تاريخ الإرسال:3 يناير 2023
تاريخ التحكيم: 10 يناير 2023
تاريخ القبول: 27 فبراير 2023
أمينة سالم الديحاني
أستاذ علم اللغة المشارك، قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب، جامعة الكويت-الكويت
يهدف البحث إلى عقد الصلة بين الأسلوبية والطرح اللساني الحديث، والكشف عن آلية اتساق بناء المقولات الشعرية للإمام الشافعي، ولعل أبرز وسائطها (المتوازنات المتقابلة). كما يهدف إلى استقراء مسلكه المنهجي بعقد العلاقة التناقضية بين التراكيب، وقد أُخضِعَت للتحليل وفقًا للمستويات اللغوية الكبرى، ابتداءً بالمستوى النحوي في بيان آلية تنظيمها القواعدي، والوقوف على خصائص قوالبها البنيوية، مرورًا بالمستوى الدلالي في استجلاء أنساقها الصياغية وأبعادها اللغوية، وانتهاءً ببيان دور المستوى السياقي وقرائنه وأدواته في إحداث السبك النصي، والاختتام بعرض التجليات الجمالية في جوانب الاتساق. وقد اتبع البحث المنهج الاستقرائي الوصفي وصولًا إلى النتائج؛ ومنها: خروج الإمام الشافعي عن القواعد المعيارية في بناء المتقابلات؛ فيما أحدثه من تغيرات شكلية ومفصلية، والاسترشاد إلى قصديته من المستلزمات المقالية والحالية، وقياس نسبة التعارض بين المتقابلات؛ فمنها الحاد والنسبي والكلي والمشروط وغيرها، واستظهار وسائله لتوسيع نطاقها المساحي أو تضييقها أو تغيّرها، واستعراض خواصها البنيوية من تكرار واعتراض وتقديم وتأخير وحذف وشرط، والكشف عن غاياته من الانزياح التركيبي، وإحداثه التنوع الأسلوبي، والإفصاح عن منهجياته لتوثيق عُرى التوازن بطرائق الإحالة والتكرار والمحسنات البديعية، والوقوف على أبرز قوالبها الخبرية المؤكدة لغرض الحكمة، وقوالبها الإنشائية المختلفة. وأظهر البحث تجليات اتساق المتقابلات من أدوارها المنجزة، التي بدت في مستوى الاتساق اللفظي، والمعنوي، والفني، والمنطقي، والوظيفي وغيرها، والوقوف على حقيقة تضافر المستويات اللغوية في تشكيل الاتساق البنائي العام لمقوله الشعري.
الكلمات المفتاحية: الاتساق البنيوي، التضاد الشعري، الإمام الشافعي، التسلسل اللغوي، التحليل الأسلوبي، التباين النحوي، الأنماط الدلالية
للاقتباس: الديحاني، أمينة سالم. «البناء الاتساقي للمتوازنات المتقابلة الشعرية عند الإمام الشافعي - دراسة المستويات اللغوية الكبرى»، مجلة أنساق، المجلد السابع، العدد 2 (2023)
https://doi.org/10.29117/Ansaq.2023.0185
© 2023، الديحاني، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه؛ طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.
Received: 03 January 2023
Reviewed: 10 January 2023
Accepted: 27 February 2023
Harmonizing Contrasts in Imam Al-Shafi'i's Poetry: A Study of major Linguistic Layers
Amainah Salem Al-Daihani
Associate Professor of Linguistics, Department of Arabic Language and Literature, College of Arts, Kuwait University-Kuwait
Abstract
This study ventures into bridging stylistics with contemporary linguistic theory, focusing on the structural coherence in Imam Al-Shafi'i's poetic expressions, particularly through his adept use of balanced antithetical constructs. It aims to discern his methodical trajectory in establishing contrasting syntactic relationships. The analysis traverses the major linguistic strata, commencing with a grammatical exploration to decode the rules governing his structural templates, progressing to a semantic dissection to unveil his formulation patterns and linguistic dimensions, and culminating in an examination of the contextual layer, its cues, and mechanisms in forging textual cohesion. The study also unfolds the aesthetic dimensions of coherence. Adopting a descriptive inductive approach, the research uncovers several insights, such as Imam Al-Shafi'i's departure from conventional norms in formulating antithetical pairs, marked by his innovative formal and structural modifications. It assesses his poetic intent through contextual and situational prerequisites and evaluates the spectrum of opposition in these pairs, ranging from stark to relative, comprehensive to conditional, and others. The study further delves into his techniques for manipulating the spatial scope of these constructs and examines their structural features, including repetition, interjection, precedence, postponement, omission, and conditionality. It reveals his strategic use of syntactic deviation to enrich stylistic variety and discusses his methodologies for enhancing balance through referential techniques, repetition, and rhetorical embellishments. The research also scrutinizes his predominant assertive and varied declarative templates, emphasizing their role in conveying wisdom.
The findings illuminate the multifaceted coherence of the antithetical constructs, showcasing their roles in achieving lexical, semantic, artistic, logical, and functional coherence, among others. The study highlights the synergistic interplay of linguistic levels in shaping the overall structural coherence of Imam Al-Shafi'i's poetic discourse.
Keywords: Coherent construction; Counterbalances; poetic statements; Language levels
Cite this article as: Al-Daihani, A.S. "Harmonizing Contrasts in Imam Al-Shafi'i's Poetry: A Study of major Linguistic Layers" Ansaq, Vol. 7, Issue 2 (2023)
https://doi.org/10.29117/Ansaq.2023.0185
© 2023, Al-Daihani, licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication dif changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited.
تُعَد الأسلوبية أظهر المناهج اللسانية المتداولة في ساحة البحث النقدي؛ حيث تمكّن الباحثون من إخضاع النصوص للتحليل وفق رؤى لسانية موضوعية. ولمّا كانت المادة الأولية للنظم الشعري قائمة على موضوع محدد؛ ارتكز البحث على اختيار المقولات الشعرية للإمام الشافعي، وهي مادة نصية لا غنى عنها في تنظيم العلاقات الإنسانية، وتشكيل الرؤى الانطباعية الموضوعية حولها.
واللغة التعبيرية في الشعر تُبنَى على نظام تركيبي خاص، وقد اجتهد اللغويون والأدباء في الكشف عن القوانين التي تحكم صياغتها. والباحث في النظام اللغوي يدرك الائتلاف البنائي والتآلف الدلالي الحاصل بين مستوياته اللغوية. وإن المتأمل في مقولات الإمام الشافعي يجد سبكًا رصينًا بين أجزائها، وعدم حيادية أي عنصر لغوي عن النسيج اللغوي العام. فاللغة ليست وحدات مجردة أو منفردة عن بعضها؛ بل تتداخل تلك الوحدات في علاقة تراصفية مع غيرها على وجه التشابه أو التخالف، وقد يكون ذلك التعالق قائمًا في المبنى أو المعنى أو الاثنين معا. ويهدف هذا البحث إلى استجلاء التنظيم القواعدي للتراكيب المتقابلة، واستظهار خصائصها ودلالاتها، وبيان دورها في اتساق الطرح الشعري.
ويمكن قياس آلية الاتساق النصي باستناد اللغة الوصفية إلى اللغة المعيارية، ويتأتَّى ذلك بالاحتكام إلى مصادر التقعيد اللغوي والنحوي، التي تُعَد رافدًا لا ينفد للتنقيب البحثي، ومعينًا لضبط الدراسة العلمية بما يتوافق وقواعد الدرس اللساني، والمناهج اللغوية الحديثة. ومن روافد الشعر العربي الحكيم مقولات الإمام الشافعي، التي بدت فيها ظاهرة توارد المفردات الضدية، وقد أُطلِق عليها في دراسة سابقة مصطلح (المتضامات المتضادة)، وتم تحليلها وفقًا للمستويات اللغوية الصغرى (الصوتية، والصرفية، والمعجمية). وأما ما توارد في تراكيب متقابلة فسيُطلق عليها هذا البحث مصطلح (المتوازنات المتقابلة)، وبيان دورها في إحداث البناء الاتساقي، وسيتم إخضاعها للتحليل وفقًا للمستويات اللغوية الكبرى (النحوية، والدلالية، والسياقية).
وعن أهمية البحث، فقد وقع الاختيار على المقولات الشعرية للإمام الشافعي؛ لما فيها من خصيصة في النظم، تكاد تميزه عن شعراء عصره وسابقيه ولاحقيه، فقد اتسمت جميعها بالأسلوب السلس الحكيم؛ ليوقع تأثيره المطلوب على المتلقي. وهو في هذا المنحى الشعري ينشئ نظمه على مفهوم النقيض لمسألة الاختيار في المواقف الكلامية، ولم تلقَ مقولاته العناية الكافية للبحث فيها، وسبر أغوارها، واستكناه مقاصدها، بما يتواءم وحجم القيم الأخلاقية المستفادة من طرحه الشعري، وما به من ظواهر لغوية، ويندر في العمل البحثي إخضاعها للتحليل على جميع المستويات اللغوية؛ وذلك بدءًا من الصوت فالبنية فالمفردة فالتركيب فالدلالة فالسياق؛ وتتعاضد تلك المستويات لتشكيل الهالة الاتساقية لمقوله الشعري.
ولم أجد - بحسب اطلاعي - من الدراسات التي أخضعت الظواهر اللغوية في ديوانه للتحليل على جميع المستويات اللغوية، فقد ركّزت كثير من الدراسات على الجانب البلاغي، أو قصرت تحليلها على مستوى أو مستويين لغويين؛ ومنها رسالة ماجستير بعنوان (في شعر الشافعي الجملة الطلبية- دراسة تركيبية دلالية) (غيام 2-4)، عرضت فيها الباحثة تجليات الدلالة والتركيب في الجملة الطلبية. ويسعى هذا البحث إلى استكمال الجوانب المغيّبة في الدراسات الأسلوبية الخاضعة للدرس اللساني الحديث.
أما عن أسئلة البحث - ويُتوقَّع منه الإجابة عنها - فتتمثل في الآتي:
- ما المعنى المفاهيمي للمتوازنات المتقابلة، وما مدى تجلّيها في المقولات الشعرية للإمام الشافعي؟ وإلى أي مدى أسهمت في اتساق طرحه الشعري؟
- كيف نظَّم بناءها القواعدي، وما أبرز ملامحها النسقية؟
- هل خرج الإمام الشافعي عن المعطيات الألسنية المعيارية في تنوعها الصياغي؟
- هل أسهمت المتقابلات في استكناه مقاصده الدلالية؟ وما أبرز تجلياتها الاتساقية؟
وكتمهيد للتحليل اللغوي في لسانيات النص؛ يمكننا القول إنه لا تقوم أي دراسة لغوية أو نصية إلا بالاحتكام إلى مبادئ لسانيات النص، التي اختلفت تعريفاتها وفقًا لرؤى الباحثين فيها، وهو مصطلح لساني تتداوله الدراسات اللسانية الأوربية في مشهدها الحديث. ويُقصَد بلسانيات النص الاتجاه اللغوي الذي "يهتم بالنص باعتباره الوحدة اللغوية الكبرى، وذلك بدراسة جوانب عديدة أهمها الترابط أو التماسك ووسائله، وأنواعه، والإحالة، أو المرجعية (Referece) وأنواعها، والسياق النصي (Textual Context)، ودور المشاركين في النص (المرسل والمستقبل)" (الفقي 1/36).
فاللسانيات النصية لا تقتصر على دراسة وحدة الجملة المنعزلة، بل تنظر إلى اتساقها مع غيرها في سلسلة مترابطة ظاهريًا وضمنيًّا، والظروف التي أسهمت في إنتاجها بالنص كاملًا، و"يُقصَد بلسانيات النص ذلك الاتجاه اللغوي الذي يُعنَى أيضا بدراسة نسيج النص انتظامًا واتساقًا وانسجامًا، ويهتم بكيفية بناء النص وتركيبه؛ بمعنى أن لسانيات النص تبحث عن الآليات اللغوية والدلالية التي [تسهم] في انبناء النص وتأويله" (حمداوي 17).
أما بالنظر إلى علماء البلاغة؛ ومنهم الجرجاني، فلم يكونوا بمنأى عن الظواهر النصية في تنظيراتهم وقواعدهم البلاغية وتطبيقاتهم على النصوص، فقد أسسوا مبادئ علم النص، وأظهروا أهمية التماسك على المستوى الأفقي لها، إذ لا فرق عندهم بين عمدة وفضلة في صياغة الرسالة، وهو ما يُعرَف بآلية الاتساق (البطاشي 37-38).
وباستعراض مفهوم الاتساق عند العلماء باختلاف مشاربهم المعرفية، يتضح أن الاتساق النصي يحوي جميع المستويات اللغوية، التي تُحدِث مجتمعة التماسك النصي. وما يحكم على جودة النص ورصانته الصياغية من عدمه؛ هو تحقق مفهوم الاتساق فيه. وتشترك مصطلحات مختلفة في مفهوم الاتساق؛ منها: التساوق، والائتلاف، والانسجام، والتناغم، والتناسب، والسبك، والحبك، والتماسك، والتوالف، والتعالق، وغيرها. وما يميز شعر الشافعي عن غيره هو قوة السبك في بناء الشطر من البيت، أو البيت الواحد، أو الأبيات المتتالية، أو النص كاملا، وهذه الآلية التنسيقية يُطلِق عليها البحث مصطلح (البناء الاتساقي).
من أبرز المفاهيم المتداولة في لسانيات النص مفهوم الاتساق، أو ما يُعرَف أيضًا بالتماسك (Cohesion)، وهو مصطلح تداولته اللسانيات الحديثة للإشارة إلى مجموعة الروابط التي تعمل على تنضيد الجمل، وترابطها لغويًّا وتركيبيًّا؛ وبذلك يُحْكَم على المقولات المنطوقة أو المكتوبة بالاتساق الصوري والمعنوي، فحين يستلزم تأويل عنصر في المقول تأويل عنصر آخر؛ تكون هناك علاقة اتساق وتماسك بينهما، وذلك بطريقة خطية من بداية المقول حتى نهايته. والاتساق لغة مشتق من المادة المعجمية (وسق)، وقد ذكر ابن منظور في معناها: "وَسَقَ الليل واتَّسَق؛ وكل ما انضم، فقد اتَّسق. والطريق يأتسق ويتَّسق أي ينضم، حكاه الكسائي. واتَّسق القمر: استوى" (ابن منظور [وسق] 379).
ويتضح الاتساق بين كل متتالية من التراكيب والجُمَل، ويلزم هذا التتالي علاقة قبلية أو بعدية، ولا يُحكَم على البناء النصي بالاتساق إلا باتباعه نظامًا خاصًا، يتحقق فيه الانسجام بين المستويات اللغوية، ويتضح فيه الاتساق الداخلي في ترابط الوحدات اللغوية والتراكيب النحوية، كما يتجلى فيه الاتساق الخارجي بمناسبة أبجديات المقال لمقتضيات المقام والسياق المرجعي، ويشعر المتلقي من خلال ذلك الانسجام والتناغم بين أجزاء النص بانسيابية المنطوق على نحو مُحكَم ومنطقي.
والاتساق محكوم على مدى التآلف الصوري والمعنوي بين المستويات اللغوية، و"لا يتم في المستوى الدلالي فحسب، وإنما يتم أيضًا في مستويات أخرى كالنحو والمعجم، وهذا مرتبط بتصور الباحثين للغة كنظام ذي ثلاثة أبعاد/ مستويات: الدلالة (المعاني)، والنحو- المعجم (الأشكال)، والصوت والكتابة (التعبير)" (خطابي 15)؛ أي إن الوحدات اللغوية تتعالق فيما بينها لتشكل وحدة نصية رصينة، ووحدة موضوعية محكمة، وتجعل أجزاءه متكاملة ومتآخذة كلًا موحّدًا.
وهذه الدراسة تسعى للكشف عن آلية الاتساق في المقولات الشعرية للإمام الشافعي، والوصول إلى منهجه في بناء النص الشعري، والوقوف على أدواته المعينة في إحداث الفارق الأسلوبي، وبيان قدرته النظمية على سبك النص وتكامل أركانه، وكيفية توظيفه المفردات، وبنائه التراكيب، وتوجيهه الدلالة، واستجلاء المعاني بشكل أفقي على مستوى شطري البيت، أو بشكل عمودي على مستوى التناسب بين الأبيات.
يمتلك الإمام الشافعي آليات كثيرة لإحداث الاتساق والتماسك بين مقولاته الشعرية، وهي تعينه على إظهار مهارته الصياغية، وتجعله يمتلك ناصية الشعر الحكيم. وقد راوح بين استخداماته لتلك الآليات، ليدفع عن المتلقي الرتابة الأسلوبية؛ ومن تلك الأدوات التي تُحدِث التناسب الإيقاعي، والاتساق التعبيري في نظمه الشعري:
التكرار هو إعادة إيراد اللفظ في جملة في النظم الشعري أو النثري، وذلك على مستوى الألفاظ أو التراكيب. وتظهر قيمته إذا خلص من الزيادة المذمومة، والحشو المعيب، والإطناب المسرف، أي إن التكرار المحمود ما كان مؤكّدًا للمعنى ومرسّخًا له، ومنبّهًا عليه، ويتصل بهذا ما ذهب إليه الخطابي في حديثه عن عيوب التكرار بقوله: "وأما ما عابوه من التكرار؛ فإن تكرر الكلام على ضربين: أحدهما مذموم وهو ما كان مستغنى عنه، غير مستفاد به زيادة معنى لم يستفيدوه بالكلام الأول، لأنه حينئذ يكون فضلًا من القول ولغوًا" (الخطابي 52)، وفي التكرار غايات اتساقية بنائية ودلالية.
الإحالة آلية تنسيقية يتكئ عليها الأديب والشاعر ليوثق عرى الوحدة النصية في أبياته، ويُحدِث تماسكها. والإحالة على أنواع: إحالة مقامية خارج النص، وإحالة ضمنية داخل النص، وإحالة قبلية في إعادة ذكر عنصر سابق، وإحالة بعدية بذكر عنصر لاحق. ومن المعينات الوسائطية لتحقق الإحالة: الضمائر، وأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، وأدوات المقارنة.
تحسين النظم الشعري، وإضفاء الجانب الفني يقوم على اللفظ أو المعنى؛ وعليه فإن المحسنات البلاغية نوعان: محسّنات لفظية، ومحسّنات معنوية، ويستعين بهما الشاعر في بناء نصه، واتساق أركانه. وقد اعتمد الإمام الشافعي في صقله للمتقابلات المتوازنة على تضمينها بعض المحسنات اللفظية؛ ومنها الجناس الموقوف على المشابهة في نوع الحروف وشكلها وترتيبها، وتوظيف المحسّنات المعنوية من طباق ومقابلة. ولكل نوع دوره الخاص في إحداث عملية الاتساق، وهو دور مستخلص من مسماها؛ فهي تحسِّن الألفاظ وتُزَيِّنها، وتُهَّذِّب المعاني وتُشَذِّبها، فتُحدِث جرسًا إيقاعيا مسموعًا، وتضفي إبداعًا لفظيا مقروءًا، وتُكسِب المعنى تأكيدًا محسوسًا. ومن الجدير بالذكر أن الآليات الاتساقية السابقة قد اجتمعت في بيت للإمام الشافعي:
- زنْ مَن وَزَنك بما وَزَنـ = كَ وما وَزَنكَ بهِ فَزِنْه (الشافعي 146).
وبدا الجناس في تكرار الفعل الماضي (وزن)، والأمر منه (زِنْ)، وقد أحدث التكرار إيقاعًا خارجيًا في تكرار الأصوات (الواو والزاي والنون)، وإيقاعا داخليًّا في التأكيد على معنى التعامل بالمثل. وأما الإحالة فهي معقودة بعودة الضمير المتصل (كاف الخطاب) في جملة (وزنك) على الضمير السابق، والمستتر وجوبًا في الفعل (زن)، وعودة الضمير المتصل (هاء الغائب) على الضمير السابق، والمستتر جوازًا في جملة (وزنك). وقد أحدث هذا الربط الإحالي من ضمير عائد على سابق، وبناء الضمير المتأخر على المتقدم اتساقًا نحويًّا ودلاليًا. وأما آلية استخدام المحسّن بالمقابلة فيمثّل طرفيها شطرا البيت، وبهما نصيحة التعامل بالمِثل. وقد أطلق البحث على هذا المحسّن البديعي، ودوره الاتساقي مصطلح (المتوازنات المتقابلة).
اختلف البلاغيون في سك مصطلح المقابلة، فمنهم من ساقها في نطاق الطباق، ومنهم من أقحمها في إيهام التضاد، ومنهم من جعلها في مساق مستقل، وهو الرأي الأصح لدى معظمهم. أما اللغويون فوقفوا في تعريفهم للطباق والمقابلة بوصفهما مصطلحين بلاغيين، لكل منهما معنى خاص مُستَقى من مادتهما اللغوية، إلا أنهما يجتمعان في المفهوم العام القائم على الضدية إفرادًا في الطباق، وتركيبًا في المقابلة، ويلتقيان بمفهومهما في الاشتراك في الحكم الدلالي، والغرض البلاغي، والنهج الأسلوبي. ولقد ذهب الجرجاني في تعريفه الاصطلاحي للتضاد بأنه: "يجمع بين المتضادين مع مراعاة التقابل" (الشريف الجرجاني 55). وذكر أبو هلال العسكري فيهما: "هما اللذان ينتفي أحدهما عند وجود صاحبه إذا كان وجود هذا الوجه الذي يوجد عليه ذلك كالسواد والبياض، فكل متضاد ممتنع اجتماعه، وليس كل ممتنع اجتماعه متضادًا، وكل مختلف متغاير، وليس كل متغاير مختلفًا، والتضاد والاختلاف قد يكونان في مجاز اللغة سواء" (العسكري 157).
وقد جاءت المقابلة في كتب التراث البلاغية بمعنى التناسب والائتلاف والتوفيق والمؤاخاة، وهي تعني في العُرْف البلاغي "أن يؤتَى بمعنيين متوافقين أو أكثر، بما يقابل ذلك على الترتيب" (السبكي 2/231)، وفي هذا التعريف إشارة إلى دور المقابلة في إحداث الاتساق والتناسب بين أطراف الكلام. ويعقد ابن رشيق علاقة مقارنة بين الطباق والمقابلة من حيث التفاوت النسبي، ويرى أن العمدة في العقد المفاهيمي بينهما هو العدد، وقد اتضح هذا الحُكْم بقوله: "فإذا جاوز الطباق ضدين كان مقابلة" (القيرواني 2/15).
فالتعريفات السابقة لا تخرج بمباينة مفصلية بين تعريف التضاد والمقابلة؛ ولكنها تختلف بأمر ما ينطبق عليه الضدية في إفراد المفردات، والتقابلية في تركيب الجمل.
تنتظم المتوازنات المتقابلة بمقولات الشافعي في علاقات ثنائية بينية، تحدد مدى الترابط الحاصل بين وحدتين معجميتين أو تركيبين نحويين، وتعكس طبيعة علاقة العناصر اللغوية المتفاعلة فيما بينها بشكل نسبي؛ وأجلى صورها ما يتمثّل بالآتي:
تعكس هذه العلاقة تباينًا غير متدرج بين متقابلين في اللفظ والمعنى، ولا تتعلق بنسبة تقديرية لإظهار حجم المفارقة بينهما، إلا أنهما يبدوان متوافقين في جانب ما، ومختلفين تماما في جانب آخر؛ كما في قوله:
- يا مَن يُعانِقُ دُنيا لا بَقاءَ لَها = يُمسي وَيُصبِحُ في دُنياهُ سَفّارا (الشافعي 65).
فالمتقابلان (يمسي × ويصبح) متوافقان بوصفهما توقيتين زمنيين، ومختلفان في بدئهما وانتهائهما، ولكن الإمام الشافعي أحدث التوازن التقابلي بين فترتين زمنيتين في اليوم الواحد، وأظهر حجم المفارقة التامة بينهما في سياق من يُقبِل على ملذات الدنيا، وينسى أن فترة مكوثه تبدو وجيزة بين الصباح والمساء، فحاله حال المسافر الذي سيعود يومًا ما إلى مقرّه.
تُظهِر هذه العلاقة اتفاقًا بين متقابلين، ولكن واقعهما مختلف بتدرج ملحوظ؛ كما في التحصيل العلمي الذي يبدأ من الجهل بالشيء، فالعلم به، ثم الاستزادة فيه، إلى التمكّن منه، حتى النبوغ فيه؛ فهذه العلاقة تسير وفق منهجية التوالي، وتفيد التراخي في الحظوة وصولًا للذروة؛ كما في قوله:
- كُلَّما أَدَّبَني الدَه = رُ أَراني نَقصَ عَقلي
- وَإِذا ما اِزدَدتُ عِلمًا = زادَني عِلمًا بِجَهلي (الشافعي 117).
ينص هذان البيتان بالعقد التقابلي على حكمة؛ وهي أن خزائن العلم ملأى لا تنفد، وكلما اعتقد المرء أنه عالم بشيء، فقد جهله؛ لأنه كلما تعلّم أكثر أحس بجهله، ودفعه للاستزادة العلمية لإكمال نقصه، وهذا ديدن كل عالم متواضع.
وكذلك يظهر حجم التفاوت النسبي في بيت آخر، وذلك بالحِلْمِ على السفيه عند مجابهته، فكلما ازداد في دركات سفاهته؛ زاده في درجات حِلمه عليه، وحاله بهذا الموقف كحال العود، الذي كلما ازداد اشتعالًا زاد طيبًا لا احتراقًا؛ واستخدم التشبيه لإحداث التوزان بين المتقابلين بقوله:
- يُخاطِبُني السَفيهُ بِكُلِّ قُبحٍ = فَأَكرَهُ أَن أَكونَ لَهُ مُجيبا
- يَزيدُ سَفاهَةً فَأَزيدُ حِلمًا = كَعودٍ زادَهُ الإِحراقُ طيبا (الشافعي 20).
تُطلَق هذه العلاقة على الجزئيات والأركان المتداخلة بين المتقابليْن، فيكونان متفقيْن في النوعية الضمنية، ومختلفين في النتيجة النهائية، وهما يعودان إلى أصل ٍواحد؛ وما يندرج تحت نطاقه العلائقي قوله:
- أَصبَحتَ مُطَّرَحًا في مَعشَرٍ جَهِلوا = حَقَّ الأَديبِ فَباعوا الرَأسَ بِالذَنَبِ
- وَالناسُ يَجمَعُهُم شَملٌ وَبَينَهُمُ = في العَقلِ فَرقٌ وَفي الآدابِ وَالحَسَبِ
- كَمِثلِ ما الذَهَبِ الإِبريزِ يَشرَكُهُ = في لَونِهِ الصُفرُ وَالتَفضيلُ لِلذَهَبِ
- وَالعودُ لَو لَم تَطِب مِنهُ رَوائِحُهُ = لَم يَفرِقِ الناسُ بَينَ العودِ وَالحَطَب (الشافعي 14).
أظهرت المتوازنات المتقابلة مفارقات في سوء تقدير مآلات الأمور، واختلاط المفاهيم، وعدم القدرة على التمييز بين ما هو حسن ورديء. ويشرح حال معاناة بعض الفقهاء والمفكرين والأدباء من سوء تقدير مجتمعاتهم لهم، وذلك حين تُساوِي هؤلاء الصفوة بمن هم أقل شأنًا، وبذلك يساوون الرأس بالذّنَبِ، والذهب بالنحاس، والعود بالحطب. والعلاقة بين كل متقابلين علاقة اشتمال؛ لأنهما يرجعان إلى حقل دلالي واحد؛ حيث ينتمي الرأس والذَّنب للجسد، والذهب والنحاس للمعادن، والعود والحطب للخشب. وقد أكّد بهذا التقابل العلائقي حقيقة مفادها: أنه شتّان ما بين الذين يعلمون، والذين لا يعلمون.
يُقصَد بها علاقة الجزء بالكل بين الطرفين المتقابلين؛ نحو علاقة اليد بالجسم، أو علاقة الأوراق بالشجرة؛ ومما يندرج تحت هذه العلاقة قوله:
- أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم = لَعَلّي أَن أَنالَ بِهِم شَفاعَة
- وَأَكرَهُ مَن تِجارَتُهُ المَعاصي = وَلَو كُنّا سَواءً في البِضاعَة (الشافعي 90).
يوضح من خلال هذا التقابل بين الأحوال المتنافرة أنه يحب الأشخاص الصالحين، ولكن يُخرِج نفسه من تصنيفهم، ويضع نفسه بحد الجزئية من آفاق كمالهم، بعملهم الخيرات واجتنابهم المنكرات. ويرجو من مصاحبتهم حظية الشفاعة؛ وذلك لأن المرء مع من أحب يوم الحساب. ثم يُردف قوله بمقابل مخالف تمامًا لموقفهم، وهو نوع تقابلي أقرب ما يكون للنوع الثاني (المتضمن)، الذي دلّ عليه قوله: "وإن كنّا سواءً في البضاعة"؛ حيث إنه يكره من يتاجر بالمعاصي، ويجاهر بالمنكرات دون رادع منه، أو ندم عليها، ولعل إنكاره لما يفعلونه سبب لشفاعته لهم، ودخوله الجنة.
تختلف هذه العلاقة عن سابقتها بعدم انتماء الجزء للكل، ولا تشابه العلاقة الأسبق بوصفها أجزاءً في شيء واحد، وإن اتفقت معها في العودة إلى حقلها الدلالي، ولكن هذا النوع من العلاقات يشير إلى المناظرة والتكافؤ القيمي بين جزأين، يعودان إلى كُلٍّ واحد؛ كما في علاقة العين والأذن، وهما أجزاء من الوجه، أو علاقة الباب والشباك، وهما أجزاء من البيت، فهذه العلاقة انعكاسية لحكم واحد، وعلاقة تماثلية في قيمة واحدة؛ ومما يدخل في هذه العلاقة ذات التكافؤ والالتماس البيني قوله:
- وَالتِبرُ كَالتُربِ مُلقىً في أَماكِنِهِ = وَالعودُ في أَرضِهِ نَوعٌ مِنَ الحَطَبِ
- فَإِن تَغَرَّبَ هَذا عَزَّ مَطلَبُهُ = وَإِن تَغَرَّبَ ذاكَ عَزَّ كَالذَهَب (الشافعي 26).
وقد بدا التقابل بين متكافئين في المنشأ: (التبر والترب)، و(العود والحطب)، ولكن في حال ندرة وجود التبر والعود؛ فإن حالهما سيرتفع على المتقابل معه؛ أي إنهما متقاربان في الأصل الانبعاثي، ومختلفان في المُنتَج النهائي. كما قد يدخل هذا النوع العلائقي بين (التبر) و(الترب) في العلاقة الاشتمالية؛ بما دلّت عليه (الكاف) من معنى التشبيه، وعلاقة البعضية بين (العود والحطب)؛ بما دلت عليه (من) من معنى الضمنية والجزئية.
تختلف هذه العلاقة عن العلاقة الموسومة بالعلاقة المتدرجة والنسبية؛ في أنها قائمة على فكرة الترتيب البدهي بين المتقابلين، وذلك على أساس الأفضلية والأحقية، لا على التدرج المتتبع. ومن المفردات التي تدل على هذا التصنيف التسلسلي، والترتيب العددي ما جاء على وزن فاعِل (الأول، الثاني، الآخر)، أو أفعل التفضيل (أقل، أكثر، أعلى، أدنى)، أو أفعال الترتيب الزمني (يسبق، يلي، مضى)، أو استخدام حروف دالة على الترتيب الاستقبالي (السين، سوف)، أو الترتيب المتعاقب أو المتراخي (الفاء، ثم)، أو الترتيب المتحقق (قد)؛ ومما ذكره الشافعي من مقولات قائمة على العلاقة التقابلية التراتبية باستخدام بعض الألفاظ الدالة قوله:
- تعاظَمني ذَنْبِي فَلمَّا قَرنْتُه = بِعَفْوكَ رَبي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمًا (الشافعي 135)
أظهر الإمام الشافعي العلاقة التراتبية بين المتقابلين (عِظَم ذنب العبد)، و(تعاظم عفو الرب)، وذلك باستخدام المشتق أفعل التفضيل (أعظمَ) المختوم به العجز، وهو مأخوذ من الفعل الماضي (تعاظم) المستفتح به الصدر.
كما يظهر التقابل التراتبي والتسلسلي في قوله:
- إِنَّ رَبًّا كَفَاكَ بِالأَمسِ ما كا = نَ سَيَكْفيكَ في غَدٍ مَا يَكُونُ (الشافعي 147)
فقد ترتّب المتقابل الثاني الذي يمثّله عجز الييت على المتقابل الأول الذي يمثله صدر البيت، وقد ظهرت هذه الخصيصة الأسلوبية في كلمة (الأمس) الدالة على المُضِي، وكلمة (الغد) الدالة على الاستقبال، كما تَجلَّت التراتبية بين جملتي (كفاك) الدالة على حدث منصرم، وجملة (سيكفيك) المقترنة بالسين الدالة على المستقبل القريب، وبعقده هذه العلاقة التقابلية يؤكد ترك الهم والقلق من المستقبل بالتفاؤل والإيمان بالقضاء وعدم انقطاع الرجاء، ومقولته (سيكفيك في غدٍ ما يكون) مأخوذة من قوله تعالى: ﴿أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ٣٦﴾ [الزمر: 36].
تنزع هذه العلاقة إلى اتباع الكمال لا النقصان في تقدير الشخوص بأفعالهم وأخلاقهم وأحوالهم؛ كما صنّف حقيقة ثلاثة أصفياء:
- إنَّ الفَقيهَ هو الفَقيهُ بفْعِلِه/ ليْسَ الفَقيهُ بنُطقِه وَمَقالِهِ
- وَكَذَا الرَّئيسُ هُو الرَّئيسُ بخلْقِهِ/ ليس الرئيس بقومه وَرجَالِهِ
- وكَذَا الغنيُّ هو الغنيُّ بحَالِهِ/ ليس الغنيُّ بمُلْكِهِ وبمالِهِ (الشافعي 116).
في الأبيات المذكورة أعلاه يمايز الإمام الشافعي بين المتقابلات في شطري كل بيت؛ ويُظهِر مبدأ المثالية في التصنيف بين المأمول والواقع، وما نعتقده حدسيًّا، وما نلتمسه حسيًّا؛ حيث يؤكد تصنيفات مُثلى في ثلاثة، إذا صلحوا صلح المجتمع، وإذا فسدوا فسد بهم. وهو في عرضه التوازني للمتقابلات يشرع بالأهم ثم المهم، فقد بدأ بالفقيه الذي يفقه بالدين بفعله لا بمقوله، ثم الرئيس الذي يرأس الناس بخلقه لا بسطوته، ثم الغني الذي يغنى ببذله لا بماله.
فالعرض التقابلي للعلاقات تنساق في صور متعددة، قد تتقاطع مع غيرها في المنهج الاستدلالي، وقد تختلف عنها في المنتج الدلالي.
هي علاقة يشترط تحقق أحد المتقابلين بوجود الآخر، وفي التقابل المشروط يكون الطرف الأول فعل الشرط، والطرف الثاني جوابه؛ ومثاله أبيات من قصيدة مشهورة له، يتحدث فيها عن الصداقة الحقَّة:
- (إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفًا) = (فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا)
- (فَما كُلُّ مَا تَهواهُ) (يَهواكَ قَلبُهُ) = (وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ) (قَد صَفا)
- (إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً) = (فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا) (الشافعي 98).
فما بين الأقواس يمثل المتقابلات، وقد وردت بشطر واحد أو شطرين، وأظهرت الأساليب الشرطية النأي عن الصداقة المتكلفة غير المنبعثة من السجيَّة.
وللوقوف على البناء التكويني وآليات الاتساق في المقولات المتقابلة- يستلزم إخضاعها للتحليل، والكشف عن تنظيمها التركيبي، والوقوف على أبعادها الدلالية، والاحتكام إلى البناء السياقي، الذي تتعاضد فيه تلك المستويات مجتمعة لإحداث التوازن المطلوب.
يُقصَد بالبناء القواعدي آلية النظم، وكيفية ائتلاف المفردات في التراكيب، وذلك على نحو يُفصِح عن المعنى المراد بمنهجيات صياغية مُحكمَة، قد تُكرَّر فيها بعض العناصر النحوية، أو تُحذَف، أو تُعترَض. ويكون لهذا التحرك الإجرائي، أو التموضع السياقي غايات في الخروج عن قاعدة المألوف في النسيج النظمي، ويلتمس المتذوق من خلاله الوحدة الجامعة في المقول الشعري؛ بما يكتنفه من أدوات تسبك أجزاءه، وتصقل أركانه. وللبناء القواعدي للمتوازنات المتقابلة بعض الخواص.
تندرج المتوازنات المتقابلة في أنساق مختلفة، وتُرصَف في قوالب نحوية متباينة؛ فمنها الشرطية، الاسمية أو الفعلية، المثبتة أو المنفية، الخبرية أو الإنشائية، والإنشائية ما بين طلبية أو غير طلبية.
كَثُر استعمال العقد التلازمي بين المتقابلات باستخدام الأسلوب الشرطي، يتموضع المتقابلان فيه بصدر البيت أو عجزه، أو يكون أحدهما في الصدر والآخر في العجز، أو يكونان موزعين في بيتين متتاليين؛ ومثال الانعقاد الشرطي:
- إِنّي رَأَيتُ وُقوفَ الماءِ يُفسِدُهُ = إِن ساحَ طابَ وَإِن لَم يَجرِ لَم يَطِبِ (الشافعي 26).
عُرِض التوازن التقابلي بين: [إني رأيت وقوف الماء يفسده× إن ساح طاب]، و[إن ساح طاب× وإن لم يجرِ لم يطب]. والأساليب الشرطية تعتمد إثبات الحكم أو نفيه. وفي البيت إشارة إلى فضل الاغتراب، وفوائده المسبغة على المغترب، فهو كالماء إن لم يتحرك سيفسد مذاقه.
ينساق التوازن التقابلي في تنوعات صياغية بين جملة اسمية أو فعلية، أو يكون جمّاعًا بين النوعين؛ ومثاله:
- تَموتُ الأُسدُ في الغاباتِ جوعًا = وَلَحمُ الضَأنِ تَأكُلُهُ الكِلابُ (الشافعي 15).
يشير البيت إلى أن الأُسْد -وهي ملوك الغابة- تموت من الجوع، أما الكلاب فتنعم بطيب الأكل؛ بما سوف تظفر به، أو ما يُرمَى لها. وصدر البيت يمثّل المتقابل الأول المصوغ بجملة فعلية، وأما عجزه فيمثّل المتقابل الثاني المصوغ بجملة اسمية، وهذا التوازن التقابلي أظهر التناقض بين الحالين. ويناظره قوله:
- وَعَبدٌ قَد يَنامُ عَلى حَريرٍ = وَذو نَسَبٍ مَفارِشُهُ التُرابُ (الشافعي 15).
يرتبط هذا البيت بسابقه من عقد التقابل بين المتنافرات في الحال والمآل، وفي البيتين إشارة حكيمة إلى عزة النفس، التي تدرأ عن صاحبها التذلل طلبًا للعيش. وقد جاء المتوازنان في شطري البيت بصيغة الجملة الاسمية، وبينهما مفارقة لوضعي العبد وذي النسب، فالأول ينعم بسعة العيش ورغده، والثاني يعاني من ضيق العيش وعوزه.
قد يأتي المتقابلان منفيين أو مثبتين، أو يكون أحدهما منفيًّا والآخر مثبتًا؛ ومنه قوله:
- وَمَن لَم يَذُق مُرَّ التَعَلُّمِ ساعَةً = تَجَرَّعَ ذُلَّ الجَهلِ طولَ حَياتِهِ (الشافعي 33).
يُحَدِّث الشافعي في هذا البيت عن آداب التعلم، وكيفية بناء الذات في مسالك العلم، ومجاوزة عواقب الجهل. وصَدْر البيت يمثل المتقابل الأول، ويشير فيه إلى قصر مدة المصاعب، التي يجابهها المرء في سبيل التعلم، وفيه دعوة إلى الصبر لما وراءه من مناقب. وأما عجز البيت فيمثّل المتقابل الثاني، وينص فيه إلى أن سبيل الجهل طويل الأمد. وفي هذا التوازن الاتساقي أظهر لافتة لغوية دقيقة بتوظيفه الفعلين (يذق) و(تجرع)؛ فالتذوق حدث يدل على الإحساس بالطعم، واختبار مذاقه من طرف اللسان، أما التجرع فإنه حدث يدل على البلع الصعب، ويتم رشفة بعد رشفة، وشتان ما بين واقع الحدثين ومآلهما. وقد جيء المتقابل الأول بصيغة الفعل المنفي (لم يذق)، وهو فعل الشرط الملزم لجوابه، وجيء المتقابل الثاني بصيغة الفعل المثبت (تجرع)، الذي يمثّل جواب الشرط المترتب حدوثه على أداء فعله.
ويعمد الشافعي إلى هذا التنوع في القوالب؛ حتى ينأى عن المماثلة الصياغية، والرتابة في الذائقة الشعرية.
يُحسِن الشاعر النظم عندما يوظّف مفرداته في المواضع المستلزمة لها، وهذا التنظيم ينطوي على أسلوب بلاغي يُعرَف بالتقديم والتأخير، الذي له قيمة دلالية في الأعمال الأدبية. وقد ألمح النحويون والبلاغيون إلى قيمة الخروج عن المألوف في نمطية بناء الجملة، وترتيب أركانها الرئيسة ومكملاتها، حتى تبدو تركيبًا أسلوبيا فريدًا، وملمحًا دلاليًّا جديدًا. ويقصد الشاعر والأديب هذا المسلك للخروج عن اللغة النمطية، إلى اللغة الإبداعية؛ فعملية زحزحة مواضع المفردات في التراكيب، وإحداث التغيير النوعي في آلية الترتيب يتم عن قصدية المتكلم، وكما يُعرَف بأن "تقديم جزء من الكلام أو تأخيره لا يرِد اعتباطًا في نظم الكلام وتأليفه، وإنما يكون عملًا مقصودًا يقتضيه غرض بلاغي أو داعٍ من دواعيها" (عتيق 136).
وفي هذا المقام سيركز البحث على زحزحة المواضع التي لها تأثير في المعنى، وتخدم أغراضًا بلاغية؛ نحو التقرير، أو التعجب، أو الإنكار، أو التأكيد، أو التخصيص؛ ومن مظاهرها:
-
تَموتُ الأُسدُ في الغاباتِ جوعًا
= وَلَحمُ الضَأنِ تَأكُلُهُ الكِلاب (الشافعي 15).
يمثّل صدر البيت المتقابل الأول، وعجزه المتقابل الثاني، والسهم يحدد الموضع الانتقالي والفعلي للكلمة المتأخرة؛ وقد عمد الإمام الشافعي إلى إحداث هذا الاتساق التنظيمي عند مقارنته بين حالين: حال الأشراف الذين يموتون جوعًا؛ حيث شبههم بالأُسْد التي تموت رغم وجود الفرائس، وحال الحقراء الذين ينعمون بأطايب الطعام. وفي البيت قدم الجار والمجرور (في الغابات) على الحال (جوعًا)، وركّز بهذا على المتقدم رتبة، ليُظهِر الاستغراب من حالهم، وما آلوا إليه من مصائر، وكذلك راعى في التقديم التناسب في الوزن الشعري.
الحذف أحد وسائط الاتساق النصي، وله علاقة بنيوية بمذكورات قبلية، وهو وسيلة نحوية ذات أغراض بلاغية. وتكمن قيمة الحذف عندما يكون ترك عنصر نحوي أبلغ من ذكره، وتظهر أهميته في درئه الإطناب الممل، واستيفائه لحد المعنى بالحذف غير المخل. وذكر الخطابي فيه نقلا عن عبد القاهر الجرجاني: "والحذف من الأمور التي وقف عندها البلغاء، واسترعت انتباههم، هذا الإمام عبد القاهر يقول عنه: هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر، أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانًا إذا لم تبن، وهذه جملة قد تنكرها حتى تخبر، وتدفعها حتى تنظر" (خلف الله وزغلول 194-195).
وإن الحذف من الأساليب الفنية التي اتخذها الشافعي لإضفاء هالة من التنوع الصياغي؛ ليبديَ من خلاله دلائل حكمته في الإيجاز، ويُجلِّي قرائن حنكته عندما يوجّه المتلقي لاستدعاء المحذوف، وإشراكه في بناء المعنى.
وفيما
يلي إشارات
لبعض مواضع
المحذوفات في
التراكيب
المتقابلة،
وقد وُضعَت
العلامة
الرمزية ( )
مكانها.
- ( ) غَنِيّ
بلا مالٍ عن
الناسِ كُلِّهم
= وليس الغِنَى
إِلّا عن الشَّيءِ
لَا بِه (الشافعي 21).
في البيت تعاضد ملحوظ بين وسيلتين اتساقيتين متناقضتين؛ الأولى: (التكرار) في إيراده كلمة (غني) المنكّرة، وكلمة (الغني) المعرّفة. والثانية: (الحذف) بإسقاطه المسند إليه من صدر البيت، وتقديره (أنا)، وإبقائه المسند (غني). وقد قصد الإمام الشافعي لفت الانتباه إلى تقديره لذاته، وإظهار الجانب القيمي من مقوله بتصدّر كلمة (غني). وهو بهذا العمل الإجرائي إنما أراد إيضاح مسلَّمَة اعتقادية، ومعادلة منطقية تنص على: أن الغني ليس بامتلاكه المال؛ إنما الغني من اغتنى عن المال والناس كافة. وقد وظّف حرفي الجر لإظهار حجم المفارقة بين المتقابلين، فحرف (الباء) يفيد معنى الملازمة والاستعانة، أما حرف (عن) فيفيد معنى الاستغناء والمجاوزة.
- هَلَكَ
المدَاوِي والمُدَاوَى
والذي = جَلَبَ
الدواء وباعَه
ومن اشترى ( ) (البيهقي 2/296)
- يؤكد الإمام الشافعي بمقوله سُنًّة إلهية، تشير إلى أن كل نفس ذائقة الموت، وفي إسدائه لهذه الحكمة يسترشد بقوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٖ٢٦ وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ٢٧﴾ [الرحمن: 26-27]، فالمعالج، والمريض، ومستورد الدواء، وبائعه، ومشتريه مصائرهم جميعًا للفناء. وقد وردت المتواليات المتقابلة بتركيب عطفي انسيابي، استخدم فيه (الواو) بوصفها وشيجة اتساقية تربط الدوال اللفظية، وأجرى عمليات تنقّلية من ذكر المفعول به بعد الفعل (جلب)، ثم إظهاره متصلًا في جملة (باعه)، ثم حذفه في الفعل (اشترى).
التكرار من الأساليب اللغوية والفنية التي شغلت الدرس النقدي المعاصر، وعُنيَ به الشعراء والأدباء والبلغاء باعتباره من الظواهر التركيبية والدلالية لبناء النص. والتكرار يُقصَد به تعدد اللفظ أو التركيب أو الجملة لغرض دلالي وبلاغي. والغاية من التكرار تأكيد المعنى، أو إبراز الغرض الشعري والنقدي، أو التنبيه على أمر قد يُغفَل عنه المتلقي، أو إيضاح لفظ موغل في الإبهام أوالإيهام.
وهذه
الأغراض
الدلالية
تتضح عند
استقراء مواضع
إيراد
التكرار في
بُنى
المتقابلات،
وتم وضع العلامة
المائزة ( ) إشارةً
للمُكرَّر:
- وعين
الرضا عن كل
عيب كليلة/
ولكن عين
السُّخْطِ
تُبدِي
المساويا (الشافعي 157).
يمثل صدر البيت المتقابل الأول وعجزه المتقابل الثاني، وقد تكرر لفظ (العين) بموقع المبتدأ، والثاني اسم الناسخ (لكن)، وفي تصدر موضعيه وتكراره ما يفيد الإقرار بحقيقة مفادها: أن من يرَى بعين المُحِب سيتغاضَى عن عيوب محبوبه، ويتستر عليه، ومن يرَى بعين الساخط سيكشف عن عيوبه، ويذيعها، وعلى ضوء هذه النظرة تتحدد مواقفنا تجاه من حولنا.
قد يحدث التكرار ضمن أساليب شرطية متقابلة في صدر البيت وعجزه؛ كما ورد في بيت يوضح أسلوب التعامل المماثل في الاقتراب أو الابتعاد:
- فَإن
تَدنُ مِنّي تَدنُ
مِنك مَوَدَّتي/
وَإِن تَنأَ عنِّي
تَلقَنيعَنكَ
نائِيًا (الشافعي 157).
تكررت في البيت ألفاظ متغايرة الصياغة؛ مما أحدثت إيقاعًا صوتيًّا لتماثل الحروف والألفاظ؛ وسبكًا في صياغة التراكيب، وتأكيدًا على المعنى المراد.
ينهض هذا المبحث ببيان انعكاسات نمطية المتوازنات المتقابلة على المعنى، وإيضاح حركية وحداتها اللغوية في التراكيب، واستجلاء وظائفها الدلالية داخل بنية النص الشعري. وتتجلى مساراتها الصياغية في تقولبها في نسقين رئيسين هما: التركيب الخبري، والتركيب الإنشائي.
النمط الرئيس للمتوازنات المتقابلة يتمثل في التركيب الخبري، الذي قد يخضع للصواب أو الخطأ، إلا أن غرض الحكمة المنوط بها يؤكد احتكامها إلى جادة الصواب. وللأساليب الخبرية في العرف البلاغي أغراض؛ منها توضيح فكرة مبهمة، أو نقل معلومة مفيدة للمتلقي، أو التصريح بأمر قد يُخفَى عنه. وفي هذا النوع الأسلوبي يفُصح الإمام الشافعي عن دلالات الحكمة والنصح والإرشاد والموعظة. وهو في نهجه التأكيدي على معيار الصدق لمقولاته يلجأ لأساليب تأكيدية مختلفة؛ ويمكن تصنيف أبرز القوالب النوعية للمتقابلات وفقًا لمؤكداتها على النحو الآتي:
جاءت بعض المتوازنات المتقابلة في أسلوب تقريري مُؤكَّد بإحدى أدواته؛ ومنها الحرف الناسخ (إِنَّ) و(أنَّ)، أو أداة التحقيق (لقد)، وأصلها (قد) وأُدخِلَت عليها لام التأكيد، أو النفي، أو التوكيد اللفظي، أو المفعول المطلق المؤكد للفعل، أو باستخدام الدعاء لتحقق المرغوب، أو باللجوء للأسلوب الشرطي الذي يتحقق جوابه بأداء فعله؛ ومثال الأسلوب المُؤَكَّد باستخدام الناسخ (إن) قوله:
- وإِنَّ كَبير القَوْمِ لا علْمَ عِنْدَهُ = صَغيرٌ إِذا التَفَّتْ عَليهِ الجحَافِلُ.
- وإِنَّ صَغيرَ القَومِ إنْ كَانَ عالمًا = كبيرٌ إذا رُدَّتْ إليهِ المَحَافِلُ (الشافعي 118).
تجلى في البيتين أسلوبان خبريان، وقد عقد علاقة المقارنة بين وضعين؛ ليشير فيهما إلى عدم استواء حال الذين يعلمون، والذين لا يعلمون، فبالجهل يبدو الكبير صغيرا، مهما أحاطت به كتائب الجيوش، وبالعلم يصير الصغير كبيرًا عند مجاميع الناس.
جاءت بعض المتوازنات المتقابلة بأسلوب مؤكد بإحدى أدوات النفي، التي تزيل اللبس في التسليم بالحقائق؛ ومثاله:
- ورِزْقُك لَيْسَ يُنقِصُه التَّأنّي = ولَيْسَ يَزيدُ في الرّزقِ العَناءُ (الشافعي 10).
كرر الإمام الشافعي (ليس) في المتقابل الأول بصدر البيت، والآخر في عجزه، وفيه إشارة نابهة لإثبات حقيقة، ونفي لمُعتقَد خاطئ، وهي الدعوة للاعتدال في طلب الرزق؛ لأنه مكفول، فلا ينقصه تراخي الإنسان عنه، ولا يزيده إرهاق نفسه بالسعي إليه.
صيغت معظم المتقابلات بأسلوب شرطي، لا يتأتَّى جوابه إلا بأداء فعله، وبه يتحقق التوازن في الجمع بين المتقابلات في شطر من البيت، أو في صدره وعجزه، فيتصور المتلقي من خلال الأسلوب الشرطي مآلات الأمور عند أدائها؛ ومثاله:إذَا لَمْ يَكُنْ صفْوُ الوِدَاد طَبيعَةُ = فلاَ خيرَ في وُدِّ يَجِيءُ تكَلّفَا (الشافعي 98).
وفيه إشارة إلى حقيقة الود المطلوب أن يكون خالصًا وفطريًّا لا متصنعًا لمآرب أخرى.
ذكر السيوطي في أقسام الكلام أن الخبر يحتمل الصدق والكذب، والإنشاء ما لا يحتمل ذلك، وإن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء، وإن لم يقترن بل تأخر عنه فهو الطلب والمحققون على دخول الطلب في الإنشاء، (السيوطي1 /52-53). وهو نوعان: طلبي وغير طلبي؛ فأما الطلبي فهو في الأمر، والنهي، والاستفهام، والنداء، وغيرها. وأما غير الطلبي فغرضه المدح أو الذم أو التعجب أو الرجاء، وغيره. وقد انساقت بعض المتوازنات المتقابلة في قوالب إنشائية مختلفة، لها غايات للتمييز الدلالي بين المتقابلات منها:
ذكر السيرافي في باب الأمر والنهي في شرحه لكتاب سيبويه "أن الأمر والنهي هما بالفعل فقط؛ لأنك تأمر بإيقاع فعل، وتنهى عن إيقاع فعل" (السيرافي1/491)، وعلى ذلك فإن الأمر والنهي متناقضان، فالأمر يطلب أداء فعل معين، والنهي يطلب الامتناع عنه. فأما الأمر فطلب الفعل يكون على وجه الاستعلاء والإلزام، والتكليف بأمر لم يكن حاصلا قبل زمن التكلم. ولأسلوب الأمر صيغ مختلفة، أشهرها صيغة فعل الأمر الصريح، واسم فعل الأمر، أو باستخدام لام الأمر. وقد جاءت معظم المتوازنات المتقابلة بصيغة فعل الأمر الصريح التوجيهي؛ ومثاله الفعل (دَعْ) بمعنى اترك، وقد تكرر في بعض أبياته منها:
- ودَعِ الذَّينَ إذَا أَتَوك تَنَسَّكُوا = وَإذَا خَلَوْا فَهُمُ ذِئَابُ خِرَافِ (الشافعي 102).
تصدر فعل الأمر (دع) المتوازنين المتقابلين في صدر البيت وعجزه؛ ليحذّر من المنافقين الذين يتناقضون في مواقفهم؛ فتارة هم بموقف المعيَّة، وتارة أخرى بموقف الضدية، فتجدهم إذا أقبلوا عليك نسّاكا، ويخالف ظاهرهم باطنهم، وإن تولوا عنك فهم ذئاب خراف بمكرهم.
النهي خلاف الأمر، ويُعرَف اصطلاحًا -على ما ذكره السيرافي في باب الأمر والنهي- بالامتناع عن أداء الفعل، وعادة ما يكون الأداء سلبيُّا. وأسلوب النهي المباشر يتمثل بالفعل المضارع المسبوق بحرف (لا) الناهية الجازمة. وقد يخرج النهي عن معناه الحقيقي إلى معانٍ ضمنية، يكشف عنها مقام الاستعمال ليأتي بمعنى النصح، والدعاء، والالتماس، والإرشاد، وغيرها. وللشافعي بيت عرض فيه المتوازنين المتقابلين بأسلوبين مختلفين: الأول بصيغة الأمر (فاقنع)، والثاني بصيغة النهي (لا تطمع) بقوله:
- العبدُ حُرٌّ إنْ قنِعْ/ والحُرُّ عَبْدٌ إنِ طَمِعْ
- فاقْنَعُ ولا تَطْمَع فلاَ/ شَيءٌ يَشينُ سِوَى الطَّمَع (الشافعي 97).
بيَّن في البيت الأول عاقبتي القناعة والطمع في متقابلين آخرين؛ بأن العبد سيتحرر من مكبلات العبودية إن قنع، والحر سيقبع في براثنها إن طمع، وأعقب هذه المقارنة بذكر المبرر من هذه الدعوة الآمرة، والناهية في الوقت ذاته بعجز البيت. وقد استرشد الشافعي بأسلوب الأمر والنهي في توجيه النصح، والدعوة الصريحة بالتزام القناعة، وكبح مطامع النفس.
النداء تصويت المُنادِي ليستجيب المُنادَى به، وتنبيهه للإقبال عليه، ويذكر الزمخشري أن النداء يكون للقريب بحروف ندائية مختصة، ويفيد النداء إقبال المدعو عليه ومقاطنته لما يدعو له (الزمخشري 1/413)، والأسلوب الندائي يتصدر بأداة النداء (يا) أو ما يماثلها، وقد استخدمه الإمام الشافعي في بناء المتوازنات المتقابلة واتساقها؛ ليلفت انتباه المتلقي إلى حقيقة يريد الإشارة إليها؛ ومما أورده بهذا النسق:
- يا مَن يُعانِقُ دُنيا لا بَقاءَ لَها = يُمسي وَيُصبِحُ في دُنياهُ سَفّارا (الشافعي 65).
وفيه يحذر مَن يتعلق بالدنيا الزائلة والزائفة، ويقبل على ملذاتها وشهواتها، وهو راحل عنها لا محالة في صباحه أو مسائه، فحاله حال المسافر الذي سيغادر يوما. وبين الجملتين (يمسي × ويصبح) توازن تقابلي ملحوظ، وباستعانته بأداة النداء تنبيه للمنادَى إلى النصيحة المسداة إليه.
الاستفهام اصطلاحًا طلب العلم بشيء، لم يكن معلومًا قبل زمن التكلم، وقال ابن قتيبة فيه "استفهمته: سألته الإفهام" (الدينوري 360)، وهو أسلوب يتصدره أحد أدوات الاستفهام المعروفة. وقد صيغت به بعض المتوازنات المتقابلة لغرض الاستعلام أو الاستنكار أو التوبيخ، وغيرها؛ ومما أورده في هذا المقام الاعتباري:
- مَاذَا تُؤمِّلُ مِنْ قَوْمٍ إذَا غَضِبُوا = جَارُوا عَلَيْكَ وَإنْ أرْضيتَهُم مَلّوا (الشافعي 119).
والشاهد من عقد المقارنة بين التركيبين المتقابلين (إذا غضبوا جاروا عليك × وإن أرضيتهم ملوا)، واستفتاح البيت باستفهام أنه أراد السؤال عما يأمله المرء من قوم قدمت لهم ما يرضيهم، فلما غضبوا أنكروا عليك ذلك المعروف.
مفهوم السياق عند تمام حسان هو توالي العناصر التي يتحقق بها التركيب والسبك وهو ما يسمى بسياق النص، وتوالي الأحداث التي صاحبت الأداء اللغوي، وكانت ذات علاقة بالاتصال وهذا ما يُسمّى بسياق الموقف (حسان 2/65). وعُرِفَ السياق عند أهل العلم والاختصاص بمصطلحات مختلفة؛ منها: ظاهر النص، مقتضى الكلام، سياق الكلام، المعنى العام، مقتضى الحال، قرينة الحال، وغيرها. فالسياق وفقًا لهذا التعدد المفاهيمي يدل بمحمله الأول على الموقف الكلامي والمقام الاستعمالي. والمحمل الثاني أن السياق يضم مجموعة من القرائن الحالية أو المقالية أو المقامية الدالة على مقصد المتكلم من إيراد الكلام ونظمه، والظروف التي أدّت إلى نشأة النص الشعري، وهو ما يُعبَّر عنه بمصطلح الحال والمقام. والمحمل الثالث للسياق هو ما يعرفه اللغويون بالسياق اللغوي الذي هو موضع التحليل، ويشمل الحيّز المكاني السابق للمتقابلات، واللاحق بها، والسياق الخاص بالنص، والسياق العام المتعلق بنهج الشاعر، ورؤاه التنظيرية، وتوجهاته الفكرية. وهذه الدراسة ترتكز على مجموعة القرائن الحالية واللفظية والمعنوية، وكل منها دال على مقصد الشاعر من بناء نصّه الشعري.
باستقراء مقولات الإمام الشافعي تتضح علاقة الضدية بين المفردات، وعلاقة التقابلية بين الجمل، وذلك بشكل جلّي من المنظور السياقي، وبه تتضح المواضع المُزَحزَحة والمُختزَلة والمُعترَضة في الأنماط التركيبية، وتُلتمَس أبعادها من القرائن اللفظية والمعنوية، وتُحدَّد المعاني المركزية في القصد اللغوي، والدلالة العامة للسياق، وهي كما ذكر الزركشي "تُرشد إلى تبيين المجمل والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظيره، وغالط في مناظراته" (الزركشي 200/2).
ويمكن تبيّن علاقة المتوازنات المتقابلة بالسياق بالتطبيق على أي شاهد شعري للإمام الشافعي، ومما أورده في قصيدة شائعة الذكر على منطق الألسنة، وذائعة التوارد بمداد الأقلام الأبيات الآتية:
- (إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفًا) = (فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا)
- (فـَـمـا كُلُّ مَا تَهواهُ) (يَهواكَ قَلبُهُ) = (وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ) (قَد صَفا)
- (إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً) = (فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا) (الشافعي 98).
يفصح السياق العام للقصيدة عن صفة الصداقة الحقة من منظور حكيم، ويتوجه الإمام الشافعي من خلال أبياته بتقديم النصيحة عن كيفية تعاملنا مع الآخرين، بما نراه من ردود أفعال، وقد أسهمت المتوازنات المتقابلة بعقد الصلة بين شطري كل بيت، وأحدثت التوازن المطلوب بينهما، كما عملت المتقابلات المتجاورة والمتوالية على إحداث التعاضد بين المفردات والتراكيب، التي جاءت بأساليب شرطية، أشار فعل الشرط فيها إلى واقع تعامل الآخر معنا، ثم بنى جواب الشرط على الحتمية المناسبة لردة الفعل تجاهه.
النظم الشعري لا يستقيم إلا بالأدوات الرابطة بين مفرداته وتراكيبه؛ فهي التي توثّق العلاقات التقابلية، وتُحدِث التوازن بين أجزاء الكلام، وتعمل على سبك النص الشعري بمعانيها الوظيفية الدالة على الجمع والفصل والبدء والانتهاء والاعتراض وغيرها، كما تعين على عقد المقارنات.
وما بين القوسين في الأبيات المذكورة أعلاه يمثّل المتوازنات المتقابلة، والحروف المخطوطة تمثل الروابط التي أحدثت التوازن بينها؛ حيث أسهمت حروف الجر والعطف والنهي والنفي والاستثناء في بناء جزئياتها، وأضفت الاتساق الدلالي العام عليها، الذي ميّز بين الصداقة الحقيقة والزائفة، والود الصافي والمرائي، ومن الأدوات المستخدمة في الأبيات أداة الشرط (إذا)، التي وثقت علاقة المقارنة بين المتقابلين، و(لا) الناهية تنهى عن فعل يراه الإمام الشافعي منكرًا من الآخرين.
منذ أن حاول كل من كاتز Katz وبوستل Postal (1964) دمج الدلالات في قواعد تحويلية كان المعنى هو الدافع المنهجي لبعض اللغويين في أعمالهم الأخيرة. والافتراض الأكثر بروزًا فيها أن معنى الجملة موقوف على إدراك بنيتها، ويتم تفسيرها من خلال أخذ التحولات في الاعتبارات الدلالية. ويرتكز التحليل المكوناتي لأي دراسة لغوية على ثلاث قوائم، تتمثل بالجوانب الصوتية والنحوية والدلالية (Do Cook101-114).
وهذه النظرية تقوم على تشذير كل معنى من معاني الكلمة إلى سلسلة من العناصر الأولية، تتبع الخط اللغوي بمحدداته المختلفة، التي تميّز بين المتقابلات داخل ثنائيات معينة، ولا تقتصر نظرية المحددات الدلالية على رسم المكونات لكل معنى بل تتغلغل إلى مشكلة المجاز في الدلالة، وتحديد المكونات التشخيصية لكل معنى من المعاني في رسوم تشجيرية وجداول تصنيفية تقابلية (عمر 11).
وللجملة بنيتان هما: البنية العميقة (Deep Structure) المسؤولة عن بناء الجمل ونقل معناها، ويضبط تكوينها القوانين التوليدية. والبنية السطحية (Surface Structure) للجمل التي يعكسها ترتيب المفردات فيها، ويضبط صياغتها القوانين التحويلية. وعندما يكون للجملة هيكل سطحي واحد وبنيتان عميقتان يحدث الغموض المعنوي Murni 74)).
ويتضح انسجام التراكيب المتقابلة في هاتين البنيتين في الأبيات المذكورة، فالبنية السطحية للمتقابلات مصوغة بالأسلوب الشرطي، والبنية العميقة لها دالة على تقديم النصح حول كيفية التعامل مع الآخر، وذلك بعقد العلاقة بين جواب الشرط بفعله، كما في قوله: (إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفًا) = (فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا).
والانسجام بين البنيتين فيه ما يعمل على توثيق عُرى السبك النصي، وتضافر مكوناته، واستجماع زوايا الصورة الشعرية. وهو أمر موقوف على فهم البنيتين بالعقد التقابلي بينهما، وإدراك آليات اتساقها واتزانها الخارجي والداخلي.
من خلال عرض الإمام الشافعي لطرفي العملية التواصلية بين المرسل والمتلقي، وما نعتقده من أفعال الآخرين، وما نراه مخالفا في الواقع يُحتّم علينا اتخاذ ردة الفعل الصحيحة، وإبداء التصرف السليم في تعاملنا مع الآخرين، وهو ما يكشف عنه السياق السابق للتراكيب المتقابلة واللاحق بها، فلا يمكن تجريد أي مقول عن سياقه؛ حيث إن للسياق دورًا في تحليل الخطاب، وإظهار جوانب التماسك فيه، وإزالة الغموض المعجمي الناجم عن التماثل وتعدد المعاني، وإقصاء مغالطة الإبهام البنيوي، وإبداء المقاربات في هيكلية الجمل، كما يكشف السياق عن المعاني الضمنية في الخطاب (Song 876-879). والسياق هو المنهاج الضابط لصحة فهم النص الشعري، وتتجلى قيمته بإفصاحه عن دلالة المتناقضات، واختيار الأفضل منهما بمعرفة مآلهما، وذلك بالاستناد إلى ما يدلّ عليه المقام من قرائن معقودة عليه. والسياق وسيلة لفهم قصدية الشاعر في أطروحاته الفكرية، فقد قال ابن دقيق العيد: "أما السياق والقرائن؛ فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه، وهي المرشدة إلى بيان المجملات، وتعيين المحتملات. فاضبط هذه القاعدة فإنها مفيدة في مواضع لا تُحصَى" (العيد 558).
وتحديد دلالة التراكيب المتقابلة يركن إلى عملية التساوق، وهي متمثلة في الدلالة العلائقية بين المفردات والجمل، ومدى نظاميتها في ظل السياق بأنواعه. ويظهر لنا مدى ارتباط كل مستوى لغوي بالسياق.
وقفت هذه الدراسة على تجليات نظم المتوازنات المتقابلة، من خلال الأدوار المنجزة للوحدات الكلامية في بنية النص الشعري، وهي تُؤَدَى من خلال المعنى الصريح أو الضمني؛ وفيما يلي استظهار لبعض تجلياتها الاتساقية بالتطبيق على الأبيات الآتية:
- الدَهْرُ يَوْمانٍ ذا أَمْنٌ وذَا خَطَرُ = وَالعيْشُ عَيْشَانٍ ذَا صَفْوٌ وَذَا كَدَرُ
- أَمَا تَرَى البَحْرَ تَعْلُو فَوْقَهُ جِيَفٌ = وَتَسْتَقِرُّ بأقْصَى قَاعِهِ الدُّرَرُ
- وَفي السَّمَاءِ نُجُومٌ لا عِدَادَ لَها = وَلَيْسَ يُكْسَفُ إِلاَّ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ (الشافعي 72).
يكشف الإمام الشافعي في هذه الأبيات عن حال الحياة وتقلباتها، ويدعو إلى تقبلها كما هي عليه، ومعايشتها بحلوها ومرها، فهو يرى أن الدهر يوم أمن وسلام، ويوم خطر وحرب، وعيش الناس بين الصفو والكدر، وأن حظ الأكابر دون غيرهم من الأصاغر، وقد قاس هذا الحال بأحوال الطبيعة من حولنا. وقد اتضحت جوانب الاتساق البنائي لتوصيل هذا المعنى على النحو الآتي:
لعل أبرز العوامل المؤثرة في مسألة الترشيح بين المتقابلات ما يرجع إلى قصدية المتكلم، فهو منشئ النص الشعري، ينتقي من الألفاظ ما يوافق فكره، ويعتمل في نفسه. وتتم تلك العملية الانتقائية بناء على ما يستلزمه الموقف والسياق، فيجد نفسه أمام متواردات لفظية، تتداعى في ذاكرته بشكل علاقات ثنائية على سبيل التماثل أو التقابل.
وباستقراء الحيز المكاني لتموضع الألفاظ في التراكيب المتقابلة تتضح بعض جمالياتها، التي تتمثل في غاية الإمتاع الحسي بإثارتها الانتباه للفكرة المسداة، وإيقاظها لرؤية العقد التلازمي بين الشيء ونقيضه، وقد أظهر المحسّن المعنوي (الطباق) بين المفردات (الأمن والخطر)، و(الصفو والكدر)، و(جيف ودرر)، و(تعلو وتستقر)، كما أبدى المحسن المعنوي (المقابلة) في شطري البيت الثاني (أَمَا تَرَى البَحْرَ تَعْلُو فَوْقَهُ جِيَفٌ)، و(وَتَسْتَقِرُّ بأقْصَى قَاعِهِ الدُّرَرُ)، وتجلّى الانسجام اللفظي في بناء أبياته على حرف الروي (الراء)؛ ليوحي بصفته التكرارية لما هو حاصل في مداولات الأيام بين الأنام.
تكمن في المتوازنات المتقابلة فكرة الجمع بين المتناقضات بقيمها المعنوية والتوجيهية، بما يعين على تحديد الاختيار الأمثل بين المتناظرات، وقد عمد الشافعي إلى إدراجها في طرحه الشعري؛ ليؤكد حقيقة الاختيار الصحيح والأمثل، وتقدير قيمته بالنظر إلى المتضاد معه، ومعرفة مآلات الإيجابي منها والسلبي. وفي الأبيات اتساق بين اللفظ والمعنى، وقد اتخذ من مقوله الشعري مقامًا لتوجيه النصح بتقبل الحال، ومعايشة صروف الدهر.
تضم المتوازنات المتقابلة في الأبيات السابقة عددًا من المحسنات البديعية اللفظية والمعنوية، التي تضفي تنوعًا إبداعيًّا، وتدرأ الملل في الذائقة الشعرية، وتوقظ الحدس الجمالي. وأبرز أساليبها البديعية مقابلة الجمل، كما بين (أَمَا تَرَى البَحْرَ تَعْلُو فَوْقَهُ جِيَفٌ) و(تَسْتَقِرُّ بأقْصَى قَاعِهِ الدُّرَرُ)، التي تحمل في طياتها فن طباق المفردات، كما في (جيف ودرر)، و(تعلو وتستقر) و(فوقه وقاعه). وهذه المحسنات لها دور في تحسين الكلام، وإحراز المقصد، وإصابة المعنى، وتشذيب لغة الحكمة، ومراعاة مقتضى الحال، ووضوح الدلالة.
عملية العقد بين المتلازمات المتقابلة توسع مدارك العقل للتمييز في مسائل التعدد، وتقبل تقلبات الدهر والعيش، وذلك باجتناب السالب، واجتذاب الصائب، والتماس الفروقات بين المتماثلات أو المختلفات. وهو أسلوب يوقع أثره في المتلقي، ويُجلِّي المعاني التي يستلزمها المقام، ويحفّز الحدس المنطقي بتنمية التوجهات القيمية (التربوية والنفسية والاجتماعية)؛ نحو الوعظ والإرشاد والتحذير والتوجيه والإقناع والإمتاع. فالمقابلة فن بديعي لا يُستهان به في تحقيق الغايات والمقاصد، ومنهاج أسلوبي ذو أبعاد دلالية، يقتضيها السياق وفقًا للواقع المنطقي ومقتضى الحال. وقصد الإمام الشافعي في بنائه المنطقي للأبيات تقديم رؤية تستند إلى المنطق والعقل، وقد أظهرها البيتان الثاني والثالث من الأبيات المختارة، ففيهما أشار إلى أن ما نعتقده قد يخالف ما نراه في الواقع المعيش.
باستقراء الحيز المكاني لتموضع المتقابلات تتضح غاياتها بالإمتاع الفكري، وإثارتها الانتباه إلى الفكرة المسداة، وإيقاظها لرؤية العقد التلازمي بين الشيء ونقيضه؛ مما يعمل على استيضاح المعنى وتوكيده، واستقراره في الذهن. ولا مواربة في أن التوازن التقابلي يعمل على جلاء الفكر، ويمثّل دقائق المعاني، ويجعل الذاكرة تستحضر جماليات التوازن بين المتنافرات المذكورة بالأبيات، كما في قوله: "أَمَا تَرَى البَحْرَ تَعْلُو فَوْقَهُ جِيَفٌ = وَتَسْتَقِرُّ بأقْصَى قَاعِهِ الدُّرَرُ"، فالجيف رغم حقارتها تعلو على سطح البحر، والدرر رغم ندرتها تمكث في قاع البحر.
تحقق المتوازنات المتقابلة جملة من الوظائف الخادمة للغرض الشعري؛ وهي:
تظهر بالعناية الفائقة لإيصال المبتغى الشعري بشكل جلي، ولفت الانتباه إلى بعض المرتكزات في المنظومة الكلامية، والعناية بمقام الاستعمال اللغوي بما يتناسب والموقف التواصلي الدال على النصح والإرشاد، وقد حقق توظيف المتقابلات الغاية بتقريب الصور الفنية بما يماثلها في الواقع، فلا نأمن تقلبات الدهر وتبدلاته، وهو ما يستلزم تصحيح معتقداتنا نحو الشخوص والأشياء من حولنا.
تتأتى من خلال العقد الحاصل بين المتباينات المختلفة، وإبراز العناصر المتناظرة في المنتج النصي، والتماس الغايات الدلالية المنوطة بها؛ نحو النصح، والإرشاد، والتأكيد، والتحذير، والتعظيم، والتنبيه، وغيرها، والأبيات السابقة أظهرت قيمة دلالية بتقبل الإنسان للواقع، ونصح المتلقي بالتعايش معه.
تتجلى في التأكيد على العنصر الإقناعي في مسألة الاختيار، وذلك عند عقد الثنائية الضدية بين المتوازنات، والتماس واقع الفروقات ومآلاتها، وإقامة الحجة على من يخطئ الاختيار. وقد ظهر الحجاج في بداية قوله (أما ترى)، وضرب الشافعي مثالين في البيتين الثاني والثالث تأكيدًا على مسألة التناقض؛ ليؤكد مقوله في البيت الأول.
تُستشعَر عند اللجوء إلى المتقابلات للتعبير عما يشغل النفس البشرية، وتفريغ الحالة الوجدانية على الملفوظات اللغوية، التي ترتبط بالبواعث النفسية المراد الإفصاح عنها، وتُوَجِّه من يتردد في اتباع الاختيار الصائب. والأبيات السابقة تحمل شحنة انفعالية وتعاطفا نفسيا مع المتلقي، وقد لجأ إلى المتقابلات ليبدد حالات الفزع والخوف والتردد واليأس لديه.
ما سبق ذكره من أوجه اتساقية شكل المنظور الجمالي والاتزاني بين المتنافرات، فالمقابلة من الأساليب الجمالية التي تُحدِث الترابط بين أجزاء الكلام، والتلاحم بين أطرافه المتناظرة، وتُكسِب النص توازنًا إيقاعيًّا ونسقًا دلاليًّا. ولا تظهر جمالية الشيء إلا بمقارنته بنقيضه، و"جمالية هذا المحسن البديعي راجعة في بعض النواحي إلى أنه يجمع الأضداد، ويلم شتات المتنافرات في موضع واحد، فيُحدث في الذهن ضربًا من الانتقال السريع بين الضد وضده، والشيء ومقابله ... ويبدو أن المتباعدات في المعنى أقدر من غيرها على تنشيط الفعالية الإدراكية. كما يتأتَّى شيء من هذه الجمالية من التعجب والإدهاش اللذين يحدُثان للذهن عند إدراك الأفعال المتضادة المنسوبة إلى فاعل واحد" (العاكوب 561).
وعملية الرصف التجاوري للمتقابلات تُكسِب المقول الحبك والسبك، فضلا على ما تعقده من عمليات لقياس نسبة الائتلاف والاختلاف بين المتقابلات، "ويُضاف إلى ذلك جمالية "تحقيق التوقُّع"؛ فإن المتلقي حين يدرك التقابل بين المعنيين الأوليين في المقابلة يُعِدّ نفسه لتلقي تقابل آخر، فإذا ما تحقق له ذلك أحس بشيء من المتعة هي المتعة التي نأنسها عندما تتحقق توقعاتنا. كما تنطوي المقابلة على قدرة فائقة على تمييز الأشياء وبيانها" (العاكوب 563)، كما تعمل المقابلة على الإغناء الدلالي للمقولات الشعرية، واتساق بنائها.
وقف البحث على أبرز معالم المقول الشعري لدى الإمام الشافعي، وهي ظاهرة المتوازنات المتقابلة التي تُعَد ملمحًا أسلوبيًّا متفردًا في الطرح الشعري، يجمع بين التناقض المعنوي والاتزان اللفظي، وسعى البحث إلى استجلاء دورها في البناء الاتساقي في ظل المنظومة اللسانية الحديثة، وتقفى الإرهاصات المبدئية حولها، وقدّم تعريفًا للبناء الاتساقي من منظور لغوي وأدبي، وتحليل المتقابلات على المستويات اللغوية الكبرى (النحوية، والدلالية، والسياقية). وتم إخضاع الظاهرة للتحليل الاستقرائي الوصفي وفقًا لمفهوم لسانيات النص والأسلوبية؛ وخرج البحث بالنتائج والتوصيات الآتية:
أولًا: النتائج
- المتقابلات عنصر رئيس في بناء نصه الشعري، ووسيط اتساقي لتكامل أجزائه، وقد أحكم توظيفها بما يتوافق ورؤيته للثنائيات المتناقضة في الحياة، وتجاوز حدودها الصياغية بوصفها محسّنًا بديعيًّا، إلى تحويل علاقاتها الثنائية إلى أحادية تتجه نحو خدمة الغرض الشعري.
- تعاضدت الأنساق اللغوية في إحداث الاتساق التكاملي، فالنسق النحوي هو الآلية الصياغية التي تَحبك التراكيب في مسائل التقديم والتأخير، والحذف، والتكرار، والاعتراض. وأما النسق الدلالي فهو الآلية الإفصاحية عن الأساليب الفنية، والاستئناس بإيقاعها البديعي. وأما النسق السياقي فهو الآلية النظمية التي تتساوق فيها المفردات، وتُوثق عُرى الجزئيات بالكليات لإبداء الدلالة العامة.
- عمد الشافعي إلى الخروج عن النمطية المعيارية في التنظيم القواعدي للمتقابلات، وذلك بحذفه أحد العناصر المؤسسة لبنائه أو تقديمه أو إحالته؛ ليُبديَ ملمحًا دلاليًّا جديدًا، وتركيبًا أسلوبيا فريدًا. وفي هذا الخروج إطلاق لعنان فكر المخاطَب ليتصور قصديته، ويشركه في التجربة الشعرية. ويتأتّى ذلك بالاسترشاد بمقتضيات اللزوم في إيجاد العلائق النحوية في التراكيب، والاستناد إلى مستلزمات السياق من قرائن مقالية أو حالية.
- أحدثت المتقابلات حركية خاصة تموج في النظم الشعري، بعقده العلاقة الثنائية بين المتقابلات؛ وكان التفاوت البيني ملحوظًا في مبانيها ومعانيها، ووقف البحث على رصد أنساقها المختلفة؛ فمنها ما كان نسبتها في التعارض حادًّا أو نسبيًّا أو كلّيًّا أو متضمنًا أو تراتبيًّا أو تصنيفيًّا أو مشروطًا.
- ظهر من خلال استقراء مواضع التقديم والتأخير مدى استيعاب الإمام الشافعي للمواقع الوظيفية للمتقابلات، وللعناصر النحوية المراد التركيز عليها، كما برزت قدرته على استجلاء الدلالة المتحققة من عملية الانزياح التركيبي، وقد يكون لها بعدٌ نفسي مرتبط بأحاسيس الشاعر، فما له أهمية يقدّمه على غيره.
- اتخذ الإمام الشافعي النهج الإحالي مؤشرًا دلاليًّا، يومئ إلى مواضع بعض العناصر اللغوية؛ ويوثّق علائق القُربى بين أركان الكلام المتنافي الأبعاد، كما يسهم في تواشج التراكيب النحوية، ويضفي هالة إيضاحية للمعنى العام بالتتابع النظمي والدلالي، وبهما يُشار إلى التعددية والتماثل والتناظر والمحاذاة بين المتقابلات.
- ضمت مقولاته عددًا من المتضامات المتضادة، التي تقع ضمن نطاق أوسع من أوجه التقابل المتوازن، وإن فُصلِت ببعض الكلمات بين المتقابلين يبقى التعالق شائكًا بين العناصر النحوية؛ وذلك على نحو يمكن للقارئ أن يفكّه بشكل ثنائيات متقابلة، في منظومة متكاملة، بحيث لا ينقطع استرساله بعقد العلاقة بين الأقطاب المتقابلة.
- التكرار على ما نحاه ليس فيه من الإطناب الممل، ولا الإسراف المخل؛ بل اتخذه ذريعة للتأكيد على مسألة التناقض بين التراكيب، ووسيلة للتكثيف الدلالي، والفهم العميق للمنجز النصي، كما يُكسِب النص التعالق بين أجزائه وأركانه، وقد أحدث اتساقًا شكليًا في الصياغة، وإيقاعًا مسموعًا في الوزن، وسبكًا رصينا في التركيب، وذلك على الامتداد الخطي لمقولاته الشعرية.
- باستقصاء تراكيب مقولاته وخواصها، وما ضمَّنها من محسّنات، وما اتصَّل بها من استحسان مراعٍ لمقتضيات الأحوال- تتّضح رغبته في إيجاد التوازن الإيقاعي بين المتقابلات، ولفت الانتباه إلى الأطراف المتناظرة لفظيًّا والمتباينة معنويًّا.
- تجلّت مهارته في أسلوب الحذف بإشراكه المتلقي في استحضار المحذوف لاستكمال المعنى وفهم قصديته. فالحذف وسيلة جعلها مطواعًا لتحقيق غاياته الشعرية، وذكر ما يلزم ذكره على سبيل التأكيد، وحذف ما يمكن حذفه على سبيل الإيجاز.
- امتلاكه المهارة النظمية لإحكام مقولاته بإقحام المعترضات، التي لم تكن اعتباطًا، بل تخدم قصديته؛ وتضفي عمقًا وتكثيفًا على الناتج الدلالي، فالمتلقي قد تنقطع لديه الدلالة المتصلة بين المتلازمات الافتراضية والمعيارية، وبعد هذا الاعتراض المؤقت يعود لتمام المعنى، فيحدث لديه ارتباك في إدراك العناصر المعترضة، التي تُعَد قفزة نوعية عند استرسالها على نحو غير متوقع، وهي في حقيقتها تضفي تأثيرات خاصة على العناصر النحوية السابقة لها أو اللاحقة بها.
- النمط الرئيس للمتوازنات المتقابلة يتمثل في الأسلوب الخبري، الذي يحتكم لجادة الصواب، ويخدم غرض الحكمة والنصح والإرشاد، وكان معظم المتقابلات مصوغة بأسلوب شرطي؛ يربط تحقق جوابه (المتقابل الثاني)، بأداء فعله (المتقابل الأول). والنمط الثانوي ما بدا في الأسلوب الإنشائي، الذي خدم الدلالة النحوية، وكان من أبرز أنواعه أسلوب الأمر للالتزام بالمحمود من القول والفعل، وأسلوب النهي لاجتناب المذموم منها.
- استخدم الإمام الشافعي روابط مختلفة ليؤلف بين المتقابلين، ومنها حروف العطف التي وظفها في انسيابية خاصة، عملت على تعزيز جوانب القربى أو الاختلاف عند عقد المقارنة؛ لتتيح الفرصة للاختيار السديد في مسائل التعدد.
- أظهر البحث تجليات اتساق المتقابلات من أدوارها المنجزة، التي بدت في مستوى الاتساق اللفظي، والمعنوي، والفني، والمنطقي، والفكري، والجمالي، والوظيفي بما يتعلق بأدائه التداولي والدلالي والحجاجي والنفسي.
ثانيًا: التوصيات
توصي
الدراسة
بإخضاع
الدراسات
اللسانية للتحليلين
الجزئي
والكلّي، واستجلاء
ما بها من
ظواهر لافتة؛ بدءًا
بالوحدات
اللغوية
الصغرى،
ومرورًا بالوسطى،
وانتهاءً
بالكبرى؛ وهو
ما يُضفي
العمق
الإجرائي في
معالجة
الظواهر
اللغوية
والوقوف على
ماهيتها،
وتصوّر
إطارها
العام، كما
يعكس تضافر
تلك المستويات
في اتساق
المقول
الشعري
واستجلاء مقاصده.
أولًا: العربية
ابن دقيق العيد، تقي الدين. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام. تحقيق: حسن أحمد إسبر. دار ابن حزم، بيروت، ط1، 2002م.
ابن رشيق القيرواني، أبو علي الحسن. العمدة في محاسن الشعر، وآدابه، ونقده. ج 2. تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد. دار الجيل، بيروت، ط5، 1981م.
ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم. لسان العرب. مج 10. (سوق). دار صادر، بيروت، (د. ت).
أبو هلال العسكري، الحسن بن عبد الله بن سهل. الفروق اللغوية. تحقيق: محمد إبراهيم سليم. دار العلم والثقافة، القاهرة، (د. ت).
البطاشي، خليل بن ياسر. الترابط النصي في ضوء التحليل اللساني للخطاب. دار جرير، عمّان، ط1، 2009م.
البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين. مناقب الشافعي. تحقيق: السيد أحمد الصقر. مكتبة دار التراث، القاهرة، ط1، 1970م.
الجرجاني، علي بن محمد الشريف. معجم التعريفات. تحقيق: محمد صديق المنشاوي. دار الفضيلة، القاهرة، (د. ت).
حسان، تمام. مقالات في اللغة والأدب. عالم الكتب، القاهرة، ط1، 2006م.
حمداوي، جميل. محاضرات في لسانيات النص. الألوكة، ط1، 2015.
الخطابي، أبو سليمان حمد بن محمد. بيان إعجاز القرآن. تحقيق: محمد خلف الله، ومحمد زغلول سلام. دار المعارف، مصر، ط3، 1976م.
خطابي، محمد. لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب. المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 1991م.
خلف الله، محمد، وسلام، محمد زغلول. ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطّابي وعبد القاهر الجرجاني في الدراسات القرآنية والنقد الأدبي. دار المعارف، القاهرة، ط3، (د. ت).
الدينوري، ابن قتيبة الكوفي. أدب الكاتب. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة السعادة، مصر، ط4، 1963م.
الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله. البرهان في علوم القرآن. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. مكتبة دار التراث، القاهرة، ط3، 1984م.
الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمر. المفصل في صنعة الإعراب. قدم له وبوبه: علي بو ملحم، دار ومكتبة الهلال، بيروت، ط1، 1993م.
السبكي، أحمد بن علي بن عبد الكافي بهاء الدين. عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح. تحقيق: عبد الحميد هنداوي. المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 2003م.
السيرافي، أبو سعيد الحسن بن عبد الله. شرح كتاب سيبويه. تحقيق: أحمد حسن مهدلي، علي سيد علي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2008م.
السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر. همع الهوامع في شرح جمع الجوامع. تحقيق: عبد الحميد هنداوي. المكتبة التوفيقية، مصر، (د. ت).
الشافعي، محمد بن إدريس. ديوان الإمام الشافعي: المُسمَّى الجوهر النفيس في شعر الإمام محمد بن إدريس. إعداد: محمد إبراهيم سليم. مكتبة ابن سينا، القاهرة، (د. ت).
العاكوب، عيسى علي. المفصل في علوم البلاغة العربية: المعاني- البيان - البديع. مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، حلب، 2000م.
عتيق، عبد العزيز. علم المعاني. دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 2009م.
عمر، أحمد مختار. "من الاتجاهات الحديثة في دراسة المعنى: تحليل الكلمات إلى مكونات وعناصر". المجلة العربية للعلوم الإنسانية. مجلس النشر الجامعي، جامعة الكويت، مج1، ع3، 1981م.
غيام، فهد حسن. في شعر الشافعي الجملة الطلبية: دراسة تركيبية دلالية (أطروحة ماجستير). كلية الآداب والعلوم، جامعة الشرق الأوسط، 2014م.
الفقي، صبحي إبراهيم. علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق. دراسة تطبيقية على السور المكية. دار قباء، القاهرة، ط1، 2000م.
ثانيًا: References:
ʾabū halāl alʿaskrī, alḥasn ban ʿabd Allah ban sahl. alfarūq allaġūya (in Arabic). taḥqīq: maḥmd ʾibrāhīm salīm. dār alʿalm waṯṯaqāfa, alqāhra.
Addaynūrī, abn qatība alkawfī. ʾadb alkātb (in Arabic). taḥqīq: maḥmd maḥyī addayn ʿabd alḥamīd. maṭbʿa assaʿāda, maṣr, 4th ed., 1963.
alʿākūb, ʿaysā ʿalī. almafṣl fī ʿalūm albalāġa alʿarbya: almaʿānī- albayān- albadīʿ (in Arabic). madīrya alkatb walmaṭbūʿāt aljāmʿya, ḥalb, 2000.
alʿaskrī, alḥasn ban ʿabd Allah ʾabū halāl. alfarūq allaġūya (in Arabic). taḥqīq: maḥmd ʾibrāhīm salīm. dār alʿalm waṯṯaqāfa, alqāhra.
alʿayd, taqī addayn abn daqīq. ʾiḥkām alʾaḥkām šarḥ ʿamda alʾaḥkām (in Arabic). taḥqīq: ḥasn ʾaḥmd ʾisbr. dār abn ḥazm, bayrūt , 1st ed., 2002.
albaṭāšī, ḳalīl ban yāsr. attarābṭ annaṣī fī ḍawʾ attaḥlīl allasānī lalḳṭāb (in Arabic). dār jarīr, ʿammān, 1st ed., 2009.
albayhqī, ʾabū bakr ʾaḥmd ban alḥasīn. manāqb aššāfʿī (in Arabic). taḥqīq: assayd ʾaḥmd aṣṣaqr. maktba dār attarāṯ, alqāhra, 1st ed., 1970.
alfaqī, ṣabḥī ʾibrāhīm. ʿalm allaġa annaṣī bayn annaḓrya wattaṭbīq. darāsa taṭbīqya ʿalā assawr almakya (in Arabic). Part 1. dār qabāʾ, alqāhra, 1st ed., 2000.
aljarjānī, ʿalī ban maḥmd aššarīf. maʿjm attaʿrīfāt (in Arabic). taḥqīq: maḥmd ṣadīq almanšāwī. dār alfaḍīla, alqāhra.
alḳaṭābī, ʾabū salīmān ḥamd ban maḥmd. bayān ʾiʿjāz alqaraʾān (in Arabic). taḥqīq: maḥmd ḳalf Allah, wamḥmd zaġlūl salām. dār almaʿārf, maṣr, 3rd ed., 1976.
alqayrwānī, abn rašīq ʾabū ʿalī alḥasn. alʿamda fī maḥāsn aššaʿr, waʾādābh (in Arabic). wanqdh. Juz’ 2. taḥqīq: maḥmd maḥī addayn ʿabd alḥamīd. dār aljayl, bayrūt, 5th ed., 1981.
ʿamr, ʾaḥmd maḳtār ʿ, "man alātjāhāt alḥadīṯa fī darāsa almaʿnā: taḥlīl alkalmāt ʾilā makūnāt waʿnāṣr" (in Arabic). almajla alʿarbya lalʿlūm alʾinsānya. majls annašr aljāmʿī, jāmʿa alkawīt, vol. 1, no. 3, sanat 11, 1981.
assabkī, ʾaḥmd ban ʿalī ban ʿabd alkāfī bahāʾ addayn. ʿarūs alʾafrāḥ fī šarḥ talḳīṣ almaftāḥ (in Arabic). Juz’ 2. taḥqīq: ʿabd alḥamīd handāwī. almaktba alʿaṣrya, bayrūt, 1st ed., 2003.
aššāfʿī, maḥmd ban ʾidrīs. daywān alʾimām aššāfʿī: almusmmā aljawhr annafīs fī šaʿr alʾimām maḥmd ban ʾidrīs (in Arabic). ʾiʿdād: maḥmd ʾibrāhīm salīm. maktba abn saynā, alqāhra.
assayrāfī, ʾabū saʿīd alḥasn ban ʿabd Allah. šarḥ katāb saybwīh. (in Arabic). taḥqīq: ʾaḥmd ḥasn mahdlī, ʿalī sayd ʿalī. dār alkatb alʿalmya, bayrūt, 1st ed., 2008.
assayūṭī, ʿabd arraḥmn ban ʾabī bakr. hamʿ alhawāmʿ fī šarḥ jamʿ aljawāmʿ (in Arabic). taḥqīq: ʿabd alḥamīd handāwī. dār albaḥūṯ alʿalmya almaktba attawqīfya, miṣr.
ʿatīq, ʿabd alʿazīz. ʿalm almaʿānī (in Arabic). dār annahḍa alʿarbya, bayrūt, 1st ed., 2009.
ʿawnī, ḥāmd. almanhāj alwāḍḥ lalblāġa (in Arabic). maṭbʿa maḳīmr, maṣr, 5th ed.,1946.
azzamḳšrī, ʾabū alqāsm maḥmūd ban ʿamr. almafṣl fī ṣanʿa alʾiʿrāb (in Arabic). qadm lah wabūbh: ʿalī baw malḥm, dār wamktba alhalāl, bayrūt, 1st ed., 1993.
azzarkšī, badr addayn maḥmd ban ʿabd Allah. albarhān fī ʿalūm alqaraʾān (in Arabic). Juz’ 2. taḥqīq: maḥmd ʾabū alfaḍl ʾibrāhīm. maktba dār attarāṯ, alqāhra, 3rd ed., 1984.
Do Cook, Eung. Deep Structure and Surface Structure. North- Holland Publishing Company, Vol. 25 (1970).
ġayām, fahd ḥasn. fī šaʿr aššāfʿī aljamla aṭṭalbya: darāsa tarkībya dalālya (ʾaṭrūḥa mājstīr) (in Arabic). kalya alʾādāb walʿalūm, jāmʿa aššarq alʾawsṭ, 2014.
ḥamdāwī, jamīl. maḥāḍrāt fī lasānyāt annaṣ (in Arabic). alʾalūka, 1st ed., 2015.
ḥasān, tamām. maqālāt fī allaġa wālaʾdb. (in Arabic). ʿālm alkatb, alqāhra, 1st ed., 2006.
Ibn daqīq, taqī addayn abn daqīq alʿayd. ʾiḥkām alʾaḥkām šarḥ ʿamda alʾaḥkām (in Arabic). taḥqīq: ḥasn ʾaḥmd ʾisbr. dār abn ḥazm, bayrūt , 1st ed., 2002.
Ibn manḓūr, ʾabū alfaḍl jamāl addayn maḥmd ban makrm. lasān alʿarb (in Arabic). mujallad 10. (sawq). dār ṣādr, bayrūt.
Ibn rašīq, ʾabū ʿalī alḥasn. alʿamda fī maḥāsn aššaʿr, waʾādābh wanqdh. (in Arabic), Juz’ 2. taḥqīq: maḥmd maḥī addayn ʿabd alḥamīd. dār aljayl, bayrūt, 5th ed., 1981.
ḳalf Allah, maḥmd, waslām, maḥmd zaġlūl. ṯalāṯ rasāʾil fī ʾiʿjāz alqaraʾān lalrmānī walḳaṭṭābī waʿbd alqāhr aljarjānī fī addarāsāt alqaraʾānya wannaqd alʾadbī (in Arabic). dār almaʿārf, alqāhra, 3rd ed.
ḳaṭābī, maḥmd. lasānyāt annaṣ: madḳl ʾilā ansjām alḳaṭāb (in Arabic). almarkz aṯṯaqāfī alʿarbī, bayrūt, 1st ed., 1991.
Murni, Tri. "The Deep Structure and Surface Structure of Gayo Language". Centrak Aceh, Indonesia, Proceeding of the 1st International Conferences on STKIP Bina Innovative Pedagogy (ICIP), May 2017, Bangsa Getsempena, pp. 18-19.
Song, Lichao. "The role of Context in Discourse Analysis". Journal of Teaching and Research, Academy Publisher Manufactured in Finland, Vol. 1, No. 6 (November 2010), pp. 876-879, Doi:10.4304/jltr.1.6.876-879. https://www.academypublication.com/issues/past/jltr/vol01/06/19.pdf
. ISSN 1798- 4769.