مراجعة كتاب
«التغيّر اللغوي والتنوع اللساني: دراسات احتفاء بــ "لايل كامبل"»
تحرير: كوستا تشاكون Costa Chacon ونالا لي Nala Lee وويلسون سيلفا W. Silva
مراجعة: عبد الحميد زاهيد
أستاذ اللغة العربية، قسم اللغة العربية، كلية الآداب والعلوم، جامعة قطر
Book Review
Language Change and Linguistic Diversity: Studies in Honour of Lyle Campbell, edited by Thiago Costa Chacon, Nala H. Lee & W. D. L. Silva
Reviewed by: Abdelhamid Zahid
Professor of Arabic Language, Department of Arabic Language, College of Arts and Sciences, Qatar University
عنوان الكتاب: Language Change and Linguistic Diversity: Studies in Honour of Lyle Campbell العنوان المناظر باللغة العربية: التغيّر اللغوي والتنوع اللساني: دراسات احتفاء بــ "لايل كامبل" تحرير: كوستا تشاكون Costa Chacon ونالا لي Nala Lee وويلسون سيلفا W. Silva الناشر: دار نشر جامعة إدنبرة مكان النشر: المملكة المتحدة، إدنبرة سنة النشر: 2022 عدد الصفحات: 356 صفحة تدمك: 9-812-448-147-978 (مطبوع)، 0-815-448-147-978 (إلكتروني) |
للاقتباس: زاهيد، عبد الحميد. «مراجعة كتاب: التغيّر اللغوي والتنوع اللساني: دراسات احتفاء بــ "لايل كامبل"»، مجلة أنساق، المجلد السادس، العدد 2، 2022
© 2022، زاهيد، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.
يقدِّم كتابُ التغير اللغوي والتنوع اللساني من تحرير كوستا تشاكون Costa Chacon ونالا لي Nala Lee وويلسون سيلفا W. Silva ثروةً من الرؤى المتبصِّرة إلى التفاعل الفكري المعقَّدِ بين مجموعة مختلفة من المؤلفين الذين أسهموا في تقديم معطيات جديدة في مجال التوثيق اللغوي، والتغيُّر اللغوي، واللسانيات التاريخية. ويُعدُّ هذا الكتابُ رائدًا في التحليلات، والبحوث المعمقة التي تضمنت نظريات مختلفة حول علاقة فهم التغيّر اللغوي بالتوثيق اللغوي، والوصف، وإعادة الإحياء. تشتمل مواضيعُ الكتابِ التي تم التطرقُ إليها مجموعة متنوعة من الاهتمامات النظرية بما في ذلك، التغيّر المستمر للغة، والتعتيم الاشتقاقي، وترتيب الكلمات، ونظم التراصف، والعلاقات النحوية، والتواصل اللغوي، والمفرداتية، والدراسة ما قبل التاريخ.
يتألف الكتاب من ثلاثة عشر فصلًا كُتبت من طرف أشهر الأكاديميين المرموقين في المجال؛ إذ جمع بين بحوث أصلية أجراها علماء لغويون بارزون وهم: روبرت بلست Robert Blust، وأمي دالستروم Amy Dahlstrom، وايفيس جودارد Ives Goddard، وأليس هاريس Alice Harris، وبيتر مويسكن Pieter Muysken، وويليام أديلار William Adelaar، وويليام أوجرادي William O'Grady. تتنوع فصول الكتاب بين تغطيةٍ لبعض اللغات التي تنتمي إلى العائلات الكبيرة، مثل اللغات التوبية والأسترونيزية، والأخرى المعزولة لغويًا مثل اللغات الباسكية والمابوتشية، يبين الكتاب كذلك مدى أهمية العمل اللغوي الميداني في المساعدة على فهم السجل الإثنوغرافي بشكلٍ أفضلَ، كما يسعى أيضا إلى تقديم رؤية متسقة عن تطور اللغة، كما يبحث الكتاب في تقاطعات التنوع اللساني، وتطور اللغة، ومواضيع أخرى مرتبطة تعتمد في الأساس على العمل اللغوي الميداني.
تناولت فصول الكتاب مجموعة متنوعة من المواضيع النظرية والمنهجية لبعض اللغات في عدة مناطق جغرافية، كما تشيد المساهمات العلمية المتضمنة في الكتاب بالدكتور الباحث لايل كامبل Lyle Campbell الذي كرَّسَ حياته المهنية لدراسة التنوع اللساني، والتغيّر اللغوي، إضافة إلى إسهامات مهمة في مجال اللسانيات التاريخية، والتوثيق اللغوي، والتصنيف النمطي للغات.
كتب الفصل التمهيديّ محررو الكتاب وهم: كوستا تشاكون Costa Chacon ونالا لي Nala Lee وويلسون سيلفا W. Silva؛ حيث تطرقوا إلى مناقشة دور التنوع اللساني، والتغيّر اللغوي في إنشاء مجالات دراسية معينة، بما فيها اللسانيات التاريخية، والتوثيق اللغويّ، والتصنيف النمطي للغات، كما سلَّطوا الضوءَ أيضًا على احتمالات بعيدة المدى تسعى إلى معرفة إمكانية كون هذه المجالات متبادلة ومتداخِلة فيما بينها، يستجيب بعضُها لبعض، وتتلاقى لتعالج تساؤلات عامة تتعلق بالتغيّر اللغوي والتنوع اللساني.
استمر الفصل الثاني في نفس سياق الفصل التمهيدي؛ حيث أكَّدَ على أهمية التوثيق اللغويّ، وارتباطه بمنهجيات اللسانيات التاريخية. وقد اتخذ الفصل اللغة الزبنكانية متنًا للدراسة، وقد انخرط المجتمع الزينكي في هذه الدراسة لإعادة إحياء لغاته. لكن، أثناء الدراسة، ظهر نوع من التناقض؛ وذلك بسبب نقصٍ في متكلمي هذه اللغة، وبالإضافة إلى ذلك، سعى هذا الفصل إلى حل بعض أنواع التناقضات المتعلقة بالصوامت المهموزة، كما قدم صورة واضحة عن الخصائص الزمنية لهذه الصوامت في اللغات الزينكانية.
اتخذ الفصل الثالث لغات المايا أنموذجًا لتسليط الضوء على ظاهرة التغيّر اللغوي، وقدم بيانات تزامنية جديدة في لهجة الكاكتشيكل (لغة أمريكا الوسطى الأصلية وفرع من عائلة لغة المايا)، وذلك في محاولة لتقديم صورة تاريخية كاملة حول كيفية تطور بعض المرفيمات داخل عائلة لغوية.
في حين يصف الفصل الرابع بعض الجوانب المتعلقة بتركيب الأفعال في لغة الباتسبي؛ إذ بيّن الفصل بإيجازٍ أصولَ القلبِ المكاني في الأفعالِ المتعديةِ المشتقة، كما ركَّزَ في متن الدراسة على الأفعال اللازمة أنموذجًا، وفي نهاية الفصل، توصل أليس هاريس Alice C. Harris بنتيجة مفادها أن القلبَ المكانيّ شائعٌ في اللغة الباتسية من الأفعال المتعدية إلى الأفعال اللازمة.
وفي الفصل الخامس، بيّن روبرت بلست Robert Blust كيف يمكن للتغيّر المفرط للصوت أن يُعَمِّيَ الأشكال اللغوية، وقد أوضح ذلك في متن اللغة الأسترونيزية.
أما الفصل السادس، فيوضح فيه جواكين جوروشاتيغوي Joaquin Gorrochategui العلاقة بين اللغة الأقطانية والباسكية مؤكدًا على أن هاتين اللغتين تربطهما علاقة قوية بفضل وجود جذور معجمية، ولواحق مماثلة. وبالتالي، حاول تقييم جوانب التوثيق للحصول على استنتاجاتٍ صحيحة وصالحة لاستخدامها في اللسانيات التاريخية والمقارنة.
يعالج الفصل السابع، وعلى عكس الفصول السابقة، موضوعين تم البحث فيهما بشكلٍ مُسهَبٍ من طرف لايل كامبل Lyle Campbell إذ يتعلق الموضوع الأول بتطبيق فقه اللغة؛ لمعالجة بعض المسائل المهمة في اللسانيات التاريخية للغات في لغات الهنود الأمريكيين، أما الثاني فيشمل التدقيق في الألفاظ الدخيلة؛ لتقييم التسلسل الزمني النسبي للثقافة، والتطورات التاريخية واللغوية.
في حين يُعنَى الفصل الثامن ببعض اللغات المعزولة، مثل اللغة المابوتشية، وهي لغة المابوتشي جنوب تشيلي والأرجنتين، كما يناقش الفصل العديد من المتقابلات المعجمية الموجودة بين المابوتشية ولغات الأراضي المنخفضة ومرتفعات الأنديز.
أما الفصل التاسع فقد خُصِّص للتكامل بين علم الآثار واللغويات، وقد ضرب المؤلفُ لذلك مثالًا بين الأمريكيتين (أمريكا الشمالية والجنوبية)؛ حيث لا توجد وثائقٌ مكتوبةٌ للمجتمعات التي ليس لها نُظُمُ كتابةٍ معروفة.
في حين يقدم الفصل العاشر تقريرًا عن كتاب "لغات بوليفيا"، والذي يصف لغات بوليفيا ووضعها اللغوي، كما يعرض بالإضافة إلى ذلك السياق الثقافي البوليفي موضحًا آفاقَ البحث بخصوص اللغويات الجغرافية، والتصنيف النمطي، والتوثيق اللغوي، والتغيّر اللغوي.
يبحث الفصل الحادي عشر في جوانب العلاقات النحوية لخمس لغات طوبارية مع التركيز بشكلٍ خاصٍ على اللغة الأكونتسو قصد مقارنة أنماط التراصف الخاصة بكل لغة، ومناقشة العلاقة بين التصنيف النمطي وترتيب الكلمات.
ويركِّزُ الفصل الثاني عشر على هدفين أساسين: الهدف الأول يَكمُنُ في تحليل تركيب اللغات المتسوكية (وبالتحديد الغونيكانية؛ اللغة المتحدث بها في ولاية أيوا)؛ حيث يقدم الفصل دراسة متنٍ قائمٌ على مجموعةٍ من الجمل المراد تحليلُها؛ لمعرفة ما إذا كان يمكن للعلاقات النحوية أن تُحَدِّدَ ترتيب الكلمات؟ أما الهدف الثاني فهو التأكيد على قيمة النصوص القديمة المكتوبة في التوثيق اللغوي.
وأخيرا يركز الفصل الأخير من هذا الكتاب على تبيان أن دراسة التراصف تكمُن في قلب مجال التصنيف النمطي، كما يسعى ويليام أوجرادي William O’Grady، مؤلف الفصل، إلى تحديد مقاربة للتراصف من خلال تسليط الضوء على طبيعة التراصف وآثاره العميقة على صرف وتركيب اللغة.
وبالرغم من تغطية هذا الكتاب لنطاقٍ واسعٍ من المواضيع؛ إلا أن البحث في هذا الصدد ما يزال مطلوبًا؛ وذلك لفهمٍ أعمقَ لأهمية التغيّر اللغوي، والتوثيق اللغوي، واللسانيات التاريخية. إن غياب العديد من اللغات المعزولة، والعائلات اللغوية الكبيرة في الكتاب، يشير إلى أن بعض اللغات لم تحظ بالاهتمام الكافي، وبالتالي مازالت في حاجة إلى دراسات أخرى. إن البحث في هذه اللغات بلا شك يساعد المهتمين على فهم موضوع التغيّر اللغوي بشكلٍ أفضلَ، وعلاوة على ذلك، كان بالإمكان تقسيم هذا الكتاب إلى قسمين: الأول يهتم باللغات المعزولة، بينما يركز الثاني على العائلات اللغوية الكبيرة. وهذا من شأنه أن يساعد القراء على تكوين فكرة واضحة عن الفرق بين الاثنين فيما يتعلق بالتغيّر والتوثيق اللغويين.
صحيح أن هذا الكتاب هو إسهامٌ قيّمٌ للنهوض بمجالي اللسانيات التاريخية، والتغيّر اللغوي في الوقت الراهن، إلَّا أن الميزة البارزة فيه هذا الكتاب هي قدرته على التركيز على اللغات المهمشة بدلًا من اللغات السائدة، مما فتح للباحثين آفاقًا جديدة في هذا المجال لاستكشاف اللغات المعزولة، وتقييم جوانب التوثيق اللغوي فيها. كما تعتبر قائمة القراءات المُوصَى بها في نهاية كل فصل مزيةً أخرى من مزايا هذا الكتاب؛ إذ تقدم مواردَ مفيدة، توجه العلماء والباحثين في المجال إلى الطريق الصحيح. إن الطبيعة التخصصية المتكاملة لهذا الكتاب ستكون مفيدة بشكل كبير لجمهور القراء، كما ستكون ذات أهمية كبرى للباحثين الناشئين، وكذلك للباحثين المتخصصين في مجال اللسانيات التاريخية، والتصنيف النمطي، ولغة الوصف، والتوثيق.
أسهم الباحث لايل كامبل Lyle Campbell طوال حياته المهنية المتميزة، وبشكلٍ كبيٍر في دراسة لغات أمريكا الوسطى. وقد أسهم المشاركون في هذا الكتاب في رفع التحديات، وذلك من خلال تقديم معلومات، وتحليلات، ورؤى نظرية جديدة؛ إذ كان الهدف منها تبيان أهمية التوثيق اللغوي في فهم كيفية امتداد التغيّرات اللغوية إلى ما هو أبعد من اللسانيات التاريخية كما يُنظر إليها عادة.