تاريخ الاستلام:24 أكتوبر 2022

تاريخ التحكيم: 03 نوفمبر 2022

تاريخ القبول: 17 ديسمبر 2022

الأنماط النسقيّة للرجل في الحكاية الشعبيّة القطريّة: القصص الشعبي في قطر لمحمد الدويك أنموذجًا[1]

عائشة المفتاح

أخصائي موارد بشرية، ديوان الخدمة الوطنية والتطوير الحكومي، دولة قطر

199961137@qu.edu.qa

ملخص

يُعدّ الأدب الشعبيّ الحاضن لذاكرة الشعوب وتراثها؛ ذلك أنّه مرتبط بالإنسان والمجتمع في تطوره، فيه يجد الإنسان ذلك المتنفس الفطريّ الذي لا تحدّه حدود ولا شروط ولا قوانين قسرية. ونحن في بحثنا هذا نقوم بدراسة الحكايات الشعبيّة القطريّة متخذين من النقد الثقافيّ منهجًا لنا، في محاولة لتأمل وتوسّم الأنساق الثقافيّة التي تحتوي عليها تلك الحكايات القديمة، منطلقين من فرضية اشتمال الحكايات الشعبيّة القطريّة على تلك الأنساق الثقافيّة في طياتها، وقد قمنا بفرز الحكايات الشعبيّة لنتحصّل على الأنماط النسقيّة للرجل في الحكايات، التي قسمناها بدورها إلى قسمين اثنين؛ هما: الأنماط النسقيّة للرجل الشرير، والأنماط النسقيّة للرجل الخير، وخلصنا إلى مجموعة من النتائج المرتبطة بصور الرجال في المتخيل الشعبيّ القطريّ.

الكلمات المفتاحية: الحكاية الشعبيّة، قطر، الأنساق الثقافيّة، الأنماط النسقيّة للرجل

للاقتباس: المفتاح، عائشة. «الأنماط النسقيّة للرجل في الحكاية الشعبيّة القطريّة: القصص الشعبي في قطر لمحمد الدويك أنموذجًا»، مجلة أنساق، المجلد السابع، العدد 1 (2023)، عدد خاص عن "الأدب القطري"

© 2023، المفتاح، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0)تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه؛ طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.


 

Received: 24 October 2022

Reviewed: 03 November 2022

Accepted: 17 December 2022

The Cultural Patterns of the Man in Qatari Folk Tales: "The Folk Tales in Qatar by Mohammad AL-Duwaik as an example"

Aisha AL-Muftah

Human Resource Specialist, The Civil Service and Government Development Bureau, State of Qatar

199961137@qu.edu.qa

Abstract

Folk literature is the incubator of peoples’ memory and heritage because it is linked to man and society in its development, in which man finds that innate breathing space that is not bounded by borders, conditions, or coercive laws. In this research project, we plan to study folk tales in Qatar by using cultural criticism as an approach and trying to recognize and contemplate the aspects of the invisible systems contained in these ancient tales on the assumption that Qatari folk tales include those cultural systems in their fold. Thus we sorted the folk tales finding the cultural systems of the male in those tales. Therefore we got the evil man's cultural patterns and the good man's cultural patterns. Finally, we conclude with results concerning the images of manhood in the imagination of the Qatari people.

Keywords: Folk tales; Qatar; Cultural systems; The cultural patterns of manhood

 

Cite this article as: AL-Muftah, Aisha. "The Cultural Patterns of the Manhood in Qatari Folk Tales: The Folk Tales in Qatar by Mohammad AL-Duwaik as an example," Ansaq, Vol. 7, Issue 1 (2023), Special Issue on “Qatari Literature”

© 2023, AL-Muftah, licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited.

 


 

مقدمة

تمثّل الحكايات الشعبيّة جزءًا من تراث الشعوب وما يتصل بذلك التراث من تصورات ومعتقدات ومواقف مختلفة إزاء الحياة في مختلف تمظهراتها، ولهذا فهي تُعدّ أرشيفا مهمًا حريا بالبحث والتنقيب، وعليه نسعى في هذا البحث إلى معاينة مجموعة من الحكايات الشعبيّة القطريّة متخذين من كتاب (القصص الشعبي في قطر) لمحمد الدويك، مجالًا خصبًا نفعّل فيه أدوات البحث، ونقتفي أثر الحكي الشعبيّ، لا سيما وأنّ هذا الكتاب يُعد واحدًا من أهم مراجع الأدب الشعبي في منطقة الخليج العربيّ عامّة وقطر بصفة خاصة، في محاولة للكشف عن الأنساق الثقافيّة التي شكّلتها ذاكرة الإنسان الجمعية في الحكايات الشعبيّة القطريّة، والمتعلقة بصورة الرجل في المنظور الشعبي. ومن هذا المنطلق ترتسم لنا مشكلة البحث قائمةً في مدى احتواء الحكايات الشعبيّة القطريّة على أنساق مضمرة مرتبطة بصورة الرجل، رغم التغيرات الزمنيّة والحياتية المختلفة.

يهدف البحث إلى إلقاء المزيد من الضوء على الأدب الشعبيّ الخليجيّ عامّة والقطري خاصة، من خلال محاولتنا توسّم المضمرات النسقيّة في الحكايات الشعبيّة القطريّة، وبالتالي خلق نوع من التوعية بأهمية التراث الشعبي في تشكيل الوعي الجمعي للأمة. ومن أجل إثبات ذلك انطلقنا في هذا البحث من فرضية أساسية متمثلة في أنَّ الحكاية الشعبيّة عبارة عن مخزون ثقافيّ من خلالها يمكن الكشف عن الأنساق الثقافيّة للرجل البانية لها.

1.     الحكاية الشعبيّة في قطر الأصول والخصائص

تُعدّ أصول الحكاية الشعبيّة في قطر واحدة من الأصول الشعبيّة الخليجية، ويرجع الباحثون الشعبيّون الخليجيون ومنهم حصة الرفاعي أصولَ الحكاية الشعبيّة في الخليج إلى مصادر عالمية مشتركة، و"أنّ المجتمعات الإنسانية لا تنغلق على نفسها وأنَّ الثقافة الشعبيّة، ولا سيما (الحكايات الخرافية)[2] هي تناسل مختلط، فهي تنتشر تاريخيًا وجغرافيا من خلال الرحلات والتَّداخل الثقافيّ بين الشعوب، وتكتسب إبان رحلتها سمات بيئية تؤثّر في طبيعتها ومكوناتها الفنيّة ومدلولاتها الثقافيّة" (الرفاعي 24، 25).

وتُحَدّد مصادر الحكايات الشعبيّة القطريّة بالعودة إلى أصولها في الديانات البدائية القديمة، مثل الديانة الطوطمية والديانة الفتيشية والعقيدة الشامانية، وكذلك الديانات السّماوية، وعالم السحر والسحرة، والأحلام الطبيعية والخيال الحرّ بالإضافة إلى العوامل البيئية المحلية وتفاعل الإنسان مع البيئة من حوله وما يحيط به من ظروف وتحديات (الدويك 24-25). ويمكن لنا أن نضيف العادات والتقاليد العربيّة الأصلية، والنشاط الاقتصادي الذي يمارسه السكان، وفي مقدمته صيد اللؤلؤ، والسفر الشراعي الذي كان له بالغ الأثر في الاحتكاك بالحضارات العريقة الأخرى في العالم القديم في مناطق مثل بلاد فارس والهند والسند وآسيا، وكذلك في عمان واليمن وزنجبار وشرق أفريقيا. هذا التلاقح بين الحضارات والبشر الذي يوسع المدارك ويأتي بالأخبار، ويطلق العنان لخيال الإنسان.

ومما يعزّز هذا الفهم تعرّض منطقة الخليج العربيّ إلى هجرات بشرية عبر التاريخ، نظرًا لعوامل مثل: الموقع الجغرافي المتميز، والمياه الدافئة وثرائها النسبي المتمثل في صيد اللؤلؤ، ووجود بعض الأراضي الصالحة للزراعة، ووفرة المياه في جزر البحرين، ومن هذه الموجات الأكاديون والسومريون والأشوريون في الألف الثالث قبل الميلاد (الخطيب 13).

من هذا المنطلق، يمكننا تبيّن الجذور التاريخية والتركيبة السكانية لقطر والموجات السكانية التي تعرضت لها المنطقة عبر تاريخها، من شعوب قديمة تنتمي إلى حضارات سابقة، والعرب القدماء، بالإضافة إلى جماعات أخرى غير عربية.

ويمكن أن تتبلور أهم خصائص الحكايات الشعبيّة القطريّة في الآتي:

-       رواية المرأة للحكايات الشعبيّة ودورها البارز في حكي القصص الشعبيّ، فهي في الغالب حكايات الجدات، مما يؤكّد دورها في حفظ الموروث الشعبيّ، وروايته للأجيال.

-       للحكاية الشعبيّة القطريّة بنية عامة واحدة؛ حيث تبدأ بعبارات "تدعو للخير والفأل الحسن" (الدويك 1/ 277)، مثل الصلاة على النبي والسلام عليه، أو بعبارات أخرى نحو: "ما يانا وياكم، إلا خير لفانا ولفاكم، وشر تعدانا وتعداكم"، يلي ذلك تفاصيل الحكاية وموضوعها وأحداثها. وتختم الحكاية في الأغلب بعبارات تشير إلى الطلب أو العطاء. (نفسه 299)، مثل: "وجينا من عندهم وما حصلنا شي". أو عبارات أخرى تشير إلى ختام الحكاية وانتهاء الرواي، مثل: "وهني وهناك تخلص هالسالفة"، "وحملت وكملت وفي أصيبع الصغير دملت".

-      تتفاوت الحكاية الشعبيّة القطريّة في حجمها إلا أنها تميل في الأغلب للقصر والاختزال، بالإضافة إلى السرعة في حركة الحدث، أما تفاصيلها فعادة ما تدور في فلك الشخصية الرئيسة، لتصل بنا إلى نهاية الحكاية أو إلى العبرة المرجوة منها.

-      لغة الحكاية في الأغلب لغة عامية كونها مرتبطة بثقافة الشعب أو بالثقافة الموازية، وتبعًا لخلفية الراوي ولهجته، ما بين جزالة لهجة البادية وليونة لهجة سكان الساحل، فتكثر فيها الألفاظ الصريحة - إنْ جاز التَّعبير -، والعبارات السوقية أو التصرفات غير اللائقة، فهي ظاهرة عامّة في الأدب الشعبيّ بشكل عام، وهي ظاهرةٌ ساهمت في إقصاء الأدب الشعبي من دائرة الثقافة والدرس لفترات طويلة.

-      تؤدي شخصيات الحكاية الشعبيّة القطريّة وظائف معينة، مثل: "الشخصية الشريرة، والشخصية المساعدة، والبطل الضحية، والشخصية المانحة التي قد تتمثل في كائنات أسطورية وخرافية أو شخصيات حقيقية" (الدويك 1/243، 244).

-      يقلّ في الحكايات الشعبيّة القطريّة ذكر الأسماء، فالتعريف بالأسماء في الحكايات قد لا يكون أمرًا مهمًا، فالعبرة بالفحوى، فقد يتمّ الاقتصار على ذكر الانتماء الأبوي للأبطال، مثل: ابن العجافة (الماشطة)، ابن السلطان، أو بحسب صلة القرابة، مثل: زوجة الأب، بنات العم، وهكذا، أو بحسب منصب الشخصية، مثل: الملك، الوزير، أو المهنة مثل: الحداد، القلاف، المطوع، الراعي، الساحر... إلخ، وغيرها.

-      تتيح الحكايات الفرصة للتعرف على طبقات المجتمع المختلفة كالشيوخ، والقضاة، ورجال الدين، وعامة الشعب، والعبيد، والصعاليك، وغيرهم. بالإضافة إلى معتنقي الديانات الأخرى ممن يعيشون في المجتمع، وكذلك أسلوب حياة السكان، والأدوار الوظيفية لأفراد المجتمع نساء، ورجالا، وأطفالًا. ومن خلال دراسة الحكايات الشعبيّة القطريّة "يمكن الظفر بنماذج عديدة واقعية تساعد في التعرف على الملامح البارزة في المجتمع ببيئاته الثلاث، البدوية، والريفية، والحضرية" (نفسه 193، 194). ومن تلك الملامح على سبيل المثال لا الحصر، أنواع المهن الصناعية للسكان المحليين وأنواع العملات القديمة، وأنشطة السكان مثل الغوص والغزو، والسلب والقنص، بالإضافة إلى وجهات السفر والحركة وخطوط التجارة، في أسيا، وشرق أفريقيا، وجنوب العراق.

وتغامر بنا الحكايات أيضا لنستكشف بعضًا من ملامح البيئة الفطرية الطبيعة في قطر ما قبل الحداثة وظهور النفط، حيث تعرضت العديد من الكائنات للانقراض جراء الصيد الجائر، والتطور العمراني، والعوامل المناخية الأخرى.

-      يحتل العجائبي جانبًا مهمًا من الحكايات الشعبيّة القطريّة، وهو إحدى الخواص المميزة للأدب الشعبيّ بشكل عام، نظرا لوظائفه المميزة، ففي الحكايات الشعبيّة يتم "إضفاء بعض العناصر الغرائبية عليها حتى تكون مشوّقة ومسلية للسامع" (الخور 34)، مثل حكايات الجن والسّحرة والغيلان، والكائنات الأسطورية، والحيوانات التي تتحدث وتتحول إلى بشر، وغيرها.

-      للشعر النبطي حضور لافت ٌفي الحكاية الشعبيّة القطريّة، بوصفها إحدى ساحاته، فقد تضمّن الشعر نسيج الحكايات الشعبيّة القطريّة ونصوصها، فتأتي القصيدة مسجلةً للواقعة ومساهمةً في إخراج تلك الحكاية من حيز الخيال إلى دائرة الواقع.

2.     العلاقة بين الأنساق الثقافيّة والحكايات الشعبيّة

لقد اعتنى النقاد الثقافيّون بالثقافة الشعبيّة أو بما يمكن أن يطلق عليه الثقافة الموازية لثقافة المركز، فجاءت الحكايات الشعبيّة فضاءً لا متناهيًا للنقد الثقافيّ؛ لما تحتويه من أسرار تعبّر عن واقع اجتماعيّ واقتصاديّ معاش، وتنبئ بأنماط تفكير، وبعقائد مرت على شعوب بأكملها عبر الزمن.

ويتحدّد مفهوم الأنساق الثقافيّة بأنّها "لا تقتصر على الأدب الرسميّ أو المعتمد في ثقافة ما، وإنما تتجاوز ذلك إلى الأدب غير الرسمي أو (غير المعتمد = الأدب الشعبيّ)" (الكعبي: السرد العربي القديم 23).

لقد خاض الباحثون مغامرات النقد الثقافيّ من خلال دراسة الأنساق الثقافيّة في القصص الشعبيّ الخصب. ولما كانت الحكايات مجازات وغموضًا وخيالًا، فإنّ مهمة النقد الثقافيّ هي تفكيك هذه الأنساق ببنياتها المضمرة والبحث عن تأويلات محتملة لها. وفي هذا الإطار درس كلود ليفي ستروس (Claude Levi Strauss) الأنساق الثقافيّة المنغلقة على ذاتها في الحكايات والأساطير، من خلال التحليل الأنثروبولوجي لهذه البنيات وربطها بتاريخ الفرد الاجتماعيّ (ستروس: الأنثروبولوجيا البنيوية).

يقودنا هذا الفهم إلى أنّ الحكاية الشعبيّة بوصفها أحد أنواع الأدب الشعبيّ، ما هي إلا إحدى سبل الكشف عن الأنساق الثقافيّة المُشكّلة للبنى الداخلية للمجتمعات الإنسانية، بوصف الأدب الشعبي "موروثًا ثقافيًا، واجتماعيًّا يقودنا إلى زمن مختلف، بمظاهر حياته البسيطة وثقافة المنتمين لها، بأنساقهم المختلفة، وبرؤيتهم للحياة التي تسيطر عليها أنساق متباينة، تتجلى في عدد من الأشكال التعبيرية، كالحكايات، والأساطير، والأحاجي، والنكت، والأمثال، وغيرها من الأشكال التعبيرية التي تقودنا إلى استكشاف المضمر الثقافيّ داخل بنية المجتمع" (البريدي 32).

على هذا الأساس، يمكن القول: إنّ النقد الثقافيّ كمنهج في معالجة النصوص يعود الفضل إليه في إلقاء المزيد من الضوء على الحكايات الشعبيّة التي لم تعد نصوصًا ساذجة وبسيطة وخالية من المضامين، إنما هي "فسيفساء من الرموز والإيحاءات"، حسب تعبير الباحثة راشدة صوام (صوام 163).

لقد شكَّل الأدب الشعبي في إحدى حالاته ما يمكن اعتباره أسلوب مقاومة للسلطة السياسية أو للثقافة المركزية الموالية، فوُجد في الموروثات الشعبيّة "أنّ الجماعات المقصاة مارست أنساقًا مضادة للأنساق الحاكمة المسيطرة، وأنتجت أنواعًا أدبيّة خاصة بها، مثل: الحكاية الشعبيّة، والسيرة الشعبيّة، والأمثال، والشعر الشعبيّ مثل: الموشحات والأزجال" (عبد الوهاب، 106-108). ومن أمثلة النسق المسكوت عنه في الحكايات الشعبيّة العربيّة القديمة، كما جاء في دراسة ضياء الكعبي، ما يمكن التعبير عنه بـ(صورة الحاكم)؛ إذ تُفصح ليالي ألف ليلة وليلة، عن مسألة قداسة الحاكم أو السلطان، والواقعة في قمة التراتبية السياسية والاجتماعيّة، بوصفه خليفة الله في أرضه، وكذلك (السلطة الرعوية) التي تعبر عن الرعية الخاضعة لهذا المفهوم (الكعبي: السرد العربي القديم 246-247)، ففي إحدى حكايات ألف ليلة وليلة: "يقول معروف الاسكافي لزوجته القديمة بعد أن صار ملكًا: فإن عملت شرًا أقتلك، ولا أخاف من أحد. فلا يخطر على بالك أنك تشتكين إلى الباب العالي، وينزل لي أبو طبق من القلعة، فإنّي صرت سلطانًا، والناس تخاف مني، ولا أخاف إلا من الله تعالى" (نفسه 247).

ذلك نموذج من نماذج الأنساق الثقافيّة المخبأة بين ثنايا نصوص الأدب الشعبيّ العربيّ والتي قد ترسم لنا جانبًا من جوانب الذهنيّة العربيّة - إن صحَّ التعبير - وفي حكاياتنا الشعبيّة القطريّة. ومن هنا سنحاول البحث في أنساق الرجل في الحكايات القطريّة من خلال تحديد الأنساق الثقافيّة للرجل الشرير وللرجل الخير أيضًا، وهذا ما سيتبين معنا في المباحث اللاحقة من الدراسة.

3.     الأنماط النسقيّة للرجل في الحكايات الشعبيّة القطريّة

يُقْصدُ بالأنماط النسقيّة للرجل، ذلك النظام الذي يحكم إطار الحكاية المرتبطة بصورة الرجل في الحكايات الشعبيّة القطريّة، وقد قسّمنا تلك الأنماط النسقيّة في الدراسة إلى قسمين اثنين، وهما: الأنماط النسقيّة للرجل الشرير، والأنماط النسقيّة للرجل الخير.

1.3. الأنماط النسقيّة للرجل الشرير

1.1.3. الرجل الشرير السلطوي

تعدّدت في الحكاية الشعبيّة القطريّة صورة الرجل الشرير السلطوي؛ حيث تبيّن لنا أنّ الرجل قد يكون قريبًا متسلطا، أو أحد الملوك وسلالاتهم ممن لديهم ميول للظلم. ونجد في الحكايات أيضًا صورًا من تسلّط الرجال الاجتماعيّ، فالرجل في مواضع معينة، إنسان نرجسي، ويتسم بالأنانية والظلم، ويمكن أن يمثل ذلك الظلم الفارس (بازيد) في حكاية (الخال وأبناء الأخت)؛ إذ يُضحّي الخال (بازيد) بأولاد أخته الأربعة في رحلة البحث عن عشيقته، ثم يقول - ببرود مفرط - لأخته التي راحت تبحث عن أولادها الأربعة: "إذن فإن أولادك الأربعة قد ماتوا، ولا تحزنين عليهم فهذه حال الدنيا" (الدويك، 2/27). وتكشف لنا حكاية أخرى (بنو نهد)، نسق الشجاعة في مقابل انتقاصها عند المرأة، لا سيما حين يحاول الرجل تطليق زوجته (ثنوى) التي كاد يهلك من حبها، حتى لا تبدو أكثر شجاعة منه. وهنا يستبطن النسق صفة الشجاعة بوصفها حكرًا على الرجال فقط، وبالتالي يبرز هنا نسق (الانتقاص) إزاء قَدْر المرأة ومكانتها حسب طريقة التفكير العربيّة وتمثيلاتها في الموروث الحكائي الشعبيّ.

وتُلخص لنا حكايات أخرى الكثير من الأنساق الثقافية المتخفية؛ حيث يمكن أن نشهد صورًا متنوعة من صور ظلم الملوك للرعية أو للأبناء، مثل حكاية (قصة لغز ولد الوزير وولد الفقير) على سبيل المثال لا الحصر؛ حيث يُصدر الملك بالتواطؤ مع الوزير الحكم بالإعدام ظلمًا على فتى كان قد تعرض للظلم على يد ابن الوزير. وقد يعبر الأدب الشعبيّ عن المسكوت عنه اجتماعيًّا والمرتبط بتلك النظرة العنصرية، كما وجدنا في ظلم الملوك لأبنائهم من أبناء الجواري في حكايتي (أبناء الملك السبعة)، و(الفروسية)؛ حيث يستثني الملك ابنه ولد الجارية لصالح إخوته الآخرين، على الرغم من تفوق ذلك الابن وشجاعته وصلاحيته للحكم.

وفي هذا السياق من الفهم ينشأ الظلم بسبب النظرة العنصرية للآخر، وهنا يتحدث عبد الله الغذامي عن "صورة الأصل، أو أبناء الأصول على شكل بسيط وواضح كأن يكون هؤلاء موصوفين بالكرم والشجاعة والتواضع، في مقابل من لا أصول لهم ممن سيوصفون في هذه الحالة بأنهم بخلاء وجبناء وغير متواضعين" (الغذامي 86). وكذلك يمكن أن نجد صورًا أخرى لطغيان الملوك في حكايات (بنت الحطاب والأمير)، وحكاية (الأخت والدنانير) ومسألة الزواج القسري للمرأة، فلا تملك المرأة في نهاية المطاف - وعلى الرغم من محاولة الإفلات من قبضة الملك - إلا الانصياع والرضوخ درءًا للشر.

2.1.3. الرجل الشرير الغدار

يتّسم الرجل في هذا النمط النسقي بالغدر بالآخرين، فهو شخص لا أمان له، وفي أحيان أخرى لا يقدّر المعروف الذي أسدي له سابقًا. ويمكننا أن نقف هنا عند حكاية واضحة المضمون من عنوانها (غدر الزوج)؛ إذ يحاول ذلك الرجل الغدر بإخوة زوجته الذين ينزلون ضيوفًا عنده، نظرًا لثأر سابق بين القبيلتين، لكن الزوجة تفطن لمخطط الزوج وتنشد مهدهدة طفلها الصغير: "يا إخوان نبهان اسمعوا وافهموا، متى ضيف يحدي (يجهز سلاحه) والحديد يسن (يشحذ سيفه)، خلوا المزغبات (النوق أو الجمال)، واركبوا المصهلات (الخيول)" (الدويك 2/68).

وفي حكاية الفروسية أيضًا تتجلى أنساق مثل (العنصرية)، وكذلك (الانتقاص)؛ حيث نجد أنّ الأخوين يحاولان الغدر بأخيهم الثالث (ابن العبدة) الذي يسافر إلى الهند بغرض البحث عن أخويه ومساعدتهما في العودة إلى الوطن، غير مقدرين لحسن صنيعه معهما، ومحاولته إنقاذهما، فهو على كل حال العبد ابن العبدة. وفي حكاية (الولد الصغير في العين) يغدر الإخوة بأخيهم الصغير، بعد أن قام بإنقاذهم من شر اللصوص بذكائه وحسن تصرفه، فيقوم الإخوة بالتخلّص من أخيهم المتميز ويلقونه في البئر ليجده مجموعة من الناس. يبدو أنّ تميَّز الأخ بمجموعة من الصفات الاستثنائية يكون سببًا للمأساة والألم في الحياة كما حصل في الماضي بين النبي يوسف - عليه السلام - وإخوته كما جاء في معتقد العديد من الشعوب، وكما جاء في القرآن الكريم أيضًا: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ ] يوسف: 15 [. يمكن أن يشهد هذا النطاق في مضمون مثل تلك الحكاية على الروح الدينيّة وأثر العقيدة الإسلامية على الموروث الحكائي القطري.

3.1.3. الرجل الشرير اليهودي

لقد سلطت الحكايات الشعبيّة القطريّة الضوء على نسيج العلاقات التي تربط الذات بالآخر، وتعبر عن تلك الجدلية بين الطرفين وفق صور متعددة. ويمكن أن نستشف ذلك في المتخيل الحكائي الشعبيّ من خلال حكايات التجّار اليهود الذي وسموا بصفات سلبية، مثل الطمع والانتهازية واللؤم، وقد يمثّل ذلك شكلًا من أشكال التوعية والتحذير من هذه الفئة من خلال تعرية حقيقتهم.

ففي حكايتي (لغز اليهودي)، و(اليهودي التاجر والمرأة العفيفة) تتعرض الشخصيات للمكر اليهودي، ولكن النهاية تكون بانتصار الخير على الشرّ، والخسارة المادية للتاجر اليهودي. أما في حكاية (ثوب الريش) فإن الفتى مبارك يسافر مع أحد التجار اليهود ليحسن وضعه، لكن اليهودي يقوم بخداع مبارك ويتركه على جبل به طيور جارحة. تبعًا لذلك، تتراءى لنا صورة اليهودي في العقل الجمعي الحكائي في خانة الصفات السلبية لـ"يحضر اليهودي في المتخيل الشعبيّ الحكائي بوصفه أنموذج اللؤم والخسة والغدر والجشع" (الكعبي: الحكاية الشعبية 45).

أمّا عنوان حكاية (اليهودي التاجر والمرأة العفيفة) فإنه يقدم للقارئ طرفي الصراع، فالمرأة في الحكاية تمثّل العفة، مقابل صورة أخرى لتاجر يهودي لا بدّ أنه لئيم حسب المقابلة المتوقعة من المنظور الشعبيّ. تلك الصورة مشابهة لذلك الصراع مع الحقيقة الذي وقع فيه بنو إسرائيل إزاء مريم العذراء والتي هي رمز الطهر في الديانات السماوية.

بناء على ما تقدّم، يتشكّل اليهودي رمزا دلاليا في المتخيل الشعبيّ، تدور حوله صور عديدة من صور الصراع بين الخير والشر، وهو صراع نجد متغيراته في الشرائع السماوية، ففي أخبار المسيح - عليه السلام -، نجد صراعا بين النبي وقومه من بني إسرائيل الذين يعادونه إلى أجل طويل، يقول القديس يوحنا المعمدان واصفًا حالهم: "يَاْ أَوْلادْ الأَفَاعي، كَيْفَ تَقْدرُونَ أَن تَقُوْلواْ كَلامًا صَالحًا وأَنْتُمْ أَشْرَارْ؟ لأن منْ فَيض الْقَلْب يَنْطق اللسَان" (إنجيل متى 12، 22).

وفي القرآن الكريم يتحدث الله عز وجل عن عقوبتهم جراء أخذهم الربا وأكلهم أموال الناس بالباطل في قوله: ﴿فَبِظُلۡمٖ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ طَيِّبَٰتٍ أُحِلَّتۡ لَهُمۡ وَبِصَدِّهِمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيرٗا١٦٠ وَأَخۡذِهِمُ ٱلرِّبَوٰاْ وَقَدۡ نُهُواْ عَنۡهُ وَأَكۡلِهِمۡ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا ]النساء: 160، 161]. ومن هنا تنعكس كل تلك القناعات الدينيّة الراسخة على المتخيل الشعبيّوالموروث الحكائي، كما وجدنا في دراستنا للحكايات الشعبيّة القطريّة.

لقد اتسمت العقلية اليهودية ببعض السمات والمؤثرات عليها من العهد القديم، والتي ساهمت في تشكيل شخصية اليهودي المتعالي النرجسي والمزدري للأمم الأخرى، ومن أبرزها، فكرة الانتخاب القائمة على مبدأ العنصرية المكرِّسة لفكرة شعب الله المختار؛ حيث أُجري الفرز لاستخلاص جذور الشعب اليهودي، وتسفيه كل أعدائهم بقصص لا أخلاقية وبالتهميش التام، والفكرة التوراتية الأخرى المتعلقة بخصوصية الإله (يهوه)، والذي هو إله خاص لشعب إسرائيل، يقف بجانبهم ويأمرهم بالمزيد من دماء الشعوب الأخرى، وإحراق المدن (عزيز 17).

4.1.3. الرجل الشرير المطوع (رجل الدين)

نجد في الحكايات الشعبيّة القطريّة ما يعبّر عن ذلك النمط المتعلق برجل الدين الشرير أو (المطوع) حسب التّعبير الشعبيّ، والذي يفترض أن يكون أنموذج النزاهة والصلاح، إلا أنَّ الحكايات تقدّم لنا ممارسات أقرب إلى الشعوذة والدجل منها للممارسة الدينيّة الحقيقية. وتتضح مثل هذه الممارسات، في حكاية (المهر المتكلم والبلورة السحرية)، وما دار بين المطوع المتواطئ مع زوجة الأب الشريرة؛ حيث تحاول زوجة الأب التخلّص من مُهر ابن زوجها الذي يكشف خططها في قتل ابن الزوج، وتتواطأ مع المطوع ليكذب على زوجها، ليخبره بأن زوجته مريضة ولا سبيل إلى شفائها إلا إذا أكلت كبد مُهر (الدويك 2/128)، وفي الحكاية الأخرى أيضًا (لعيبة الصبر) يرسل السلطان ابنته كل يوم لبيت المطوع للتعلم، لكنها تشاهد ذلك المطوع وهو يُلقي بصبي في النار ثم يأكله، فتهرب الفتاة وتصاب بالهلع (الدويك 2/271).

تهبنا عودة سريعة إلى التاريخ إقرارًا بوجود عداء واضح بين الأديان السماوية والسحر منذ أيام الصراع بين سحرة فرعون ونبي الله موسى - عليه السلام -، ففي مراحل أخرى على مرّ التاريخ كان هناك خلط واضح وتداخل بين ممارسة الشعوذة مع الدين عند شعوب وأمم كثيرة "وكانت وظائف الكاهن والساحر مقترنة ببعضها بعضا" (فرايزر 81)، وكان الإنسان ونظرًا لهذا الخلط وذلك التناقض في الممارسة الدينيّة، "ينطق الصلوات والتعويذات السحرية بالنفس ذاته غير آبه بتناقض سلوكه النظري" (نفسه 81).

وفي الشرق القديم لدى المصريين القدماء "كان السحر هو أساس الدين، لم يكن أمام الإنسان المؤمن الذي كان يرغب بالحصول على خير من إله معين فرصةَ نجاح، سوى أن يأسر ذلك الإله بالذات عن طريق عدة طقوس وأضاحي وصلوات وتراتيل" (نفسه 81).

لقد كان للتداخل بين الممارسة الدينيّة وممارسة الشعوذة في الماضي حضور قوي، ويبدو أن ذلك الأمر قد يرجع إلى غلبة الجهل وسطوته وقلة التعليم. وتشهد حكاياتنا الشعبيّة القطريّة المعبّرة عن النمط النسقيّ رجل الدين الشرير على تلك العلاقة الطردية بين الجهل والشعوذة، فلقد مارسها أفراد ظنوا أنفسهم رجال دين، ورغب آخرون في التصديق لأنهم اعتادوا الاعتقاد، رغبة منهم لنيل مبتغاهم؛ ذلك أنّ ممارس الشعوذة قد يقدّم من وجهة نظرهم طريقًا أقصر أو أكثر إثارة.

2.3. الأنماط النسقيّة للرجل الخير

 تعدّدت الأنماط النسقيّة التي تصور الرجل الخير في الحكايات الشعبيّة القطريّة، ونقف عند هذه الأنماط على النحو الآتي:

1.2.3. الرجل الخير الزوج المتسامح

تقدم لنا الحكايات الشعبيّة القطريّة صورة الرجل المتسامح والمتفهم لوضع الزوجة والبواعث الأنثوية وراء أفعالها الخاطئة، فنجده يسامح زوجته التي خدعته بنسبة طفل له، وربته على أنه من صلبه حتى كبر، فذلك الوالد لا يرفض الولد بل يتقبّله ولا ينكره، ويعدّه كأحد أولاده الحقيقيين. وذلك من شهامة الرجال المنسوبة للرجل العربيّ في الموروث العربيّ بشكل عام، بعكس الطواغيت من الملوك الذين يتنكرون لأولادهم من أولاد الجواري كما جاء في حكايات قطرية كثيرة. وفي المحصّلة يبدو أنّ الرجال من العامّة خير من الملوك في المنظور الشعبيّ الحكائي، حسب ما تفصح عنه تلك الحكايات، فالمضمار واسع للمسكوت عنه من أمور عديدة وحساسة، وكما جاء في حكاية (الأختين):

"في يوم مرّ أبوهم عليهم فوجد الأولاد يلعبون فرأى أولاده، اثنان منهما يبنيان بيوتًا من الرمل والطين، أما أخوهم الكبير فكان يزرع ويحفر، فتعجب الرجل وذهب لزوجته وقال لها: أحلفك بالله أن تقولي الصدق، فقالت: نعم. فقال لها الولد الأول هذا مش ابني، قولي لي من والده؟ فقالت له الحقيقة بأنه ولد زراع ووجدته فأخذته فصدقها وسامحها وعاشوا بسعادة" (الدويك 2/23). وفي حكاية (الأختان) الأخرى نجد أنَّ الأب يسامح الزوجة ويحفظ للولد المنسوب إليه حقوقه المادية، يقول الزوج لزوجته في هذه الحكاية: "إن هذا الولد سيبقى شريكًا لأولادك في المال والحلال، وفرحت فاطمة كثيرًا بهذا الخبر المفرح" (نفسه 25).

ومن جانب آخر يقع الرجال الخيرين في هذه الحكايات ضحايا لمكر النساء القريبات مثل الزوجات وغيرهن، وترسم لنا الحكايات ملامح متعدّدة لذلك المكر الأنثوي الذي تلجأ إليه المرأة؛ لقلة حيلتها أحيانًا أو لطبيعتها الفيسيولوجية أو خوفًا من تلك النظرة الاجتماعيّة المجحفة في حقّ المرأة في أحيان كثيرة، فالمرأة التي لا تنجب في الثقافة العربيّة واقعة في مشكلة كبيرة، فهي قد تخسر الزوج واحترام الآخرين في محيطها، وقد تخسر المال والحلال في أحيان كثيرة.

2.2.3. الرجل الخير المبارك

يتصف الرجل في هذه الحكايات بأنّه رجل موفق ومبارك في أحيان كثيرة، فهو محاط برحمة الله ورعايته، وقد ينال الناس الخير من فيض بركته، كما جاء في حكاية (قبر يتحرّك)، يقول الرجل المدعو (قبر بن عبد الله الإحسائي) في الحكاية: "أنني عند ولادتي كنت أرى يدا حانية ترعاني، وتخاف علي وتعتني بي كل العناية، إنها يد الملائكة بعثها الله لترعاني فتحن عليّ بدل حنان الأم الذي حرمت منه" (نفسه 295).

وفي الحكاية الأخرى (السمك الغنم) أيضًا، يمسح الرجل المبارك على سمك كانوا قد تعرضوا للسحر، فيعودون إلى طبيعتهم التي كانوا عليها، ببركة ذلك الرجل؛ حيث تقول السمكة للرجل كما جاء في الحكاية "حنا سمك مسحورين سحرنا عماني، ... وحنا أصلنا ثيران، فأرجوك أن تطلق سراحنا، فرجع إليهم وفرك عليهم، فعادوا كما كانوا، ورجع لقطيع من الثيران لبيته، فاستغرب الناس مما رأوا" (الدويك 2/220).

تزخر أساطير الشعوب بقصص الذين يطلق عليهم أولياء الله الصالحين، ولبعض أولئك الأولياء قبور ومزارات يقصدها العديد من المؤمنين طلبًا للبركة، ويبدو أنّ لذلك مرجعيته الوثنية وبراثن الشرك والديانات القديمة في الشرق، التي ارتكزت على عبادة الأوثان والتبرك بالبشر الصالحين الذين رحلوا وشيدت لهم تماثيل، تحولت فيما بعد إلى آلهة تعبد كما أخبرت الكتب السماوية. ويبدو أنّ الجهل هو أبرز أسباب تلك الممارسات المرتبطة بالنظرة القاصرة تجاه الحياة، فالله - سبحانه وتعالى - هو الواهب والمانع حسب الشريعة الإسلاميّة، ولكن تلك القناعة تبدو ضعيفةً إزاء الوعي الشعبيّ الجمعي.

وفي المقابل، وإن شئنا النظر من زاوية أخرى إلى ذلك النمط النوعي المرتبط بالرجل الخير المبارك، وبالابتعاد عن تلك الذاكرة الجمعية الوثنية القديمة، يمكن أن نتوسم روح الإسلام وانعكاساتها على المتخيل الشعبيّ، فالمؤمن حسب العقيدة الإسلامية يرى بنور الله فتلك من آثار محبة الله - عز وجل - للعبد. جاء في الحديث القدسي: «إنَّ الله تَعَالَى قَالَ: مَنْ عادى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدي بشَيءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حَتَّى أحِبَّهُ، فَإذَا أَحبَبتُهُ كُنْتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشي بِهَا، وَإنْ سَأَلَني لأعْطَيْتُهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ» (البخاري 4/2873).

يقدّم أنبياء الله عبر العصور ذلك المثل للرجل الصالح المبارك، فلقد أوتى العبد الصالح الخضر - عليه السلام - العلم والحكمة والتصرّف بأمر الله، وكذلك جرت على يد النبي عيسى - عليه السلام - معجزات عدّة حسب الكتب السماوية وكما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِين [آل عمران: 49].

3.2.3. الرجل الخير - الذكي الفطن

يتميّز هذا الرجل في الحكايات بالذكاء الفطري والفطنة وحسن التدبير، وفي أحيان أخرى نجده رجلًا مكافحًا بفضل ذكائه وحُسن تصرفه، فيتجلى هنا نسق (الصبر)، فذلك الرجل قادر على تخليص نفسه وغيره من المشكلات ونظرًا لصبره يكون الرابح في النهاية، وعلى الرغم ظروف الحياة التي تعصف بحياته، فهذا الرجل الخير غير المنتمي للطبقات العليا في المجتمع، لديه ما يكفيه من فطنة عملية وحدس سليم. ولقد جاءت الحكايات معبّرة عن هذا النمط النسقيّ، ففي حكاية (ابن العجافة)، أي ابن الماشطة، حسب اللفظ الشعبي، يتمكن ذلك الرجل الفقير من النجاح وجني المال، والزواج من بنات السلطان والوزير والقاضي، وبالتالي رد الاعتبار لنفسه ولوالدته، والقصاص من تلك السلطة الفاسدة.

ويذكرنا هذا بحكاية مشابهة لظلم الملوك في مصر القديمة؛ حيث وقع ظلم على إحدى النساء الفقيرات في مصر وعلى أولادها، كانت تلك المرأة ماشطة ابنة الملك (فرعون مصر)، وبسبب رفضها للفرعون، ووضعها الاجتماعي المتواضع، تمت تصفية تلك المرأة مع أبنائها الثلاث بصورة بشعة. ومن هذا المنطلق، يتجلى التشابه في المضمون مع الموروث الديني والعقائدي.

ونجد في الحكايات ما يعبّر عن الخصائص العربيّة المرتبطة بفراسة العرب من ساكني الصحراء كما وجدنا في حكايتي (الفطنة)، و(الفراسة)، ففي الحكاية الأولى وجدنا قيافة البشر؛ إذ يتمكّن الرجال العمانيون الثلاثة من تحديد شكل السارق الذي سرق مالهم أثناء مبيتهم في الصحراء، وفي الحكاية الأخرى (الفراسة) وجدنا قيافة الأثر؛ حيث يتمكّن العمانيون الثلاثة من تحديد مواصفات جمل ضائع لم يروه من خلال مبرك ذلك الجمل، ٌلقد اشتهر البدو من العرب بالفراسة والقيافة معتمدين على الذكاء الفطري ودقة الملاحظة اللذين منحتهما لهم حياة الصحراء، ويذكر المسعودي اختصاص بعض القبائل العربيّة بالقيافة قائلا: "والقيافة لبني مدلج وأحياء مضر بن نزار بن معد، لما كان من فعل بني نزار الأربعة في مسيرهم نحو الأفعى الجرهمي، ووصفهم الجمل الشارد" (المسعودي 131). "وأما (الفراسة) عند العرب، فتكون بالاستدلال بهيأة الإنسان وأشكاله وأقواله على صفاته وطبائعه. وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أنّها من الكلمات المعربة التي أخذت من (بني إرم)، وأنّها أحدث عهدًا من لفظة (القيافة) التي هي من الكلمات العربيّة الجاهلية. وقد توسّع في معناها وأُلفت فيها الكتب في الإسلام وتبحر فيها بعض أئمة الفقهاء مثل الشافعي" (علي المفصل في تاريخ العرب 774).

اختلف مفهوم الفراسة العربيّ عن مضمون الحكاية القطريّة (الفراسة)؛ حيث عبّر الراوي عن قصة البدو الذين اقتفوا أثر جمل ضائع في الصحراء، وعلى الرغم من الاختلاف في المفاهيم، جاءت تلك الحكايات معبرة عن ذكاء الرجال الفطري وعن أمر برع به العرب الأوائل واختصوا به، وهو ما فرضته عليهم طبيعة الحياة.

4.2.3. الرجل الخير - الشجاع

تعدّدت الحكايات التي يمكن من خلالها توسّم النمط النسقيّ المعبر عن الرجل الخير الشجاع، فهذا الرجل تكفيه شجاعته المقترنة بالتضحية وحب الخير للآخرين، في مواجهة ذلك المجتمع الذي ينتقص منه لأسباب اجتماعية أو خُلُقية. ونقف مرة أخرى عند حكاية (الفروسية)؛ حيث يسافر الأخ الثالث - ابن الجارية -  ليبحث عن إخوته في بلاد الهند، ويواجه بعض التحديات والمصاعب بسبب أميرة هندية، إلاّ أنَّ الرجل يتمكّن من العودة بأخوته إلى أبيهم السلطان، ليحظى أخيرًا باعتراف والده السلطان الذي لم يتوقّع نجاحه في المهمة وقدّم لها مركبًا شراعيًا بسيطًا، بخلاف أخويه اللذين جهزهما بأفضل السفن. يقول السلطان لابنه العبد في نهاية الحكاية بعد عودته سالمًا بأخويه من الهند: "من اليوم ورايح أنت النائب مالي، وجوز ابنه الأسمر الهندية، وولّاه نائبًا له في حياته وخليفةً له بعد مماته" (الدويك 2/114).

وفي حكاية أخرى كحكاية الفتى (نصيف)، نجد مثالًا مختلفًا للشجاع صاحب العاهة، فالرجل شجاع رغم مشكلته الخُلُقية، بل هو أشجع من غيره من الرجال الأصحاء؛ إذ يتمكّن من قتل الغول وإنقاذ ابنة الحاكم الذي انتقص سابقًا من الفتى نصيف وقدراته، كما جاء في الحكاية: "وضحك الحاكم من أمر نصيف ورد عليه، وقال: الشجعان والشباب ما قدروا على الغول، أنت يا نصيف بتقدر عليه، روح يا نصيف ونشوف" (الدويك 2 /113).

وعليه، يمكن أن نتوسّم العظة العميقة التي تحملها الحكاية فيما يتعلق بأصحاب الإعاقة؛ حيث أنّ الشجاعة والبطولة لا تتعلق بالكمال الخلقي دائمًا، وإنما العبرة بالروح الوثابة والهمة العالية. "كثير من الناس تشتبه عليه الشجاعة والقوة، وهما متغايران، فإن الشجاعة ثبات القلب عند النوازل وإن كان ضعيف البطش" (ابن القيم 98).

وفي حكاية (لبن سبع راكب في جلد سبع راكب على سبع ويقود به سبع)، وأسلوب التفخيم والتهويل في التكرار اللفظي لكلمة (سبع) في عنوان تلك الحكاية الذي يرمز للشجاع الأسطوري الذي يواجه المستحيل؛ حيث لا يسلم ذلك البطل من تآمر ذوي القربى، ويُرغم على إحضار لبن السبع، رغم صعوبة تلك المهمة المستحيلة. وتلك الظروف الصعبة التي يمر بها الرجل الشجاع الخير في الحكايات، تساهم في إبراز فضائله، وتزيده إضاءة وتدفعه للبحث عن أفضل السبل؛ لمواجهة تلك الظروف الشائكة وبالتالي نيل العاقبة الحسنة له ولأهله؛ إذ يخرج الإبداع من رحم المعاناة، فالجبن مذموم ولا يليق بالعربي في الثقافة العربية ومن المنظور الشعبي بطبيعة الحال، "والجبن خلقٌ مذمومٌ عند جميع الخلق، وأهل الجبن هم أهل سوء الظن بالله" (نفسه 96)، "والشجاعة حصن للرجل من المكاره، والجبن إعانة منه لعدوه على نفسه وهو جند وسلاح يعطيه عدوه ليحاربه" (نفسه 96).

ونجد أن الشجاعة تلك الخصلة العظيمة التي يمدح بها الرجال في مختلف الثقافات، تمثل سلاحًا ذا حدين في الحكايات القطرية، فهي إما أن تكون أسطورية بصبغة غرائبية كما في حكاية البطل (سبع)، أو أن تكون مقترنة بالإخلاص والنفس الطيبة، والتضحية الطاهرة في سبيل العمل النبيل وتقديم العون قدر الإمكان، كما شهدنا مع الفتى العبد ابن السلطان في حكاية (الفروسية)، وكذلك مع الفتى المعاق نصيف في الحكاية التي حملت اسمه.

5.2.3. الرجل الخير - الشهم

تعبّر الحكايات التالية عن شهامة الرجال النابعة من العادات والتقاليد العربيّة والتي غذتها العقيدة الإسلامية لاحقًا، ففي حكاية (طلب ثأر) على سبيل المثال، يتنازل صاحب الثأر عن ثأره إكرامًا لزوجة غريمه بعد أن أنقذها من تهجم أحد الرجال عليها، وتقدر المرأة ذلك الموقف العظيم وتلك الشهامة العالية للرجل صاحب الثأر، وتقول فيه أبياتًا مؤثرة كما جاء في الحكاية:

أصل المكارم للعرب والمواجيب           

 

مع الكرم فيهم شجاعة وشيمة  

 

انظر لمطلوب نزح للأجانيب             

 

لو هو بعيد الدار زاره غريمه             

 

شاف الخطر غير انقذه عالم الغيب   

 

وارخص ابروحه يوم شاف الهضيمة 

 

هذا الشجاع اللي منزه عن العيب

 

حرمة غريمه عدها من حريمه"[3]

(الدويك 285)

وفي حكاية (المسعدة) أيضًا، يضمّ الرجل أخته من الرضاع هي وعيالها وزوجها الأعمى ولا يطردها كما فعل معها أخوها الشقيق؛ إذ تعبّر تلك الحكاية ومثيلاتها عن نسق (الحب) ذلك الحب المرتبط بالعائلة وبالدعم المعنوي للإنسان، والتضامن بين الأفراد وإظهار الرحمة، فالعائلة هي الملاذ الآمن للإنسان، والشهم النبيل هو من يحتضن ذوي القربى من أهله وإن بَعُد النسب.

يمكن أن يبرز في الحكايتين السابقتين أيضًا نسق (المروءَة) ذلك الأدب النفساني الذي المرتبط بالأخلاق الرفيعة والأفعال الرشيدة، فالمروءة منتهى الفضائل حسب وجهة النظر الشعبية، "قيل لمعاوية: ما المروءة؟ فقال: احتمال الجريرة، وإصلاح أمر العشيرة، والحلم عند الغضب، والعفو عند المقدرة" (علي، سيد 6).

ففي حكاية خلف الجمعاني (حماية الجار) حمى الشيخ خلف الجمعاني، الفتى الراعي من قحطان، والذي استجار بالشيخ خلف، من رجال حاولوا أكل حقه في شمال قطر، لتدور الأيام وتمضي السنين، ويعيد الفتى ذلك المعروف للشيخ خلف الجمعاني عندما قابله مصادفة في الإحساء في شرق الجزيرة العربية. إن حماية الجار لخصلة يتسم بها الرجال الكرام من علية القوم، "فهي من شيمة البادية ومن شيمة شيوخهم" (الدويك 1/195).

 وفي الحكاية الأخرى (الصداقة) يهرع الرجال بأسلحتهم لمساعدة صاحبهم في دفن القتيل، وتظهر هنا مسألة نصرة الصّديق، ولكن من غير تثبت أو حتى الاكتراث في وضعه إن كان مظلومًا أو ظالمًا كان، فالمرء قليل بنفسه، كثيرٌ بمن حوله من الإخوان. ومن خلال مبدأ النصرة العمياء - إن صح التعبير - في الحكايات يظهر المقياس الحقيقي لمعدن الرجال وشهامتهم وللصداقة الحقيقية، حسب أعراف القبيلة المتجذرة في الذهنية العربيّة، ويمكن أن يُتبين ذلك الأمر أيضًا في الحكاية الأخرى (وفاء الصديقين)؛ حيث الصداقة المبنية على المحبة الخالصة؛ إذ تتجلى أعلى مراتب الإخلاص والنصرة للصديق وبالأخص عندما يكون ذلك الصديق ضيفًا عزيزًا ينزل على القبيلة، فنجد كيف أن الرجل المضيف يغفر لصديقه الضيف أمر قتل ابنه، الذي قُتل بغير قصد من قبل ذلك الضيف، وفي المقابل أيضًا يقدّم الصديق الضيف رأس ابنه لصديقه المضيف، نظرًا لتعرض ذلك الابن لابنة صديقة؛ حيث يقول لابنه الأكبر كما جاء في الحكاية: "اذهب إلى المضيف وقل له: أبوي يسلم عليك وسامحه، والملعون هذا رأسه" (الدويك 105).

يمكن من خلال الحكايات أن نتعرف على ميول المجتمع الراغب في التسامح، بينما الانتقام حتمًا من أولئك الذين يخلون بالشرف، حفاظًا على أعراف وكرامة ذلك المجتمع، فتبرز تلك الأنساق التي تدلنا على الكثير من بنى التفكير التي نقلتها لنا تلك الذاكرة الشعبية.

وإن شئنا إجمال ما تقدّم نقول إنّ الحكايات الشعبية القطرية شكلت فضاءً حكائيًا رحبًا فعّلت فيه الأذهان تمثلاتها وأفكارها حول واقعها الذي عاشته، ليظهر لنا في الأخير نسيجًا حكائيا ثريًا، يخفي وراءه أنماطًا نسقية فكريةً تستبطن روح الأفراد والجماعات وتعكس رؤيتهم للحياة. ولعل الأهم في كل ذلك أنّ هذه الحكايات تمثّل بمثابة الخزان الذي تستقي منه الجماعات عنوان وجودها عبر فترات متنوعة من التاريخ، لتعلن في النهاية أنّ الحكاية يمكن أن تُقدم للبشرية مصدرا ًتاريخيا ًيقاس عليه وعي الأفراد والجماعات، لتُبنى عليه الرؤى والنظريات، وعليه فلقد قمنا بهذا الجهد في محاولة في بلورة شئ من صورة الرجل في الحكايات الشعبية القطرية، وما يرتبط بتلك الصور المتنوعة المتحصلة من أنساق وتصورات، ساهم في رسم ألوانها ذلك الوعي الحكائي الجمعي.

خاتمة

إذًا، وكما بينا سابقًا، أردنا بهذا البحث دراسة الحكايات الشعبيّة القطريّة، التي تمثل ذاكرة قوية تتسم بثراء الموروث الشعبيّ، ووجدنا في دراستنا هذه أنّ الرجل بطل متكرر في الحكايات الشعبيّة القطريّة، وقد اتسم بخصائص وصفات سلبية وإيجابية أيضًا، حاولنا التعبير عنها بمجموعة من الأنماط النسقيّة للرجل الشرير وأنماط نسقيّة أخرى للرجل الخير. وقد خلصنا في بحثنا إلى مجموعة من النتائج الآتية:

     1-     وجدنا سطوة المعتقد الشعبي على حساب الحقائق الراسخة، لما للموروث من قوة أدت إلى قناعات متجذرة تعكسها تلك الحكايات الشعبيّة مثلتها أنماط نسقية متعددة.

     2-     تتجلى النرجسية الذكورية والتمحور حول الذات في صور الرجال السلطويين من الفرسان والملوك وغيرهم من الرجال؛ حيث تكفي الفحولة والسلطة لتبرير الفعل.

     3-     تبدو صورة رجل الدين (المطوع) مشوّهة في المجمل في الحكايات الشعبيّة القطريّة، فهو ممارس للشعوذة بشكل أو بآخر، ولذلك مرجعيته التاريخية في اقتران الممارسات الدينية بالسحر، في عصور تاريخية سابقة.

     4-     للحكايات الشعبيّة أبعاد حضارية كصورة الأنا مع الآخر، وقد مثلتها حكايات التجار اليهود التي تصوّر الشر اليهودي تجاه الآخرين من غير اليهود.

     5-     تعبر الأنماط النسقيّة للرجال الخيرين عن الميثاق الأخلاقي للمجتمع، أو ما يُطمح إليه كالشجاعة، والذكاء وحسن التدبير، والوفاء، وحب العائلة والتضحية، والصبر، وحسن الظن بالله وصدق التوكل عليه.

     6-     بلورت تلك الأنماط النسقيّة المعبرة عن الرجال الخيرين بعضًا من العادات العربيّة، مثل: الكرم العربيّ وحماية الجار، والشهامة، وإغاثة الملهوف، وغيرها، التي تقدم الرجل العربيّ المثالي من منظور الثقافة العربيّة.

     7-     ينعكس المعتقد الدينيّ على المتخيل الحكائي الشعبيّ؛ حيث مثّلت العديد من الحكايات الشعبيّة مستوى التدين وروح العقيدة الإسلامية، وكذلك الإيمان العميق بالله - سبحانه وتعالى - الذي يمثل الملجأ الوحيد عندما تنعدم السبل.

وفي الختام، تبقى الحكايات الشعبيّة القطريّة حقلًا خصبًا لتمظهرات تلك الثقافة التي شكلت صورة الرجل مع تمثيلاتها المتعددة في الحكايات من أنساق ثقافية سرت لنا عبر الزمن، وقد تستمر لأجيال.


 

المراجع

أولًا: العربية

ابن قيم الجوزية. محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي. الفروسية. دار الصحابة للتراث بطنطا، ط1، 1991.

البخاري، محمد بن إسماعيل. الجامع الصحيح. منشورات جمعية البشرى الخيرية، باكستان، ج 4، 2016.

البريدي، إدريس إبراهيم. "قراءة في أنساق الحكاية الشعبيّة: كتاب حكايات شعبية لعلي مغاوي نموذجًا". مجلة الثقافة الشعبيّة، المنامة، ع34، السنة التاسعة، 2016. 32 45.

الخطيب، مصطفى عقيل. الخليج العربيّ: دراسات في الأصول التاريخية والتطور السياسي. وزارة الثقافة والفنون والتراث، قطر، ط1، 2013.

الخور، فؤاد. حكايات شعبية من البحرين. [د.ن]، ط2، 2013.

الدويك، محمد طالب. القصص الشعبي في قطر. مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية، قطر، ط1، 1984.

الرفاعي، حصة. أمي سميكة سندريلا: دراسة مقارنة في الحكاية الخرافية. جامعة الكويت، مجلس النشر العلمي، لجنة التأليف والتعريب، ط1، 2009.

ستروس، كلود ليفي. الأنثروبولوجيا البنيوية. ترجمة مصطفى صالح. وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1977.

صوام، راشدة. "أنثروبولوجيا الأنساق الثقافيّة في الحكاية الشعبيّة: حكاية السبع بنات نموذجًا". مجلة بحوث سيميائية، جامعة الشاذلي بن جديد، الجزائر، مج8، ع13، يناير 2018.

عبد الوهاب، سامي. "تصوير الحكاية الشعبيّة للملوك". مجلة أدب ونقد، القاهرة، ع29، مايو 1996.

عزيز، كارم محمود. الأسطورة والحكاية الشعبيّة في العهد القديم. عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، ط1، 2001.

عليّ، جواد. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام. جامعة بغداد، ط2، 1993.

علي، سيد عاصم. المروءة. دار الصحابة للتراث بطنطا، ط2، 1990.

الغذامي، عبد الله. النقد الثقافيّ: قراءة في الأنساق الثقافيّة العربيّة. المركز الثقافيّ العربيّ، الدار البيضاء، ط3، 2005.

فرايزر، جيمس جورج. الغصن الذهبي: دراسة في السحر والدين. ترجمة نايف الخوص. دار الفرقد، سوريا، ط1، 2014.

الكتاب المقدس. العهد الجديد. منشورات جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الإصدار الرابع، ط3، 1993.

الكعبي، ضياء. "الحكاية الشعبيّة في منطقة شبه الجزيرة العربيّة والخليج العربيّ". مجلة الثقافة الشعبيّة، المنامة، ع13، 2011. 26 47.

–––. السرد العربي القديم: الأنساق الثقافيّة وإشكاليات التأويل. المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2005.

المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين. مروج الذهب ومعادن الجواهر. مراجعة كمال حسن مرعي. المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 2005.

ثانيًا: الأجنبية

References:

ʻAbd al-Wahhāb, Sāmī. "Taṣwīr al-ḥikāyah al-shaʻbīyah lil-mulūk". (in Arabic), Majallat adab wa-naqd, al-Qāhirah, ʻadad 29, Māyū 1996.

al-Barīdī, Idrīs Ibrāhīm. "Qirāʼah fī ansāq al-ḥikāyah al-shaʻbīyah: Kitāb Ḥikāyāt shaʻbīyah li-ʻAlī Mughāwī namūdhajan". (in Arabic), Majallat al-Thaqāfah al-shaʻbīyah, al-Manāmah, ʻadad 34, al-Sunnah al-tāsiʻah, 2016.

al-Bukhārī, Muḥammad ibn Ismāʻīl. al-Jāmiʻ al-ṣaḥīḥ. (in Arabic), Manshūrāt Jamʻīyat al-Bushrá al-Khayrīyah, Bākistān, Juz' 4, 2016.

al-Duwayk, Muḥammad Ṭālib. al-qiṣaṣ al-shaʻbī fī Qaṭar. (in Arabic), Markaz al-Turāth al-shaʻbī li-Duwal al-Khalīj al-ʻArabīyah, Qaṭar, 1st ed., 1984.

al-Ghadhdhāmī, ʻAbd Allāh. Al-naqd althaqāfī: qirāʼah fī al-ansāq althqāfyyh al-ʻArabīyah. (in Arabic), al-Markaz althaqāfī alʻrabī, al-Dār al-Bayḍāʼ, 3rd ed., 2005.

ʻAlī, Jawād. al-Mufaṣṣal fī Tārīkh al-ʻArab qabla al-Islām. (in Arabic), Jāmiʻat Baghdād, 2nd ed., 1993.

ʻAlī, Sayyid ʻĀṣim. al-Murūʼah. (in Arabic), Dār al-ṣaḥābah lil-Turāth bi-Ṭanṭā, 2nd ed., 1990.

al-Kaʻbī, Ḍiyāʼ. "al-ḥikāyah al-shaʻbīyah fī minṭaqat Shibh al-Jazīrah al-ʻArabīyah wa-al-Khalīj alʻrbī". (in Arabic), Majallat al-Thaqāfah al-shaʻbīyah, al-Manāmah, ʻadad 13, 2011.

–––. Al-sard al-ʻArabī al-qadīm: al-ansāq althqāfyyh wa-ishkālīyāt al-taʼwīl. (in Arabic), al-Muʼassasah al-ʻArabīyah lil-Dirāsāt wa-al-Nashr, Bayrūt, 1st ed., 2005.

al-Khaṭīb, Muṣṭafá ʻAqīl. al-Khalīj alʻrbī: Dirāsāt fī al-uṣūl al-tārīkhīyah wa-al-taṭawwur al-siyāsī. (in Arabic), Wizārat al-Thaqāfah wa-al-Funūn wa-al-Turāth, Qaṭar, 1st ed., 2013.

al-Khūr, Fuʼād. Ḥikāyāt shaʻbīyah min al-Baḥrayn. (in Arabic), [D.N], 2nd ed., 2013.

al-Kitāb al-Muqaddas. al-ʻahd al-jadīd. (in Arabic), Manshūrāt Jamʻīyat al-Kitāb al-Muqaddas fī Lubnān, al-iṣdār al-rābiʻ, 3rd ed., 1993.

al-Masʻūdī, Abū al-Ḥasan ʻAlī ibn al-Ḥusayn. Murūj al-dhahab wa-maʻādin al-Jawāhir. (in Arabic), murājaʻat Kamāl Ḥasan Marʻī. al-Maktabah al-ʻAṣrīyah, Bayrūt, 1st ed., 2005.

al-Rifāʻī, Ḥuṣṣah. Ummī Simaykah – Sindirīllā: dirāsah muqāranah fī al-ḥikāyah al-khurāfīyah. (in Arabic), Jāmiʻat al-Kuwayt, Majlis al-Nashr al-ʻIlmī, Lajnat al-Taʼlīf wa-al-Taʻrīb, 1st ed., 2009.

ʻAzīz, Kārim Maḥmūd. Al-usṭūrah wa-al-ḥikāyah al-shaʻbīyah fī al-ʻahd al-qadīm. (in Arabic), ʻAyn lil-Dirāsāt wa-al-Buḥūth al-Insānīyah wa-al-Ijtimāʻīyah, al-Qāhirah, 1st ed., 2001.

Frāyzr, James Jūrj. al-Ghuṣn al-Dhahabī: dirāsah fī al-siḥr wa-al-dīn. (in Arabic), tarjamat Nāyif al-Khawṣ. Dār al-Farqad, Sūriyā, 1st ed., 2014.

Ibn Qayyim al-Jawzīyah. Muḥammad ibn Abī Bakr ibn Ayyūb ibn Saʻd al-Zarʻī al-Dimashqī. al-furūsīyah. (in Arabic), Dār al-ṣaḥābah lil-Turāth bi-Ṭanṭā, 1st ed., 1991.

Ṣawām, Rāshidah. "Anthrūbūlūjiyā al-ansāq althqāfyyh fī al-ḥikāyah al-shaʻbīyah: Ḥikāyat al-sabʻ Banāt namūdhajan". (in Arabic), Majallat Buḥūth Sīmiyāʼīyah, Jāmiʻat al-Shādhilī ibn jadīd, al-Jazāʼir, mujallad 8, ʻadad 13, Yanāyir 2018.

Tshrāws, Klūd Līfī. Al-anthrūbūlūjiyā al-binyawīyah. (in Arabic), tarjamat Muṣṭafá Ṣāliḥ. Wizārat al-Thaqāfah wa-al-Irshād al-Qawmī, Dimashq, 1977.



[1] هذا البحث مستل من رسالة الماجستير للباحثة بعنوان: "الأنساق الثقافية في الحكاية الشعبية القطرية، القصص الشعبي في قطر لمحمد الدويك أنموذجًا"، كلية الآداب والعلوم، جامعة قطر، 2022.

[2] ننوه إلى أنّنا نعتبر (الحكايات الخرافية) في بحثنا هذا داخلة في صنف الحكايات الشعبيّة.

[3] غريمه: خصيمه، الهضيمة: الظلم.