف اللغة التقريرّية لا سيما وصف الزّنازين، فيقول المتوكل واصفًا مشهد نقله إلى الزنزانة «عند مغرب اليوم الثاني أخذوني إلى الزنزانة الضيقة، الموضوعة بجانب ثلاث زنازين أخرى جاهزة، مكونة من بناء إسمنتيّ، وأرضيتها مغطاة بكميات كبيرة من الجير(الشيد)، عرضها متر وطولها ثلاثة أمتار، ولها بوابة حديدية سميكة...» (طه 89). إنّ الأسلوب التقريري يصلح لوصف المظاهر الخارجيّة للأشياء وصفًا دقيقًا؛ ما يعطينا تصورًا لشكل المكان، فجاءت اللغة عطلا من الشعرية والانفعالية لتتناسب مع الشكل الظاهري لهذا السجن، الذي بدا شبيهًا بالقبر في ضيقه وظلمته.
تبدّى توظيف اللّغة التقريريّة في المواطن التي يصف فيها المتوكل الأشياء على نحو مغاير لما هي عليه في الواقع؛ إذ توخّى المتوكل الدّقة في التّعبير وإيصال الصّورة واضحة، كما جاء في وصف وجبات الطّعام وطريقة تقديمها، كما كانت اللّغة تقريريّة في وصفه الصّحيفة التي سمح الاحتلال بإدخالها للمعتقلين: إنّها «كولاج مكوَّن من أخبار مقصوصة من صحف عبريَّة وعربيّة وإنجليزيّة... تم مونتاجها على أربع صفحات، وتصويرها عدة نسخ...وتوزيعها على المعتقلين!! وبالتأكيد، فإنّ الأخبار المنتجة والمدبلجة، تتحدث كلُّها بلسان إسرائيل وتطعن في خاصرتنا» (طه 93).
لا تعد اللغة التقريريّة ضعفًا سرديًّا قدر ما هي شكل من أشكال السّرد له ضروراته الوظيفية، الذي يوازي بين مقت اللغة ومقت المكان الموصوف.
أما اللغة الشعرية فكانت جليَّة في هذه السيرة، وتبدّت بوضوح كلّما عرض المتوكل أحداثًا مؤثرة، لها بعد وطني وأثر نفسي، وأتى بهذه اللّغة العميقة لتتسع وتستوعب الأحداث، وتعبر عنها بحجمها وصورتها، فقد وصف المتوكل الانتفاضة الأولى بشعرية لغوية مؤثّرة، عبّرت عن اشتعال المقاومة، حين قال: «كان الفهد خارجًا بكامل سخونته، من الغابة البكر، يحمل قلب الريح، كأنه عاهل العاصفة، كان ريّانًا، مشبعًا بغضب الأشجار التي ماتت واقفة، ولم تركع! وكان صمته قطعًا من غضب الليل الذي كنس البساطير الثقيلة من ليل المدن والقرى، وجعل يقظة الخوف أبديّة في حدقات الخونة والجنود" (طه 15).
كان وصفه للانتفاضة الفلسطينية عام 1987 شاعريًّا؛ حيث صوّرها بفهد يخرج من غابة مكث فيها حتى أُشبع غضبًا، وعبّر من خلال وصفه الشاعري عن قوتها، وجرأتها في تبديد ليل المدن الفلسطينية والقرى، حيث رأى أنّها توقظ الغضب عند المنتفضين الفلسطينيّين، وتزرع الخوف في عيون الخونة وجنود الاحتلال، وهذه اللغة الوصفية نقلت القارئ من البعد النثري إلى بعد شعري طُعم بألفاظ الليل وسخونة الريح، والصور الشعرية المكثفة ليس تشبيها، بل إن الإشارة الإيديولوجية والتنظيمية واضحة إلى القيادة الموحدة للانتفاضة.
وكُلُّما اقترب المتوكل من الحدث الوطني، ازدادت لغته الشعريّة، وكلّما اقترب من المحتل وسجونه مال إلى توظيف اللغة التقريريّة، وهذا الأمر ينطلق من اللاوعي الكتابي، فالكتابة تناغم على أوتار اللاشعور، واللغة الشعرية تتبع اللاوعي مثلما تتبع الموسيقى الغناء، واستخدامه للفهد معادلًا موضوعيًّا في وصف الانتفاضة، إيحاء بسرعتها وانقضاضها، وتصميمها على دحر المحتلين.
ومن نماذج استخدام اللغة الشاعرية في الوصف أيضًا، وصفه للدكتور الشهيد ثابت ثابت، قائلًا: «كأنَّ زهر الليمون الشتوي يساقط من أكمامه، ويطل النرجس من عنقه المشرَّب بالمغيب، كانت تحفُّه عرائس الغموض، وتحمل خطوته إلى درج الصباح، فيظل واثقًا رائقًا يضوّع/ يصوّغ الطريق بالأريج» (طه 73).
ولم تقتصر لغته الشاعرّية على الوصف السّردي، بل إنّ الشّاعر ضمّن السيرة شيئًا من شعره، يصف فيه موقفه وموقف أحبابه، فيطمئن إلى الوعي بالقضية، وأهمية الحدث، وخطورة الموقف.
يقول المتوكل:
"وكيف لي ألّا أُصدِّق كل أحبابي
بأنصار البطولة
الرجال هنا بأنصار البطولة
لم تساوم... لم تقاوم... أو تقاوم ذلَّها
أو جوعها... وزوابع الصَّحراء
والرمل المعبًّأ بالذِّئاب!» (طه 7).
وقد تضمنت السيرة عددًا من المقاطع الشعرية، منها ما كان قصيرًا كما في المقطوعة السابقة، ومنها ما امتد إلى صفحتين أو ثلاث، وفي هذا تعبير عن انفتاح السّيرة على الشّعر، وقدرتها على حواريّة الأجناس الأدبية.
وفي المجمل، فإنّ هذه السّيرة انفتاح وصفي على المتعدد الشّعري والتخيلي والمكاني واللاوعي، وأدّى الوصف فيها دورًا بنائيًّا تخيُّليًّا تشويقيًّا منسجمًا مع الحدث، ومع الحالة النفسيّة التي اعترت الكاتب، والمطّلع على سيرة (أنصار 3)، يجد شخصية الكاتب جليّة واضحة، فهو شاعر وروائي وناقد كادت لغته الشعرية تطغى على مساحة كبرى في السرد؛ لتؤدي وظيفة تعميق الدلالة، وتزيين النّص.
حاول هذا البحث الكشف عن جماليّات الوصف في سيرة المتوكل طه الذاتية (رمل الأفعى – سيرة كتسيعوت – معتقل أنصار3)، في المرحلة التي اعتقلته فيها سلطات الاحتلال، كما رصدت مواطن الجمال في الوصف المكاني والشخصيّات والحياة اليومية للأسرى، وخلصت إلى عدة نتائج:
1- أن الكاتب ركز على وصف الأماكن المعادية مثل المعتقلات والسجون في محاولة للتأقلم معها وأنسنتها؛ لأنها قطعة من الوطن، فما أراد له المحتل أن يكون معاديا استطاع السجين أن يجعله ودودا.
2- أن الكاتب وصف المتناقضات، وخاصة المحتل الذي من خلاله، ومن نزعته الشريرة استطاع السجناء تكوين نزعة خيرة مقاومة.
3- أن الكاتب استخدم اللغة الوصفية التقريرية في وصفه للمحتل والسجن، واستخدم اللغة الوصفية الشعرية في وصفه للحالة الفلسطينية.
4- أنّ الكاتب ركز على وصف إكراهات المحتل في المكان المتمثل في حشرهم في المعتقلات الصحراوية لجعلها أماكن معادية؛ ذلك أنّ السجن مكان كبّل الكاتب وقيّده في بقعة محدّدة تقييدا فيزيائيا ونفسيا، لا يمتلك فيه حرية التنقل حتى بين أقسام السجن نفسه.
5- أن سيرة كتسيعوت من نماذج السيرة الطبيعية التي يظهر المحكي فيها شاهدًا على ما حدث، وليست من السرديات الصناعية التي تعتمد على التخييل، وعلى تصنع قول الحقيقة.
نجد في أدب المتوكل طه كثيرًا من الظواهر الحقيقة بالتتبع والتحليل؛ لأن المتوكل امتلك ميزتين مهمتين الأولى تتمثل في صدق الواقع المعيش، والأخرى تتمثل في الصدق الفني الذي عبر فيه عن اللحظة والواقع ليتحد الصدقان معا، ويوصي البحث بمزيد من الدراسات عن المتوكل طه مثل: الموافقة والمفارقة بين الفن والواقع في أدب المتوكل طه، والبعد الرعوي في شعره ونثره.
أنيس، إبراهيم وآخرون. المعجم الوسيط. مكتبة الشروق، القاهرة، 2004م.
إبراهيم، صالح. الفضاء ولغة السرد (في روايات عبد الرحمن منيف). ط1، المركز الثقافي للنشر، المغرب، 2011م.
ابن جعفر، أبو فرج قدامة. نقد الشعر. دار الكتب العلمية، بيروت [د.ت].
ابن فارس. أبو الحسن: معجم مقاييس اللغة. دار الفكر للنشر، 1979م.
ابن منظور. لسان العرب. دار الكتب العلمية، بيروت، 2003م.
إسماعيل، عز الدين. التفسير النفسي للأدب. ط4، مكتبة غريب القاهرة، [د.ت].
الخليلي، علي. «من الآخر العدو إلى الآخر الميت». دنيا الوطن، 5/9/2006م.
السعدي. عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. مؤسسة الرسالة، بيروت، 2002م.
القاسم، سيزا. بناء الرواية: دراسة مقارنة في ثلاثية نجيب محفوظ. مكتبة الأسرة، مصر، 2004م.
القاضي، محمد وآخرون. معجم السرديات. ط1، دار محمد علي للنشر، تونس، 2010م.
القيرواني. أبو علي الحسن بن رشيق. العمدة في محاسن الشعر وآدابه. ترجمة: محي الدين عبد الحميد محمد. دار جبيل للنشر، لبنان، 1981م.
النصير، ياسين. الرواية والمكان: دراسة المكان الروائي. ط2. دمشق، 2010م.
بارت، رولان. مدخل إلى التحليل البنيوي للقص. ترجمة: منذر عياشي. ط1، مركز الإنماء الحضري، حلب، 1993م.
باشلار، جاستون. جماليات المكان. ترجمة: غالب هلسا. ط2، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1984م.
بحراوي، حسن. بنية الشكل الروائي (الفضاء – الزمن – الشخصية). ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1990م.
برنس، جيرالد. المصطلح السردي: معجم مصطلحات. ترجمة: عابد خزندار. ط1، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 2003م.
بن دوبة، شريف الدين. يوتوبيا: المفهوم ودلالاته في الحضارات الإنسانية. ط1، العتبة العباسية المقدسة – المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، العراق، 2018م.
حلاق، بطرس وآخرون. شعرية المكان في الرواية العربية الحديثة. ترجمة: عماد عبد اللطيف، ونها أبو سديرة. ط1، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، 2013م.
بورقبة، خالد. بناء الشخصية في المجموعة القصصية أرض البرتقال الحزين لغسان كنفاني. [رسالة ماجستير]، جامعة أم البواقي، الجزائر، 2018م.
زيتوني، لطيف. معجم مصطلحات نقد الرواية. ط1، مكتبة لبنان للنشر، بيروت، 2003م.
سميث، شارلت سيمور. موسوعة علم الإنسان، مصطلح المكان. ترجمة: محمد الجوهري وآخرون. دار العلم للملايين، بيروت، 1998م.
النابلسي، شاكر. جماليات المكان في الرواية العربية. المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمان، 1994م.
صالح، صلاح. قضايا المكان الروائي. ط1، فواصل للنشر والتوزيع، القاهرة، 2018م.
صليبا، جميل. المعجم الفلسفي. دار الكتاب العربي، بيروت، 1982م.
طه، المتوكل. رمل الأفعى (سيرة كتسيعوت – معتقل أنصار 3). ط1، الهيئة العامة للقصور والثقافة – شركة الأمل للنشر والطباعة، القاهرة، 2010م.
محفوظ، عبد اللطيف. وظيفة الوصف في الرواية. منشورات سرود، الدار البيضاء، 2009م.
عدوان، عدوان نمر. المكان في الرواية الفلسطينية بعد أوسلو 1993. [رسالة دكتوراه]، الجامعة الأردنية، عمان، 2005م.
فورستر، إدوارد. أركان القصة. القاهرة: دار الكرنك للنشر، 1960م.
كاسباريني، فيليب. «نقيض السيرة الذاتية». سعيد جبار. كتابة الأنا بين المرجعي والتخييلي. دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، 2021م.
لوغون، فيليب. السيرة الذاتية-الميثاق والتاريخ الأدبي. ترجمة: عمر حلي. المركز الثقافي العربي، بيروت، 1994م.
كونديرا، ميلان. فن الرواية. ترجمة: بدر الدين عردوكي. ط1، دار الأمان، الرباط، 2011م.
لوتمان، يوري. مشكلة المكان الفني. ترجمة: سيزا القاسم. ط2، دار قرطبة للنشر، الدار البيضاء، 1980م.
عبيد الله، محمد. رواية السيرة الغيرية قضايا الشكل والتناص، وجدل التاريخي والتخييلي. دار كتارا للنشر، الدوحة، 2019م.
مشبال، محمد. «بلاغة السيرة الذاتية». محمد مشبال وآخرون. دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، 2018م.
مرتاض، عبد الملك. "في نظرية الرواية: بحث في تقنيات السرد"، مجلة عالم المعرفة، الكويت، 1998م.
فوكو، ميشيل. المراقبة والمعاقبة ولادة السجن. ترجمة: علي مقلد. مركز الإنماء القومي، بيروت، 1990م.
هامون، فيليب. سيميولوجية الشخصيات الروائية. ترجمة: سعيد بنكراد. ط1، دار الحوار للنشر، بيروت، 2013م.
وهبة، مراد. المعجم الفلسفي. ط5، دار قباء الحديثة للطباعة والتوزيع والنشر، القاهرة، 2007م.
ثانيًا: الأجنبية
References
Adwan, Adwan Nimer. Place in the Palestinian Novel after Oslo 1993 (in Arabic), Amman: Doctoral dissertation, University of Jordan, 2005AD.
Al-Khalili, Ali. “From the enemy other to the dead other.” Donia Al Watan, 5 September 2006 AD.
al-Nābulusī, Shākir. Jamālīyāt al-makān fī al-riwāyah al-ʻArabīyah (in Arabic), Amman: Arab Foundation for Studies and Publishing, 1994.
al-Naṣīr, Yāsīn. al-riwāyah wa-al-makān: dirāsah al-makān al-riwāʼī (in Arabic), Damascus, 2010 AD.
al-Qāḍī, Muhammad et al. Muʻjam al-Sardīyāt (in Arabic), 1st ed., Tunisia: Muhammad Ali Publishing House, 2010.
al-Qāsim, Sīzā. bināʼ al-riwāyah. dirāsah muqāranah fī thulāthīyat Najīb Maḥfūẓ (in Arabic), Egypt: Dar Al-Usra Library, 2004 AD.
al-Qayrawānī. Abū ʻAlī al-Ḥasan ibn Rashīq. al-ʻUmdah fī Maḥāsin al-shiʻr wa-ādābuh (in Arabic), tarjamat : Muḥyī al-Dīn ʻAbd al-Ḥamīd Muḥammad, Dār Jubayl lil-Nashr, Lubnān, 1981
al-Saʻdī. ʻAbd al-Raḥmān ibn Nāṣir ibn ʻAbd Allāh. Taysīr al-Karīm al-Raḥmān fī tafsīr kalām al-Mannān (in Arabic), Beirut: Al-Resala Foundation, 2002.
Anīs, Ibrāhīm et al. al-Muʻjam al-Wasīṭ (in Arabic), Cairo: Al-Shorouk Library, 2004.
Bachelard, Gaston. The aesthetics of the place (in Arabic), Tran. Translators Ghaleb Hilsa. 2nd ed., Beirut: University Foundation for Studie. s, Publishing and Distribution, 1984.
Baḥrāwī, Ḥasan. Binyat al-shakl al-riwāʼī: al-faḍāʼ – al-zaman – al-shakhṣīyah (in Arabic), 1st ed., Beirut: Arab Cultural Center, 1990.
Barthes, Roland. Introduction to structural analysis of shear (in Arabic), Tran. Munther Ayashi. 1st ed., Aleppo: Urban Development Center, 1993.
Bourqaba, Khaled. Character building in the short story collection The Land of Sad Oranges by Ghassan Kanafani (in Arabic), Algeria: Master’s thesis, Oum El Bouaghi University, 2018.
Forster, Edward. Pillars of the story. Cairo: Karnak Publishing House, 1960AD.
Foucault, Michel. Surveillance, punishment and the birth of prison (in Arabic), Trans. Ali Muqallid. Beirut - Lebanon: National Development Center, 1990.
Hallaq, Boutros et al. The poetics of place in the modern Arabic novel (in Arabic), Tran. Imad Abdel Latif and Noha Abu Sedira. 1st ed., Cairo: Egyptian General Book Authority, 2013.
Hammon, Philip. Semiology of fictional characters (in Arabic), Trans. Said Benkrad. Beirut: Dar Al-Hiwar Publishing, 2013.
Ibn dūbh, Sharīf al-Dīn. Yūtūbiyā: al-mafhūm wa-dalālātuhu fī al-ḥaḍārāt al-Insānīyah (in Arabic), 1st ed., Iraq: The Holy Abbasid Shrine - Islamic Center for Strategic Studies, 2018 AD.
Ibn Fāris. Abū al-Ḥasan. Muʻjam Maqāyīs al-lughah (in Arabic), DM: Dar Al-Fikr Publishing, 1979 AD.
Ibn Jaʻfar, Abū Faraj Qudāmah. Naqd al-shiʻr (in Arabic), Beirut: Dar Al-Kutub Al-Ilmiyyah, no date.
Ibn manẓūr. Lisān al-ʻArab (in Arabic), Beirut: Dar Al-Kutub Al-Ilmiyyah, 2003.
Ibrāhīm, Ṣāliḥ. al-faḍāʼ wa-lughat al-sard (in the novels of Abdul Rahman Munif), (in Arabic), 1st ed., Morocco: Cultural Center for Publishing, 2011.
Ismāʻīl, ʻIzz al-Dīn. al-tafsīr al-nafsī lil-adab (in Arabic), 4th ed., Cairo: Gharib Library, D.T.
Jameel, Saliba. Philosophical dictionary (in Arabic), Beirut: Arab Book House, 1982.
Kundera, Milan, The Art of the Novel (in Arabic), Trans. Badr al-Din Ardouki. 1st ed., Rabat: Dar Al-Aman, 2011AD.
Lejeune, Philippe. Biography - Charter and Literary History (in Arabic), Trans. Omar Hali. Beirut: Arab Cultural Center, 1994.
Lotman, Yuri. The problem of artistic space (in Arabic), Trans. Siza Al-Qasim. Casablanca: Cordoba Publishing House, 1980AD.
Maḥfūẓ, ʻAbd al-Laṭīf. Waẓīfat al-waṣf fī al-riwāyah. (The function of description in the novel) (in Arabic), Casablanca: Suroud Publications, 2009.
Mishbal, Muhammad et al. The rhetoric of autobiography. (in Arabic) Amman: Dar Kunooz Al-Ma’rifa for Publishing and Distribution, 2018.
Mortada, Abdul Malik. In the theory of the novel: research into narrative techniques (in Arabic), Kuwait: World of Knowledge Magazine, 1998.
Obaidullah, Muhammad. The heterosexual novel, issues of form and intertextuality, and the debate between the historical and the imaginary. Doha: Katara Publishing House, 2019.
Prince, Gerald. Narrative terminology: a glossary of terms (in Arabic), Tran. Translators Abed Khazandar. 1st ed., Cairo: National Translation Project, 2003.
Saleh, Salah. Issues of narrative place (in Arabic), 1st ed., Cairo: Fasil Publishing and Distribution, 2018.
Smith, Charlotte Seymour. Encyclopedia of Anthropology, the term place (in Arabic), Trans. Muhammad Al-Gohary and others. Beirut: Dar Al-Ilm Lil-Malayin, 1998.
Taha, Al-Mutawakkil. Snake Sand: Biography of Katziot - Ansar Detention Center 3 (in Arabic), 1st ed., Cairo: General Authority for Palaces and Culture - Al-Amal Publishing and Printing Company, 2010.
Wahbah, Murād. al-Muʻjam al-falsafī (in Arabic), Cairo: Qubaa Modern House for Printing, Distribution and Publishing, 2007 AD.
Zaytūnī, Laṭīf. Muʻjam muṣṭalaḥāt Naqd al-riwāyah (in Arabic), 1st ed., Lebanon: Lebanon Publishing Library, 2003.