تاريخ الاستلام: 03 أكتوبر 2022

تاريخ التحكيم: 13 أكتوبر 2022

تاريخ القبول: 15 يناير 2023

فانتازيا التاريخ في رواية "ماء الورد" للكاتبة القطرية نورة فرج

امتنان عثمان الصمادي

أستاذة الأدب العربي الحديث والمعاصر المشارك، قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب، الجامعة الأردنية، الأردن

i.smadi@ju.edu.jo

ملخص

يسعى هذا البحث إلى دراسة توظيف الفانتازيا والإشارات التاريخية في بنية السرد الروائي في رواية الكاتبة القطرية نورة فرج "ماء الورد" من جوانب عديدة: الخطاب السردي، وتوظيف الفانتازيا والإشارة التاريخية، وطبيعة الرؤية التخييلية، ومقاربة الشخصيات التاريخية والمتخيلة.

وقد بُني البحث على محاولة الكشف عن المنظور السردي الروائي في طرق استدعائها للإشارات التاريخية التي ارتبطت بالقرن الرابع الهجري. وذلك في ضوء المنهج التأويلي.

وتبين أن الرواية تمثل إشكالية في علاقتها بالإشارات التاريخية والفانتازيا، وامتازت بإدانتها لبعض الأحداث التاريخية، وقلب الحقيقة، والإيهام في بعضها الآخر، كما تمكنت من توليد الإحساس بالحدث التاريخي بما يتجاوز الإخبار إلى التخييل الروائي. وكشفت الرواية عن أهمية توظيف الفانتازيا في إعادة تشكيل رؤية المتلقي للعالم. كما أظهر تمثل رؤية الكاتبة في رفع مستوى حضور الشخصية المتخيلة مقابل الشخصية التاريخية، وانتصار التخييلي على التاريخي. ونظرا لقلة الدراسات التي تتناول توظيف الفانتازيا في السرد، نأمل أن يجد هذا النوع من الدراسة الاهتمام الأكبر مستقبلا لكونها تقنية تجريبية مهمة في قراءة المبدع للواقع.

الكلمات المفتاحية: الإيهام بالتاريخ، الرواية التاريخية، الرواية القطرية، السرد الروائي، فانتازيا

للاقتباس: الصمادي، امتنان عثمان. «فانتازيا التاريخ في رواية "ماء الورد" للكاتبة القطرية نورة فرج»، مجلة أنساق، المجلد السابع، العدد 1 (2023)، عدد خاص عن "الأدب القطري"

© 2023، الصمادي، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه؛ طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.

 


 

Received: 03 October 2022

Reviewed: 13 October 2022

Accepted: 15 January 2023

The Fantasy of History in the novel "Water of Roses" by the Qatari author Noura Farag

Imtenan Othman Al-Smadi

Associate Professor of Modern and Contemporary Arabic Literature, Department of Arabic Language and Literature, Faculty of Arts, Jordan University, Jordan

i.smadi@ju.edu.jo

Abstract

This research seeks to study the employment of fantasy and historical references in the structure of the narrative in the novel by the Qatari writer Noura Faraj "Rose Water" from many aspects: the narrative discourse, the employment of fantasy and historical reference, the nature of imaginary vision, and the approach to historical and imaginary characters.

The research was built on an attempt to reveal the artistic value and the intellectual vision, which the novel represented in many respects of recalling the historical references that related to the 4th-century Hijri (AH). This is in the light of the interpretive approach.

The research showed that this novel reflects a problem in its relationship to historical references and fantasy, and is characterized by its condemnation of some historical events, the reversal of the truth, and the illusion of others. This is mainly because it was able to generate a sense of the historical event beyond the ability of the narrative discourse to give the text its literary value. The research also demonstrates that the idea of the novel and the vision of its author is to raise the level of the presence of the imagined character against the historical character, and the victory of the imaginary over the historical. Due to the paucity of researches dealing with the use of fantasy in the narrative, we hope that this type of research will find greater interest in the future as it is an important experimental technique in the creator's reading of reality.

Keywords: Illusion of History; Historical Novel; Qatari Novel; Novelistic Narration; Fantasy

 

Cite this article as: Al-Smadi, Imtenan Othman. "The fantasy of history in the novel "Water of Roses" by the Qatari author Noura Farag," Ansaq, Vol. 7, Issue 1 (2023), Special Issue on “Qatari Literature”

© 2023, Al-Smadi, licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited.

 

 


 

مقدمة

تثير رواية الكاتبة القطرية نورة فرج "ماء الورد"[1] الصادرة عام 2017 عن دار أثر للنشر والتوزيع، إشكالية توظيف الإشارات التاريخية والفانتازيا في استنطاق اللاوعي. وذلك في ضوء العديد من التساؤلات التي تثار في مثل هذ المقام: هل أعادتنا الكاتبة إلى التاريخ كما هو، فاستعادت المناخ التاريخي للحقبة العباسية في قرنها الرابع الهجري؟ وهل كانت الكاتبة انتقائية في إبراز ملامح تاريخية لخدمة فكرتها الروائية؟ وما وظيفة الاستدعاء التاريخي لتلك الإشارات؟ وكيف استثمرت تلك الإشارات التاريخية لإضاءة الحاضر؟ وهل تفسح الرواية المجال للتلاعب بالتفاصيل والمصائر والجزئيات؟ وكيف استثمرت الفانتازيا في استنطاق اللاوعي؟

ويمكن لهذه الأسئلة أن تبلور محاور هذه الدراسة من أجل الوصول إلى رؤية تأويلية للرواية، واستكناه أبعادها الدلالية والقيم الفنية فيها، وما تحمله من رؤية خاصة تتجاوز الفكرة التي يمكن أن تحاط بها الرواية، مستعينة بالمنهج التأويلي لتحقيق هذه الغاية. وللوصول إلى هذا المطلب تسعى الدراسة إلى إثارة مجموعة من القضايا المهمة، لعل أبرزها تحديد وضع الرواية في توظيف الإشارات والوقائع التاريخية من مختلف العلاقات المشكلة بينهما تقاربًا وتقاطعًا، وفي جانبي الرؤية والدلالة والقيمة الفنية، وهوما يمكن بحثه في جوانب عديدة:

-      صلة الخطاب السردي بالإشارة التاريخية انطلاقا من الرؤية الفكرية التي مثلها الحدث التاريخي، وشكلت فنية الخطاب.

-      حقيقة الرؤية التاريخية التي قامت عليها الرواية.

-      مظاهر انعكاس ألوان الفانتازيا في بنية الرواية.

-      كيفية توظيفها للإشارات التاريخية، هل كان بهدف تجاوز الماضي أو لتنسج موقعة الحدث التاريخي في أفق اللحظة الراهنة والمستقبلية؟

-      قدرة الكاتبة على دمج الشخصيات المتخيلة بالسردية التاريخية.

1.     علاقة السردية بالمرجعية التاريخية والفانتازيا

في العالم المتخيل يمكن أن نسرد التاريخ كما نشاء، فتقلب البطولات هزائم كما يحلو للمبدع أن يراها في التاريخ الإنساني والمغامرات.

لقد تناولت الكثير من الدراسات النقدية حجم التلاحم بين الرواية بوصفها فنًا أدبيًا وبين التاريخ. والرواية التاريخية في أبسط أشكالها بحسب جورج لوكاش (Georg Lukacs"هي الرواية التي تثير الحاضر، ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم السابق للذات" (لوكاش 89)، وفي ضوء تصور جورج هيغل (Georg Hegel) إن عملية نقل التاريخ من خلال الفن الروائي، لا تعتمد على النقل الحرفي، وإنما يجب التغيير دون المساس بجوهر المادة المنقولة، حيث يميز بين الخطاب الأدبي وموضوعة التاريخ (الرويلي والبازعي 123-124)، واستدعاء التاريخ بوصفه جزءًا من المكون الروائي لا يعني اعتماد التاريخ بديلا للتخييل.

والسائد في الدراسات الأدبية أن لاستدعاء السردية التاريخية في أبسط أشكالها وظيفة تتمثل في الإسقاط أو التحذير أو الإدانة.

ولنقل إن الرواية التاريخية بوصفها عملًا فنيًا لا تنقل السرد التاريخي الصلب، وإنما تنقل تصوّر الأديب له من خلال احتوائه الحدث التاريخي أو الإشارة التاريخية، وتفاعله معه بتشكيل فني، فاعتماد الرواية التاريخية على الحدث التاريخي لا يعني أنها تعيد كتابة التاريخ بطريقة روائية، بل تحاول أن تقول ما لم يقله التاريخ. كما أن الروائي في كتابته الرواية التاريخية يستمد مادته مما وفره له المؤرخ القديم بحسب سعيد يقطين (يقطين، جريدة القدس العربي)، فيقدم ما ينتجه من مادة حكائية وفق رؤيته الخاصة للتاريخ والواقع من جهة، ومن جهة ثانية حسب تجربته الروائية وخصوصيتها الإبداعية، وتبعا لمقاصده من اعتماد التاريخ في كتابته السردية، وهو ما يمكن أن نطلق عليه فانتازيا التاريخ. وهو باب من أبواب التجريب التي مضت فيها الرواية العربية، وفي العمل الأدبي الذي يستحضر مؤلفه بعض الأحداث أو المواقف التي تخالف ما هو طبيعي ومألوف، يكون بغرض قراءة الواقع في ضوئه، وتعريته، ويبث المؤلف رؤاه وأفكاره عبر فانتازيا محرضة للمتلقي على الكشف عن تلك العوالم، حيث يشعر المتلقي بحسب تيزفيتان تودوروف (Tzvetan Todorov) أنه ينبغي قبول قوانين جديدة للطبيعة يمكن تفسير الظواهر بها" (تودوروف 21).

وكون الفانتازيا عابرة للحقول بوصفها نظاما تعبيريا وتقنيات تحضر في الأدب وغيره، فهي تعني في معجم المصطلحات المعاصرة "عملية تشكيل تخيلات لا تملك وجودا فعليا، ويستحيل تحقيقها. والفانتازيا الأدبية عمل أدبي يتحرر من منطق الواقع والحقيقة في سرده" (علوش 170)، ويرى حليفي أنه ينبغي الالتفات إلى أن الفانتازيا في الرواية تعد صيغة من صيغ البناء الروائي أو تقنية، وليست جنسا أدبيا مستقلا بذاته (حليفي 54)، أضف إلى ذلك أن بعض دارسي الفانتازيا في الأدب، عدوها نوعا من الأنواع الأدبية التي تعتمد في حبكتها الدرامية على الشعوذة والسحر والخوارق، وتدور أحداثها في فضاءات وهمية لا وجود لها مما يجعل أحداثها تستحيل الحدوث على أرض الواقع، ولكن تكمن قيمتها في إسقاطها على الواقع. وتشكل الفانتازيا "ظاهرة أو حدثا مثيرا وخارقا وغريبا" (النحال 217).

 ويمكننا الإشارة إلى أن أغلب الدارسين والنقاد العرب تعاملوا مع مصطلحات: الفانتازيا، والغرائبي، والعجائبي، والاستيهامي على أنها تؤدي مفهومًا واحدًا، رغم وجود فوارق دقيقة بينها بحسب دراسة الناقد لؤي خليل (خليل 31)؛ لذا ترجح الدراسة توظيف مفهوم الفانتازيا كون الغرائبي والعجائبي عنصرين يندرجان تحت مظلة الفانتاستيك (حليفي 62).

وعودة إلى علاقة الرواية بالتاريخ لا بد من تأكيد ما يثار - عادة - عند تناول رواية ما حقبة تاريخية معينة حول إشكالية الصدق الفني مقابل الصدق التاريخي، والفرق بين المؤرخ والمبدع، (قاسم والهواري 8)، علما أنه ليس من الإنصاف إخضاع الأدب لمعيارية الحق والباطل (الصدق)؛ لكون الأدب يعتمد على التخييل (تودوروف، الشعرية 35).

والرواية التاريخية - حسب معجم المصطلحات - تعني "سردًا قصصيًا يستند على وقائع تاريخية" (علوش 103)، وفي معرض التفريق بين دور المؤرخ والروائي فإن تعبير رضوى عاشور يغني في هذا السياق، "فالروائي له قدرة كبيرة على اصطياد التفاصيل، ومنها روائح المكان وجراح الزمن، وبفضل خياله الخصب يخرق كل الحدود التي يقف عندها المؤرخ عاجزًا" (عاشور 430)، وهذا ما يمكننا الاستناد إليه في بناء هذه الدراسة.

وإذا اتفقنا مع بول ريكور (Paul Ricœur) بأن التاريخ هو بصورة أو بأخرى سردية خاصة (ريكور 148)، فإننا مع وجهة النظر التي لا تؤيد أن يكون الروائي حَكَمًا وقاضيًا على أحداث الماضي، بقدر ما هو شغوف بالنواحي الفنية في روايته، وبالفعل، فإن البراعة هنا تطغى على الأمانة، لأن الروائي ليس مؤرخًا أو مصورًا لأحداث التاريخ، وحرية الروائي تتجاوز الدقة أو صرامة التاريخ، وتُحلق في الفضاءات التي خلقَها داخل النص. أضف إلى ذلك أنه غيرُ مُطالَب بتقديم مسوغات حول شخصياتهم وأفكارهم وسلوكياتهم، وانتخابه لحيثيات المكان والزمان، كما لا يُساءَلُ على صناعته للأحداث، فهو غير مطالب بالالتزام بالوثيقة التاريخية، بقدر ما يقدم عملا فنيًا (دراج 81).

لقد سعت الكاتبة إلى استعادة المناخ التاريخي فقط دون الوقائع، ثم الانطلاق بحرية داخل هذا الإطار الزمني مع اعتماد ما يمكن أن نطلق عليه الإيهام التاريخي. وقد استثمرت ما يعرف بالسرد المهجن على حد تعبير محمد الشنطي (الشنطي 44-53)، إذ قدمت مواءمة بين ألوان مختلفة من القص العجائبي الفانتازي، والتاريخي، والتخييلي، والشعر، والمخطوطات التي شكلت عتبة من عتبات الرواية. من هنا لم تكن مادة التاريخ غاية الكاتبة الوحيدة في بناء الرواية، وإذا كان دور الفن والرواية التاريخية نقل الواقع والتاريخ بدلا من تمثل الواقع وتوليد الإحساس بصلته بالواقع، فالهدف هنا لم يكن التأريخ للحقبة الزمنية بقدر ما كان استخدام التاريخ فضاء، وأداة للتعبير عن الواقع المعيش من جهة، وإدانة للزمنين من جهة ثانية.

لا شك أن الكاتبة قارئة للتاريخ قبل أن تكون منتجة للعمل الأدبي، تُسائله، وتحاول بعثه من جديد بطريقتها الخاصة، وهي كما عبر هيغل في تنظيره للرواية من كونها تجعل فضح الوهم مكونا أساسيا في المحكي الروائي (باختين 13)، أو لعلها تسعى إلى إعادة بناء أجزائه المفقودة من جديد، "تماما كمن "يقوم بحفريات في مقاطع محددة من العصور التاريخية. ويمارس القارئ هو الآخر الحفريات نفسها في بنى المتن السردي، بوصفها معادلًا للواقع الذي تشتغل عليه الرواية، فتقوم بلملمة أطراف منعطفاته المتتالية، وإعادة تركيب شذراته المبعثرة" (محمدو alfaisalmag.comفي محاولة من الكاتبة إلى اقتياد الحاضر نحو الماضي، والدخول في فضائه الخاص، وصناعة تاريخ جديد.

وبحسب تصور فيصل دراج؛ إذ ذهب إلى أن الرواية التاريخية يمكن أن تقول ما لا يرغب المؤرخون بقوله، وما شاء الروائي أن يقوله في موضوع تاريخي (دراج 107)، فقد قامت الكاتبة بإعادة تأثيث التاريخ عبر خلق شخصيات متقاطعة مع الوقائع التاريخية، تنطق بما تريده الكاتبة، بحيث يصبح التاريخ مادة محفزة لتخصيب النص، كما أن التاريخ يتلون بالرؤية الذاتية للكاتبة، فالتاريخ لا يمثل سوى مادة من ضمن مواد خام أخرى متعددة للنص الروائي، ومن حق الروائي أن يستخدم هذه المادة بالقدر الذي يستخدم به بقية المواد (برادة 434).

2.     تعالق الحقيقي والمتخيل في بناء الرواية السردي

تتشكل سردية "ماء الورد" باستحضار أجواء فانتازية، وكون هذه الأجواء ذات طابع تراثي منسجم مع ملامح الإشارات التاريخية التي استدعتها الكاتبة، يمكننا التعبير عن ذلك بمفهوم الفانتازيا التاريخية، إذ تتكئ على معطيات التاريخ بعد صهرها في بوتقة الخيال، فيشتبك الواقع مع المغامرات والسحر الذي يعد جزءا من مادتنا التراثية عبر العصور في جدلية فانتازية. وشخوصُ التخييل فيها تنسحب خارج دائرتيْ الزمان والمكان لتتحول إلى قطعة من التاريخ، تختلط مع صوت الرواية حينا، ومع الحدث التاريخي حينا آخر لتستخلصَ رؤيتها الفنية من صرامة التاريخ وعبثية الواقع.

ويقول صدوق نور الدين في دراسته لـ "ماء الورد": "يدرك المتلقي أنه أمام عمل روائي يملك شيئا من الفرادة على مستوى الكتابة الروائية العربية، وفي بنائيته وأساليبه غير المكرورة مع شيء من المغامرة في تحريك تلك الأساليب عن خطيتها النسقية المألوفة" (نور الدين 124)، أضف إلى ذلك اعتماد ملامح التجريب (كالوثيقة التاريخية، وتقنية الكابوس، والأحلام، والعديد من مظاهر الفانتازيا...) بحيث تتوالد علامات في فضاء النص التخييلي بالاعتماد على شيء من الوقائع والإشارات التاريخية والفانتازيا.

وقد اكتفت الرواية بالاتكاء على عناصر وحقائق تاريخية دون الوقائع التاريخية نفسها، منها: الزمن التاريخي، واستدعاء بعض الشخصيات وبعض الحقائق التاريخية.

لذا نجد أنفسنا أمام عمل لا تخلو مرتكزاته البنائية من تنويعات تقوده إلى القصدية في توظيف الإشارات التاريخية، والاتكاء على التاريخ في سير الأحداث التي استعارت الحيز الزمني الخطي وفضاءه من القرن الرابع الهجري. "فالرواية تنفتح على مستوى المعنى المنتج على الثقافي في معناه الأوسع كتاريخ، وأدب، وموروث خبري وحكائي، وأشعار. هذا التنوع يتحقق تصريفه وفق لغة سردية تتأطر في الماضي البعيد. ومن ثم يتشكل الأخير كمحمول رامز لما يعد الحاضر من تحولات" (نور الدين 124)، وهي تمتلك روح التجريب، إذ تمكنت من امتلاك ناصية التخييل مستفيدة من استدعاء عدد من الشخصيات التاريخية التي عاصرت ذلك الزمن.

والسؤال، لماذا اختارت الروائية الكتابة عن هذه الحقبة من تاريخ الأمة الإسلامية؟

تقدم هذه الرواية في تقاطعاتها مع التاريخ قراءة ناقدة لأحد العصور العباسية التي تتسم بالاضطرابات وتحديدا في العام 319هـ، وتستحضر بذلك ميلاد الأوضاع الراهنة من خلال رحم الماضي، وتصور واقعا متشكلا في واقع لم يكتمل تشكله بعد، ومن هنا تكمن الصعوبة.

حددت نورة فرج خط روايتها الزمني بزمن الفتن، والمجتمعات القلقة والمتوترة، وانتشار الجرائم، وشيوع السرقة والفساد بأنواعه، فرصدت ذلك من خلال العلاقة بين الوالي (رأس السلطة)، ورجل الشرطة، وبين العامة، وهذه القراءة للتاريخ تنبئ عن رؤية الكاتبة لهذه الحقبة من التاريخ، فتسمح لنفسها بإعادة بنائها، في حين أن نسبة من الشعوب العربية مأخوذة بفتنة ماضيها، فتأتي طريقة التعامل مع التاريخ بمثابة صدمة للمتلقي المفتون بتاريخه.

تقع أحداث الرواية في الحقبة التي تعود لعهد الخليفة العباسي الثامن عشر، المقتدر بالله جعفر، الذي مات على رأس السنة تلك 320 هـ، ويقال في المسرد التاريخي إن مدة خلافته كانت وبالا على الدولة العباسية والأمة الإسلامية، وشاع القتل والتنكيل والاغتيالات، وفي عهده ظهرت فرقة القرامطة التي عاثت فسادا بديار المسلمين، واقتحموا المسجد الحرام سنة 317 هـ، كما أشارت إليه الكاتبة في الرواية. وكذلك حادثة هدم الكعبة، علما أن هذه الحقبة نفسها شهدت ازدهارا فكريا وثقافيا ومعرفيا، ونشطت فيها حركة نسخ المخطوطات، وهذه نفسها أجواء الرواية.

لقد بدا أن الكاتبة وقفت على المعمار التاريخي الإسلامي بصورته السردية الواسعة، وانشغلت بتاريخ المؤامرات التي شكلت العصور الإسلامية الماضية على صعيد الحدث، أما على صعيد إنتاج الحدث فقد اعتمدت مسألة تعدد روايات الخبر الواحد وتنوع الأقوال، وأحيانا تضاربها، لتمهد لانتقاد هذا التاريخ بالطرق التي سمحت لدخول المغلوط والمزيف فيما وردنا من أخبار وروايات تاريخية، فلم نعد نعرف الحقيقي من الملفق. ولعلها بذلك تسحب البساط عن قداسة التاريخ، فسعت إلى تفكيك قداسته من خلال رؤية ناقدة له، وجعلته قراءة للوجود الإنساني كأي قراءة أخرى، لا بل حمّلته مسؤولية التردي الذي وصلت إليه الأمة.

اتكأت الكاتبة في بناء أحداث الرواية على ثلاثة أركان أساسية: الفتن في العصر الذهبي لتاريخ الأمة، والازدهار الفكري المتجسد بحضور جدّ ليلى صاحب المخطوطات الثمينة، والورّاق أبي الجود بائع المخطوطات الذي يعي تماما قيمة الكتب النادرة، ويدفع مبالغ طائلة ثمنا لها "أستطيع يا ليلى معرفة الكتاب النفيس من مسيرة شهر وأكثر" (105)، والركن الأخير المتمثل في الجانب الإنساني مجسدا بالعلاقات الرومانسية التي تجمع الحبيبين عابدا وليلى، رغم حجم المغامرات التي وقعت لعابد في عالم فانتازي. فهي تقدم صورة إدانة لحقبة من التاريخ الإسلامي مسكون بالسحر، والجنّ، والمغامرات، وسلطة الشعر وشيوع الطلاسم، في محاولة لمواجهة المسكوت عنه؛ حيث اتسمت بأنها مرحلة زمنية مليئة بالاضطرابات السياسية من الداخل ومن الخارج، وظهور حركات وثورات كثيرة كثورة القرامطة حيث "الزكاة معطلة والرشوة منتشرة"، كما جاء في وصف الرواية لهذه الحقبة (98).

يتوزع مركز الحدث بين متخيل وتاريخي، فتفتتح الحدث في أول ليلة من ليالي رمضان سنة 319 هـ، بموت الأخيفش صانع العقاقير مسموما على يد الجشع سليمان بن الوطار، الذي قبض ثمن القتل من صاحب الشرطة ابن المغيرة. لتجعل من شهر رمضان (زمن العبادة) معادلا موضوعيا لزمن الفتن والحوادث البشعة كسرقة الأصفهاني، واعتقال عابد خطيب ليلى، وقتل ابن المغيرة، واختطاف بعض الشخصيات وتعذيبها، وموت الوالي.

 وفي ذلك إشارة إلى تاريخ العرب والمسلمين الذي اصطبغ بصبغة دموية حتى في شهر العبادة. ثم يقرر عابد وصاحباه يوسف وزياد ملاحقة قاتل الأخيفش، لكنهم يقعون في قبضة ابن المغيرة صاحب الشرطة، ويشترط عليهم للخروج من السجن بأن يستخرجوا الكنوز المدفونة في الطبقة السابعة أسفل القلعة، إلا أن الثلاثة يتمكنون من الفرار من سراديب المتاهة ذات الأجواء الكابوسية المرعبة، وقد ظفروا بالكنز بعد أن مروا بمغامرات صعبة.

ويمضي مسرد الرواية الخطي نحو نهايات فنية ذات صبغة متفائلة تقضي بموت الوالي وموت ابن المغيرة وعودة عابد إلى مدينته لظى ليتزوج بليلى، وما هذه النهايات السعيدة إلا وجه من وجوه انتصار التخييلي على التاريخي.

يتضح البناء الروائي في كونه حكايات متناسلة موزعة على ليالي شهر رمضان، في بنية روائية ثنائية المستوى في فضاءين متغايرين متوازيين (الخليفة ووزيره ابن الفرات والوالي وأبو الفرج الأصفهاني وصاحب الشرطة ابن المغيرة؛ حيث إن شخصيات الخليفة والوزير والأصفهاني والقرمطي مستدعاة من التاريخ، في حين أن ابن المغيرة شخصية متخيلة لكنها مرسومة طبق الأصل عن الشخصية التاريخية لصاحب الشرطة الذي يصول ويجول ويضرب بيد الوالي في تلك الأزمنة. والفضاء الثاني يشكله أهل السوق الشعبي، ومن فيه من شخصيات متخيلة، ليلى وعابد والجد والأخيفش وسليمان ابن الوطار، وقسورة وغيرهم)، فسعت الرواية إلى رسم الماضي من وجهة نظر الحاضر، فلا شيء يرتجى من تاريخ فاسد، وهو ما يمكن أن يكون أقرب إلى التأطير التاريخي دون أن يكونه، وهي وإن قدمت عملا متداخلا بين الحقيقي والخيالي كي تدفع العمل إلى صبغه بصبغة روحية تؤطر فضاء العمل، إلا أننا نجد غير ذلك، فقد نصبت المحاكمة للتاريخ ووصمته بالمزيف.

أقامت الكاتبة البنية السردية على ساردين اثنين: ليلى وعابد، وكل صوت يروي قسما من الأحداث بصورة تناوبية بعدد ليالي شهر رمضان، وينطوي الصوتان على خطاب المغامرة والمقامرة.

يتمثل الإنسان المغامر في شخصية عابد، فيظهر انجذابه إلى طلاسم الشعر والسحر والمغامرات بسبب غواية المعرفة لديه، ويملك روح الاكتشاف في رحلة السراديب مع صاحبيه يوسف وزياد، وهي بدورها تكشف عن شخصية عابد الذكي المغامر، يخطط مع رفيقيه للانتقام من صاحب الشرطة ابن المغيرة المتجبر في العامة، يمارس سلطة الوالي، فيقتل، ويسجن من يشاء ومتى شاء، لذا يخطط أولئك الشبان مع الأخيفش عطار المدينة وصانع العقاقير فيها للخلاص منه، بصناعة سم للقضاء عليه. وأما الإنسان المقامر فتمثله شخصية ليلى، خطيبة عابد إذ تتمتع بذكاء شديد، تتصرف بسذاجة لكنها تدرك تفسير مجريات واقعها الذي تعيشه، تعمل في نسخ الكتب لدى جدها، وتبيعها لأبي الجود الوراق، وتتصف بالمقامرة لكونها تتلاعب بالروايات والأخبار التاريخية التي يمليها عليها جدها، فتزيفها وتغير في تفاصيلها بداعي التسلية "كنت أتسلى بدسّ أخبار مختلفة على ألسنة رواة مختلفين وكأن شياطين صغيرة تثرثر في رأسي، فأكتب ما أشاء في مخطوطات جدي، أبقي له نسخته بخطه المتجعد، والنسخة الأخرى بخيالاتي وخطي الجميل الذي يساوي ذهبا كما يقول أبو الجود" (27)، وكان إذا انكشف أمرها كما حصل في نسخها خبرا عن عائشة بنت طلحة ومحاججة أحدهم جدها في أخبارها المنحولة لاحقا، فما استطاع جدها أن ينحي باللائمة على ذاكرته كي لا يخسر ثقة الناس به، ورغم أنه أنّبها ووبخها لكنه سكت عنها، فقد أعجبه ذلك "بكيت ولكنني عدت لفعلتي مرارا كلما شئت" (27)، فأن يعجب جدها بتلفيقها يشي بوعي الكاتبة بما تفعله لتظهر فساد بعض الروايات التاريخية، وأنه يقوم على الزيف والتلفيق.

ومن أمثلة المقامرة في تزوير التاريخ عندما كانت تنسخ كتاب (شعراء الدولتين) لجدها سخرت من أن بشار بن برد كان يرتدي قرطا، حيث تجاهلت رواية جدها أن بشارًا كان مولعا بالكفريات، وكتبت من عندها أنه كان قد شتم الخليفة ببيتي شعر بذيئين، وحقيقة هذين البيتين أنها كانت سمعتهما من أبي دلامة صاحب المواعين في السوق، وحفظتهما عن ظهر قلب، ثم دونتهما على لسان بشار... "حتى صاحب المواعين والقدور نفش بطنه؛ لما عرف أن البيتين اللذين يشتم بهما جاره هما لبشار بن برد" (28)، وهي بذلك ترفع غطاء المصداقية عن جوانب من الماضي التي يؤمن المتلقي بأنه منزّه عن الفوضى والخلل والارتباك لكونه أشبه بالمسلمات، وترمي إلى المبالغة في طرح المعضلة الكبرى التي تواجه الحقائق التاريخية.

من ذلك تبدو شخصية ليلى المتخيلة جزءا من تاريخ نسخ المخطوطات تاريخا داخل تاريخ، وكلاهما مزيف. وعندما كانت ليلى تغير في نسخ الروايات التاريخية الخاصة بالأخبار، لم يكن يعنيها أن تدونها من موقع المنتصر أم المنهزم، وهذا مختلف عما طرحه فيصل دراج في كتابه حيث يرى أن التاريخ علم سلطوي (النصر أو الهزيمة) تنتجه المؤسسات السلطوية، فتحذف ما لا تريد وتبرز ما تريد (دراج 82)، وليلى تدين التاريخ عبر كتابة تقوم على المدح والتزوير، أو كيفما اتفق. ولعل هذا التصور يفسر ما ذهب إليه شعيب حليفي في دور المؤرخ وكتب التاريخ التي ظهرت قبل ابن خلدون، إذ يرى أنها في "أغلبها نسج وتلفيق مخيلة المؤرخ، أو الذاكرة الشعبية بالتواتر" (حليفي 17).

ومن جانب آخر، نجد ليلى نموذجا لشخصية المثقف الساخر من ماضيه تعيد اكتشاف ذاتها بوصفها إنسانة تنتمي إلى ثقافة العصر، وتقدم في مسيرتها رحلة البحث عن الأصول وهي تكتشف تاريخها المنقضي بما فيه من تزوير، وبذلك تفضح التاريخ المنصرم، بأسلوبها الساخر وسلوكها المستخف ليجد المتلقي نفسه أمام مأساة تقابل ملهاة هذا السلوك غير المسؤول تحت شعار (أتسلى)، وهذا يقودنا إلى إدراك كنه العبثية التي تمارسها ليلى؛ حيث تقدم مواجهة الحاضر المظلم بماض مظلم أيضا، فتنتج وثيقة تكشف عن تصور الكاتبة للعالم العربي، فيضحي التاريخ بين التراجيديا والسخرية هشّا لا قيمة فيه.

وأما مجريات الحدث المسند إلى الشخصيات المتخيلة (ليلى وعابد وعدد من الشخصيات الثانوية...)، فهم عناصر القوة التي تخوض معركتها في مواجهة الظلم، فعابد وصحبه يغامرون من أجل القضاء على الظلم الذي يوقعه ابن المغيرة ورجال الوالي في عهد الخليفة المقتدر بالله؛ لذا تتسع مساحة المتخيل السردي على حساب السرد التاريخي كما ذكرنا سابقا، أو بتعبير أدق "تضيق المسافة الزمنية لصالح المسافة الجمالية" (الحجمري 64)، وإن طغيان المتخيل السردي وهيمنته على التاريخي يؤكدان هيمنة أفق الكاتبة على المنجز الروائي، حتى إننا يمكن القول إن الحدث التاريخي يكاد يظهر في كثير من الأحيان وسيلة أكثر من كونه جزءا من بنية الرواية.

إن اتكاء الرواية على شخصيتين رئيستين متخيلتين: ليلى وعابد، شكلا مجمل أحداث الرواية، فبدتا شخصيتين متفاعلتين مع الحدث، ومشكلتين له في آن معا، وهما - كما أسلفنا - شخصيتان غير تاريخيتين إلا أنهما صنعتا عالم الرواية (لوكاش 40)، فجسدت ليلى وعابدٌ البسطاء من العامة بحيث تعاين الرواية المهمشين اجتماعيًا، فتعتمد على قلب الهامش ليصير مركزا، والمركز ليصبح هامشا، فكان أن صيرت الوالي وصاحب الشرطة هامشا، لا تكترث لحضورهما في بنية الرواية إلا في مشاهد محددة؛ كظهور ابن المغيرة في بداية الرواية ثم اختفائه، ليعاود الظهور في منتصفها وفي نهايتها لحظة موته، كما هو الحال بالنسبة إلى الوالي، فظهوره كان بصيغة الإخبار عنه باستثناء نهاية العمل الروائي؛ حين استدعى عابدا ليأمره بالعودة إلى سراديب القلعة لاستخراج السحر الذي يؤمل الوالي فيه شفاءه، وجعلت المهمشين - بسطاء العامة - ليلى وعابد في مركز الرواية بحيث تقوم البنية السردية على ما يقدمانه من حركة في بناء أحداث الرواية.

راوحت الكاتبة في توظيف شخصيات متخيلة إلى جانب ليلى وعابد، كشخصية الجد، والأخيفش صانع العقاقير، وقاتله سليمان بن الوطار، وابن المغيرة صاحب الشرطة، وقسورة، وأبي دلامة صانع المواعين، وابن عثمان الأقوع كاتب القلعة، وهي شخصيات متخيلة، إلا أنها حاضرة في ثوب تاريخي من حيث تركيب أسمائها ذو الصبغة التراثية، وهذا ما يدفعنا للقول بإن الكاتبة اتكأت على ما اصطلحنا عليه بالإيهام التاريخي.

وكان هذا التمثيل للمتخيل معاكسا لحضور الشخصيات التاريخية (الخليفة ووزيره ابن الفرات، والوالي والقرمطي والأصفهاني)، إذ لم تُعد تمثيل هذه الشخصيات، واكتفت بذكرها وسرد بعض أخبارها، فلم يتجاوز ظهورها الإشارة التاريخية "وقيل إن ابن الفرات - وزير الخليفة المقتدر بالله - كان يكاتب القرمطي ومتآمرا معه، ابن الفرات الذي استوزره ثلاث مرات،...وابن المغيرة صاحب شرطتنا هذا لا يتعظ ولا يخاف الله في أهل لظى، يعذب المسجونين في القلعة، ويأخذ أموال الناس في الجباية،...أما والينا المعظم فلا يفيق من سكره، بل هناك من يقول إن الله حرمه الأبناء جزاء وفاقا على إدمانه الخمر، وهناك قول بأن له أبناء في سن الرجولة غير أن بهم علة" (36)، باستثناء شخصية أبي الفرج الأصفهاني التي شاركت في صناعة الحدث.

وأما أبو طاهر القرمطي الذي عرف بحادثة اقتحام المسجد الحرام، فهي حادثة لم يتجاوز نقلها من مستوى الخبر إلى مستوى السرد، ويمكن تصنيفها من مستوى القرائن المدمجة على حد تعبير سامي عبابنة (عبابنة 4)، بما يضيفه السرد من تفاصيل مشهدية إلى الحدث التاريخي، وهو من الأحداث التي يمكن فصلها كواقعة تاريخية عن المتخيل السردي دون أن يحدث خلل بنائي. فليس مهما في الرواية التاريخية إعادة سرد الأحداث التاريخية الكبيرة على حد تعبير جورج لوكاش (لوكاش 48)؛ بل الإيقاظ الشعري للناس الذين برزوا في تلك الأحداث، وما يهم هو أن نعيش الدوافع الاجتماعية والإنسانية التي أدت إلى أن يفكروا ويشعروا كما فعلوا في الواقع التاريخي.

قدمت الكاتبة شخصيات العمل في حالة تآلف بين المتخيل والواقعي في حركة تجانس تنطلق جميعها في فضاء روائي تمازجت فيه الأزمنة المختلفة، فالمراوحة بين الشخصيات المتخيلة والتاريخية دفعت الكاتبة إلى أن تلقي كامل المسؤولية في التردي على الشخصيات التاريخية، وأوكلت للشخصيات المتخيلة الرئيسة دور المقاوم الواقف في وجه الظلم، في حركة صراع موفقة فنيا، فيصبح التاريخ (الوجه الحقيقي) متهما بالتلوث والسقوط، ويتحمل مسؤولية سقوط الأمة وفسادها.

وإذا كان الزمان والمكان أداتي الرواية التاريخية في قولبة بنيتها السردية، فإنهما في رواية "ماء الورد" تشكيلان متفاوتان يغرق المكان بالرمزية، ويتجلى الزمان في سيرورته الخطية، من حيث "نقد الزمن المستبد وعدم الاعتراف بالزمن السرمدي" (دراج 15)، والتحول إلى الزمن المحدد والدقيق، أي علاقة الإنسان بالزمن بعيد اكتشاف ذاته، وما بناء الرواية على سلسلة الليالي (ثلاثين ليلة من ليالي رمضان)، إلا لتمنح البطولة للزمن، وتضع الكاتبة منظورها للعالم العربي الحاضر في صورة من صور الماضي المخادع، فكان أن دمجت بين أدوات المؤرخ وأدوات الأديب لتقدم رواية مليئة بالإشارات التاريخية تنقد الحاضر وتحرض على تغييره.

وعن علاقة الرواية بالتاريخ، يحضر التاريخ في هذه الرواية سلبا قوامه المكر والخديعة، فاختيار عصر الأصفهاني (العصر الذهبي للحضارة الإسلامية) إشارة إلى أن التقدم جوهر التاريخ ومسوغ له، وصورة من صور الكمال الزمني، ونحن نعرف - تاريخيًا - أن الزمن الحقيقي الممثل بالقرن الرابع الهجري يصنف تاريخيًا على أنه عصر ازدهار ثقافي وفكري، رغم ما فيه من اضطرابات وفتن على الصعيد السياسي، فهذا زمن لا يخلو من صورة قبيحة قبح هذا التاريخ في عين الحاضر.

فكما وجدنا سيرورة الزمن متقاطعة تماما مع حقبة تاريخية معروفة ومشهود لها بزخم الأحداث، فإن المكان أوقعنا في تمويه الحيز التاريخي أو ما سنصطلح عليه لاحقا بالإيهام التاريخي لكنه ليس مكانًا تاريخيًا، فهو إطار يلم شتات الحدث، ولعله مكان رمزي أكثر من كونه حقيقة جغرافية، عبارة عن مدينة متخيلة تسمى لظى مبنية منذ الجاهلية، حيث أسهمت الكاتبة في توليد فضاء هذه المدينة لتحقيق الأثر المصاحب للحدث التاريخي، ولعله يكتسب بعدا أسطوريا مرتبطا بالمخيال الشعبي، كما ربطت نشأة هذه المدينة بالعديد من الروايات المصوغة صياغة تراثية، كي توهم بتأصيله التاريخي، كيف لا وكل ما تسعى إليه إبراز جانب التلفيق في صناعة التاريخ.

تمضي الكاتبة في توليف الأقوال وتعداد الروايات المنقولة (يقولون، يقال..) لتشكل ما يمكن أن نطلق عليه الإيهام التاريخي، ففي بيان سبب تسمية المدينة بلظى تجعل هذه الروايات والأقوال مفتتحًا جيدًا لرواية فانتازيا تاريخية، تؤمن بأن الحقيقة التي ينطوي عليها التاريخ من دراسة لأعمال البشر وتقصيها، هي حقيقة متحولة متعددة المراجع والأقوال، وليست حقيقة ثابتة دقيقة مكتفية بذاتها "تعد مدينة لظى مدينة اللامكان وروح الزمن الماضي حاضر فيها تنشطر في الحاضر وتصبح وسيلة للعبور من العالم القديم إلى الراهن، و"مدينتي فيض الشعراء" (11)، "مدينتي حكايات الرواة وأحلام الشياطين، ضلالات من ترف" (141).

وتستثمر الكاتبة وعيها بالتراث اللغوي في وصفها لمدينة لظى، فيرد وصفها على شكل أحجية تاريخية، فتسعى إلى ترسيخ زمن المقولات المغلق المتمثل بتواتر الروايات: عن فلان ابن فلان عن فلان.../ يقال قيل - يقولون، بزمن الحاضر المفتوح على الإعلام المتعدد القراءات، بأسلوب ساخر يائس عبرت عنه الكاتبة بالتلاعب اللفظي في تفسير دلالة تسميتها بلظى على لسان الساردة ليلى "اسم مديني لظى، قيل هي لظى لأنها تتلظى بفعل من سكنها من سلالات كفرة أغبياء يرجعون إلى أبي لهب - شواه الله في جهنم - الذي عبر هذه المدينة عبورا طويلا ذات رحلة من رحلاته إلى الشام...، وهذه رواية لا أرفضها وتعجبني غير أن الرواية التي كان جدي ينكرها دوما...هي أن المدينة كانت في الأصل بيتا يتيما بناه عاشق تلظّى قلبه من تزويج معشوقته - لا بارك الله في أهلها - فغادر المسكين إلى مقام شجرة وحيدة قرب واحة غير معلومة واستظل من لظى قلبه بها...، ثم ما لبث أن لحقه وجاوره أعداد من عشاق فروا بقلوبهم وصاروا يبنون بيوتا لهم ويدونون أعلى أبوابها أبيات شعر حزينة، يقولون إن ذلك حدث في زمن الجاهلية" (10-11)، ورغم أنها تعود لتحديد موقعها الجغرافي بعد ذلك بين تبوك وبيت المقدس. فإنها تظل مساحة تائهة في فيافي مكان أكثر اتساعا من التحديد الدقيق.

وتستطرد الساردة في نقل الأقوال المتداولة عن مدينة لظى، ف "لا يكف أهل المدينة من القول إن رسول الله حين أسري به رأى من فوق مدينة أعجبته، فسأل جبريل عنها، فقال: هي لظى، فدعا الرسول الكريم اللهم حرم لظى جهنم على أهل لظى" (12). من ذلك نستطيع القول إن الكاتبة أوجدت مدينة ولم توجد مكانا لها على أرض التاريخ؛ ليصبح اللامكان ملجأ وصورة مخادعة، فتصنع منها أسطورة مكانية تحيل كل ما يدور على أرضها إلى كذبة كبرى وتاريخ مزيف.

وتوجه الكاتبة السرد إلى مكونات المدينة الأساسية: (القلعة والسوق) فتصف القلعة التي ستدور أحداث الرواية وبطولاتها فيها، بأنها قلعة حصينة مبنية فوق جبل، وتحيل زمن بنائها إلى زمن ضارب في عمق التاريخ، إحالة لذهنية المتلقي كي يظل تركيزه في الأزمان الغابرة، فتنطلي عليه لعبة الدخول في تاريخ ملفق ليس من التاريخ "يقولون إنها بنيت قبل الإسلام في عهد قديم جدا" (11)، وتجسد القلعة رمزية قوة السلطة التي تسكنها، بالإضافة إلى ما فيها من سراديب ومتاهات وأقبية تروي حكايات غامضة لأناس دخلوها وما خرجوا منها، بصور تبث الرعب من نظام الحكم، وهذا الوصف جزء من تشكيل عالم المدينة الغامض وسرد رحلة عبر الزمن الماضي، من خلال البحث عن الكنز الموجود في الطبقة السفلية السابعة للقلعة.

3.     السلطة بوصفها ملمحا مشتركا بين الماضي والحاضر

تشكل الرواية في ثوبها الزمني التاريخي نقدا للمؤسسات السياسية المليئة بالغش والجشع، جشع ساكن القلعة (الوالي الباحث عن فك السحر، وصاحب الشرطة ابن المغيرة الباحث عن الكنز، فالسلطة المهزومة من الداخل، عماد سطوتها الذبح وقطع الرؤوس والألسنة، وهي وسيلة القتل القديمة بوصفها نسقًا سيميائيًا ومؤشرًا ينسحب على الحاضر، وأن استمرارية العقلية الطاغية نفسها لا زمن لها، ومفتوحة على الأزمان (الماضي والحاضر والمستقبل)، ويجسد مجاز الرؤوس الذبيحة في التماثيل مقطوعة الرؤوس التي صدفها عابد ورفاقه في السراديب (42)، علامة على أن الذبح هو مستقبل هذه الأمة. "لكن جميع التماثيل كانت تنظر إلينا" (79)، فلم تقم العلاقة بين الحاكم والمحكوم على الفضائل والانتصار للحق، بل على العكس علاقة تقوم على الخديعة والسيطرة، وهذا تاريخ مشترك مع الحاضر، فقد وظفت البنية العميقة للسلطة الطاغية متجسدة في السراديب وما فيها من غموض ورعب وتوتر.

وتشير ملامح التاريخ المشترك بين الماضي والحاضر إلى فساد القضاء قديما وحديثا، فتستعين الكاتبة باسم شخصية حقيقية معاصرة تدعى القاضي حماد الأشرم (له صفحة على تويتر)، لتسقط عليه صفة فساد القضاء عندما علم أخو زياد الذي أراد أن يصير قاضيًا "جاء رجل يشكو ما فعلوا به؛ فقد أخذوا بيته دون رضاه، ليعرف بعدها أن حماد الأشرم الذي كان قاضيا يومها هو من أمر بذلك؛ لأنه أراد أن يوسع أرضه المجاورة لبيت هذا الرجل، قال أخو زياد للقاضي الأشرم ما وجدنا ذلك في كتاب الله، ففعلوا به فلازم بيته منكوبا لا يكلم أحدًا" (34)، ولا بد من الالتفات إلى وعي الكاتبة بخلق الإيهام بواقعية الحدث عبر تفعيل اللغة التراثية في المادة الحكائية، فبدت حاملة وظيفة حكائية تجاوز أوجه الصنعة والتزيين نحو استحضار الحالة الماضوية وتقريبها للذهن (الحجمري 66)، لقد نفذت الكاتبة إلى جوهر السلطة الفاسدة في الماضي مثل الحاضر، وخلقت النموذج المستبد في ذاته، (الوالي وصاحب الشرطة والخليفة)، كما خلقت التفرد والقوة في ذات عابد ورفقائه، الذين واجهوا متاهات سراديب القلعة التي كما توجد في الماضي هي موجودة في الحاضر، فهو واقع شبيه بالمتاهات.

4.     وظائف استدعاء الإشارات التاريخية

استطاعت الكاتبة أن توجه المتلقي إلى زمن غير الحاضر؛ حينما اتكأت على الاستعادات التاريخية، فارتكزت عملية استدعاء الإشارات التاريخية على عدة وظائف، منها: الإيهام بالتاريخ وقلب الحقائق التاريخية، والإدانة.

4-1. الإيهام بالتاريخ

تجلى هذا اللون في بناء العتبات الثلاث، وهي تشكل مدخلا موازيا للنص بحسب جيرار جينيت (نقلا عن: بلعابد 48)، فنجد غلاف الرواية يتزين برقعة تشبه المخطوط العربي القديم، يتضمن متنه نصا من كتاب الأغاني، فيلتقي الملفوظ الروائي بالملفوظ الإشهاري، وقد استعانت الكاتبة بخطّاط[2]؛ ليكتب هذه الفقرة بخط شبيه بالخط العربي القديم الذي كان سائدا في بغداد في العصر العباسي، وذلك لمزيد من الإيهام التاريخي، ولهذا المناص التأليفي رسالة ضمنية؛ لكون كتاب الأغاني وصاحبه يشكلان جزءا من بنية أحداث الرواية.

وإذا تجاوزنا عتبة الإهداء "إلى عبد الرحمن" المرتبط بالذاكرة الشخصية والخاصة للمؤلفة، نجد عتبة ثالثة/ تصديرًا/ استشهادًا تعود إلى شخصية (مفستو فاليس) من مسرحية فاوست لجوته، لكن الكاتبة لم تشر إلى هوية هذه الشخصية مكتفية بذكر اسمه، "الشعب الوثني ليس من شأني إنه يعيش في جحيم خاص به" (الرواية 4)، ولعلها عتبة ذات وظيفة تلخيصية تختزل ثيمة الرواية التي تعالج موضوع تلاعب المؤرخين بمتن الأحداث التاريخية، فتقدم بذلك صورة لعبث المؤرخ وبراعة المبدع.

أما العتبة الرابعة فهي استهلال يوازي مقدمة للنص الروائي مكونة من أربع فقرات قصيرة، تشكل جزءا من بنية الرواية ولغتها التراثية، إلا أن هذا التصدير لم يرد فيها، فهو هامش لكنه مهم، يؤدي وظيفة تكميلية لمتن الرواية، وما وجوده الاستباقي إلا محاولة من الكاتبة لمد جسور الغموض اللغزي والفانتازي الذي يلف الثيمة التي ترتكز عليها بعض أحداث الرواية "يقولون إن في سرادق القلعة مخبأ سريّا، فيه صندوق، فيه مخطوط، فيه ثلاث قصائد، لقارئ الأولى لعنة المرض، ولقارئ الثانية لعنة الجنون، والثالثة الموت..." (9).

ومن نماذج الإيهام، تلك التي تأتي على ذكر من سكنوا مدينة لظى منذ عهد الرومان، وكيف خسفت، ثم بنيت، ثم هجرت، ثم بنيت في عهد عمر بن الخطاب. وزيادة في الإيهام ارتكزت في سرد الأحداث على النظام العربي المتبع في كتابة التاريخ المتمثل بتعدد الروايات والأخبار "يقولون إن ذلك حدث في زمن الجاهلية، ويقولون أيضا إن من يريد أن يسلو فعليه أن يذهب إلى مدينة سلوان في ربض بيت المقدس ففيها عين ماء من شرب منها يسلو ما به، لأن ماء سلوان يزور ماء زمزم كل ليلة عرفة" (5)، وفي مقاطع كثيرة تعد شواهد لمثل ما سبق، منها: "كانوا يقولون إن قبر هارون موسى في هذه المغارة، ويقولون إن ثمة دويا وصراخا يسمع منها ليلا..." (39).

ومن أنماط الإيهام التاريخي أيضا، نجد أن الكاتبة اعتمدت في بناء الرواية على أسلوب الاستطراد، وهو منهج أسلوبي متبع في الكتابة قديما، "لكننا لسنا على طريق الحج، الحج قيل لم يحج أحد السنة الماضية، وقيل لا أحد سيفعل هذه السنة من بعد المقتلة التي صنعها أبو طاهر القرمطي؛ منذ ما يقرب سنتين دخل مكة يوم التروية قتل الحُجاج خارج الحرم وحول الكعبة، قيل إنه قتل ما يزيد عن عشرة آلاف حاج، وأنه ألقاهم في بئر زمزم، وقيل إنه نزع كسوة الكعبة وقلع بابها ونزع الحجر الأسود من موضعه وإنه جلس على باب الكعبة سكران وهو يردد: أنا لله وبالله أنا، يخلق الخلق وأفنيهم أنا" (35).

4-2. قلب الحقيقة التاريخية

لم يفت الكاتبة دور الشعر في تاريخ الحضارة العربية في عصر الازدهار بوصفه أحد أهم عناصر الثقافة العربية، فقدمت المعرفي عبر السردي بانتشار الأشعار في ثنايا الرواية، وجعلت من الشعر عصب العمل الروائي، ولعلها محاولة لاسترداد دوره وهو الغائب الحاضر على استحياء في منجزنا الأدبي هذه الأيام، فورد الشعر على لسان العديد من الشخصيات لكونه المادة الأساسية في ثقافة اللغة التراثية. إلا أنه حضر بصورة سلبية مرعبة من باب قلب الحقيقة التاريخية، فما عاد الشعر في منظور الواقع كما كان في الحضارة العربية قديمًا.

ومن أهم مواطن تمثيل الشعر في الرواية تلك القصائد الثلاث التي كانت سببا في موت من يرددها، وقد وردت في تصدير الرواية وفي وسطها ونهايتها، لتغلق الرواية في حركة دائرية قوامها الشعر الذي يؤدي دور السحر في التأثير بهذه الأمة، ولعلها تلوح بغوايته التي كانت سببا في مصائب كبيرة من ثارات، وحروب، وتلفيق ونفاق.

وسر القصائد كما أخبر والد عابد بها "أبي قال لي إنهم أعادوا جده مقطوع اللسان كيلا يقول شعرًا، لكن فاتتهم أصابعه فعندما رأى زوجته دامعة العينين، كتب قصيدة أولى، وحين مرضت كتب الثانية، وحين ماتت كتب الثالثة" (56)، وهي نفسها القصائد التي تعود الساردة ليلى لتسأل عن مصيرها في نهاية الرواية، ليظل مصيرها في فضاء واسع مفتوح على المستقبل، فتتساءل بعد مقتل صاحب الشرطة ابن المغيرة على باب المسجد وهو خارج من صلاة الجمعة، "أين ذهبت القصائد الثلاث الملعونة، وأين ذهبت القصيدة الحمراء، لست أعلم، ربما في خزائن القلعة، ربما متطايرة هنا أو هناك بين جدرانها" (142).

وتروي الحكاية أنه بعد مضي عشر سنوات، أمر المغيرة رجاله بأن يخطوا شِعر جد والد عابد على جسده وذلك بحفرها على يد وشّام، وقد فزع المغيرة من منظرها وصار يتقيأ دمًا، وعندما أرسل جد عابد للمغيرة قصائده الثلاث وقرأها ظل ينزف دما حتى مات، وهي القصائد نفسها التي أهداها ابن المغيرة صاحب الشرطة للوالي الذي كان مولعا بالشعر، إذ كان يسمع بقصيدة ملعونة لكنه لم يكترث للأمر، "كانت القصيدة وصف غزال يموت وبكاء صاحبه، لكني مذ قرأتها ما قدرت أن أنام، كلما نمت حلمت أن قدميّ يقطعهما سياف أشر، وفي الصباح أقيء دما"، كما أضحت أحلامه سوداء (119)، لقد كان الوالي يؤمن بالسحر وبأن سحر القصيدة لا يبطله إلا السحر المدفون في سراديب القلعة، لعله يعثر على كتب السحر التي تفك سحر القصيدة الملعونة، لذا فقد أمر عابدا أن يعود لسراديب القلعة ليعثر له على كتب السحر تلك.

وعلاوة على ما سبق، فإن حضور الشعر في هذه الرواية يجسد صورة سلبية، تريد الكاتبة أن تكسر صورة هذا الموروث، "مدينتي فيض شعراء، وكما يعلم الجميع فما يتبعهم إلا الغاوون" (10)، فوظيفة الشعر هنا خلاف ما نعرفه من كونه يمثل في الذاكرة الجمعية ديوان العرب، فجدّ سليمان بن الوطار قاتل الأخيفش شاعر مقامر يشبه الحيوان في مسلكه وحياته، وتقول فيه: "وأورث ابنه سليمان كل هذه الأوبئة، إنهم سلالة شعراء ملعونين" (125).

4-3. إدانة التاريخ والطعن فيه

يتجسد نموذج الطعن في التاريخ في اطلاع ليلى على (سفر رؤيا لوقا) الذي اشتراه أبو الجود الوراق ممن عثرا عليه في كهف أسود، وهو أحد المخطوطات الآرامية القديمة التي وصفها أبو الجود بالكنز الثمين، وما فيه من مسرودات غامضة وعجيبة تشي بوعد الرب في هلاك أهل المدينة لفساد أخلاقهم وسلوكاتهم، يدفعها لتسأل أبا الجود "أهذا نحن؟ قال: لست أعلم، أحبار اليهود يتقولون كثيرا على الأنبياء...قلت: يا ربي يصعب في كتبهم أن تفك الحقيقي عن المختلق، هل تظنها نبوءة وهل تحققت سابقا وانقضى أمرها؟" (108)؛ مما يدل على أن الكاتبة تعي تماما رسالة روايتها في طعن التاريخ القديم المبنى على التزييف والتلفيق.

كما تبدو الكاتبة في محاولة جريئة لمحاكمة التاريخ وانتقاده، "ما كتبه ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء أنه (بشار بن برد) أغرق بالماء كان أكثر رصانة وهذا ما نقله جدي، ولكن من ينتظر أخبارا حقيقية حول شاعر قبيح بذيء يضع قرطا في أذنيه" (27)، فتجعل الكاتبة من ليلى ذات حس نقدي لاذع تسخر من التاريخ بحجم ما فيه من خروج وتلفيق. لذا تظهر جشع ليلى المعرفي وولعها في تحريفها للأخبار والروايات التاريخية أثناء عملية النسخ (الوراقة) بصورة منسابة "كنت أتسلى بدسّ أخبار مختلفة على ألسنة رواة مختلفين" (27) دون أن تجرّم سلوكها ذاك.

4-4. التلاعب بالتاريخ

تستدعي الكاتبة أبا الفرج الأصفهاني الذي زار جدها بصورة السارق، إذ غافل جدها وسرق كتاب الأغاني وبعض المخطوطات، فتجعل كتاب الأغاني ملكا لجدها لا للأصفهاني "...كان جدي قد قال إنه سيري ضيفه كتابه (الجند والقادة)، الذي كان معروفا جدا، صرف فيه خمس سنوات، وتعلمت النسخ وأنا أنسخه، وكذلك قال إنه يريد كتاب (الأغاني) الذي صرف فيه قرابة سبع سنوات حتى الآن، وكتاب (أصحاب الجن)" (60)، بذلك تكون قد قدمت شخصية الأصفهاني نموذجا للتلاعب بالتاريخ، فارتأت أن تعكس الحقيقة التاريخية، فصورت الأصفهاني بصورة الجشع يسرق كتاب الأغاني من جد الساردة الشخصية المتخيلة، وكأنها تحيل المتلقي إلى التفكير في أي جوانب التاريخ يكمن الصدق، مما يعني أنها نجحت في تقديم شخصياتها روائيًا لا تاريخيًا.

كما كثرت الشواهد التي تدلل على وجهة نظر الكاتبة بالرغبة الكامنة في الكشف عن زيف التاريخ، وتعدد رواياته بالاعتماد على المؤرخين والنسابة، "قال لي عابد إن جدّه كان نسّابة نصف صادق نصف كاذب" (20).

5.     فانتازيا التاريخ

اتكأت الكاتبة على سلسلة من الحكايات ذات الطابع الفانتازي العجائبي الموغل في خوارقه بهدف المقاربة مع الواقع، فإذا كان الفانتاستك "صدام ما هو طبيعي بما هو غير طبيعي ينتج الخوف والرعب" بحسب المشتغلين بدراسات العجائبي والغرائبي (حليفي 32)، فإن وظيفة الفانتازيا إدخال الرعب المتخيل في قلب العالم الحقيقي، وهذا ما أخذ به تودوروف في كتابه (مدخل إلى الأدب العجائبي) (تودوروف 20)، إذ يحس القارئ بالتيه والعجز عن تمييز مجموع الظواهر سواء أكانت حلما أم تجارب متخيلة، واستفهامية أو هذيانا (حليفي 34)، ويهدف ذلك إلى دفع المتلقي لتقبل الخارق واستمرائه، ولعل التداخل والإيهام الذي تصنعه الفانتازيا يعبر بمقصدية عن شيء هو بحد ذاته يشكل لعبة سردية.

عالج الدارسون، ومنهم تودوروف في كتابه سالف الذكر، تفاصيل هذه المسائل، واستقر إلى أن الأدب الفانتازي ليس سوى زمن الحيرة والتردد، تتلبس المتلقي حيرة تضرب في شتى أنواع التردد، وأنّ تردد الشخوص يوازيه تردد القارئ وذلك بهدف الإيهام بواقعية الأحداث، ففاعلية الفانتازيا تعني تركه يخلخل سكون العقل والبديهيات خلخلة عمودية تجعل المتلقي في حيرة وتردد، وأن عنصري الخوف والرعب هما أساس كل خلق فانتازي، كما أن وظيفة الفانتازيا إحداث التعجب والغرابة والانفعال (حليفي 40-48)، وهذا ما لمسناه في توظيف الفانتازيا في رواية "ماء الورد".

تطرح الرواية مواقف عجائبية وغرائبية عديدة، تجبر المتلقي على استمراء أشياء غير مألوفة كالأحلام والكوابيس، والهذيان، وحضور الجن، والطلاسم والألغاز، والسريالية المشوهة للواقع، ولعل الكاتبة تدرك تماما أن "آثارنا النثرية القديمة في إنتاجنا العربي القديم تحتوي بذورا ناضجة للعجائبي" (حليفي 54)، كما تدرك أنها مقترنة بعلم النفس التحليلي من حيث اشتغال الغرابة المقلقة داخل نفسية الفرد، سواء أكان الشخصية المتخلة المتسببة في إنتاج الفانتازيا أم المتلقي.

تشيع في الرواية العديد من المشاهد الحلمية تقع ضحيتها ليلى في أغلب الأحيان، وفانتازيا الرواية تعد مغامرة تهدف إلى سبر أغوار النفس، وتحليل أحلامها واستيهامها وتخاييلها الشفافة والمعقدة معا، وهو ما يعبر عنه بالحيرة والدهشة (حليفي 18)، فليلى حين تصاب بالضجر تستشعر واقعها المؤلم، فتضيئه بالأحلام والكوابيس واللاشعور، "في المنام جاءني قرد ذو وجه بشريّ وسيم ومريع وقاس، وقف قبالتي وفتح فمه، فخرج منه تنين عظيم الجثة أسود أرقط، له ستة أعناق، كل عنق رأس كرأس حية ذات عينين ناريتين، من أفواهها تطلع نار تنبعث كالشرر في وجهي، أفقت من نومي مذعورة... أصغيت إلى شخير جدي الذي طالما ألقى في قلبي الاطمئنان لكن الفزع ما غادرني" (109)، وهي بذلك تسعى إلى إدخال المفارقة في عالم الفانتازيا؛ لتمنح الحدث صبغتها، لكون التمثيلات وهمية تصدم المتلقي بحقيقتها فوق الطبيعية.

وكثرة الوقائع الفانتازية في ثنايا السرد كالكوابيس والأحلام المرعبة، تشي بحالة العجز التي تواجه الساردة ليلى، فقسورة يأتي ليلى في المنام، ورغم المشهد الحلمي المفزع إلا أن ليلى لا تفقد سيطرتها على أعصابها، بل تستسلم للهلع الساكن في الحلم دون مقاومة "رفع يمينه البيضاء فإذا بها خنجر مزين رفعه عاليا وطعنني به في كتفي ثم نزعه مني ناصعا بلا قطرة دم ثم طعنني في كتفي الأيسر وأنا مستسلمة أبكي دون دمع ولا صوت...وسلط يده على قلبي يريد طعنه فصرخت عليه وأمسكت يده أغمضت عيني وتركت نفسي له...وأفقت" (29).

ومن صور الهذيان تلك التي راودت ليلى كثيرا في منامها، فبعد أن علمت بإلقاء القبض على خطيبها عابد أخذت تهذي في منامها "في غيبوبتي رأيت عابدا وقد صار أخرس" (46) ورؤيتها للخضر في المنام وقد جاءها يمسح على رأسها (51)، وكذلك صورة الطفل الذي أصابه الحول عندما رأى الشرطة تقتل طفلا متسولًا... كلها صور تعمل على تكسير دفة الوهم بين الوعي واللاوعي.

ولم ينج عابد من سيطرة الكوابيس على ذهنه، ففضاء القلعة وحده يستجلب الكوابيس وأجواء الرعب، فنجده يحلم بوالديه يزورانه في المنام، "ثم خيل إليّ أن صفوف الحجارة هذه تمشي إليّ هؤلاء التماثيل رأيتهم يأتون يريدون أن يتساقطوا عليّ وحدي صحبة عشرين تمثالا..." (44). كوابيس لا ندري أهي ستقود نحو الجنون، أم الموت، أم الكبت، أم الاضطهاد، فانتازيا تولّد محور الانفعال في المتلقي والشخصية على حد سواء، ويضم التردد، والحيرة، والخوف والإدهاش. فإذا كانت الفانتازيا "تفجر الرعب والفوضى والموت، فإنها تدخل الفوضى المدمرة ليس في العالم الواقعي أو الخيالي، ولكن في رؤيتنا للعالم" (حليفي 48)، وتسعى إلى تعرية إرث الذاكرة الجمعية بمعنى التدمير والقطيعة مع القديم.

تشكل القلعة مكانا غامضا، تدور فيه ثلث أحداث الرواية، كالسلطة التي تتعمد إشاعة الغموض لإثارة المزيد من الخوف في نفوس العامة؛ فالغموض والرعب والألغاز، تجعل وظيفة الحدث فيها استيلادا لحالة الرعب، فتعتمد على المشاهد الملغزة والأحداث العجائبية التي تكسر رتابة الوصف، والفانتازيا فيها تحير وتثير الرعب أكثر مما تطمئن، رغم أن المتلقي الواعي "مسلح بوعي نقدي يحول الخوف والرعب من الغرائبي والعجائبي إلى رعب آخر اسمه رعب المعنى، فلا ترعبه الأشباح ورؤوس التماثيل المقطوعة بقدر ما يرعبه المعنى ورؤية العالم" (حليفي 46)، وهذه إحدى خصيصات الرواية الفانتازية كما يراها عدد من الدارسين.

ومشهد وصف التماثيل التي واجهها عابد في أثناء حبسه في القلعة خير مثال على ما تشيعه تلك الأجواء الفانتازية "كنت وحدي ملقى على جنبي، من أمامي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي تماثيل ضخمة بلا رؤوس، مصفوفة صفًا صفًا كأنهم بنيان مرصوص كل هذه التماثيل تواجهني، واحد يرفع يده مكسورة الأصابع بالوعيد، تمثال آخر لا أعلم أهو رجل أم امرأة له جناحان واحد سوي وآخر مكسور...، تمثال مشطور إلى نصفين وكأنهما لا يعرفان بعضهما..." (42).

ومن الأجواء الفانتازية حضور الجن، تقول ليلى وهي في حالة غيبوبة حزنا على اعتقال خطيبها عابد "توسلت في غيبوبتي الجنّ أن يتسقّطوا لي أخبارك، حتى الجن تركوني، وقرروا أن تسقّط أخبار السماء مرهق لأبدانهم الشفافة، وقرروا أن يقضوا مساءاتهم القادمة في قراءة شعر عنترة" (47).

ومن التمثلات الفانتازية أن جعلت وظيفة الحدث إحداث الغرابة والانفعال والتضخيم والمبالغة، وهذا اللون من الأحداث قريب من الرواية البوليسية، ورغم أن الرواية البوليسية والفانتازيا تتشابهان في العناصر كالاختفاء والغرابة والرعب والحظ في الوصول إلى حل اللغز، إلا أن الرواية البوليسية تظل جنسا أدبيا شعبيا واضح المعالم، في حين يمكن التعامل مع الفانتازيا على أنها تقنية فنية حسب كما أسلفنا سابقًا.

ومن المشاهد الملغزة، أن الطبقة الثالثة في القلعة الحصينة تتشكل "من متاهة ما من بشر دخلها إلا ولّى بغير رجعة" (53)، وتستغرق الكاتبة في سرد تفاصيل قصاصات الأوراق الثلاث التي سُلّمت للمعتقلين عابد وصاحبيه، بوصفها خرائط ستقودهم إلى الكنز، وعبثا حاولوا فك لغزها لمعرفة كنهها، فهي طلاسم يصعب تحليلها "انقضى يوم أمس ونحن نتدارس الأوراق الثلاثة،... ورقة عليها عطاس وبصاق كان الرسم فيها طوليا على شكل أنصاف دوائر،... وورقة عليها دم متيبس وكان الرسم فيها عرضيا أشبه بحجرات صغيرة رُكبت على بعضها،...والرسم في الورقة النظيفة عرضي أيضا إنما رسم الغرف فيها كانت متجاورة..." (64)، تبرع الكاتبة في رسم تفاصيل المتاهة والوصول إلى الكنز دون عثرات، وتجعل حل اللغز جزءا من ذاكرة زياد حين تذكّر عبارة قالها أبوه المعماري في وصف مولاه "قلبُ مولاي لا يلقط غير الأوغاد دون الأوفياء، فإذا أدخلك فيه، فامض مستقيما في متاهته، وكفاك" (67). تتضمن هذه العبارة حل اللغز وفك طلاسمه، حيث قرر زياد على أصحابه يوسف وعابد ... أن يسيروا بخط مستقيم في غرف المتاهة، وبالفعل نجوا جميعا منها.

ولا تجد الكاتبة بدا من الاستعانة ببعض ملامح السيريالية فنجد مشاهد ذات بناء سريالي يزيد الصور الفانتازية غرابة ورعبا، "وأني كنت قد أتيت حيّ العشاق، فوجدتني في قرية لا حي فيها سواي فبكيت على صدر تمثال، فنمت فحلمت أني أميرة بأثواب من تراب وتاج من حصى..." (49).

وفي مقطع سردي آخر "جدّ لعابد ولد وفي ظهره أجنحة تفتقتا يوم عشق فما احتمل قلبه ثقل رفرفة الجناحين فمات...كانت سلالتي المجيدة علماء وعشاق" يتميز هذا السرد بإدخال الغرابة وإشاعة الغموض في نفسية المتلقي كما في نفسية شخصيات العمل، وهذا ما يعرف بقطب التوتر لدى المشتغلين بالفانتازيا والغرائبيات، أمثال: تودوروف، وكايوا، وبسيير، وغيرهم (نقلا عن: حليفي 39).

ومن ضروب الفانتازيا رسم شخصية الطبيب قسورة بما هو فوق طبيعي حيث يتولد الرعب والتردد "كان مولعا بتقطيع الحيوانات الميتة وتشريحها والنبش بأعضائها..." (37) "ذات رحلة وقبل سنتين عاد قسوة وقد أحضر معه شجرة، زرعها عند باب بيت أهله، لها أوراق متجاورة واحدتها كوجه بشري يصرخ بالفناء والخراب، كأنها زقوم طلعها كأنه رؤوس الشياطين..." (39)، استطاعت الكاتبة أن تصنع لوحة سريالية من مشهدية قسورة الغرائبية تولد الخوف، فهو شخصية تكاد تكون مؤسطرة، غريبة الأطوار.

نلمس مما سبق حالة من "المزاوجة بين الفانتازيا، والأسطورة، والمحكيات الموروثة، واللجوء إلى استعارة سردية كتب التاريخ، والقصص الشعبية، ومشاهد قاتمة لواقعية سحرية" (حليفي 19)، والجنّ، والسريلة، والطلاسم وغيرها من ملامح الفانتازيا، كلها ذات بناء سردي يستند على الإدهاش والحيرة، وانتشار العتمة التي بنتها الكاتبة في فضاء الرواية من عالم كابوسي. أحسب أنها نجحت في رسم صورة الواقع المعاصر، المتجسد بحضور الشخصيتين المتخيلتين، الأشد غرابة من ماض سحيق بالكاد نعرفه على حقيقته. وبذلك تصبح الفانتازيا وسيلة للتعبير عن الكوابيس اليومية لهزائم فردية وجماعية.

خاتمة

استطاعت الباحثة الخلوص إلى ما يأتي:

-      أن رواية "ماء الورد" تعد صورة جيدة لعمل سردي تجريبي، يسلط الضوء على حقبة تاريخية مهمة من التاريخ العربي الإسلامي في القرن الرابع الهجري.

-      اتكأت الكاتبة في بناء أحداث الرواية على ثلاثة أركان أساسية: الفتن في العصر الذهبي لتاريخ الأمة، والازدهار الفكري، والعلاقات الرومانسية، وقدمتها بصورة ساخرة تهكمية، جمعت بين المتناقضات في زمن الفتن والاضطراب السياسي، وهو نفسه زمن الازدهار الفكري، بلغة تراثية عميقة الدلالات.

-      رصدت ما في الزمن الماضي من بشاعة وتزوير، كما بينت أن ذاك العصر لم يخل من نشاط علمي بارز، متجسد في التأليف وصناعة المصنفات.

-      قدمت صورتين لشخصيتين متخيلتين يمثلان المستقبل الذي يواجه الماضي، بوعي قادر على محاكمته من خلال مواجهته بالحيلة طورا، وبالتهكم والمغامرات حينا آخر، انطوى حضورهما على خطابين: المغامرة ويجسده عابد، والمقامرة وتجسده ليلى.

-      استثمرت الكاتبة الفانتازيا لاستنطاق اللاوعي، وإطلاق الرعب والفوضى والموت لتدخل الفوضى العارمة ليس في العالم الواقعي أو الخيالي، ولكن في رؤيتنا نحن لهذا العالم بشقيه الماضي والحاضر.

-      وتوصي الباحثة بما يأتي:

-      ضرورة تتبع السرد الروائي المعاصر، الذي يثبت أن الروائيين يتجهون نحو سردية ذات بناء فانتازي لأعمالهم بصورة ملحوظة.

-       أن يولي الباحثون الاهتمام الأكبر لتقنية الفانتازيا في الأدب، لكونها تقنية تجريبية معاصرة؛ إذ يمكن لها أن تكون بديلا لطرح مفهوم الرواية التاريخية مستقبلا.


المراجع

أولًا: العربية

باختين، ميخائيل. الخطاب الروائي. ترجمة محمد برادة. رؤية للنشر والتوزيع، ط1، 2009.

برادة، محمد. "قضايا الرواية العربية مناقشات المائدة المستديرة". مجلة فصول، مجلة النقد الأدبي، القاهرة، مج17، ع1، صيف 1998، 405-434.

بلعابد، عبد الحق. عتبات، جيرار جينيت من النص إلى المناص. الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2008.

تودوروف، تزفيتان. الشعرية. ترجمة شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، دار توبقال للنشر، المغرب، ط2، 1990.

 _______. مدخل إلى الأدب العجائبي. ترجمة الصديق بوعلام. دار الأدب المغربي، الرباط، ط1، 1993.

الحجمري، عبد الفتاح. "هل لدينا رواية تاريخية". مجلة فصول، مجلة النقد الأدبي، القاهرة، مج16، ع3، ج1، شتاء 1997، 60-67.

حليفي، شعيب. شعرية الرواية الفانتاستيكية. الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت؛ منشورات الاختلاف، الجزائر؛ دار الأمان، الرباط، ط1، 2009.

دراج، فيصل. الرواية وتأويل التاريخ، نظرية الرواية والرواية العربية. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2004.

الرويلي، ميجان، وسعد البازعي. دليل الناقد الأدبي. المركز الثقافي العربي، المغرب، ط3، 2002.

ريكور، بول. الزمان والسرد. ترجمة سعيد الغانمي، ج1، دار الكتاب الجديدة المتحدة، بيروت، ط1، 2006.

الشنطي، محمد بن صالح. "توظيف التراث في تشكيل البنية الروائية العربية لغة وسردًا: رواية (توبة وسليى) لمها الفيصل نموذجًا". دورية كان التاريخية، س4، ع11، 2011، 44 - 53.

عاشور، رضوى. "قضايا الرواية العربية مناقشات المائدة المستديرة". مجلة فصول، مجلة النقد الأدبي، القاهرة، مج17، ع1، صيف 1998، 205-434.

عبابنة، سامي. "السرد الروائي والرؤية التاريخية في رواية (قناديل ملك الجليل) لإبراهيم نصرالله". مجلة دراسات العلوم الاجتماعية والإنسانية، الأردن، مج42، ملحق 2، 2015، 1533-1546.

عبيد، محمد صابر. "لعبة التوازي السردي بين لسان الراوية واستراتيجية الراوي: قراءة في رواية ماء الورد". مجلة الجسرة الثقافية، الدوحة، ع52، خريف 2019، 36-45. https://archive.alsharekh.org/Articles/250/21673/496589

علوش، سعيد. معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة. دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1، 1985.

فرج، نورة محمد. ماء الورد. دار أثر للنشر والتوزيع، الدمام، ط1، 2017.

قاسم، عبده قاسم، وإبراهيم الهواري. الرواية التاريخية في الأدب العربي الحديث. دار المعارف، مصر، ط1، 1979.

لوكاش، جورج. الرواية التاريخية. ترجمة صالح جواد كاظم، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ط2، 1986.

محمدو، أحمدو لكبيد. "الرواية التاريخية الحديثة: من تسريد التاريخ إلى تأريخ السرد، دراسة في الثالوث الروائي للموريتاني أحمدو بن عبد القادر". مجلة الفيصل، نوفمبر 2019. https://www.alfaisalmag.com/?p=16915

النحال، مصطفى. المتخيل السردي العربي دراسة في بنيات ووظائف العجائبي. دار رؤية للنشر والتوزيع، ط1، 2020.

نور الدين، صدوق. "حكاية نص أم نص الحكاية". مجلة الدوحة، مجلة ثقافية فصلية تصدر في الدوحة، ع116، يونيو 2017.

 يقطين، سعيد. "السرد والتاريخ". جريدة القدس العربي، 28 أغسطس 2018. https://www.alquds.co.uk/%EF%BB%BF%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE/

ثانيًا: الأجنبية

References

ʻAbābinah, Sāmī. "al-sard al-riwāʼī wa-al-ruʼyah al-tārīkhīyah fī riwāyah (Qanādīl Malik al-Jalīl) li-Ibrāhīm nṣrāllh". (in Arabic), Majallat Dirāsāt al-ʻUlūm al-ijtimāʻīyah wa-al-insānīyah, al-Urdun, mujallad 42, mulḥaq 2, 2015, 1533-1546.

al-Ḥajmarī, ʻAbd al-Fattāḥ. "Hal Ladaynā riwāyah tārīkhīyah". (in Arabic), Majallat fuṣūl, Majallat al-naqd al-Adabī, al-Qāhirah, mj16, Adad 3, juz' 1, Shitāʼ 1997, 60-67.

al-Ḥajmarī, ʻAbd al-Fattāḥ. "Hal Ladaynā riwāyah tārīkhīyah". (in Arabic), Majallat fuṣūl, Majallat al-naqd al-Adabī, al-Qāhirah, mj16, Adad 3, juz' 1, Shitāʼ 1997, 60-67.

ʻAllūsh, Saʻīd. Muʻjam al-muṣṭalaḥāt al-adabīyah al-muʻāṣirah. (in Arabic), Dār al-Kitāb al-Lubnānī, Bayrūt, 1st ed., 1985.

al-Naḥḥāl, Muṣṭafá. Al-mutakhayyal al-sardī al-ʻArabī dirāsah fī bunyāt wa-waẓāʼif al-ʻAjāʼibī. (in Arabic), Dār ruʼyah lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 1st ed., 2020.

al-Shanṭī, Muḥammad ibn Ṣāliḥ. "Tawẓīf al-Turāth fī tashkīl al-binyah al-riwāʼīyah al-ʻArabīyah Lughat wsrdan : riwāyah (Tawbah wslyá) lmhā al-Fayṣal namūdhajan". (in Arabic), Dawrīyah kāna al-tārīkhīyah, sanat 4, Adad 11, 2011, 44-53.

ʻĀshūr, Raḍwá. "Qaḍāyā al-riwāyah al-ʻArabīyah munāqashāt al-māʼidah al-mustadīrah". (in Arabic), Majallat fuṣūl, Majallat al-naqd al-Adabī, al-Qāhirah, mujallad 17, Adad 1, ṣayf 1998, 205-434.

Bākhtīn, Mīkhāʼīl. Al-khiṭāb al-riwāʼī. (in Arabic), tarjamat Muḥammad Barādah. ruʼyah lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 1st ed., 2009.

Barādah, Muḥammad. "Qaḍāyā al-riwāyah al-ʻArabīyah munāqashāt al-māʼidah al-mustadīrah". (in Arabic), Majallat fuṣūl, Majallat al-naqd al-Adabī, al-Qāhirah, mujallad 17, Adad 1, ṣayf 1998, 405-434.

Bilʻābid, ʻAbd al-Ḥaqq. ʻAtabāt, Jīrār jynyt min al-naṣṣ ilá almnāṣ. (in Arabic), al-Dār al-ʻArabīyah lil-ʻUlūm Nāshirūn, Bayrūt, 1st ed., 2008.

Faraj, Nūrah Muḥammad. Māʼ al-Ward. (in Arabic), Dār Athar lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, al-Dammām, Ṭ1, 2017.

Ḥalīfī, Shuʻayb. shiʻrīyah al-riwāyah al-fāntāstīkīyah. (in Arabic), al-Dār al-ʻArabīyah lil-ʻUlūm Nāshirūn, Bayrūt ; Manshūrāt al-Ikhtilāf, al-Jazāʼir ; Dār al-Amān, al-Rabāṭ, 1st ed., 2009.

Ḥalīfī, Shuʻayb. Shiʻrīyah al-riwāyah al-fāntāstīkīyah. al-Dār al-ʻArabīyah lil-ʻUlūm Nāshirūn, Bayrūt ; Manshūrāt al-Ikhtilāf, al-Jazāʼir ; Dār al-Amān, al-Rabāṭ, 1st ed., 2009.

Lwkāsh, Jūrj. al-riwāyah al-tārīkhīyah. (in Arabic), tarjamat Ṣāliḥ Jawād Kāẓim, Dār al-Shuʼūn al-Thaqāfīyah, Baghdād, 2nd ed., 1986.

Muḥammadū, Aḥmadū lkbyd. "al-riwāyah al-tārīkhīyah al-ḥadīthah : min tsryd al-tārīkh ilá taʼrīkh al-sard, dirāsah fī al-Thālūth al-riwāʼī llmwrytāny Aḥmadū ibn ʻAbd al-Qādir". (in Arabic), Majallat al-Fayṣal, Nūfimbir 2019. https://www.alfaisalmag.com/?p=16915

Nūr al-Dīn, Ṣadūq. "Ḥikāyat naṣṣ Umm naṣṣ al-ḥikāyah". (in Arabic), Majallat al-Dawḥah, Majallat thaqāfīyah faṣlīyah taṣdur fī al-Dawḥah, Adad 116, Yūniyū 2017.

Qāsim, ʻAbduh Qāsim, wa-Ibrāhīm al-Hawwārī. al-riwāyah al-tārīkhīyah fī al-adab al-ʻArabī al-ḥadīth. (in Arabic), Dār al-Maʻārif, Miṣr, 1st ed., 1979.

Tūdūrūf, Tazfytān. Al-shiʻrīyah. (in Arabic), tarjamat Shukrī al-Mabkhūt wrjāʼ ibn Salāmah, Dār Tūbqāl lil-Nashr, al-Maghrib, 2nd ed., 1990.

–––. Madkhal ilá al-adab al-ʻAjāʼibī. (in Arabic), tarjamat al-Ṣiddīq Būʻallām. Dār al-adab al-Maghribī, al-Rabāṭ, 1st ed., 1993.

ʻUbayd, Muḥammad Ṣābir. "Luʻbat al-tawāzī al-sardī bayna Lisān al-Rāwiyah wa-istirātījīyat al-Rāwī : qirāʼah fī riwāyah Māʼ al-Ward". (in Arabic), Majallat al-Jasrah al-Thaqāfīyah, al-Dawḥah, Adad 52, Kharīf 2019, 36-45. https://archive.alsharekh.org/Articles/250/21673/496589  

Yaqṭīn, Saʻīd. "al-sard wa-al-tārīkh". (in Arabic), Jarīdat al-Quds al-ʻArabī, 28 Aghusṭus 2018. https://www.alquds.co.uk/%EF%BB%BF%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE/

 

 



[1] كنتُ نشرتُ في باب الإصدارات قراءة أولية لرواية "ماء الورد" في مجلة الدوحة، العدد 112، فبراير 2017، ص 102-103، وكانت القراءة حافزًا لي لتعميق البحث في جانب الفانتازيا بهذه الدراسة العلمية. كما أنوّه إلى وجود دراستين سابقتين لهذه الرواية، الأولى للناقد صدوق نورالدين، تناول فيها "حكاية نص أم نص الحكاية". والدراسة الثانية للناقد محمد صابر عبيد بعنوان: "لعبة التوازي السردي بين لسان الراوية واستراتيجية الراوي"، وقد أثبتُّ توثيق الدراستين في نهاية البحث، وكلتا الدراستين لم تتناولا جانب الفانتازيا والإشارات التاريخية إلا لمامًا.

[2] حوار مع الكاتبة 30 سبتمبر 2022.