تاريخ الإرسال: 2 مايو 2023

تاريخ التحكيم: 11 مايو 2023

تاريخ القبول: 3 سبتمبر 2023

مقارنة أسلوبية إحصائية بين سورتي النور والفرقان*

العنود سمير العتيبي

طالبة ماجستير، كلية الآداب والعلوم، جامعة قطر

aa1106280@qu.edu.qa

عبد السلام السيد حامد

أستاذ بقسم اللغة العربية، كلية الآداب والعلوم، جامعة قطر

abdulsalamh@qu.edu.qa

ملخص

من منطلق ندرة الأبحاث الأسلوبية الإحصائية اللسانية في سور القرآن الكريم وأهميتها، ومن منظور اختلاف أسلوب المدنيّ من السور عن المكيّ؛ يسعى البحث إلى إجراء مقارنة بين أهم المتغيرات الأسلوبية في الجانبين التركيبي والدلالي في سورتي النور والفرقان، وفقًا لمنهج الأسلوبية الإحصائية؛ بناءً على أن المقارنة من أهم مفاهيم الدرس الإحصائي للأسلوب، الذي يستدعي طرقًا إحصائية معينة تفيد في تحقيق التشخيص الأسلوبي، سواء أكان هذا على مستوى وصف النص أم على مستوى تحليله، ومن بين هذه الطرق الإحصائية الأكثر شيوعًا؛ قياس كثافة المتغير الأسلوبي، وقياس النسبة بين متغيرين أسلوبيين، ومقياس تنوع المفردات، وهي المقاييس التي اعتمدها البحث لبيان أوجه التشابه والاختلاف بين السورتين.

 قسمت الدراسة إلى مبحثين؛ الأول: مقارنة أسلوبية تركيبة، والثاني: مقارنة أسلوبية دلالية. ومن أمثلة نتائج البحث المهمة عند الاحتكام إلى المقاييس السابقة - على مستوى المقارنة الإحصائية التركيبية: ظهورُ ارتفاع كثافة الالتفات واستعمال (لولا) ونسبة الجملة الفعلية في سورة النور، وارتفاع عدد المنصوبات التي أكثرها المفاعيل في سورة الفرقان. ومن أمثلة النتائج المهمة على مستوى المقارنة الإحصائية الدلالية: إثباتُ مقياس كثافة الألفاظ كزيادة كثافة لفظ الجلالة وأسماء الله الحسنى ثم ألفاظ الإيمان في سورة النور، في مقابل زيادة كثافة ألفاظ الربوبية وأسماء الله الحسنى ثم ألفاظ القول في سورة الفرقان.

الكلمات المفتاحية: سورة النور، سورة الفرقان، أسلوبية إحصائية، مقارنة، متغيّر أسلوبي، قياس الكثافة، تنوع المفردات

للاقتباس: العتيبي، العنود سمير، وحامد، عبد السلام السيد. «مقارنة أسلوبية إحصائية بين سورتي النور والفرقان»، مجلة أنساق، المجلد السابع، العدد 2 (2023)

https://doi.org/10.29117/Ansaq.2023.0187

© 2023، العتيبي وحامد، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه؛ طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.


 

Received: 02 May 2023

Reviewed: 11 May 2023

Accepted: 03 September 2023

Stylistic Statistical Comparison between Surat Al-Nūr and Al-Furqān*

Alanod Sameer AL-Etaibi

Masters Student, College of Arts and Sciences, Qatar University

aa1106280@qu.edu.qa

AbdelSalam Elsayed Hamed

Professor of Arabic Language, College of Arts and Sciences, Qatar University

abdulsalamh@qu.edu.qa

Abstract

This research delves into the underexplored realm of statistical stylistic analysis within the linguistic study of the Quranic chapters, focusing on the stylistic divergence between Medinan and Meccan revelations. It embarks on a comparative exploration of the principal stylistic elements, both syntactic and semantic, in Surah An-Nur and Surah Al-Furqan, employing the statistical stylistic methodology. This approach underscores comparison as a pivotal concept in stylistic examination, necessitating the use of specific statistical techniques for a nuanced stylistic delineation and analysis of texts. The study leverages prevalent statistical methods such as the quantification of stylistic variable density, the comparative ratio of stylistic elements, and lexical diversity indices. These metrics are instrumental in elucidating the stylistic congruencies and disparities between the two suras.

Structured into two primary segments, the study first addresses a syntactic stylistic comparison, followed by a semantic stylistic analysis. Key findings in the syntactic statistical comparison reveal a heightened density of rhetorical shifts, the usage of /Lawlaa/ (Were it not for), and a higher frequency of verbal sentences in Surah An-Nur. Conversely, Surah Al-Furqan exhibits an increased presence of accusative constructs, predominantly objects. In the semantic statistical comparison, the study highlights the efficacy of lexical density metrics, such as the augmented density of divine nomenclature, including the word "Allah" and the Beautiful Names of Allah, alongside faith-related lexicon in Surah An-Nur. In contrast, Surah Al-Furqan is characterized by a higher density of terms associated with divine sovereignty, the Beautiful Names of Allah, and speech-related vocabulary.

Keywords: Statistical stylistics; Surat Al-Nour; Surat Al-Furqan; comparison; stylistic variable; density measurement; vocabulary diversity

Cite this article as: AL-Etaibi, A.S., & Hamed, A.E. "Stylistic Statistical Comparison between Surat Al-Nūr and Al-Furqān," Ansaq, Vol. 7, Issue 2 (2023)

https://doi.org/10.29117/Ansaq.2023.0187

© 2023, AL-Etaibi & Hamed, licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication dif changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited.


مقدمة

يتسم القرآن الكريم ببراعة الأسلوب وجمال التصوير والإعجاز، وهو نسيج واحد مترابط يقوم على محورين جوهريين؛ الأول توحيد الله تعالى، وهذا ما دعت إليه معظم السور المكية؛ لأنها دارت حول الدعوة إلى الوحدانية، ومواجهة جميع ألوان الشرك والوثنية، ودعت إلى الاعتبار بمصارع من هلك من الأمم المتجبرة. والثاني تبيين الأحكام الشرعية، وهذا ما استفاض في السور المدنية؛ حيث عُنيت بأحكام الأمور التفصيلية، وعالجت الأوضاع الخاصة بالمجتمع، بعد أن آلت قيادته سياسيًا واجتماعيًا إلى المسلمين، واستقرت دولتهم في المدينة المنورة. ولا شك أن اختلاف الموضوعات في نوعَي السور بين المكي والمدني، يظهر معه الاختلاف الواضح في خصائصها الفنية؛ لأن لكل سياق وموضوع حليته وزينته اللفظية التي تناسبه، وقد لا تلائم غيره (زرزور 216-219). وقد شملت أغلب أغراض سورة النور وهي مدنية كثيرًا من أحكام الأسرة وآداب العشرة والمخالطة، مع التعرض لقصة الإفك، إضافة إلى ذمّ أحوال المنافقين، وضَرْب المثل لهدى الإيمان وضلال الكفر، والتنويه بالمساجد والقائمين عليها، وتخلل ذلك وصف عظمة الله وبديع صنعه (ابن عاشور 18/141، وأبو حيان الأندلسي 8/5). وأما سورة الفرقان المكية فتتمثل أغراضها في دعائمها الثلاث التي تقوم عليها، وأولها إثبات معجزة القرآن، والتنويه بالنبي ﷺ الذي نَزَل عليه، وبيان رفعة شأنه، مع مقابلة دعوته بالتكذيب، وثانيها إثبات البعث والجزاء وما يتبعهما من ثواب وعقاب، وثالثها الاستدلال على وحدانية الله وتفرده وتنزيهه عن الشرك (ابن عاشور 18/315).

ومن منطلق ندرة الأبحاث الأسلوبية الإحصائية اللسانية في سور القرآن الكريم وأهميتها (حامد والصاوي ص 1677-1681، وحامد والعتيبي ص1-4)- يهدف هذا البحث إلى إجراء مقارنة بين أهم المتغيرات الأسلوبية في الجانبين التركيبي والدلالي في سورتي النور والفرقان؛ وفقًا لمنهج الأسلوبية الإحصائية، ذلك أن المقارنة تعدّ من أهم مبادئ الدرس الإحصائي للأسلوب، الذي يستدعي طرقًا إحصائية معينة تفيد في تحقيق التشخيص الأسلوبي، سواء أكان ذلك على مستوى وصف النص أم على مستوى تحليله، ومن بين هذه الطرق الإحصائية المستخدمة الأكثر شيوعًا، قياس كثافة المتغير الأسلوبي، وقياس النسبة بين متغيرين أسلوبيين، ومقياس تنوع المفردات (مصلوح، في النص 50-52).

وقد اعتمدنا على هذه المقاييس لبيان أوجه التشابه والاختلاف بين سورتي النور والفرقان في هذا البحث، من خلال تقسيمه إلى مبحثين، الأول: مقارنة أسلوبية تركيبة، والثاني: مقارنة أسلوبية دلالية.

1. مقارنة أسلوبية تركيبية بين سورتي النور والفرقان

يقوم الإحصاء الأسلوبي على "مفهوم المقارنة بين أكثر من متغير أسلوبي في نص واحد، أو بين متغير واحد في أكثر من نص، أو بين أكثر من متغير في أكثر من نص" (مصلوح، في النص 50)، ومن أجل تحقيق هذه المقارنة التي تساعد على التشخيص الأسلوبي للنص ثم تحليله، لا بد من تحديد طريقة الإحصاء التي سوف تستخدم في الوصف، وأكثر الطرق شيوعًا مقاييس الوصف الإحصائي، وهي صيغ شكلية تساعد على تأسيس "علاقة بين المتغيرات أو الخصائص، وما يمتاز به النص من غيره من النصوص، أو ما يستدعيه من أحكام ونعوت" (مصلوح، في النص 75). ونظرًا لتنوع هذه المقاييس وكثرتها، سوف نكتفي بمقياسين نطبقهما في الجانب التركيبي هما: كثافة المتغير الأسلوبي وقياس النسبة بين متغيرين؛ بناء على ما يُلحظ من متغيرات تركيبية تظهر بعض أوجه التشابه والاختلاف عند المقارنة بين سورتي النور والفرقان.

أما أوجه التشابه فيمكن رصدها في أسلوب الالتفات الذي ورد في السورتين، إضافة إلى استعمالات (لولا) المتعددة التي تظهر في جانب متغيرات ما فوق الجملة وتنتمي إليه أصلًا، لكنها نظرًا لأهميتها ستضاف إلى هذا المبحث لتطبيق قياس كثافة المتغير الأسلوبي من خلال أوجه التشابه التي تبدو في السورتين لمعرفة أيهما أكثر كثافة.

وأما أوجه الاختلاف فتظهر في سورة النور من خلال بعض الكلمات التي يتراوح استعمالها بين الرفع والنصب، إضافة إلى نظم بعض الآيات التي اتسمت بتكرار التراكيب، أو تتابع الأبنية، أو تتابع بعض الحروف التي وردت فيها (حامد والعتيبي ص5-13)، وسوف يُنظر إلى التراكيب الواردة في سورة النور من خلال قياس النسبة بين متغيرين، وذلك في الجمل الاسمية والجمل الفعلية لمعرفة أي النمطين أكثر استعمالًا في السورة وما دلالته.

وأما سورة الفرقان فتتميز بقصر الآيات، وتختلف عن سورة النور في فواصلها المختومة بالمنصوبات، إضافة إلى التعريف بالاسم الموصول واستعماله في عدة مواضع بصورة لافتة، وسوف يعتمد القياس فيها على المفاعيل الواردة في السورة بأكملها، وقياس نسبتها إلى نسبة ما ورد في فواصلها. ويمكن توضيح هذا كله على النحو الآتي:

1.1. أوجه التشابه

يُظهر فحص المتغيرات التركيبية ومتغيرات ما فوق الجملة بعض أوجه التشابه التي رصدت بين سورتي النور المدنية والفرقان المكية، من خلال أسلوب الالتفات واستعمالات (لولا) المتعددة، ويمكن المقارنة بين السورتين لمعرفة أيهما أكثر كثافة في استعمال هذين الأسلوبين بوساطة المقياس التالي:

1.1.1. قياس كثافة المتغير الأسلوبي

يعتمد هذا المقياس الإحصائي الوصفي على قياس كثافة أي نوع محدد في النص من خلال احتساب عدد مرات تكرار النوع المحدد، ثم قسمته على مثيله من النوع العام، مثال ذلك: احتساب عدد الجمل الاسمية ثم قسمتها على "المجموع الكلي لعدد الجمل المكونة للنص" (مصلوح، في النص 50)، وذلك بغرض تحديد كثافة الجمل الاسمية، مثال آخر: احتساب عدد المركبات المجازية وقسمتها على العدد الإجمالي للمركبات المجازية وغير المجازية الموجودة في النص. وقد ورد أسلوب الالتفات في الضمائر في سورتي النور والفرقان، كما تنوعت صوره. ويبين الجدول التالي نوع الالتفات وعدد مرّاته في السورتين، كما يلي[1]:

م

أسلوب الالتفات وصورته

 

السورة

الغيبة- الخطاب

الخطاب الغيبة

الغيبة- التكلم

التكلم- الغيبة

الإضمار- الإظهار

المجموع

1

النور

4

[آية: 22]

3

[آية: 12]

1

[آية: 55]

0

0

8

2

الفرقان

1

[آية: 32]

0

3

[آية: 48]

2

[آية: 20]

1

[آية: 7، 8]

7

 

يظهر هذا الجدول كثرة وقوع أسلوب الالتفات في سورة النور وتنوع صوره. أما سورة الفرقان، فكانت أقل منها وأكثر تنوعًا، ويمكن قياس نسبة كثافة صور الالتفات الواردة في السورتين على مجموع تحققات الالتفات، على النحو الآتي:

سورة النور

1

كثافة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب:

= 0.5%

2

كثافة الالتفات من الخطاب إلى الغيبة:

 = 0.375%

3

كثافة الالتفات من الغيبة إلى التكلم:

 = 0.125%

سورة الفرقان

1

كثافة الالتفات من الغيبة إلى التكلم:

 = 0.428%.

2

كثافة الالتفات من التكلم إلى الغيبة:

 = 0.285%.

3

كثافة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب:

 = 0.142%.

4

كثافة الالتفات من الإضمار إلى الإظهار:

 = 0.142%.

كثافة الالتفات في الضمائر بين السورتين

1

الكثافة بين سورة النور وسورة الفرقان:

 = 1.142%.

2

الكثافة بين سورة الفرقان وسورة النور:

 = 0.875%.

والخلاصة من نتائج القياس ارتفاع نسبة كثافة الالتفات في الضمائر في سورة النور بفارق 0.267% بينها وبين سورة الفرقان، وقد يكون السبب عائدًا إلى حادثة الإفك التي صدّرت بحدّي الزنى والقذف، فجاء الالتفات الأول في السورة من الغيبة إلى الخطاب - وهو الأكثر عددًا في السورة - لجذب الانتباه والإعلام برحمة الله تعالى - وفضله، من خلال تشريع الأحكام والحدود المتعلقة بالزنى والقذف، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ١٠[النور: 10].

كما ارتفعت كثافة الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، وتفسير ذلك يعود إلى مخاطبة الله عز وجل للمؤمنين وعتابهم وتوجيهم، فكان الالتفات ضروريًا لجلب الانتباه، والحثّ على التعلم من الخطأ الذي وقعوا فيه، وورد ذلك في قوله: ﴿لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ[النور: 12][2]، وفي قوله تعالى: ﴿يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثۡلِهِۦٓ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ[النور: 17]، ثم تعود الآيات إلى الالتفات من الغيبة إلى الخطاب مرة أخرى، وكأن ذلك لتنبيه أبي بكر الصديق رضي الله عنه - إلى درجة العفو والصفح وهي نيل مغفرة الله عز وجل، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ[النور: 22].

وقد تناوب الالتفات في السورة بين الخطاب والغيبة وبين الغيبة والخطاب في مواضع عدة، منها لفت الانتباه إلى ضرورة توقير النبي ﷺ والاستئذان منه، نعني قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَ‍ٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَ‍ٔۡذِنُونَكَ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَ‍ٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ[النور: 62]، ومنها تبكيت المنافقين وزجرهم، في قوله عز من قائل: ﴿وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِنۡ أَمَرۡتَهُمۡ لَيَخۡرُجُنَّۖ قُل لَّا تُقۡسِمُواْۖ طَاعَةٞ مَّعۡرُوفَةٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ[النور: 53]، وكذلك تبكيتهم في توليهم وإعراضهم عن الله - تعالى - ورسوله الكريم، في قوله تعالى: ﴿قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيۡكُم مَّا حُمِّلۡتُمۡۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْۚ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ[النور: 54]، قال الزمخشري: "صرَف الكلام عن الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات وهو أبلغ في تبكيتهم، يريد: فإن تتولوا فما ضررتموه وإنما ضررتم أنفسكم...". (الزمخشري 4/316). وآخر هذه المواضع ما خُتِمت به السورة الكريمة للتنبيه على علم المولى-عز وجل- بأحوال خلقه، ومردهم إليه يوم القيامة، نعني قوله تعالى: ﴿أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قَدۡ يَعۡلَمُ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ وَيَوۡمَ يُرۡجَعُونَ إِلَيۡهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ[النور: 64].

أما أقل الصور كثافة في سورة النور فهي الالتفات من الغيبة إلى التكلم، وغرضها جذب انتباه المؤمنين إلى ما ينبغي عليهم فعله لتحقيق وعد الله تعالى لهم؛ وورد ذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ[النور: 55]، ووقع الالتفات في قوله (يعبدونني)، لتكون عبادتهم لله تعالى خالصة لا يداخلها شرك.

في مقابل ذلك، أظهرت النتائج في سورة الفرقان ارتفاعًا في نسبة كثافة الالتفات من الغيبة إلى التكلم. إذ ورد في مواطن إظهار نعم الله تعالى - على عباده؛ لينتبهوا إلى قدرته على إرسال الرياح وإنزاله المطر ليسقيهم ويسقي الأنعام، نقصد قوله تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا [الفرقان: 48]، وفي موطن آخر جاء الالتفات من الغيبة إلى التكلم للدلالة على نعمة الله تعالى والارتقاء في المنّة: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوۡ شَآءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنٗا ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَيۡهِ دَلِيلٗا[الفرقان: 45]؛ لأن ضمير المتكلم في (جعلنا) "أدخلُ في الامتنان من ضمير الغائب، فهو مُشعر بأن هذا الجَعْل نعمة، وهي نعمة النور الذي به تمييز أحوال المرئيات" (ابن عاشور 19/41، 42).

كما جاء هذا النمط من الالتفات للإشارة إلى مواجهة المشركين في مشهد أفصح عن تكذيب آلهتهم المزعومة لهم، زيادة في التوبيخ، وإشعارًا لهم بالعجز، كما كان في هذا الالتفات أيضًا بيان لعظمة الله تعالى - وقدرته على إنطاق الأصنام وكل ما عُبِد من دونه.

أما الالتفات من التكلم إلى الغيبة فجاء لإظهار المضمر، وتقريب الرسول ﷺ ومواساته (الزمخشري 4/340)، ولفت الانتباه إلى أن ربه بصير بعباده: ﴿وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضٖ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرٗا[الفرقان: 20]، وفي موطن آخر لتبيان وعده الكريم: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا مِّنَ ٱلۡمُجۡرِمِينَۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيٗا وَنَصِيرٗا[الفرقان: 31].

وورد الالتفات من الغيبة إلى الخطاب للامتنان على الرسول ﷺ وإعلامه بالحكمة من إنزال القرآن منجّمًا لتثبيت فؤاده، فأعرض الكلام عن الكافرين، والتفت إلى الرسول ﷺ: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا٣٢[الفرقان: 32].

هذا بالإضافة إلى الالتفات من الإضمار إلى الإظهار الذي ورد لتسجيل الظلم على مقولة الكافرين، والتقليل من شأنهم، فأضمرهم ثم أظهرهم وسمّاهم (الظالمين)، قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا٧ أَوۡ يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةٞ يَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ وَقَالَ ٱلظَّٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا[الفرقان: 7-8].

كما ظهرت استعمالات (لولا) المتعددة في سورتي النور والفرقان، وتنوعت أسلوبيًا بين الدلالة على الشرط والدلالة عل التحضيض والتوبيخ أيضًا، ويمكن قياس نسبة كثافة هذه الأساليب على مجموع استعمالات (لولا) المتعددة في السورتين، ويبين الجدول التالي عددها كما يلي:

م

السورة

استعمالات لولا

التحضيض

الشرط

1

النور

7

3

4

2

الفرقان

5

3

2

ويبدو من هذا الجدول ارتفاع عدد استعمالات (لولا) المتعددة في سورة النور، أكثر من سورة الفرقان، ويمكن قياس كثافة أداء معنى التحضيض وأداء معنى الشرط بـ "لولا" في السورتين، بالنظر إلى مجموع استعمالاتها، على النحو الآتي:

الكلمة

السورة

كثافة استعمالها في التحضيض

المثال

 

كثافة استعمالها في الشرط

المثال

لولا

النور

 = 0.42%

﴿لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا...﴾ [الآية 12]

 = 0.57%

﴿وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ١٠ [الآية: 10]

لولا

الفرقان

 = 0.6%

﴿لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ[الآية: 32]

 = 0.4%

﴿إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنۡ ءَالِهَتِنَا لَوۡلَآ أَن صَبَرۡنَا عَلَيۡهَاۚ [الآية: 42]

يُلاحَظ من نتائج القياس أن سورة النور أكثر كثافة من سورة الفرقان في استعمالات (لولا) الواردة فيها (حامد والعتيبي 20-22). ولعل السبب في ذلك يعود إلى قصة الإفك التي كثرت فيها هذه الأساليب.

كما أن كثافة استعمالها في الشرط أعلى من كثافة استعمالها في التحضيض، وسبب ذلك يعود أيضًا إلى قصة الإفك، وإلى الأحكام المتعلقة بالحدود التي وُضِعت لتحريم الزنى والقذف.

أما سورة الفرقان فكثافة استعمال (لولا) للتحضيض فيها أعلى من كثافة استعمالها للشرط؛ نظرًا لتحدي المشركين وتعنتهم الواضح مع النبي ﷺ لإثبات صحة ما جاء به.

1.2. أوجه الاختلاف

تظهر المتغيرات التركيبية بعض أوجه الاختلاف المرصودة بين سورتي النور والفرقان، من خلال نظم الآيات التي اتسمت بها سورة النور، واختتام سورة الفرقان بالمنصوبات، ويمكن المقارنة بين السورتين لقياس النسبة بين المتغيرات الأسلوبية التي وردت فيهما - من هذه الناحية - بوساطة القياس التالي:

1.2.1. قياس النسبة بين متغيرين أسلوبيين

يقوم التشكيل الأسلوبي في النص على مجموعة من المتغيرات الأسلوبية التي قد تتحول إلى خواص أسلوبية إذا اعتمد عليها في التشكيل بكثافة، وأخذت توزيعًا خاصًا، ويعتمد قياس النسبة على المقارنة بين خاصيتين أسلوبيتين من خلال "احتساب النسبة بإحصاء عدد مرات تكرار الخاصة الأولى وعدد مرات تكرار الخاصة الثانية في نص من النصوص، وقسمة حاصل جمع تكرار إحداهما على حاصل جمع تكرار الأخرى" (مصلوح، الأسلوب 58).

وقد أظهرت نتائج المتغيرات التركيبية في سورة النور مجموعة من الملاحظ الأسلوبية المهمة، لعل أبرزها ما ورد في [آية النور: (35)]، إذ حملت مجموعة من الأبنية المتتابعة التي تميزت بكثرة الجمل الاسمية الدالة على الثبوت والإخبار.

وقد أجرت دراسة تحليلية نحوية لسورة النور إحصاءً لعدد الجمل الاسمية، فبلغت (156) جملة، منها (50) جملة اسمية منسوخة، و(106) جملة اسمية غير منسوخة. كما أظهر الإحصاء عدد الجمل الفعلية التي بلغت (262) جملة، منها (251) جملة ذات أفعال غير ناسخة، و(11) جملة ذات أفعال ناسخة (النوري 232، 434، 443، 452).

ويمكن تطبيق قياس النسبة بين هذه الجمل على النحو الآتي:

§     نسبة الجمل الاسمية إلى الجمل الفعلية:  =  = 0.595%.

§     نسبة الجمل الفعلية إلى الجمل الاسمية:  =  = 1.67%.

معنى ذلك أن نسبة الجمل الفعلية في سورة النور، أعلى من نسبة الجمل الاسمية التي وردت فيها، وتفسير هذا كما يبدو أن طبيعتها التي تعالج واقعًا معيشيًا تكثر فيه الأحداث التي تدعو إلى الحركة بشكل مستمر، اقتضت التعبير بالجمل الفعلية أكثر. وبالنظر إلى الآية (35) التي وردت فيها الأبنية متتابعة من خلال الجمل الاسمية، فإن ذلك أنسب لأنها تدل على الثبوت والإخبار، وهذا ما أفصحت عنه الآية الكريمة التي ضربت المثل بنور الله تعالى، ولم ترد فيها الجملة الفعلية إلا في موضعين للدلالة على استمرار هداية الله - تعالى - لمن يشاء من خلقه، وضربه للأمثال، ويصدق هذا على قوله تعالى: ﴿يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ[النور: 35]، فجملة "يهدي الله لنوره" استئنافية مسوقة لزيادة التأكيد والتقرير والترغيب ولا محل لها من الإعراب، وكذلك جملة "ويضرب الله الأمثال" مستأنفة مقرِّرة معنى التشبيه بضرب الأمثال التي تخاطب البشر بما يمكنهم الإحاطة بعلمه، ولا محل لها من الإعراب أيضًا. وجملة "والله بكل شيء عليم": "اعتراض تذيلي مقرر ما قبله، وإظهار الاسم الجليل لتأكيد استقلال الجملة، والإشعار بعلة الحكم، وبما ذكر من اختلاف حالة المحكوم به ذاتًا وتعلقًا"، قاله أبو السعود" (الخطيب ومصلوح وعلوش مجلد9، ج18/220،221).

أما سورة الفرقان فيلاحظ في متغيراتها وخصائصها التركيبية تميّز واضح في فواصلها التي خُتِمت بالمنصوبات، ويمكن بيان أنواعها وعددها، على النحو الآتي:

منصوبات فواصل سورة الفرقان

النوع

المفاعيل

الصفة

خبر كان

التمييز

الحال

 

المفعول به

المفعول المطلق

العدد

20

7

17

12

5

3

العدد الإجمالي

64

 

منصوبات فواصل سورة الفرقان المعطوفة على:

النوع

المفعول به

التمييز

الحال

خبر كان

الظرف

العدد

4

4

3

1

1

العدد الإجمالي

13

يُظهر هذان الجدولان السابقان ارتفاع عدد المفاعيل التي خُتِمت بها فواصل سورة الفرقان، وتنوعت ما بين المفعول به، والمفعول المطلق، ثم الصفات، ثم خبر كان، وسنكتفي بهذه الأنواع الثلاثة (المفاعيل والصفات وخبر كان) لقياس نسبة كل نوع إلى المفاعيل باعتبار أنها الأكثر، والمقارنة بين بعضها وبعض على النحو الآتي:

§     نسبة: : = 1.58%.

§     نسبة: : = 0.62%.

§     نسبة: : = 2.25%.

§     نسبة: : = 0.44%.

وكما يظهر من القياس، ترتفع نسبة المفاعيل عن نسبة الصفات وخبر كان مما ورد في فواصل السورة، ويعود ذلك إلى كثرة الأفعال المتعدية التي برزت في السورة، ومعظمها من أفعال القول، والصيرورة، والاتخاذ، والإرسال. وبالعودة إلى المقياس الأول المتعلق بالكثافة، يُظهر القياس كذلك ارتفاع نسبة كثافة المفعول به في السورة على النحو الآتي:

م

نوع المفعول

المفعول به

المفعول المطلق

المفعول فيه

المفعول لأجله

المفعول معه

1

العدد في الفواصل

20

7

0

0

0

2

العدد الإجمالي في السورة

133

15

3

0

0

3

قياس الكثافة

0.157%

0.46

0%

0

0

وهذا يؤكد كثرة الأفعال المتعدية في السورة التي أظهرت جانبًا من التحدي والرد على شبهات المشركين بالحجة والدليل.

وهكذا أمكننا أن نقارن بين السورتين في خصائصهما التركيبية بالاعتماد على مقياسين هما: مقياس كثافة المتغيّر الأسلوبي الذي رصدنا فيه ملامح التشابه الأسلوبي بين السورتين في الالتفات واستعمالات "لولا" كثرةً وقلّة، وقياس النسبة بين متغيرين أسلوبيين، الذي بيّن لنا سمة ارتفاع نسبة الجملة الفعلية عن الجملة الاسمية في سورة النور، وسمة ارتفاع عدد المنصوبات ولا سيما المفاعيل في سورة الفرقان.

 2. مقارنة أسلوبية دلالية بين سورتي النور والفرقان

يتكون النص من مجموعة من الألفاظ المترابطة التي تفصح عن مضمونه، وتعبر عن شخصية كاتبه، وما يحمله من ثروة معجمية يقوم من خلالها بالتعبير عن المحتوى الذي يود إيصاله "فما المفردات إلا الخلايا الحية التي يتحكم الكاتب في تخليقها وتنشيط تفاعلاتها، على نحو يتحقق به للنص كينونته المتميزة من سياق النصوص" (مصلوح، في النص 85).

كما أن هذه الثروة اللفظية تختلف بين كاتب وآخر من جهة حجمها وطريقة توظيفها، والموازنةُ بين بعض النصوص وبعض تقتضي فحصها، وقياس كمية الثراء المعجمي، لمعرفة كيفية تنويع المفردات؛ حيث إن هذا التنويع يعد خاصية أسلوبية يمكن الكشف عنها بوساطة أحد المقاييس الإحصائية التي تساعد في الوصول إلى معرفة مدى صعوبة النص أو سهولته وبيان نسبة تنوع مفرداته، ومن أهم هذه المقاييس مقياس جونسون (مصلوح، في النص 85-86).

إضافة إلى ذلك، فإن هذا التنوع يشمل في طياته الأسماء، والصفات، والأفعال التي يمكن قياسها أيضًا ومعرفة نسبة كل نوع منها إلى الآخر، من خلال معادلة بوزيمان التي تساعد في الكشف عن أسلوب اللغة في النص، ومعرفة إن كان أدبيًا أو علميًا (مصلوح، الأسلوب 73-74).

والقرآن الكريم نص إلهي مقدس لا يقارن بغيره من النصوص الأخرى، وهو يمتاز "بالتعبير عن القضايا بأوسع مدلول، وأدق تعبير وأجمله، مع التناسق العجيب بين المدلول والعبارة، ومع جمال التعبير دقة الدلالة في آن واحد، بحيث لا يغني لفظ عن لفظ في موضعه" (قطب 3/1787).

وسوف نعقد مقارنة بين سورتي النور وهي مدنية، والفرقان وهي مكية - من خلال أوجه التشابه والاختلاف التي تبدو فيهما وفق النظر في المتغيرات الدلالية؛ حيث إن هذا سيكشف عن ورود بعض الألفاظ في السورتين، وغيابها عن سورة دون الأخرى، إضافة إلى انفراد السورتين ببعض الألفاظ على مستوى الاستعمال القرآني، وسيُعتمد في بيان أوجه التشابه على قياس كثافة الألفاظ.

ويظهر الإحصاء والتحليل ارتفاع عدد الألفاظ في سورة النور، وانخفاضها في سورة الفرقان، وبناء على هذا الاختلاف بين السورتين سنعتمد على قياس نسبة الأفعال إلى الصفات بهدف معرفة السورة الأكثر أفعالًا، ومقياسِ تنويع المفردات لمعرفة السورة الأكثر تنويعًا. ويمكن توضيح هذا على النحو الآتي:

2.1. أوجه التشابه

تشير المتغيرات الدلالية إلى بعض أوجه التشابه التي رصدت بين سورتي النور والفرقان، من خلال ورود بعض الألفاظ في السورتين، وذلك نحو: ألفاظ الجلالة وأسماء الله الحسنى، وألفاظ الرسالة ومشتقاتها، وألفاظ القول، وكذلك تميزت السورتان بوجود بعض الألفاظ المنفردة فيهما على مستوى الاستعمال القرآني. ويمكن المقارنة بين السورتين لمعرفة أيهما أكثر كثافة في الألفاظ الأكثر ورودًا وانفرادًا بواسطة المقياس التالي:

2.1.1. قياس كثافة الألفاظ

يمكن قياس كثافة الألفاظ اعتمادًا على قياس كثافة المتغير الأسلوبي السابق ذكره في الجانب التركيبي، وذلك من خلال تصنيف الألفاظ الأكثر ورودًا في السورتين في حقول، وبيان عددها، لقياس نسبة الكثافة بين حقل وآخر، ومحاولة التفسير وفق النتائج، على النحو الآتي:

العنوان

الألفاظ الأكثر ورودًا في سورة النور

اسم الحقل

لفظ الجلالة

الأسماء الحسنى

الإيمان

البيوت

القول

الشهادة

الرسول

العِلْم

الاستئذان

النور

العدد

80

34

21

14

13

11

11

10

9

7

العنوان

الألفاظ الأكثر ورودًا في سورة الفرقان

اسم الحقل

القول

الأسماء الحسنى

مادة (جَعَل)

الربوبية

اليوم

الإرسال

الاتخاذ

الضلالة

السبيل

الفرقان

العدد

22

21

17

14

10

9

9

8

7

1

يبدو من جدول الألفاظ الأكثر ورودًا في سورة النور، أن لفظ الجلالة (الله) عز وجل جاء في المرتبة الأولى، وبلغ عدد تحققاته (80) أي بكثافة (0.060%) على المجموع الكلي لتحققات سورة النور (1.316)، ومع احتساب لفظ الجلالة وأسماء الله الحسنى، فإن النسبة ستكون (0.086%)، والظاهر أن هذا يعود إلى تحقق دعوة النبي ﷺ وثبات الإيمان في قلوب المؤمنين والمؤمنات، فالسورة عُنيت بتوجيه المسلمين والمسلمات، وتربيتهم على النهج السليم؛ إذ لم ترد فيها ألفاظ الربوبية إطلاقًا كما وردت في سورة الفرقان بكثرة.

تأتي بعد ذلك ألفاظ الإيمان التي بلغت كثافتها في السورة (0.015%)، مما يؤكد ثبات الإيمان لدى المؤمنين وبلوغ الرسالة، بخلاف سورة الفرقان التي لم ترد فيها ألفاظ الإيمان إلا في موضع واحد يستثني فيه الله - تعالى - مَن تاب وآمن، وهذا ما يؤكد تعليل سبب تنويع المفردات في سورة الفرقان أكثر من سورة النور، وهو كثرة الجدال والحجاج، ورفض دعوة الرسول المرسَل إليهم، ويأتي هذا منسجمًا مع أغراض سورة الفرقان ودعائمها الثلاث التي تقوم عليها وأشرنا إليها في صدر البحث.

ومن خصائص هذا أن ألفاظ الكفر لم ترد في سورة الفرقان إلا في ثلاثة مواطن؛ لأن المشركين يقرون بوجود الله تعالى ولكنهم يصرون على الشرك، وهذا ما يفسر أيضًا ارتفاع كثافة ألفاظ الضلالة في سورة الفرقان أكثر من كثافة ألفاظ الكفر، إذ بلغت (0.008%)، أما ألفاظ الكفر فبلغت (0.003%).

كما ارتفعت ألفاظ الربوبية التي بلغ عددها (14) وجاءت في المرتبة الرابعة في سورة الفرقان متفقة مع عدد ألفاظ البيوت التي جاءت في المرتبة نفسها بسورة النور، إذ بلغ عددها أيضًا (14)، ولا غرابة في ذلك، فسورة الفرقان تدعو إلى الربوبية والألوهية المطلقة لله - تعالى - وسورة النور مما تدعو إليه مراعاة حرمات البيوت قبل الدخول إليها حفظًا للستر، ودرءًا للمفاسد التي قد يترتب عليها الوقوع في المحظور، وهو ما نهت عنه السورة الكريمة.

أما من حيث قياس كثافة الألفاظ في السورتين، فإن نسبة كثافة ألفاظ الربوبية في سورة الفرقان هي (0.015%)، وكثافة ألفاظ البيوت في سورة النور هي (0.010%)، ولا شك أن اختلاف النسبة عائد إلى عدد الأنماط الذي يقاس عليه تنوع المفردات في السورة. وسوف يأتي ذكر ذلك في موضع لاحق.

وأما في حالة إضافة أسماء الله الحسنى وصفاته العُلا إلى ألفاظ الربوبية في سورة الفرقان وجمعهما معًا، فإن كثافتهما ترتفع إلى (0.039%) وتحل محل ألفاظ القول التي وردت في المرتبة الأولى بكثافة وصلت إلى (0.024%) مفصحة عن تطاول المشركين وكثرة جدالهم، وفي كلتا الحالتين يبدو الأمرُ مناسبًا جدًا؛ أي إن جاءت ألفاظ القول أو جاءت ألفاظ الربوبية وأسماء الله الحسنى في المرتبة الأولى؛ لأن السورة قائمة على توحيد الله - تعالى - ونبذ الشرك، والدعوة إلى تصديق نبوة محمد ﷺ من خلال الرد على المزاعم وإبطالها.

وقد وردت ألفاظ القول في سورة النور أيضًا، ورغم خوض المنافقين في حادثة الإفك بالأقاويل الباطلة، تظل ألفاظ القول أكثر كثافة في سورة الفرقان، إذ بلغت نسبتها (0.024%)؛ وتعليل هذا الارتفاع يرجع إلى كثرة جدال المشركين وتحديهم للرسول ﷺ على نحو ما يظهر هذا من خلال مقول القول الوارد في السورة.

 ويلاحظ كذلك - من النظر إلى المتغيرات الدلالية - تساوي عدد ألفاظ الشهادة ولفظ الرسول في سورة النور، وبلغت كثافتهما معًا (0.083%)، ويمكن تفسير هذه الكثافة التي وردت في الآيات المتعلقة بالحدود والأحكام بأن المُوَجِّه للمؤمنين والمؤمنات هو الرسول ﷺ الذي يقوم بإبلاغهم بأحكام الله تعالى.

أما سورة الفرقان فقد تساوى فيها عدد ألفاظ الإرسال والاتخاذ كذلك، وبلغت كثافتهما (0.0100%)، وألفاظ الاتخاذ عائدة إلى الشرك، وألفاظ الإرسال عائدة إلى الرسل، وهذا التساوي يناسب دورهم في التصدي لكل ما يعبد من دون الله جل جلاله.

 كما وردت ألفاظ أخرى منها ألفاظ مادة (جَعَل) التي بلغت كثافتها (0.0190%)، وهي عائدة إلى قدرة الله تعالى، وتعليل ارتفاع كثافتها هو إنكار المنكرين للبعث ويوم الحشر، والإصرار على الشرك وهم يرون بأعينهم مظاهر خلق الله - تعالى - في كونه العظيم. وهذا يوضح أيضًا سبب ارتفاع كثافة لفظ (اليوم)، إذ بلغت (0.0112%)، وكذلك لفظ (السبيل) الذي بلغت كثافته (0.0784%) مما دل على ضياعهم.

أما سورة النور فارتفعت فيها كثافة ألفاظ (العلم) إلى (0.0075%)، وهي مرتبطة بسعة علم الله تعالى، وفي مواطن قليلة جدًا يُنفى فيها العلم الواسع عن عباده. كما ارتفعت كثافة ألفاظ (الاستئذان) إلى (0.0068%)، وتناسب ذلك مع طبيعة السورة التي ترتفع فيها أيضًا كثافة ألفاظ (البيوت).

كما أظهر الجدول السابق أسماء السورتين. وقد ورد لفظ النور في سورة النور سبع مرات بكثافة بلغت (0.0053%)، وورد لفظ الفرقان مرة واحدة في سورة الفرقان بكثافة بلغت (0.0011%).

وفيما يلي نسبة كثافة الألفاظ الأكثر ورودًا قياسًا على عدد تحققات السورتين:

العنوان

الألفاظ الأكثر ورودًا في سورة النور

الحقل

لفظ الجلالة والأسماء الحسنى

الإيمان

البيوت

القول

الشهادة

الرسول

العلم

الاستئذان

النور

العدد

114

21

14

13

11

11

10

9

7

التحققات

1316

1316

1316

1316

1316

1316

1316

1316

1316

الكثافة

0.086%

0.015%

0.010%

0.009%

0.008%

0.008%

0.007%

0.006%

0.005%

 

العنوان

الألفاظ الأكثر ورودًا في سورة الفرقان

الحقل

"رَبّ" والأسماء الحسنى

القول

مادة (جَعَل)

اليوم

الإرسال

الاتخاذ

الضلالة

السبيل

الفرقان

العدد

35

22

17

10

9

9

8

7

1

التحققات

892

892

892

892

892

892

892

892

892

الكثافة

0.039%

0.024%

0.019%

0.011%

0.010%

0.010%

0.008%

0.007%

0.001%

وكذلك وردت بعض الألفاظ التي تفردت بها كل سورة من السورتين على مستوى الاستعمال القرآني، على النحو الآتي:

الألفاظ التي تفردت بها سورة النور مع أرقام الآيات (عبد الباقي، مواضع متفرقة):

"الزانية والزاني" [2، 3] "ولا يأتلِ" [22] - "تستأنسوا" [27] "خُمُر" "جُيوب" - "الإِرْبة" [31] "الأيامى" [32] "البِغاء" "تحصُّن" [33] "مِشكاة" "زجاجة" "دُرْيّ" [35] - "قِيعة" [39] "لُجِيٍّ" [40] "رُكام" "بَرَد" "سَنا" [43] - "مُذْعِنين" [49] "يَحيف"[50] - "الأطفال" الحُلُم" [59] - "يتسلّلون" "لِواذا" [63].

العدد: أربعة وعشرون لفظًا 24 (حامد والعتيبي 17،18).

الألفاظ التي تفردت بها سورة الفرقان مع أرقام الآيات (عبد الباقي، مواضع متفرقة):

"اكتتبها" [5] - "الأسواق" [7، 20] "تغيّظًا" [12] "صرفًا" [19] "حِجْرًا محجورًا" [22 ...] "مَقيلًا" [24] "فلانًا" [28] - خذولًا" [29] "مهجورًا" [30] "جملة" [32] "تفسيرًا" [33] ساكنًا" [45] "دليلًا" [45] - "أناسي" [49] "وصِهْرًا" [54] "خِلْفة" [62] "هَوْنًا" [63] "غرامًا" [65] "مُقامًا" [66، 67] "يَقْتُروا" [67] "قَوامًا" [67] "أثامًا" [68] "مُهانًا" 69 "عُميانًا" [73] "يَعبأ" [77].

العدد: خمسة وعشرون لفظًا 25.

 والعددان المتقاربان (24 في سورة النور، و25 في سورة الفرقان) معناهما أن نسبة كثافة الألفاظ المنفردة في سورة النور هي (0.0182%)، ونسبة كثافتها في سورة الفرقان هي (0.280%)، ويُعلل ذلك بارتفاع عدد الأنماط في سورة الفرقان، فالكثافة هنا تقاس على عددها، أي أن كثافة الألفاظ المنفردة أكثر في سورة الفرقان قياسًا على عدد أنماطها، وأقل قليلًا في سورة النور قياسًا على عدد أنماطها كذلك.

أما نسبة الألفاظ المنفردة في سورة النور إلى سورة الفرقان فإنها تبلغ (0.96%)، وتبلغ نسبتها في الفرقان إلى النور (1.04%). وعلى هذا تكون سورة الفرقان هي الأعلى في القياس نسبة إلى سورة النور بفارق ضئيل.

ويبين الجدول التالي عدد الألفاظ التي انفردت بها السورتان، ونسبة كثافتها كالآتي:

م

السورة

عدد الألفاظ المنفردة

نسبة الكثافة

نسبة الكثافة بين السورتين

1

النور

24

 = 0.018%.

 = 0.96%.

2

الفرقان

25

 = 0.028%.

 = =1.04%.

2.2. أوجه الاختلاف

ظهرت بعض أوجه الاختلاف التي رصدت في سورة النور، وسورة الفرقان، من خلال غياب بعض الألفاظ في إحدى السورتين وظهورها في الأخرى، وذلك نحو: ألفاظ الربوبية، وألفاظ الاتخاذ التي غابت عن سورة النور، وظهرت في سورة الفرقان التي غابت عنها كذلك ألفاظ الإيمان الواردة في سورة النور، إذ لم تظهر في سورة الفرقان إلا في موضع واحد فقط يتعلق بالمؤمنين. وقد أشير إلى ذلك في أوجه التشابه، إذ يصعب فصل الألفاظ عن محتوى السورة عند محاولة تفسير النتائج وتحليلها.

أما ما يمكن إضافته هنا من خلال أوجه الاختلاف فهو ارتفاع عدد الألفاظ التي وردت في سورة النور أكثر من سورة الفرقان، وبناء على هذه النتائج المرصودة يمكن قياس عدد الأفعال والصفات، لمعرفة أي السورتين أكثر أفعالًا، وقياس تنوع المفردات، لمعرفة أي السورتين أكثر أنماطًا، على النحو الآتي:

2.2.1. قياس النسبة بين متغيرين

إذا حاولنا أن نفيد من المعادلة التي أشار إليها الدكتور سعد مصلوح الخاصة بقياس نسبة الأفعال إلى الصفات[3]، دون الالتزام الحرفي بمدلولها الذي يقول إن كثرة الأفعال تدلّ على الطابع الأدبي وقلّتها تدلّ على الطابع العلمي؛ لأن هذا الإسقاط المباشر للنظريات الحديثة لا يتناسب مع جلال القرآن وقدسيته فهذا في رأينا ممكن لتوجيهه من أجل الإفادة منه في بيان بعض جوانب أسلوب القرآن الكريم.

وتأخذ المعادلة هذا الشكل:

نسبة الفعل إلى الصفة =   ويرمز لها بهذا الشكل (ن ف ص)

ويحدد مصلوح الأفعال والصفات التي يمكن تطبيق هذا المقياس عليها؛ إذ يُستثنى في عدد الأفعال الجامدُ منها، وأفعال الشروع والمقاربة، والأفعال الناقصة إلا التامة منها، ويُكتفى بالأفعال الدالة على الحدث. كما يُستثنى في عدد الصفات الجمل الواقعة في محل صفة، ويشمل الإحصاء فيما عدا ذلك "جميع الأنواع الأخرى من الصفات بما في ذلك الجامد المؤول بالمشتق كالمصدر الواقع صفة، والاسم الموصول بعد المعرفة، والمنسوب، واسم الإشارة الواقع بعد معرفة" (مصلوح، الأسلوب 78).

وقد أظهر الإحصاء الذي أجري على سورتي النور والفرقان عدد الأفعال وعدد الصفات، والنسبة بينهما، على النحو الآتي:

م

اسم السورة

عدد الآيات

عدد الكلمات

عدد الأفعال

عدد الصفات

ن ف ص

1

النور

64

1316

259

51

5.078%

2

الفرقان

77

892

221

44

5.022%

 

 

 

ويتضح من دراسة الآيات واستخراج نسب الأفعال إلى الصفات، أن أسلوب سورة النور أكثر أفعالًا من أسلوب سورة الفرقان؛ إذ إن الاختلاف بين السورتين يصل إلى (0.056%)، ولعل الأمر يعود إلى طبيعة الأحكام التشريعية الإلزامية التي وردت في السورة وجاءت بعد إرساء الدولة الإسلامية، والانتهاء من مرحلة الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك، وهذا ما يبدو جليًا في سورة الفرقان التي اتسمت بالمراوحة بين الرد على شبهات المنكرين لدعوة النبي ﷺ وبين الوقوف أمام دلائل قدرة الله - تعالى - في ملكوته، وإظهار نعمه على عباده.

وقد تراوحت النسب بين سورتي النور والفرقان باختلاف محاورهما، إذ أظهرت سورة الفرقان في الآيات العشر الأولى نسبة تحمل أفعالًا أكثر من سورة النور، ولغة انفعالية مرتفعة من خلال مقول القول الوارد على لسان المشركين، والرد عليهم بصرامة. وقد بلغت هذه النسبة 12.6%.

أما الآيات العشر الأولى في سورة النور فكانت نسبة الأفعال فيها مرتفعة لكنها أقل قليلًا من سورة الفرقان، إذ بدأ مطلع سورة النور بذكر فرض تام إلزامي، تفرعت منه الحدود والأحكام الصارمة، وبُيِّنت كل حالة وما يلزمها من حد أو حكم شرعي، وعلى هذا جاءت النسبة فيها متناسبة جدًا مع اللغة الهادئة التي بدأت بها السورة، واتسمت بمخاطبة العقول، وقد بلغت النسبة 10%.

ويبين الجدول التالي الآيات العشر الأولى من سورتي النور والفرقان، مع تمييز الأفعال بوضع خط أسفلها وتمييز الصفات بوضع خطين:

سورة النور

سورة الفرقان

﴿سُورَةٌ أَنزَلۡنَٰهَا وَفَرَضۡنَٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِيهَآ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ١ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ٢ ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ٣ وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ وَلَا تَقۡبَلُواْ لَهُمۡ شَهَٰدَةً أَبَدٗاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ٤ إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ٥ وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۢ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ٦ وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ٧ وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡهَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡهَدَ أَرۡبَعَ شَهَٰدَٰتِۢ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ٨ وَٱلۡخَٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ٩ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ١٠

﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا١ ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا٢ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡ‍ٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا٣ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَۖ فَقَدۡ جَآءُو ظُلۡمٗا وَزُورٗا٤ وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا٥ قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا٦ وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا٧ أَوۡ يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةٞ يَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ وَقَالَ ٱلظَّٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا٨ ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَٰلَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا٩ تَبَارَكَ ٱلَّذِيٓ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيۡرٗا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَيَجۡعَل لَّكَ قُصُورَۢا١٠

 

ن ف ص = =  = 10%.

ن ف ص = =  = 12.6%.

وقد أخذت النسب بالتناقص قبل الانتقال إلى الآيات العشر الأواخر في السورتين، إذ بلغ عدد الأفعال من الآية (11) وحتى الآية (53) في سورة النور: (174) فعلًا، وعدد الصفات (36)، بنسبة بلغت 4.8%.

 أما سورة الفرقان فقد بلغ عدد الأفعال فيها من الآية (11) وحتى الآية (53): (67) فعلًا، وعدد الصفات (34)، بنسبة بلغت 4.5%. وهذا ما يبينه الجدول الآتي:

م

اسم السورة

رقم الآيات

عدد الأفعال

عدد الصفات

ن ف ص

1

النور

(11- 53)

174

36

4.8%

2

الفرقان

(11- 67)

153

34

4.5%

ويؤكد هذا الجدول أن نسبة (ن ف ص) في الجزء الذي يقع في وسط السورة ما بين الآيات العشر الأُوَل والآيات العشر الأواخر من سورة النور، أكثر من الجزء المتعلق بسورة الفرقان، وتناسب هذه النسبة الزائدة حركة الأحداث المستمرة التي تضمنت حادثة الإفك، ثم انتقلت إلى بيان أحكام الزينة، وضرب الأمثال، والحث على طاعة الرسول ﷺ.

أما سورة الفرقان فانخفضت فيها (ن ف ص) بعد انخفاض مستوى الجدال عند المشركين الذي هبطت معه اللغة الانفعالية، قبل الانتقال إلى بيان مصيرهم، وتصوير يوم الحشر الذي كذبوه، ليعود أسلوب الجدال مرة أخرى وتهبط حدته بالانتقال إلى ضرب المثل، وتصوير عظمة الله تعالى - في كونه.

وفيما يلي عينة من السورتين توضح ما ورد بعد الآيات العشر الأُوَل:

سورة النور

سورة الفرقان

﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ١١ لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ١٢ لَّوۡلَا جَآءُو عَلَيۡهِ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَۚ فَإِذۡ لَمۡ يَأۡتُواْ بِٱلشُّهَدَآءِ فَأُوْلَٰٓئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ١٣ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ لَمَسَّكُمۡ فِي مَآ أَفَضۡتُمۡ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ١٤ إِذۡ تَلَقَّوۡنَهُۥ بِأَلۡسِنَتِكُمۡ وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم مَّا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞ وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَيِّنٗا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٞ١٥ وَلَوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ قُلۡتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبۡحَٰنَكَ هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيمٞ١٦

﴿بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيرًا١١ إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۢ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا١٢ وَإِذَآ أُلۡقُواْ مِنۡهَا مَكَانٗا ضَيِّقٗا مُّقَرَّنِينَ دَعَوۡاْ هُنَالِكَ ثُبُورٗا١٣ لَّا تَدۡعُواْ ٱلۡيَوۡمَ ثُبُورٗا وَٰحِدٗا وَٱدۡعُواْ ثُبُورٗا كَثِيرٗا١٤ قُلۡ أَذَٰلِكَ خَيۡرٌ أَمۡ جَنَّةُ ٱلۡخُلۡدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۚ كَانَتۡ لَهُمۡ جَزَآءٗ وَمَصِيرٗا١٥ لَّهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَٰلِدِينَۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعۡدٗا مَّسۡ‍ُٔولٗا١٦

ن ف ص = =  = 4.25%.

ن ف ص = =  = 2%.

وكما يبدو من العينة المختارة، ارتفاع (ن ف ص) في سورة النور أكثر من سورة الفرقان، وبمقارنة هذه العينة مع الآيات العشر التي سبقتها، بدا أن النسبة تتجه نحو الانخفاض التدريجي في السورتين، قبل الانتقال إلى الآيات العشر الأواخر التي عادت النسبة فيها إلى الارتفاع في السورتين، غير أنها في سورة الفرقان أعلى قليلًا من سورة النور، على النحو الذي يظهره الجدول الآتي:

م

اسم السورة

أرقام الآيات

عدد الأفعال

عدد الصفات

ن ف ص

1

النور

(54-64)

57

6

9.5%

2

الفرقان

(68-77)

30

3

10%

وكما يلاحظ في هذا الجزء ارتفاع (ن ف ص) من سورة الفرقان أكثر من سورة النور، إذ بلغت النسبة (10%)؛ نظرًا لطبيعة المحتوى الذي ورد في هذه الآيات؛ حيث حَدّدت شروط التوبة، وبيّنت صفات عباد الرحمن وأشارت إلى مصيرهم، قبل الانتقال إلى ختام السورة؛ حيث توعد الله - تعالى - المكذبين بيوم اللزام.

أما سورة النور فهي أقل نسبة من سورة الفرقان، بفارق ضئيل، إذ بلغت (ن ف ص) 9.5%. وقد قام المحتوى على التوجيه، وتوضيح آداب الدخول إلى البيوت، وأظهر موقف المنافقين من التولي عن الرسول ﷺ عند الاحتكام إليه، أو الخروج إلى الجهاد، إضافة إلى الحث على التأدب معه عند مناداته وتوقيره، قبل الانتقال إلى ختام السورة.

2.2.2. قياس تنوع ٍالمفردات

تتعدد المقاييس التي يمكن من خلالها رصد تنوع المفردات في النص، ومن أهمها المقياس الذي يُعنى بالنظر إلى الثروة اللفظية وحجمها، ومعرفة كيفية تنويعها في النص، ويُطلق مصطلح "الأنماط" على الكلمات المتنوعة، ومصطلح "التحققات" على مجموع الكلمات الكلي الذي يتشكّل منه النص.

أما طريقة عمل هذا المقياس الأساسية فتقوم على رصد الكلمة (النمط) مرة واحدة، وحذف التكرارات، ثم قسمة هذه الأنماط على الطول الكلي للنص؛ أي عدد التحققات التي تألَّف منها لإيجاد نسبة التنوع، وتسمى هذه الطريقة النسبة الكلية للتنوع (مصلوح، في النص 91).

إن تطبيق هذا المقياس بدقة يتطلب تحديد مفهوم الكلمة، ووضع معيار لها، وبناء على ذلك فإن المعيار الذي سيقوم عليه الإحصاء هو المعيار المعجمي، وسوف تُستبعد كل الكلمات ذات الوظيفة النحوية التي لا تشير إلى شيء خارج اللغة، ويساعد هذا الحصر المعجمي على تبسيط المقياس، واختيار الأنماط بشكل دقيق دون تردد.

أما حصر هذه الكلمات فيقوم على احتساب الفعل مرة واحدة مهما تعددت صيغه، أو اختلفت جهات إسناده، وكذلك الأسماء مهما اختلفت صيغها، إلا في حالة أن يكون المثنى أو الجمع ليس من لفظ المفرد.

كما لا يُعتد باختلاف الاسم تذكيرًا، أو تأنيثًا إلا إذا كان المؤنث من غير لفظ المذكر. أما إذا اتصل الاسم بلاحقة تدل على النسب، أو المصدر الصناعي فإن كل صورة تعتبر نمطًا مختلفًا، وكذلك الكلمات الدالة على الاشتراك اللفظي، إضافة إلى صيغ الجموع فإنها تحتسب كلمات مختلفة إذا تعددت (مصلوح، في النص 96).

وبناءً على ما تقدم يمكن تطبيق مقياس تنوع المفردات هذا لرصد تنوعها في سورتي النور والفرقان، ثم المقارنة بينهما للوصول إلى نتائج جديدة، ومعرفة أيهما أكثر تنوعًا في مفرداته. ولقد أظهرت نتائج المتغيرات الدلالية عدد التحققات التي تشكلت منها سورة النور، إذ بلغت (1316) كلمة، وبلغ عدد الأنماط فيها باعتماد مقياس تنوع المفردات (346) كلمة، وبذلك فإن النسبة الكلية لتنوع السورة تحسب بقسمة 0.262%. أما سورة الفرقان، فقد بلغ عدد التحققات فيها (892) كلمة، وعدد أنماطها (317) كلمة، وتحسب نسبة التنوع فيها بقسمة 0.355%.

ويوضح هذه النسبَ الجدولُ التالي:

السورة

عدد التحققات

عدد الأنماط

نسبة التنوع

النور

1316

346

0.262%

الفرقان

892

317

0.355%

وكما يبدو من النتائج، فإن سورة الفرقان أظهرت تنوعًا أكثر في مفرداتها، وقد تطلب هذا التنوع طبيعةُ السورة التي يكثر فيها أسلوب مقول القول على لسان المشركين، والرد على ما أثاروه من شبهات متعددة، مما أفضى إلى تنويع المفردات بحسب ما يقتضيه المقام للرد عليهم.

وقد أظهرت الآيات العشر الأُوَل من سورة الفرقان ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة تنوع المفردات كما يلي:

تبَارَكَ

الَّذِي

نَزَّلَ

الْفُرْقَانَ

عَلَى

عَبْدِهِ

لِيَكُونَ

لِلْعَالَمِين

نَذِيرًا

الَّذِي

لَهُ

مُلْكُ

السَّمَاوَاتِ

وَالأَرْضِ

وَلَمْ

يَتَّخِذْ

وَلَدًا

وَلَمْ

يَكُن

لَّهُ

شَرِيكٌ

فِي

الْمُلْكِ

وَخَلَقَ

كُلَّ

شَيْءٍ

فـَقَدَّرَهُ

تَقْدِيرًا

واتَّخَذُوا

مِن

دُونِهِ

آلِهَةً

لا

يَخْلُقُونَ

شَيْئًا

وَهُمْ

يُخْلَقُون

وَلا

يَمْلِكُونَ

لأَنفُسِهِمْ

ضَرًّا

وَلا

نَفْعًا

وَلا

يَمْلِكُون

مَوْتًا

وَلاَ

حيَاةً

وَلا

نُشُورًا

وقالَ

الَّذِينَ

كَفَرُوا

إِنْ

هَذَا

إِلاَّ

إِفْكٌ

افْتَرَاهُ

وَأَعَانَهُ

عَلَيْهِ

قَوْمٌ

آخَرُونَ

فَقَدْ

جَاؤُوا

ظُلْمًا

وَزُورًا

وَقَالُوا

أَسَاطِيرُ

الأَوَّلِينَ

اكْتَتَبَهَا

فَهِيَ

تُمْلَى

عَلَيْهِ

بُكْرَةً

وَأَصِيلا

قُلْ

أَنزَلَهُ

الَّذِي

يَعْلَمُ

السِّرَّ

فِي

السَّمَاوَاتِ

وَالأَرْضِ

إِنَّهُ

كَانَ

غَفُورًا

رَّحِيمًا

وَقَالُوا

مَالِ

هَذَا

الرَّسُولِ

يَأْكُلُ

الطَّعَامَ

وَيَمْشِي

فِي

الأَسْوَاقِ

لَوْلا

أُنزِلَ

إِلَيْهِ

مَلَكٌ

فَيَكُونَ

مَعَهُ

نَذِيرًا

أَوْ

يُلْقَى

إِلَيْهِ

كَنزٌ

أَوْ

تَكُونُ

لَهُ

جَنَّةٌ

يَأْكُلُ

مِنْهَا

وَقَالَ

الظَّالِمُونَ

إِن

تَتَّبِعُونَ

إِلاَّ

رَجُلا

مَّسْحُورًا

انظُرْ

كَيْفَ

ضَرَبُوا

لَكَ

الأَمْثَالَ

فَضَلُّوا

فَلا

يَسْتَطِيعُونَ

سَبِيلا

تَبَارَكَ

الَّذِي

إِن

شَاءَ

جَعَلَ

لَكَ

خَيْرًا

مِّن

ذلِكَ

جَنَّاتٍ

تَجْرِي

مِن

تَحْتِهَا

الْأَنْهَارُ

وَيَجْعَل

لَّكَ

قُصُورًا

 

 

 

 

 

 

 

ويلاحظ في هذا النموذج أو الجدول السابق حذف الكلمات الوظيفية، والإبقاء على الكلمات المعجمية مع حذف المتكرر منها، وأظهرت النتيجة عدد الأنماط وهي (69)، على عدد تحققات هذا النموذج، وهي المجموع الكلي دون حذف أي كلمة، وبلغت (146)، أي أن نسبة تنويع المفردات في هذه العينة بلغت (0.47%).

أما سورة النور، فأظهرت الآيات العشر الأُوَل منها نسبة تنوع أقل في المفردات مقارنة مع سورة الفرقان. ويوضح النموذج التالي ذلك:

سُورَةٌ

أَنزَلْنَاهَا

وَفَرَضْنَاهَا

وَأَنزَلْنَا

فِيهَا

آيَاتٍ

بَيِّنَاتٍ

لَّعَلَّكُمْ

تَذَكَّرُونَ

الزَّانِيَةُ

وَالزَّانِي

فَاجْلِدُوا

كُلَّ

وَاحِدٍ

مِّنْهُمَا

مِائَةَ

جَلْدَةٍ

ولا

تَأْخُذْكُم

بِهِمَا

رَأْفَةٌ

فِي

دِينِ

اللَّهِ

إِن

كُنتُمْ

تُؤْمِنُونَ

بِاللَّهِ

وَالْيَوْمِ

الآخِرِ

وَلْيَشْهَدْ

عَذَابَهُمَا

طَائِفَةٌ

مِّنَ

الْمُؤْمِنين

الزَّانِي

لا

يَنكِحُ

إِلاَّ

زَانِيَةً

أَوْ

مُشْرِكَةً

وَالزَّانِيَةُ

لا

يَنكِحُهَا

إِلاَّ

زَانٍ

أَوْ

مُشْرِكٌ

وَحُرِّمَ

ذَلِكَ

عَلَى

الْمُؤْمِنِينَ

وَالَّذِين

يَرْمُونَ

الْمُحْصَنَاتِ

ثُمَّ

لَمْ

يَأْتُوا

بِأَرْبَعَةِ

شُهَدَاء

فَاجْلِدُوهُمْ

ثَمَانِينَ

جَلْدَةً

ولا

تقْبَلُوا

لَهُمْ

شَهَادَةً

أَبَدًا

وَأُولَئِكَ

هُمُ

الْفَاسِقُون

إِلاَّ

الَّذِينَ

تَابُوا

مِن

بَعْدِ

ذَلِكَ

وَأَصْلَحُوا

فَإِنَّ

اللَّهَ

غَفُورٌ

رحيم

وَالَّذِينَ

يَرْمُونَ

أَزْوَاجَهُمْ

وَلَمْ

يكُن

لَّهُمْ

شُهَدَاء

إِلاَّ

أَنفُسُهُمْ

فَشَهَادَةُ

أَحَدِهِمْ

أَرْبَعُ

شَهَادَاتٍ

بِاللَّهِ

إِنَّهُ

لَمِنَ

الصَّادِقِينَ

وَالْخَامِسَةُ

أَنَّ

لَعْنَتَ

اللَّهِ

عَلَيْهِ

إِن

كَانَ

مِنَ

الْكَاذِبِينَ

وَيَدْرَأُ

عَنْهَا

الْعَذَابَ

أَنْ

تَشْهَدَ

أَرْبَعَ

شَهَادَاتٍ

بِاللَّهِ

إِنَّهُ

لَمِنَ

الْكَاذِبِينَ

وَالْخَامِسةَ

أَنَّ

غَضَبَ

اللَّهِ

عَلَيْهَا

إِن

كَانَ

مِنَ

الصَّادِقِينَ

وَلَوْلا

فَضْلُ

اللَّهِ

عَلَيْكُمْ

وَرَحْمَتُهُ

وَأَنَّ

اللَّهَ

تَوَّابٌ

حَكِيمٌ

 

 

 

 

 

 

ويبدو من هذا النموذج أو الجدول السابق المتعلق بسورة النور عدد الأنماط التي بلغت (50) وبقسمتها على عدد التحققات الواردة في هذا النموذج (138)، تكون نسبة تنوع المفردات (0.36%) بفارق (0.11%) عن النموذج الأول المتعلق بسورة الفرقان التي أظهرت تنوعًا أكثر، ولعل ذلك يعود إلى ما تضمنته سورة النور من أحكام وتشريعات ذات لغة هادئة، توضح الحدود والواجب فعله في كل حالة، ولم تكن السورة ذات طبيعة حجاجية مثل سورة الفرقان التي تصدت للدفاع عن النبي ﷺ والرد على شبهات المشركين بمفردات مناسبة.

وقد أخذت النسب في الاتجاه نحو الارتفاع في الجزء الذي يقع في وسط السورة ما بين الآيات العشر الأولى والآيات العشر الأواخر من سورة الفرقان؛ حيث وصف مشهد يوم الحشر الذي أنكره المشركون، ومشهد نزول الملائكة وتشقق السماء، والرد على الحجج التي أثاروها من أكل الرسول ﷺ للطعام ومشيه في الأسواق، ونزول القرآن عليه مفرقًا - إضافة إلى سرد أحوال بعض الأمم قبل الانتقال إلى بيان مظاهر قدرة الله تعالى في كونه العظيم - كل هذه الأمور اقتضت التنويع في المفردات.

ويمكن توضيح عدد الأنماط التي حُصرت، وعدد التحققات في السورتين في هذا الجزء من السورتين على النحو الآتي:

م

اسم السورة

أرقام الآيات

عدد الأنماط

عدد التحققات

نسبة التنويع

1

النور

(11- 54)

264

868

0.30%

2

الفرقان

(11- 67)

240

633

0.37%

كما يبدو من هذا الجدول؛ فإن نسبة تنويع المفردات في سورة الفرقان أكثر من سورة النور التي تقل عنها بفارق 0.7%، وتفسير هذا أن آيات سورة النور في هذا الجزء بدأت بطمأنة أهل البيت النبوي والمؤمنين حول الإفك الذي حيك لأم المؤمنين، ليكون خيرًا لهم لا شرًا قبل أن تنتقل إلى عتاب المؤمنين الخائضين في الإفك مع المنافقين، وتبين لهم ما كان ينبغي عليهم فعله، ثم يلي هذا النهي عن تتبع خطوات الشيطان، والحث على العفو والصفح والإنفاق، لتُعلَن بعدها براءة عائشة رضي الله عنها.

أما ما ورد بعد ذلك، فقد تعلق بأحكام الزينة، والدخول إلى البيوت، والنكاح والتعفف، ثم ضرب المثل بنور الله تعالى، وبيان بعض مظاهر قدرته، قبل الانتقال إلى الإفصاح عن موقف المنافقين مع الرسول ﷺ والحث على طاعته، فاقتضى الأمر اختيار المفردات الواضحة والمبينة للتوجيهات، لذلك ظهرت نسبة التنويع في سورة النور أقل من سورة الفرقان. هذا مع ملاحظة أن عدد الآيات التي وردت في وسط سورة الفرقان أكثر من عدد الآيات التي وردت في وسط سورة النور التي اتسمت بالإطناب وطول الآيات، وكثرة تحققاتها لكن نسبتها ظهرت أقل. أما سورة الفرقان فكان عدد التحققات فيها أقل ونسبة التنويع أعلى.

وبالانتقال إلى الآيات العشر الأواخر من السورتين، يتبين لنا أن نسبة تنوع المفردات في سورة النور، ترتفع بعد الجزء الأوسط منها، لكنها أقل مقارنة مع سورة الفرقان التي ارتفعت أيضًا فيها النسبة، ويوضح الجدول التالي ذلك:

وَعَدَ

 اللَّـهُ

 الَّذِينَ

 آمَنُوا

 مِنكُمْ

وَعَمِلُوا

الصَّالِحَاتِ

لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم

 فِي

الْأَرْضِ

 كَمَا

اسْتَخْلَفَ

 الَّذِينَ

 مِن

 قَبْلِهِمْ

وَلَيُمَكِّنَنَّ

 لَهُمْ

 دِينَهُمُ

 الَّذِي

ارْتَضَىٰ

 لَهُمْ

وَلَيُبَدِّلَنَّهُم

 مِّن

 بَعْدِ

 خَوْفِهِمْ

 أَمْنًا

يَعْبُدُونَنِي

 لَا

يُشْرِكُونَ

 بِي

 شَيْئًا

 وَمَن

 كَفَر

بَعْدَ

 ذَٰلِكَ

فَأُولَـٰئِكَ

 هُمُ

الْفَاسِقُونَ

وَأَقِيمُوا

الصَّلَاةَ

 وَآتُوا

 الزَّكَاةَ

 وَأَطِيعُوا

 الرَّسُولَ

 لَعَلَّكُمْ

تُرْحَمُونَ

 لَا

 تَحْسَبَنَّ

 الَّذِينَ

 كَفَرُوا

مُعْجِزِينَ

 فِي

 الْأَرْضِ

 وَمَأْوَاهُمُ

 النَّارُ

وَلَبِئْسَ

 الْمَصِيرُ

 يَا

 أَيُّهَا

 الَّذِينَ

 آمَنُوا

لِيَسْتَأْذِنكُمُ

 الَّذِين

مَلَكَتْ

أَيْمَانُكُمْ

وَالَّذِينَ

 لَمْ

 يَبْلُغُوا

 الْحُلُمَ

 مِنكُمْ

 ثَلَاثَ

 مَرَّاتٍ

 مِّن

 قَبْلِ

 صَلَاةِ

 الْفَجْر

 وَحِينَ

 تَضَعُونَ

 ثِيَابَكُم

 مِّنَ

الظَّهِيرَةِ

 وَمِن

 بَعْدِ

 صَلَاةِ

الْعِشَاءِ

 ثَلَاثُ

 عَوْرَاتٍ

 لَّكُمْ

 لَيْسَ

 عَلَيْكُمْ

 وَلَا

 عَلَيْهِمْ

جنَاحٌ

 بَعْدَهُنَّ

طَوَّافُونَ

 عَلَيْكُم

 بَعْضُكُمْ

 عَلَىٰ

بَعْضٍ

 كَذَٰلِكَ

 يُبَيِّنُ

 اللَّـهُ

 لَكُمُ

 الْآيَاتِ

 وَاللَّـهُ

 عَلِيمٌ

 حَكِيمٌ

 وَإِذَا

 بَلَغَ

الْأَطْفَالُ

 مِنكُمُ

 الْحُلُمَ

فَلْيَسْتَأْذِنُوا

 كَمَا

اسْتَأْذَنَ

الَّذِينَ

 مِن

 قَبْلِهِمْ

 كَذَٰلِكَ

 يُبَيِّنُ

 اللَّـهُ

 لَكُمْ

 آيَاتِهِ

 وَاللَّـهُ

 عَلِيمٌ

 حَكِيمٌ

وَالْقَوَاعِدُ

 مِنَ

النِّسَاءِ

 اللَّاتِي

 لَا

 يَرْجُونَ

 نِكَاحًا

 فَلَيْسَ

عَلَيْهِنَّ

 جُنَاحٌ

 أَن

 يَضَعْنَ

ثِيَابَهُنَّ

 غَيْرَ

مُتَبَرِّجَاتٍ

 بِزِينَةٍ

 وَأَن

يَسْتَعْفِفْنَ

 خَيْرٌ

 لَّهُنَّ

 وَاللَّـهُ

 سَمِيعٌ

 عَلِيمٌ

 لَّيْسَ

 عَلَى

 الْأَعْمَىٰ

 حَرَجٌ

 وَلَا

 عَلَى

الْأَعْرَجِ

 حَرَجٌ

 وَلَا

 عَلَى

الْمَرِيضِ

 حَرَجٌ

 وَلَا

 عَلَىٰ

 أَنفُسِكُمْ

 أَن

 تَأْكُلُوا

 مِن

 بُيُوتِكُمْ

 أَوْ

 بُيُوتِ

 آبَائِكُمْ

 أَوْ

 بُيُوتِ

 أُمَّهَاتِكُمْ

 أَوْ

 بُيُوتِ

 خْوَانِكُمْ

 أَوْ

 بُيُوتِ

أَخَوَاتِكُمْ

 أَوْ

 بُيُوتِ

أَعْمَامِكُمْ

 أَوْ

بُيُوتِ

عَمَّاتِكُمْ

 أَوْ

 بُيُوتِ

أَخْوَالِكُمْ

 أَوْ

 بُيُوتِ

 خَالَاتِكُمْ

 أَوْ

 مَا

 مَلَكْتُم

مَّفَاتِحَه

 ُ أَوْ

 صَدِيقِكُمْ

 لَيْسَ

عَلَيْكُمْ

 جُنَاحٌ

 أَن

 تَأْكُلُوا

 جَمِيعًا

 أَوْ

أَشْتَاتًا

 فَإِذَا

 دَخَلْتُم

 بُيُوتًا

فَسَلِّمُوا

 عَلَىٰ

 أَنفُسِكُمْ

 تَحِيَّةً

 مِّنْ

 عِندِ

 اللَّـهِ

 مُبَارَكَةً

 طَيِّبَةً

 كَذَٰلِكَ

 يُبَيِّنُ

 اللَّـهُ

 لَكُمُ

 الْآيَاتِ

 لَعَلَّكُمْ

تَعْقِلُونَ

 إِنَّمَا

الْمُؤْمِنُونَ

 الَّذِينَ

 آمَنُوا

 بِاللَّـهِ

وَرَسُولِهِ

 وَإِذَا

 كَانُوا

 مَعَهُ

 عَلَىٰ

 أَمْرٍ

 جَامِعٍ

 لَّمْ

 يَذْهَبُوا

 حَتَّىٰ

يَسْتَأْذِنُوهُ

 إِنَّ

 الَّذِينَ

يَسْتَأْذِنُونَك

أُولَـٰئِكَ

الَّذِين

يُؤْمِنُونَ

 بِاللَّـهِ

وَرَسُولِهِ

 فَإِذَا

اسْتَأْذَنُوكَ

 لِبَعْضِ

 شَأْنِهِمْ

 فَأْذَن

 لِّمَن

 شِئْتَ

 مِنْهُمْ

 وَاسْتَغْفِر

 ْ لَهُمُ

 اللَّـهَ

 إِنَّ

 اللَّـهَ

 غَفُورٌ

 رَّحِيمٌ

 لَّا

تَجْعَلُوا

 دُعَاءَ

 الرَّسُولِ

 بَيْنَكُمْ

كَدُعَاءِ

بَعْضِكُم

 بَعْضًا

 قَدْ

 يَعْلَمُ

 اللَّـهُ

 الَّذِينَ

يَتَسَلَّلُونَ

 مِنكُمْ

 لِوَاذًا

فَلْيَحْذَرِ

الَّذِينَ

يُخَالِفُونَ

 عَنْ

 أَمْرِهِ

 أَن

تُصِيبَهُمْ

 فِتْنَةٌ

 أَوْ

يُصِيبَهُمْ

 عَذَابٌ

أَلِيمٌ

 أَلَا

 ِإنَّ

 لِلَّـهِ

 مَا

 فِي

السَّمَاوَاتِ

 وَالْأَرْضِ

 قَدْ

 يَعْلَمُ

مَا

 أَنتُمْ

 عَلَيْهِ

 وَيَوْمَ

يُرْجَعُونَ

 إِلَيْهِ

 فَيُنَبِّئُهُم

 بِمَا

عَمِلُوا

 وَاللَّـهُ

بِكُلِّ

 شَيْءٍ

 عَلِيمٌ

 

 

 

 

 

 

 

بلغ عدد الأنماط في هذا الجدول السابق (107) وهي موزّعة على عدد التحققات وهو (313)، أي أن نسبة تنوع المفردات (0.34%)، بفارق (0.19%) بينها وبين سورة الفرقان التي أظهرت نسبة تنوع أكثر، إذ بلغ عدد الأنماط في الآيات العشر الأخيرة منها (61) وعدد التحققات (113)، وبذلك فإن النسبة تكون (0.53%). ويوضح الجدول الآتي ذلك:

وَالَّذِينَ

لَا

يَدْعُونَ

مَعَ

اللَّـهِ

إِلَـٰهًا

آخَر

وَلَا

يَقْتُلُونَ

النَّفْسَ

الَّتِي

حَرَّمَ

اللَّـهُ

إِلَّا

بِالْحَقِّ

وَلَا

يَزْنُونَ

وَمَن

يَفْعَلْ

ذَٰلِكَ

يَلْقَ

أَثَامًا

يُضَاعَفْ

لَهُ

الْعَذَابُ

يَوْمَ

الْقِيَامَةِ

وَيَخْلُد

فِيه

مُهَانًا

إِلَّا

مَن

تَابَ

وَآمَن

وَعَمِل

عَمَلًا

صَالِحًا

فَأُولَـٰئِكَ

يُبَدِّلُ

اللَّـهُ

سَيِّئَاتِهِمْ

حَسَنَاتٍ

وَكَانَ

اللَّـهُ

غَفُورًا

رَّحِيمًا

وَمَن

تَابَ

وَعَمِلَ

صَالِحًا

فَإِنَّهُ

يَتُوبُ

إِلَى

اللَّـهِ

مَتَابًا

وَالَّذِينَ

لا

يَشْهَدُونَ

الزُّورَ

وَإِذَا

مَرُّوا

بِاللَّغْوِ

مَرُّوا

كِرَامًا

وَالَّذِينَ

إِذَا

ذُكِّرُوا

بِآيَاتِ

رَبِّهِمْ

لَمْ

يَخِرُّوا

عَلَيْهَا

صُمًّا

وَعُمْيَانًا

وَالَّذِينَ

يَقُولُونَ

رَبَّنَا

هَبْ

لَنَا

مِنْ

أَزْوَاجِنَا

وَذُرِّيَّاتِنَا

قُرَّةَ

أَعْيُنٍ

وَاجْعَلْنَا

لِلْمُتَّقِينَ

إِمَامًا

أولَـٰئِكَ

يُجْزَوْنَ

الْغُرْفَةَ

بِمَا

صَبَرُوا

وَيُلَقَّوْن

فِيهَا

تَحِيَّةً

وَسَلَامًا

خَالِدِينَ

فِيهَا

حَسُنَتْ

مُسْتَقَرًّا

وَمُقَامًا

قُلْ

مَا

يَعْبَأُ

بِكُمْ

رَبِّي

لَوْلَا

دُعَاؤُكُمْ

فَقَدْ

كَذَّبْتُمْ

فَسَوْفَ

يَكُونُ

لِزَامًا

 

 

 

 

 

 

 

وبناءً على هذا، نلاحظ من الجدولين السابقين انخفاض نسبة تنوع المفردات في الآيات العشر الأخيرة من سورة النور التي ختمت بوعد الله - تعالى - للمؤمنين بالاستخلاف في الأرض وتمكين الدين لهم، وتبديل خوفهم أمنًا ما داموا يعبدونه ولا يشركون به، قبل الانتقال إلى بيان آداب الاستئذان قبل دخول البيوت، وآداب الأكل والسلام، ثم الختام بضرورة الاستئذان من النبي ﷺ وتوقيره عند مناداته وعلم الله - تعالى - بأحوال عباده وأعمالهم، فتسلسلت الآيات، وبينت بعض التوجيهات بمفردات واضحة.

 أما سورة الفرقان فارتفعت فيها النسبة، إذ وضحت شروط التوبة، وبينت صفات عباد الرحمن ومصيرهم، واختتمت بمصير المكذبين الذين توعدهم الله - تعالى - بيوم اللزام، فاقتضى ذلك التنويع في المفردات.

وهكذا نكون قد ألممنا بخصائص الجوانب الدلالية المقارِنة للسورتين من خلال النظر في ثلاثة مقاييس أسلوبية إحصائية هي: قياس كثافة الألفاظ، وقياس نسبة الفعل إلى الصفات (ن ف ص) المتفرع عن قياس النسبة بين متغيرين، وقياس تنوع المفردات.

الخاتمة

تمثلت أهم نتائج هذا البحث فيما يأتي:

-      ساعد الإحصاء الأسلوبي على تحقيق المقارنة في الجانبين التركيبي والدلالي بين سورتي النور والفرقان، من خلال المقاييس الإحصائية المطبقة وفق نتائج المتغيرات التي تظهر أوجه التشابه والاختلاف بين السورتين.

-      ظهرت أوجه التشابه في الجانب التركيبي من خلال أسلوب الالتفات الوارد في السورتين. وقد أثبت قياس كثافة المتغير الأسلوبي ارتفاع نسبة كثافة الالتفات وتنوع صورها في سورة النور أكثر من سورة الفرقان. كما أضيف إلى الجانب التركيبي في المقارنة استعمالات (لولا) المتعددة التي ظهرت في متغيرات ما فوق الجملة لما لها من أهمية. وقد أظهرت المقارنة ارتفاع نسبة كثافة استعمالات (لولا) في سورة النور، وأكثرها استعمالاً استعمالها في الشرط، وذلك لكثرة الأحكام الواردة في السورة ومقتضياتها.

-      بدت أوجه الاختلاف في الجانب التركيبي من خلال تتابع الأبنية في آية من آيات سورة النور (آية النور)، وكثرة المنصوبات في فواصل سورة الفرقان. وقد أثبت قياس النسبة بين متغيرين ارتفاع نسبة الجمل الفعلية إلى الجمل الاسمية في سورة النور؛ نظرًا لاشتمالها على ما يقتضي كثرة الفعل.

-      أظهر القياس ارتفاع عدد المنصوبات التي أكثرها مفاعيل في فواصل سورة الفرقان، ويعود ذلك إلى كثرة الأفعال المتعدية التي يكثر فيها جانب التحدي والرد على الشبهات. وبقياس كثافة المفاعيل الواردة في فواصل السورة على مجموع تحققات المفاعيل الواردة في السورة بأكملها، يتبين أن نسبة المفعول به هي الأعلى.

-      ظهرت أوجه التشابه في الجانب الدلالي من خلال ورود بعض الألفاظ في السورتين، وانفرادهما ببعض الألفاظ الخاصة على مستوى الاستعمال القرآني. وقد أثبت قياس كثافة الألفاظ ارتفاع نسبة كثافة لفظ الجلالة وأسماء الله الحسنى في سورة النور، ثم ألفاظ الإيمان مباشرة. أما سورة الفرقان فارتفعت فيها كثافة ألفاظ الربوبية مع إضافة أسماء الله الحسنى إليها، تليها ألفاظ القول مباشرة، مما يؤكد تعنت الكافرين وإشراكهم بربهم، وكثرة تقولهم على النبي ﷺ.

-      ارتفعت كثافة بعض الألفاظ الأخرى التي تدور حول محور السورتين، كألفاظ الشهادة والرسول في سورة النور، وألفاظ الاتخاذ والإرسال في سورة الفرقان، وبالنظر إلى كثافة ألفاظ مسميات السور فإن لفظ النور أكثر كثافة من لفظ الفرقان، وقد تميزت سورة الفرقان بارتفاع نسبة كثافة الألفاظ التي انفردت بها على مستوى الاستعمال القرآني أكثر قليلًا من سورة النور.

-      كشفت أوجه الاختلاف عن نسبة الفعل إلى الصفات (ن ف ص) في السورتين استنادًا إلى قياس النسبة بين متغيرين الذي أظهر ارتفاع (ن ف ص) في سورة النور أكثر من سورة الفرقان، إذ تميزت بطابعها الفعلي لكثرة الأحكام الواردة فيها، أما سورة الفرقان فكانت أقل نسبة منها واتسمت بالرد على الشبهات، وبيان مظاهر قدرة الله - تعالى - في كونه. وقد تراوحت (ن ف ص) باختلاف محاور السور. كما أفصح مقياس تنوع المفردات عن تميز سورة الفرقان من سورة النور بتنوع المفردات، نظرًا لكثرة أسلوب مقول القول فيها، القائم على إثارة الشبهات، والرد عليها وإثبات الحجة، وهذا الأمر يقتضي التنوع.

-      تتبع أغراض السورتين الخصائص الأسلوبية وتتناسب معها، من حيث مدنية سورة النور واشتمالها على كثير من الأحكام والأمور الاجتماعية وبعض المعاني الأخرى، ومكية سورة الفرقان وحديثها عن معجزة القرآن وإثبات البعث والجزاء والاستدلال على وحدانية الله وتفرده.


المراجع

أولًا: العربية

حامد، عبد السلام والصاوي، يسري. "سورة محمد دراسة أسلوبية لسانية". مجلة كلية البنات الإسلامية، جامعة الأزهر، فرع أسيوط، مج16، ع 2 (2019).

حامد، عبد السلام والعتيبي، العنود. "متغيّرات التراكيب والدلالة وما فوق الجملة في سورة النور، دراسة أسلوبية لسانية". مجلة كلية الآداب جامعة حلوان، مج57، ع1 (2023).

أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف بن علي. البحر المحيط في التفسير، تحقيق صدقي محمد جميل. دار الفكر، بيروت، 1420هـ.

الخطيب، عبد اللطيف محمد ومصلوح، سعد وعلوش، رجب حسن. التفصيل في إعراب آيات التنزيل. مكتبة الخطيب للنشر والتوزيع، الكويت، 2015م.

زرزور، عدنان محمد. علوم القرآن الكريم وإعجازه. دار الإعلام، الأردن، ط2 2001م.

الزمخشري، محمود بن عمر. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل، تحقيق وتعليق عادل أحمد عبد الموجود، وعلي معوض. مكتبة العبيكان، ط1، 1998م.

ابن عاشور، محمد الطاهر. التحرير والتنوير. الدار التونسية للنشر، تونس، 1984م.

عبد الباقي، محمد فؤاد. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. دار الحديث، القاهرة، 2007م.

قطب، سيد. في ظلال القرآن. دار الشروق، القاهرة، ط17، 1991م.

مصلوح، سعد. الأسلوب: دراسة لغوية إحصائية. عالم الكتب، القاهرة، ط3، 2010م.

–––. في النص الأدبي: دراسات أسلوبية إحصائية. دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 1993م.

النوري، علي محمد. سورة النور: دراسة تحليلية نحوية (رسالة ماجستير) كلية اللغة العربية، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية، 1985م.

ثانيًا: الأجنبية

References:

ʻAbd al-Bāqī, Muḥammad Fuʼād. Al-Muʻjam al-mufahras li-alfāẓ al-Qurʼān al-Karīm (in Arabic), Dār al-ḥadīth. al-Qāhirah, 2007AD.

Abū Ḥayyān al-Andalusī, Muḥammad ibn Yūsuf ibn ʻAlī. Al-Baḥr al-muḥīṭ fī al-tafsīr (in Arabic), taḥqīq Ṣidqī Muḥammad Jamīl, Dār al-Fikr, Bayrūt, 1420AH.

Al-Khaṭīb, ʻAbd al-Laṭīf Muḥammad, wmṣlwḥ, Saʻd, wʻlwsh, Rajab Ḥasan. Al-Tafṣīl fī iʻrāb āyāt al-tanzīl (in Arabic), Maktabat al-Khaṭīb lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, al-Kuwayt, al-Ṭabʻah al-ūlá, 2015AD.

Al-Nūrī, ʻAlī Muḥammad. Sūrat al-Nūr: dirāsah taḥlīlīyah naḥwīyah (Risālat mājistīr) (in Arabic), Kullīyat al-lughah al-ʻArabīyah, Jāmiʻat Umm al-Qurá, Makkah al-Mukarramah, al-Mamlakah al-ʻArabīyah al-Saʻūdīyah, 1985AD.

al-Zamakhsharī, Maḥmūd ibn ʻUmar. Al-Kashshāf ʻan ḥaqāʼiq ghawāmiḍ al-tanzīl wa-ʻuyūn al-aqāwīl (in Arabic), taḥqīq wa-taʻlīq ʻĀdil Aḥmad ʻAbd al-Mawjūd, wa-ʻAlī Muʻawwaḍ, Maktabat al-ʻUbaykān, al-Ṭabʻah al-ūlá, 1998AD.

Ḥāmid, ʻAbd al-Salām, Wālṣāwy, Yusrī. “Sūrat Muḥammad dirāsah uslūbīyah lisānīyah,” (in Arabic), Majallat Kullīyat al-banāt al-Islāmīyah, Jāmiʻat al-Azhar, Farʻ Asyūṭ, Majj 16, ʻA 2, Ṣ Ṣ 1673-1728, Nūfimbir 2019AD.

Ḥāmid, ʻAbd al-Salām, wālʻtyby, al-ʻAnūd. “mtghyyrāt al-tarākīb wa-al-dalālah wa-mā fawqa al-jumlah fī Sūrat al-Nūr, dirāsah uslūbīyah lisānīyah,” (in Arabic), Majallat Kullīyat al-Ādāb Jāmiʻat Ḥulwān, mj57, ʻ1, Issue 1, Yūliyū 2023.

Ibn ʻĀshūr, Muḥammad al-Ṭāhir. Al-Taḥrīr wa-al-tanwīr (in Arabic), al-Dār al-Tūnisīyah lil-Nashr, Tūnis, 1984AD.

Maṣlūḥ, Saʻd. Al-uslūb: dirāsah lughawīyah iḥṣāʼīyah (in Arabic), ʻĀlam al-Kutub. al-Qāhirah, al-Ṭabʻah al-thālithah 2010AD.

–––. Fī al-naṣṣ al-Adabī: Dirāsāt uslūbīyah iḥṣāʼīyah (in Arabic), ʻAyn lil-Dirāsāt wa-al-Buḥūth al-Insānīyah wa-al-Ijtimāʻīyah. al-Qāhirah, al-Ṭabʻah al-ūlá 1993AD.

Quṭb, Sayyid. Fī ẓilāl al-Qurʼān (in Arabic), Dār al-Shurūq. al-Qāhirah, al-Ṭabʻah al-sābiʻah ʻashrah 1991m.

Zarzūr, ʻAdnān Muḥammad. ʻulūm al-Qurʼān al-Karīm wa-iʻjāzuhu (in Arabic), Dār al-Iʻlām. al-Urdun, al-Ṭabʻah al-thāniyah 2001AD.

 

 



(*) أصل هذا البحث فصل من رسالة ماجستير بعنوان: سورتا النور والفرقان: دراسة أسلوبية في خصائص المدنيّ والمكيّ، من إعداد العنود سمير العتيبي، قسم اللغة العربية، كلية الآداب والعلوم، جامعة قطر، ديسمبر 2022.

* This research is originally a chapter from a master’s thesis entitled: “Surat Al-Nur and Al-Furqan: A stylistic study on the characteristics of Medina and Mecca,” prepared by Alanod Sameer AL-Etaibi, Arabic Language department, College of Arts and Sciences, Qatar University, December 2022.

[1] أشرنا في هذا الجدول - تحت كل رقم وبين معقوفين إلى رقم آية على أنها موضع صورة الالتفات إذا كان موضعه في السورة واحدًا، أو على أنها مثال له إذا كان لصورة الالتفات أكثر من موضع.

[2] قال الزمخشري عن الالتفات في هذا الموضع: "فإن قلت: هلّا قيل: لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيرًا، وقلتم: ولمَ عدل عن الخطاب إلى الغيبة، وعن الضمير إلى الظاهر؟ قلتُ: ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات، وليصرح بلفظ الإيمان، دلالةً على أن الاشتراك فيه مقتضٍ ألا يصدّق مؤمن على أخيه، ولا مؤمنة على أختها قول غائب ولا طاعن، وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع قالةً في أخيه، أن يبني الأمر فيها على الظن لا الشك، وأن يقول بملء فيه بناء على ظنه بالمؤمن الخيرَ: هذا إفك مبين، هكذا بلفظ المصرّح ببراءة ساحته" (الزمخشري 4/273، 274).

[3] تنسب هذه المعادلة إلى العالم الألماني بوزيمان، وقد اقترحها ليميز النص الأدبي من النص العلمي، معتمدًا على قياس النسبة بين الكلمات التي تعبر عن الأحداث، والكلمات التي تعبر عن الوصف. وقد بسطت المعادلة باستخدام عدد الأفعال وعدد الصفات، ويكون ذلك من خلال إحصاء عدد الكلمات المعبرة عن الأفعال والصفات، ثم إيجاد ناتج قسمة النوع الأول على النوع الثاني، ليعطينا القيمة الدالة على الأسلوب الأدبي للنص، فإذا زادت كان الأسلوب أدبيًا، وإذا نقصت كان الأسلوب أقرب إلى العلمي (مصلوح، الأسلوب 74-78).