تاريخ الاستلام: 16 سبتمبر 2022
تاريخ التحكيم: 6 أكتوبر 2022
تاريخ القبول: 9 نوفمبر 2022
خالد العنِكري
جامعة ابن طفيل، كلية اللغات والآداب والفنون، القنيطرة، المغرب
elanigrykhalid@gmail.com
نسعى من خلال هذه الورقة البحثية إلى تتبع مفهوم الاستعارة في المنُجَز البلاغي العربي القديم، وفي اتجاه جديد من الاتجاهات البلاغية المعاصرة الموسوم بـ: "البلاغة التأويلية"، الذي جعل من الاستعارة آلية لتحليل الخطاب، مع الكشف عن التغييرات التي طرأت على المفهوم، وبيان منظور الاشتغال التحليلي التأويلي في ضوء النظرية البلاغية التأويلية؛ لتصير الاستعارة وفق هذا الاتجاه التجديدي أداةً قادرةً على تفكيك الخطاب وتأويله؛ بهدف تحصيل المعنى، وبناء دلالاتٍ جديدة، من خلال الانفتاح على ما جاد به التراث العربي، والمناهج النقدية الغربية، والجهود اللسانية، وهو ما أسهم في إحداث آليةٍ إجرائيةٍ جديدةٍ وسمت بـ"الاستعارة المنوالية"، التي تضمّنت حمولة معنوية جديدة، كما أظهرت كيفية تحليلية وتأويلية مغايِرة لما جاءت به الجهود البلاغية والنقدية واللسانية السابقة، التي استفادت منها في التنظير والأجرأة.
الكلمات المفتاحية: البلاغة، البلاغة القديمة، البلاغة التأويلية، الاستعارة، الاستعارة المنوالية
للاقتباس: العنِكري، خالد. «كرونولوجية الاستعارة: من البلاغة القديمة إلى البلاغة التأويلية»، مجلة أنساق، المجلد السادس، العدد 2 (2022).
© 2022، العنِكري، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.
Received: 16 September 2022
Reviewed: 06 October 2022
Accepted: 09 November 2022
Khalid EL Ânigry
Ibn Tafil University, Faculty of Languages, Literature and Arts, Kenitra, Morocco
elanigrykhalid@gmail.com
Through this research paper we seek to trace the concept of metaphor in the Ancient Arab rhetorical achievement, and in a new direction of contemporary rhetorical trends labeled as "Interpretational Rhetoric". This made metaphor a mechanism for analyzing discourse, with the disclosure of the changes that occurred in the concept, and the statement of the perspective of the analytical and interpretive work in the light of the interpretive rhetorical theory, so that the metaphor becomes, according to this innovative trend, a tool capable of deconstructing the discourse and its interpretation, with the aim of obtaining meaning and building new connotations, through openness to what the Arab heritage preached, Western critical approaches, and linguistic efforts, which contributed to the creation of a new procedural mechanism called: "Manual Metaphor". This included a new moral load, and showed an analytical and interpretive method different from what was brought by previous rhetorical, critical and linguistic efforts, which they benefited from in theorizing and the daring.
Keywords: Rhetoric; Old rhetoric; Hermeneutic rhetoric; Metaphor; Modal metaphor
Cite this article as: EL Ânigry, Khalid. "Chronological metaphor: From ancient rhetoric to hermeneutic rhetoric," Ansaq, Vol. 6, Issue 2 (2022).
© 2022, EL Ânigry, licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited.
تُعدُّ الاستعارة من المفهومات الّتي امتدت في منجزاتٍ بلاغيةٍ قديمةٍ ومعاصرةٍ في البيئةِ العربيّةِ والغربيّةِ، الأمر الذي يعكس مدى اهتمامِ البلاغيين والمشتغلين بتحليل الخطاب بهذا المفهوم في مُدارسة الخطاب بغية الظفر بمعانيه الظاهرة أو الخفية. وقد رجعت جلُّ الجهود البلاغية الجديدة المعاصرة إلى هذا المفهوم بتحديد دلالاته وأبعاده الإجرائية.
استنادًا إلى المسلمةِ السابقةِ، يطالعنَا تيار من التيارات التجديديّةِ أخذ اسم: "البلاغةُ التأويليّةُ"، الّتي أسسَ معالمها وأرْسَى دعائمَها محمد بازّي، من خلالِ مشروعٍ بلاغِي يُعنَى بتحليلِ الخِطاباتِ بمختلفِ أنواعِها. وقدْ بدأَ هذا التأسيسُ لهذِهِ النظرية البلاغيَّةِ التجديديَّةِ بالنظرية التّسانديَّةِ؛ التي تنطلق من منظورٍ تكاملي بين العلوم اللسانية والإنسانية في تحليل الخطاب، ثم التّقابليَّةِ؛ التي تحاول رصد التقابلات الحاصلة في النص على مستوى المبنى والمعنى، وفي الأخير الاستعارِيَّةِ المنوالية؛ الَّتِي تعمل على كشف بنية النسيج النصي من منظورٍ استعاري موسَّع، وقد أتتْ هذه النظرية في سِيَاقِ تَتْمِيمِ مَعَالِم المقترحاتِ النّظريَّةِ والتّطبِيقيَّةِ، الّتِي قدّمَها فِي النظريتين السّابقتَيْنِ، حاملًا هَمَّ التّجديدِ وترميمِ التّصوّرِ.
في ضوءِ ما سبق، يطالعنا فهمٌ جديدٌ لـ"الاستعارة"؛ وذلك بتوسِيعِ معنى المفهوم وجعلِه أكثر رحابةً وليونةً ومرونةً في تحليلِ الخطابات الأدبية وغير الأدبية، مستأنسًا بما جادتْ به البلاغةُ العربيّةُ القديمةُ معَ الانفتاحِ على ما عَرفتْهُ البلاغةُ العربية الجديدة والبلاغة الغربيَّةُ من اجتهادات تنظيرية وتطبيقية، نذكر منها على سبيل المثال أعمال: محمد الولي، ومحمد العمري... وهو ما أكسبَ الاستعارة – بوصفها آلية لتحليل الخطاب – معانيَ جديدة؛ وذلك بجعلها آليةً تحليليّةً يستعينُ بها محلل الخطابِ، وقدْ مثَّلَ ما ذكرناه كتاب: "البُنَى الاسْتِعَارِيَّةِ نحوَ بلاغةٍ موسّعة"، إضافةً إلى بحوثٍ علميّة أخرى للباحث محمد بازّي دعّم بها تصوَّرَه ووسع من آليات الاشتغال التحليلي والتأويلي للخطاب.
وسنعملُ في هذه الورقةِ البحثيّةِ على كَشْفِ الحُجُبِ عنْ معنَى المفهومِ في ضَوْءِ البلاغةِ التّأويليّةِ، ووضْعِ كرونولوجية عامّةٍ موجزة حول المفهومِ في التّراثِ البلاغِي العربِي من خلالِ ما بسطَهُ البلاغيّونَ القدماءُ، ثم الوقوف عند أنواعِ "الاستعارةِ" التي وقفَ عندَهَا البَاحِثُ في منجزِهِ البلاغِي؛ لنذيّلَ البَحْثَ بِنَبْشٍ في مركزيَّةِ مفهوم "الاستعارة المنوالية" ومنطلقها وطبيعتها وكيفية اشتغالها ووظيفتها.
إنّ المطّلع على التّراث البَلاغي العربي يجدُ أنّ الإشاراتِ الأولى (عبد العزيز عتيق 115) لمفهومِ الاستعارةِ كانت عندَ الجاحظ (ت 255هـ) في أثناء شرحِهِ للأبياتِ الشّعريّةِ الآتيَّةِ:
يا
دارُ قد
غيّرها
بلاهَا |
|
كأنّما
بقلمٍ
مَحاها |
أخْرَبها
عُمران مَن
بَناها |
|
وكرُّ
مُمساها على
مَغناها |
وطفِقَتْ
سحابةٌ
تَغشاها |
|
تَبكي
على
عِراصِها
عيناها |
وقد قال شارحًا لهذه الأبيات: "قوله: أخْرَبها عُمران مَن بناها، يقول: عمَّرها بالخراب. وأصل العُمران مأخوذ من العَمْر، وهو البقاء، فإذا الرّجلُ في داره فقد عَمَرها. فيقول: إنّ مُدّة بقائه فيها أبلَتْ منها؛ لأنّ الأيّام مؤثِّرة في الأشياء بالنّقص والبِلَى، فلما بقِي الخرابُ فيها وقام مَقام العُمران في غيرها؛ سُمِّي بالعُمران... قوله: مُمْساهَا، يعني مَساءَها. ومغناها: موضعها الذي أقيم فيه. والمغَانى: المنازل التي كان بها أهلُوها. وطَفِقت، يعني ظلّت. تبكي على عراصها عَيناها، عيناها هاهنا للسَّحاب. وجعل المطرَ بكاءً من السَّحاب على طريق الاستعارة، وتسميةِ الشَّيء باسم غيرِه إذا قام مَقامه. ويقال لكلِّ جَوْبةٍ مُنْفَتِقةٍ ليس فيها بناءٌ: عَرْصة" (الجاحظ "البيان والتبيين" 1/ 152، 153).
ونجد إشارة للاستعارة عند شرحه لمعنى البيت الثّالث؛ وذلك في إسناد الفعل (بكى) إلى (المطر) الّذي يكون نتاجًا للسَّحاب... فالاستعارة عند الجاحظ – في هذا الموضع – أتت بمعنى إسنادِ الفعل إلى غير فاعله الحقيقي، مع استحضار معنى الكلمة الّتي أسندنا إليها الفعل، الأمرُ الذي يدفع المتلقي إلى البحث عن معانٍ جديدة تُرَادُ من التركيب اللّغوي الّذي ينحو منحى المجاز.
ولعبد الله بن المعتز (ت 296هـ) إشارةٌ إلى الاستعارة، عندما بسط كلامًا في معرض حديثه عن البديع، الذي تجلَى في آيةٍ قرآنيّةٍ، إضافةً إلى بيتٍ شعري، وذلك في قوله: "من الكلام البديع قول الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: 4].
... والصّبحُ بالكوكبِ الدّريِّ منحورُ
وإنّما هو استعارة الكلمة لشيء لم يُعرف بها من شيء قد عُرف بها مثل أم الكتاب ومثل جناح الذلّ ومثل قول القائل الفكرة مُخُّ العَمَل، فلو كان قال لُبُّ العمل لم يكن بديعًا" (عبد الله بن المعتز 2).
حاول ابن المعتز أن يقف عند قول الله تعالى وقول الشاعر ليبيّن وجهًا من وجوه البديع التي ميّزتْ كلا القوليْن عن الكلام العادي/الحقيقة؛ ليجعلَ الاستعارة كامنة في الكلمة التي اكتستْ معانيَ جديدةً لم تألفْهَا من قبل. وهنا نجد أنّ معنى الاستعارة عند ابن المعتز لم يصبْه أي تحوّل أو تغيّر؛ لأنّ الجاحظ قد لمّح إلى هذه الإشارة فيما قبل، فمدار القضية تتحدد في تركيب الكلام تركيبًا على غير المعهود والمتداوَل، ممّا يجعل القول قولًا استعاريًا من خلال الإسناد.
أمّا قدامة بن جعفر (ت 373هـ)، فقد جعل الاستعارةَ ضربًا من التوسّع في اللّغة، وذلك بقوله: "وأما الاستعارة فإنّما احتيج إليها في كلام العرب لأن ألفاظهم أكثر من معانيهم، وليس هذا في لسان غير لسانهم؛ فهم يعبّرون عن المعنى الواحد بعبارات كثيرة ربما كانت مفردة له وربما كانت مشتركة بينه وبين غيره؛ وربما استعاروا بعض ذلك في موضع بعض على التوسع والمجاز" (قدامة بن جعفر 55).
والملاحَظ في كلام قدامة أنّ العرب لجأت إلى الاستعارة؛ لتدفق معاني الألفاظ والعبارات إذا ما ألفت تأليفًا مختلفًا يُكسب الكلامَ معنًى جديدًا، مما يجعل التعبيرات متعددةَ الدلالاتِ؛ بتشغيلِ القارِئ آلياتِ الفهم الكامنة في المداخل اللغوية؛ لكونها تستدعي استحضار خاصيتيْ التوسّع والمجاز اللتيْن امتاز بهما اللسانُ العربي.
وقد حاول علماء الإعجاز أن يشيروا إلى هذه الخاصية البلاغيّة الّتي تُمثِّلُ ركنًا مهمًّا من أركانِ البلاغة العربيّة القديمة، وجعلوها مِفْصلًا من مفاصل فهم الكلام، وهو ما نجده عند الرمَّاني (292هـ-386هـ)، في قوله عن الاستعارة: "الاستعارةُ تعليقُ العبارةِ على غير ما وُضعَت له في أصل اللغة على جهة النقل للإبانة. والفرق بين الاستعارة والتشبيه أن – ما كان من التشبيه – بأداة التشبيه في الكلام فهو على أصله، ولم يتغير عنه في الاستعمال، وليس كذلك الاستعارة، لأن الاستعارة مخرجُ ما العبارة [ليست] له في أصل اللغة" (أبو الحسن علي بن عيسى الرمَّاني 85، 86).
يذهب الرّماني في إشارتِه السّابقة إلى أنّ الاستعارةَ هي إحداثُ تعالقاتٍ/ تأليفاتٍ بيْنَ الكلامِ، إذْ تخرج هذه التأليفات معاني المفردات عن معانيها الأصليّة؛ حتّى تبدوَ أكثرَ إبانةً وإظهارًا لمعانٍ جديدةٍ مرادةٍ من المؤلِّف، ويردف قوله – قصد البيان – بالمقارنة بين الاستعارة والتشبيه؛ لأنهما يشتركان في خاصية تجمع بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي وهي المشابهة. لتبقى الاستعارة في مفهومه، هي: تأليف العبارة تأليفًا يذهب بالمتلقي إلى البحث عن المعاني الضمنية من الكلام.
ومع أبي هلالٍ العسكري (ت 395هـ)، نجد مفهوم الاستعارة استقر على معنًى من المعاني التي حاول البلاغيون السابقون وضعها، إذ قال: "الاستعارة: نقل العبارة عن موضع استعمالها في أصل اللغة إلى غيره لغرض، وذلك الغرض إمّا أن يكون شَرْح المعنى وفضل إبانة عنه، وتأكيده والمبالغة فيه، أو الإشارة إليه بالقليل من اللّفظ، أو تحسن المعرض الّذي يبرز فيه؛ وهذه الأوصاف موجودة في الاستعارة المصيبة؛ ولولا أنّ الاستعارةَ المصيبة تتضمّن ما لا تتضمّنه الحقيقة؛ من زيادة فائدة لكانت الحقيقة أولى استعمالًا" (أبو هلال العسكري 240).
تعني الاستعارة -وفق التعريف السّابق – نقل معاني المفردات من معناها الأصلي إلى معانٍ أخرى تلزمها من خلال تأليفٍ تركيبي لغوي معيّن، ويكون هذا النّقل مقيّدا بغرض الإبانة أو التّوضيح أو المبالغة أو الإشارة... وهو ما يجعل من الكلام القليل كثير المعاني، ومتدفق الدلالاتِ، الأمر الذي يدفع المتلقي إلى البحث عنها بالعودة إلى طبيعة العلاقة بين معاني الكلمات في التركيب، ويُعدُّ هذا – في الحقيقة – مسلكًا من مسالك الفهم للمقروء. كما ميّز بين الاستعارة المصيبة والاستعارة غير المصيبة؛ فتعني الأولى: ما تضيف فائدة جمالية بديعة للمتلقي/استعارة حيّة، والثانية: الاستعارة المبتذلة المألوفة/استعارة ميتة. (ينظر: عبد القاهر الجرجاني "أسرار البلاغة" 30، 31).
وقد بدأ البلاغيون فيما بعد يكتشفون موضع الاستعارة وقيمتها في الدرس البلاغي مع علي بن خلف الكاتب (المتوفى بعد سنة 437هـ) الذي أشار إشارةً نبيهةً إلى موقعها القيمي ضمن الدّرس البلاغي، بقوله: "للاستعارة موقعٌ من البلاغة خطيرٌ وموضعٌ من الإبانة كبيرٌ، لأنّها إذا وُفيت حقَّها ووُضعت بحيث يليق بها؛ ما أكسبتْ اللّفظَ جوهريّة تنقله عمّا كان عليه لو استعمل على ما وضع في اللّغة زادته وضوحًا يضوَّع أريجُه ويسيغ أجيجُه.
والفرق بينها وبين التّشبيه أنّ التّشبيه على أصله في الكلام لا يستعمل إلا بأداته الموضوعة له في أصل اللّغة فلم يتغيّر عن حقيقته. وليست كذلك الاستعارة؛ لأنّها تعليق العبارة على غير ما وُضعت له في أصل اللّغة" (علي بن خلف الكاتب 124، 125).
ينمُّ التّعريف الّذي عرضنا له عن تحقيق نسقٍ استيعابي للخصائص الأسلوبيّة الّتي تميّز الاستعارة، وهو ما أشير إليه بكلمتيْ: (خطير، كبير). وقد أُردفت كلمة (خطير) بالموقع، وكلمة (كبير) بالإبانة. وهاتان الكلمتان تبينان قيمة الاستعارة في تشييد المعاني الّتي يريدها صانع الخِطاب، شريطة مراعاة حسن التّأليف بين الألفاظ وتوظيفها؛ حتّى تعمل على زيادة معانٍ إضافيّة من جهة الوضوح والجمال؛ لتبدوَ في حلل جميلة وبليغة.
وقد ميّز علي بن خلف الكاتب بين التشبيه والاستعارة؛ لأنّ التّشبيه – عنده – يكون واضح الأركان بيِّنَ الحقيقة في ظاهر الكلام. أمّا الاستعارة فهي تدفع المتلقي إلى الكشف عن مواطن التّعالق بين أركان العبارة ومعرفة العلاقة بين كلّ ركن وآخر لوجود عُدُولٍ عن اللّغة المباشرة.
وإذا ما بلغنا القرن الخامس للهجرة نجد عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) باسطًا في أسراره تعريفًا للاستعارة مع إشارته إلى الوقوف عند زوايا خفيّةٍ في التّعريفات السّابقة؛ وذلك بقوله: "أما الاستعارة فهي ضرب من التّشبيه، ونمط من التّمثيل، والتّشبيه قياس، والقياس يجري فيما تعيه القلوب، وتُدركه العقول. وتُستَفتى فيه الأفهام والأذهان، لا الأسماع والآذان" (عبد القاهر الجرجاني 20).
أول ما يوقفنا في تعريف الجرجاني أنّه جعل الاستعارةَ ضربًا من التّشبيه، ونمَطًا من التّمثيل، وعلّق التّشبيه والتّمثيل بما ينفذ من معانٍ إلى القلب، ويسلك إلى العقل ليلقى سبيله إلى الفهم أيسرَ وإلى الأذهان أهونَ. والاستعارةُ الّتي لا تفي بهذه الشّروط لا تتعدّى – عنده – الأذن/السّمع، وهنا نستحضر البعد النّفسي أو المعاني النّفسيّة الّتي تحدّث عنها في معرِض حديثه عن ثنائيتيْ اللّفظ والمعنى، ضمن نظريّته البلاغية الشهيرة؛ نظرية النَّظم.
وقد قسَّم الجرجاني الاستعارةَ إلى قسميْن، بقوله: "اعلم أنّ (الاستعارة) في الجملة أن يكون للَّفظ أصل في الوضع اللّغوي معروفٌ تدلُّ الشّواهد على أنّه اخْتُصَّ به حين وُضع، ثمّ يستعمله الشّاعر أو غير الشّاعر في غير ذلك الأصل، وينقله إليه نقلًا غيرَ لازمٍ، فيكون هناك كالعاريَّة.
ثم إنّها تنقسم قسميْن:
- أحدهما: يكون لنقله فائدة.
- والثّاني: أن لا يكون له فائدة" (عبد القاهر الجرجاني 30).
وقبل الحديث عن قسمي الاستعارة عند الجرجاني، نودُّ أنْ نشيرَ إلى أنّ الاستعارة يعمَدُ فيها صانعُ الخطابِ الشّعري/ الشّاعر إلى نقل الألفاظ من موضعها الأصلي في اللّغة؛ لتأخذ كِسوةً مجازيّةً تدفع بالقارئ إلى إعمال العقل بتشغيل آلة الفهم للظفر بالمعنى المحتمل، ويكون اللّفظ مُستعارًا ليؤدّيَ صورًا فنيّة أجلّ، فيكون هذا النّقل مؤديًا للفائدة؛ أي يرسم الإحساس ويصوّر ما في الخاطر. هذه هي الاستعارة المفيدة عنده، وقد بسط فيها قولًا بليغًا، نعرضه في الآتي:
"هي أمدُّ ميدانا، وأشدُّ افتنانًا، وأكثرُ جريانًا، وأعجبُ حسنًا وإحسانًا، وأوسعُ سعَةً وأبعدُ غَوْرًا، وأذهبُ نجْدًا في الصِّناعة وغوْرًا، وأن تُجمعَ شُعَبها وشُعُوبها، وتُحصَر فنونُها وضروبُها، نعم، وأسحرُ سِحْرًا، وأملأُ بكلّ ما يملأُ صدرًا، ويُمتع عقلًا، ويُؤنِسُ نفسًا، ويوفرُ أُنْسًا، وأهدَى إلى أن تُهدِي إليك أبدًا عَذارَى قد تُخُيِّرَ لها الجمال، وعُنِيَ بها الكمال وأن تُخرج لك من بَحْرها جواهرَ إن باهَتْها الجواهرُ مدَّت في الشرف/ والفضيلة باعًا لا يقصُر... وهي أجلُّ من أن تأتيَ الصفةُ على حقيقة حالها، وتستوفِيَ جملةَ جمالها" (عبد القاهر الجرجاني 42).
أما الضرب الثاني من الاستعارة، فهي التي يكون فيها النّقل غير مناسب ولا متناسق؛ وذلك بتبني معانٍ مبتذلة غير مفيدة، وساق لذلك أمثلةً كثيرة لا يسعفنا المقام لذكرها وتفصيل القول تجاهها.
ولقد بلغ مفهوم الاستعارة مع أبي يعقوب السّكاكي (ت 626هـ) مبلغَ الانحسار الشّديد؛ لأنّ كتاب: المفتاح، لم يكن كتاب بلاغة، وإنّما هو كتاب في علوم الأدب (محمد العمري "البلاغة العربية أصولها وامتداداتها" 2010)، التي يدخل ضمنها علم الصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع والاستدلال والعروض والقافية. وقد عرّف السكاكي الاستعارة قائلًا: "الاستعارة هي: أن تذكر أحد طرفي التشبيه وتريد به الطرف الآخر، مدّعيا دخول المشبه في جنس المشبه به، دالًا على ذلك بإثباتك للمشبه ما يخص المشبه به" (أبو يعقوب السكاكي 369).
يبيّن هذا التّعريف البعد التقعيدي في الاستعارة دون ذكر أبعادها الجماليّة والإمتاعيّة والإقناعيّة؛ إذ جعلها مُقتصِرةً على ذكر أحد طرفي التّشبيه: (المشبّه – المشبّه به)؛ لشدّة انصهار كل واحد منها في الآخر، حتى يبدو المشبّه في صورة المشبّه به أو المشبّه به في صورة المشبّه، وفي ذلك زيادة في المعاني التي يريدها صانع الخِطاب.
لقد أحدث تعريف السّكاكي صدًى في تعريفاتٍ جاءتْ بعده، وهذا بادٍ في تعريف ابن الأثير (ت 637هـ)، عندما قال: "إنّ الاستعارة لا تكون إلا بحيث يطوى ذِكر المستعارِ له... وإنّما سُمِّيَ هذا القسم من الكلام (استعارةً) لأنّ الأصلَ في الاستعارة المجازيّة مأخوذٌ من العَاريّة الحقيقيّة الّتي هي ضربٌ من المعاملة، وهي أنْ يستعير بعضُ النّاس من بعضٍ شيئًا من الأشياء، ولا يقعُ ذلك إلّا من شخصين بينهما سببُ معرفةٍ ما، يقتضي استعارةَ أحدهما من الآخرِ شيئًا، وإذا لم يكن بينهما سبب معرفة بوجه من الوُجوه فلا يستعير أحدهما من الآخر شيئًا؛ إذ لا يعرفه حتّى يستعيرَ منه. وهذا الحكم جار في استعارة الألفاظ بعضها من بعضٍ" (ضياء الدين بن الأثير 2/ 77).
المستفاد من هذا التّعريف إشارة ابن الأثير في قوله: "وهي أنْ يستعير بعضُ الناس من بعضٍ شيئًا من الأشياء، ولا يقعُ ذلك إلا من شخصين بينهما سببُ معرفةٍ ما يقتضي استعارةَ أحدهما من الآخر شيئًا".
تُصوِّرُ هذه العبارة الاستعارةَ بكلّ ما تحمله من معانٍ لغويّة؛ لأنّ الأساسَ فيها وجود علاقة بين المفردات/اللفظ والمعاني، فتستعير كلُ لفظةٍ ما تحتاجه من مفرداتٍ أخرى مناسبة لتأدية المعاني المرادة، وهنا حضور مساق القول ودوره في دفع صانع الخطاب إلى اعتماد تركيبات دون أخرى، بحسب المعنى الّذي تحمله المفردة لتأدية الغرض المقصود في الكلام، إذ يصير المؤلِّف واعيًا بنسيج الخطاب برصد تلك العلاقات بين الكلمات والتراكيب وما تؤديه من معانٍ ودلالاتٍ. وقلّ في التعريفات السّابقة من أشار إلى هذه المسألة المخصوصة في تأليف أجزاء الكلام.
عرَفت التّعريفات السّابقة طريقها إلى الكتب البلاغيّة المعاصرة الّتي نحت نحوًا مدرسيًّا تعليميًّا اختزاليًّا عند مجموعة من المؤلفِين في البلاغة؛ بغرض تلقين قواعدها وتحفيظها إلى من أراد أن يكون عالمًا بالأساليب العربيّة البلاغيّة المنتمية إلى علم المعاني أو البديع أو قادرًا على تحديد الصورة الشعرية من خلال علم البيان، وهذا يرجع إلى تلك التقسيمات التي وضعها أبو يعقوب السكاكي في مفتاحه، وتلقفها معلمو البلاغة فيما بعد، وزادوا من اختصارهم وتوحيد شواهدهم على الأساليب، حتّى صارت البلاغة قواعدَ جافّة ينحصر غرضها في التّصنيف دون التّذوق وإعمال الخيال الّذي كان منطلقًا لنظم بيت شعري أو تأليف عبارة بليغة.
إنّ مفهوم الاستعارة في التّراث البلاغي العربي لا يخرج عن المعاني الّتي تتقيّد بالجانب اللّغوي، (ينظر: أحمد عبد السيد الصاوي 1988)، باعتماد تركيبات لغوية مجازية تدفع المتلقي إلى تصنيف أركان الجملة وتحديد معناها، عبر المستعار له والمستعار منه واللفظ المستعار، والكشف عن أيِّ الركنين الرئيسين حُذِفَ؛ حتّى يدفع المتلقي إلى تقدير هذا المحذوف، الّذي يكون بغرض الإبانة عن المعنى أو تأكيده أو المبالغة فيه.
من هنا جاءت اجتهاداتٌ معاصرة تؤمن بالانفتاح العلمي على رؤًى بلاغيّةٍ غير عربيّة/غربية ويونانية، نظرًا للقصور الّذي اعترى هذا المفهوم في البلاغة العربيّة القديمة. وقد قاد هذه الاجتهادات العلميّة والمغامرات البحثيّة مجموعة من الباحثين في المجال البلاغي العربي في اللحظة المعاصرة؛ إذ حاولوا بناء أنساقٍ اصطلاحيّة جديدة في ضوء مشاريع بلاغيّة رائدة، تحاول كشف النّقاب عن مواطن النّقص، ومحاولة تقديم إجاباتٍ تعكس جهدًا تنظيريًّا وتطبيقيًّا حتّى تخرج هذه الاستعارة من دائرة الانحسار إلى دائرة الانتشار، بلغة محمد العمري، وتصبح قادرة على تحليل جميع الخطابات العالمة وغير العالمة... من هنا تطالعنا البلاغة التأويليّة التي وُلدت من صلب التراث العربي القديم والنظريات البلاغية الغربية والمناهج النقدية الحديثة، مُحاوِلةً وضع رؤية جديدة وتجديديّة لتحليل جميع أنواع الخطابات وتأويلها، باعتماد مبدأ التّدرج في التأسيس النظري والإجراء التطبيقي تحليلًا وتأويلًا، مع اللّجوء إلى التّرميم بالزيادة والتوطيد والإبانة كلّما استدعى الأمر ذلك، مع الحفاظ على الأنساق العلمية التي تأسست عليها العلوم العربية والجهود البلاغية والنقدية العربية والغربية.
لم تسعَ البلاغة التأويليّة –التي سددت اهتمامها تجاه بلاغة المؤّوِّل وبلاغة المؤوَّل؛ فـ"تتحصل بلاغة المؤوَّل بتوفره على شروط ذاتية: صحة المقصد، وصحة الاعتقاد... والقدرة على الاستدلال. أمّا بلاغة االمؤوِّل، فمعيارها انسجام التأويل مع المؤَوَّل وحصول التطابق بينهما، وكذلك مطابقة المؤوَّل لمقصدية الكلام، ثم اتساق التأويل مع المساق النصي (السابق واللاحق). كما أنّ من شأن الربط المقبول بين البنية موضوع التأويل وبين عناصر السياق الخارجي" (محمد بازّي "التأويلية العربية" 47) – إلى تحطيم الأسس المعرفيّة الّتي أسهمت في بناء النّظر البلاغي العربي القديم منذ نشأته مع الجاحظ وصولًا إلى أبي يعقوب السكاكي ومن أتى بعدهما، بلْ حاولت أن تجعل من ذلك سندًا لها في وضع رؤًى جديدةٍ تُغني الدّرس البلاغي وتُعِينه على تحليل جميع أنواع الخطابات الأدبيّة والشرعيّة والسياسيّة والإعلاميّة... إلخ.
ومن الأسباب الّتي دفعت إلى التّجديد الاستجابةُ للتّحولات الّتي عرفتها مجموعة من الخطابات في المجال التّواصلي والكتابي والرّقمي... مما أدّى إلى تَوسيع المفهومات بوصفها آليّة إجرائيّة مهمّة في التّحليل والتأويل، الأمرُ الّذي دفع برائد التّأويليّة البلاغيّة إلى الاجتهاد لإضفاء نظريات بلاغيّة جديدة تسعى إلى التأليف بين ما وجد في التراث العربي وما أفادت به المناهج النقدية الحديثة... سعيًا لإحداث نظرية بلاغية قادرة على التحليل، ولم تكن هذه المحاولة وحيدةً في المنجز البلاغي العربي المعاصر، بل هناك جهود بلاغية أخرى تشهد عليها مجموعة من المنجزات، منها: جهود محمد العمري/البلاغة العامة، جهود محمد الولي حول الاستعارة والترجمة، وجهود محمد مشبال/البلاغة الرحبة، وجهود عماد عبد اللطيف/بلاغة الجمهور... كل هذه الجهود البلاغية عرفت امتداداتٍ في مشاريعَ بحثيةٍ تسعى إلى تطوير الآليات التحليلية، وجعلها قادرة على تفكيك مختلف الخطابات.
من هذا المُنطلَق، شرع محمد بازّي في استقراء منهج القدماء مِنَ الخطابات التفسيريّة القرآنيّة والشّروح الأدبيّة... وهو منهج بلاغي ينطلق من النظرية التسانديّة (محمد بازّي 2010)؛ أي التّعاضد والتّطالب والتضافر والتكامل بين المداخل اللغويّة وغير اللغويّة للظفر بالمعاني المحتملة؛ ليضيف فيما بعد نظرية جديدة حاولت توسيع مجال تحليل الخطاب وتأويله، سماها بالنظرية البلاغيّة التأويلية التقابليّة (محمد بازّي 2010، 2015، 2020)؛ فالتّقابل ظاهرة كونيّة تشمل جميع الخطابات على اختلاف منطلقاتها وأهدافها... وقد تُوِّجت النظرية التساندية والتقابلية بتصوّرٍ تأويليٍ بلاغيٍ آخر موسوم بـ : النظرية الاستعاريّة المنواليّة؛ فلم تبقَ الاستعارة حبيسة ما هو لغوي... – كما هو الشّأن في التّراث العربي – وإنّما أصبحت آليةً ترى أنّ الخطابَ فضاء تلتقي فيه استعارات كثيرة تسهم في بناء النّصّ، وهو ما يُعطي قوةً تأويليّة للمؤوّل في فكّ نسيج الخطاب، مما يؤدّي في نهاية المطاف إلى بلاغة موسّعة أو بلاغة كُبرى يسطع نورها بمجموعة من المؤلفات التي تُشكّل فيما بينها صرحًا متماسكًا في تشييد نظريّةٍ بلاغيّةٍ تأويلية جديدةٍ تسعى إلى بلوغ درجة التّمام تنظيرًا وأجرأةً.
في هذا السّياق، يُدْرَجُ كتاب: "البُنى الاستعارية نحو بلاغة موسّعة"، الذي قدّم فيه نظرية جديدة لتحليل الخِطاب من منطلق الاستعارات التي تُبث في نسيج النّصّ، سواء أكانت هذه الاستعارة متصلة – من جهة الفهم والتحليل – بما جاد به التّراث العربي أم ما بلغته من تصورات جديدة في المرحلة الرّاهنة؛ إذ أصبحت عابرة لجميع ما يؤلّفه المبدعون من شعر أو نثر، أو ما يأتي به الخَطيب من آياتٍ قرآنيّةٍ وأحاديثَ نبويّةٍ، أو ما يرسمه الفنّانون من لوحات... فقد أصبح الكون مؤثّثًا بمجموعة من الصّور الاستعاريّة الّتي تخرج الخطاب مخرجًا إمتاعيًّا جماليًّا، وتأسيسًا على ذلك تعكس الاستعارة قوةً إمتاعيّةً؛ بحسن التّأليف بين المستعار منه والمستعار له، وتعكس قوّةً إقناعيّةً؛ بتسخير كلّ المؤثّرات الّتي تذعن المتلقي إلى فعل الانخراط (الاقتناع). ونجد هذا الملمح مؤصلًا له في التراث الاستعاري العربي خاصّةً عند عبد القاهر الجرجاني؛ لأنّ الاستعارة عنده تداولية.
وبما أنّ الخطابَ، من منظور البلاغة التأويلية، أصبح قائمًا على بُنى استعاريّة متعدّدة، فقد شُيِّدَتْ نظريّة تأويليّة بلاغيّة لجعل الاستعارة آلية إجرائيّة قادرة على الوصول إلى ما خفي أو ما سُكِتَ عنه أو ما لمُح إليه في الخطاب، وفق مِنْوَالٍ تحليلي يمتاز بالمرونة والحِدّة والجِدّة والجُرأة في تقديم تحليلات تجعل من العناصر الدّاخلية للخطاب مُنطَلقًا للكشف عن "حقيقته"، ومن السّياقات الخارجيّة معينًا على إزاحة السّتار الـمُحجِب؛ وذلك باستحضار البُعد اللّغوي والتّصوّري والرّمزي والطِّرازي والخيالي والجمالي والنّفسي والاجتماعي... إلخ، الذي اعتمده صاحب الخِطاب بغرضٍ من الأَغْرَاضِ يبيّنها التأويل.
عَرَّف محمد بازّي الاستعارةَ المنوالية قائلًا: "الاستعارة كيمياء تصوريّة ولغويّة وثقافيّة؛ فهي تصوريّة إذ بها نتصوّر المفاهيم المجردة، وبها نفكر، ونفهم المجردات انطلاقًا من المحسوسات. تقوم الاستعارات على الإسقاطات بين المجال الأصلي والمجال الجديد. وأما كونها لغويّة فهو ما عُرفت به البلاغة العربيّة وأساسه المشابهة، وأما كونها ثقافيّةً فَلِقِيَامِهَا على الأنوال الثقافيّة، ونقصد بها الأنظمة الكليّة الجماليّة والشكليّة وقوانين العلوم، والمفاهيم ونُظُم التّفكير والأدوات الفنيّة" (محمد بازّي 48).
هذا التّعريف يجعل من الاستعارة المنوالية آليةً تكشفُ مادةَ خِطابٍ طَرَأَت عليه مجموعة من التّغييرات والتّحولات من جهة خصائصه البنيويّة والتركيبيّة والتصوّريّة... ممّا يحدث تفاعلًا بين أجزائه ومكوناته بغية نقل معانٍ إضافيّة إلى ذهن المتلقّي؛ لأنّ الخطاب يأخذ صورةً خاصّةً معنًى ومبنًى، محدّدًا بحسب نوعه وأغراضه ووظائفه... والمتحكّم في هذه التّغييرات:
- الجانب اللّغوي.
- الجانب الثّقافي.
- الجانب المعرفي.
- الجانب الجمالي.
إنّ الاستعارة المنوالية، من جهة أخرى، وسيلةٌ نتصوّر بها المفهومات المجرّدة وغيرها... نظرًا لسفرها من مجالٍ أصلي إلى مجالٍ آخرَ فرعي، أو من سياقٍ إلى آخر... وينمّ هذا المعنى الجديد الّذي أُضيف للاستعارة عن استيعاب مكامن "القصور" في الاستعارة بمفهومها التّقليدي، الّذي ظل حبيس الخطاب الشّرعي، والخطاب الأدبي الشّعري والنّثري في المستوى اللغوي، كما يوحي، أيضًا، إلى انفتاح الدّارس على ما قدّمته علوم اللّسان والإنسان في البيئة العربيّة ثمّ الغربيّة في مجال النّقد واللسانيات، وذلك منذ مطلع السبعينيّات من القرن الماضي؛ إذ تمّ تفسير البُنى الاستعاريّة من منطلقاتٍ فكريّةٍ وفلسفيّةٍ وحجاجيّةٍ... ممّا أسعف محمد بازّي في منح مفهوم جديد للاستعارة، يجعله قادرًا على تفكيك الخطابات وكشف حقيقتها الظاهرة والخفيّة. وهو ما سنأتي على بيانه فيما هو آتٍ.
يُعدُّ مفهوم "الاستعارة المنواليّة" من المفهومات الجديدة في البلاغة التّأويليّة الجديدة، وهو مفهوم مركبٌ من مفردتيْن اثنتيْن:
الأولى: الاستعارة.
الثانية: المنوال.
سبق لنا أنْ عرضنا لمفهوم الاستعارة بشكل عامّ، أمّا مفهوم المنوال في اللّغة فهو: "مِنْسج خشبي يُنسج عليه الثوب، استعرناه – بغرض الحيازة الاصطلاحية – من مجال صناعي أصلي: النسيج والحياكة إلى مجال صناعي فرعي: نسج الخطاب بالأدوات والأساليب والبُنى الثقافية والأنساق القابلة للاستعارة" (محمد بازّي 27).
أمّا "الاستعارية المنواليّة"، فهي: "مجموعُ أفعال الكتابة الصناعيّة من تخيّل، وتخيّر، وتحيّل، ومحاكاة، واقتباس، وأخذ، وتطالب، وتجاذب بين الخطاب قيد الإنجاز، وبين مجموع المرجعيّات الممكنة الّتي يستعين بها منتجوه" (محمد بازّي 27).
يشكل هذا التعريف امتدادًا للمفهوم في التراث العربي وفي الجهود البلاغية الجديدة المعاصرة، خاصّةً عند عبد القاهر الجرجاني، ومحمد العمري، وما نصل إليه من معانٍ في هذا الصدد، أنّ التعريف الذي قدّمه محمد بازّي أصبح شاملًا لمجموعةٍ من الأفعال الكتابيّة الّتي تستدعي التّخيّل؛ والتّخيّل تصوّر الأشياء وتمثّلها في الذهن حتّى تصبح مشابهة لما تدل عليْه فِي طبيعتها الوجوديّة، والتّخيّرُ اختيار بدقّةٍ عاليّة للمفرداتِ الخادمة للمعاني المرادة، والتّحيّل التزامُ مسلكٍ معيّن بحذقٍ لبلوغِ الغَاية المنشودة، والمحاكاةُ مُمَاثِلَة وتقليدٌ لما هو موجودٌ في صورتِه الأصليّة، والاقتِباسُ تحويرٌ ونقلُ أفكارٍ أو ألفاظٍ، والأخذُ مَسْكٌ واستقصاءٌ وتلقفٌ والتقاطٌ وتناولٌ لما وُجدَ من قبل، من خلال ما بلغه المتلقّي مِنَ الاستهواءِ والتّفتن، أمّا التّطالبُ فهو التّعاضدُ والتّداخُلُ والاستدعاءُ لـما أُجبرَ عليْه الصّانِعُ والمحلل من صورٍ أو أساليبَ.
إنّ (التّخيّل، والتّخيّر، والتّحيّل، والمحاكاة، والاقتباس، والأخذ، والتّطالب)، يكون بين خلفيّاتٍ متعدّدة تحضرُ في أثناء صناعة الخطاب، ومنه يكون الصّانع قد استعار مجموعةً من الصّور الذّهنيّة، وتخيّر جملةً من الألفاظ، والتزم بعدّة طُرقٍ، لإنشاء مشاهد محددة أو معان مختارة، مستعينًا باقتباسٍ صريح أو ضمني يجعل الكلام محكومًا برؤية تطالبيّة؛ أي إنّ طبيعة المقام والمعاني المرادة تدفع صاحبها إلى الالتزام بترتيبٍ خاصٍّ في أثناء التّأليف.
وقد تحدث محمد بازّي في موضع آخر عن الاستعارة المنواليّة/الأداتيّة، والمقصود بها: "ما كان استعارة الأداة (منهج، مفهوم، منوال، خطاطة...) فتقبل بدورها أن تكون موضوعًا للتحليل داخل الخطاب الذي تندرج ضمن مكوناته، حيث يمكن اعتماد التّحليل بالتّقابل لبيان الأصل أو المجال الاستعاري للأداة المستعارة، ثم المجال الهدف، وكيف حصل النّقل، والوظيفة الجديدة الّتي تحملها الأدوات أو المفاهيم الخادمة في المجال الّذي نُقلت إليه" (محمد بازّي 67)؛ فيعني بالاستعارة المنوالية/الأداتية التحليل التفصيلي الدقيق لمبنى الخطاب ومعناه؛ من خلال رصد البنى الاستعارية التي شكلت نسيجَه النّصي، وبناءً على ذلك تصير الاستعارة أداة من الأدوات التحليلية التأويلية للخطاب.
وتماشيًا مع ما يزخر به التّراث البلاغي العربي تجاه مبحث الاستعارة، حاول البلاغي محمد بازّي أن يقف عند الاستعارة "المنواليّة الحيّة والميّتة/الشائعة"، مشيرًا إلى خصائصَ كلّ واحدةٍ منهما، مما يعكسُ ضربًا من الحفاظ على النّسق المفهومي والتّصوري الّذي امتازت به مفهومات البلاغة العربيّة القديمة؛ لأنّ منبع التّجديد في النّظرية البلاغيّة التأويليّة الجديدة كان من صميم ما جاد به العقل البلاغي العربي عبر عصوره المتعاقبة، وما وقف عنده النّقاد والمفسّرون والشّارحون والمحلّلون والمؤوّلون في المنجز التراثي والحديث والمعاصر.
وقد عرّف الباحث الاستعارة الميّتة، قائلًا: "هي استعارة بلغت حدًّا من الاستعمالات والتّداول والإنهاك أو "الشّائعة" الّتي لا نشعر عند تداولها بأنّها استعارة، مثل قولنا: "غرقت في التّفكير". وبالمثل أمكن الكلام عن استعاراتٍ منواليّة حيّة واستعارات منواليّةٍ شائعة" (محمد بازّي 59).
لا يتنافى قول الباحث مع ما بُث في التّراث البلاغي العربي تجاه المفهوم، ولكنّه حاول أن يضيف تصوّرًا جديدًا للمفهوم وكيفية اشتغاله في تحليل الخطاب الأدبي وغيره، وكأنّه يذكّر القارئ بأنّ التصوّر الجديد هو حلقة للتّطوير والتّجديد. إضافة إلى تذكير المتلقي بأنّ المحرك الأساس للاستعارة يكمن في السياقات التي تستحضرُ مبدأ الملاءمة بين المستعار وما استعير له؛ وفي الملاءمة توافق وتناسب، وهنا تتداخل مجموعةٌ من المناويل في بناء خِطاب سيصبح فيما بعد نسيجًا مستقلًا بذاته.
فالاستعارة المنواليّة الحيّة هي الاستعارة الجديدة غير المستهلَكة وغير المشاعة، وهذه الأنواع من الاستعارات لا ينسجها ولا يستخرجها إلا من حصّل فهمًا بأسرار الخطاب، إضافة إلى تحصيل الملكة التأليفيّة اللغويّة والثقافيّة والتأويليّة... وهو ما نجده في النّصوص الإبداعية؛ الشعرية والنثرية، وفي الدّراسات التحليلية النقدية؛ التي تستعين بآليات نقدية نصيّة أو سياقية تؤهلها إلى بلوغ نتائج جديدة من خلال العمل الأدبي المدروس. وفي المقابل فالاستعارة المنواليّة الميّتة هي استعارة من فرط استعمالها وتداولها أصبحت وكأنّها حقيقة، لا يأبه بها أحد، لفقدها عنصر التأثير في المتلقي.
إنّ الخطاب – وفق تصور البلاغة التّأويليّة العربيّة – فضاءٌ تتدافع فيه مجموعةٌ من الاستعارات الحيّة على اختلاف أنواعها وأشكالها، فهو "محفل للاستعارات الصّغرى والمتوسّطة والكبرى: استعارة المعاني والأفكار والألفاظ والصّور والتّصورات والمفاهيم والاصطلاحات بوعي أو بدونه، عندما نكتب مقالاتٍ أو نصوصًا أو رسائلَ نستعير أشياء كثيرة للتّعبير أحيانًا عن مطلب واحد" (محمد بازّي 31).
ولتثبيت هذا المفهوم الجديد للاستعارة، بسط الباحثُ أنواعًا أخرى من الاستعارات، بهدف دعم المنظور بأمثلة تسعف المتلقي في الفهم والاستيعاب، وهو ما سماه بالاستعارات المنواليّة المجاورة؛ بهدف توسيع المفهوم. وجعله أداةً إجرائيّةً ناجعة في التحليل والتأويل. وقد كان مسعى الباحث مدّ القارئ العربي بعدّة معرفيّة ومنهجيّة تسعى إلى "إتمام" النّظرية البلاغيّة التأويلية الجديدة وتوسيع مجالات اشتغالها.
نجد محمد بازّي مُصنِّفا لبعض الاستعارات، وذلك في ضوء توسيع مفهوم الاستعارة ضمن النظريّة البلاغيّة التأويليّة، هذه الاستعارات هي: الاستعارة الثّقافيّة، والاستعارة النّصيّة، واستعارة المثال، والاستعارة الرقمية/الرمزية، والاستعارة الهندسية، واستعارة العناوين، واستعارة الألقاب، واستعارة الموت، واستعارة الإشهار، واستعارة الحلم والواقع، واستعارة التأليف، واستعارة الفلاسفة، والاستعارة في بناء العلوم، والاستعارة السياسية، واستعارة الأشكال، واستعارة المفهومات في النقد الحديث، واستعارة التأويلات.... إلخ. ومُتأمِّل هذه التصنيفات والتقسيمات، يجدها متأسسةً على طبيعة المستعار، والمجال الذي استعير منه.
يسعى منظور البلاغة التّأويليّة إلى الانطلاق من التأويل النّصّي والسياقي، كما أنّها بلاغة تستند إلى ما جاء به التّراث العربي سواء في الجانب المعجمي أو النّحوي أو الصّرفي أو البلاغي... أو ما قدّمه المقام/السّياق من أبعادٍ اجتماعيّة ونفسيّة وتاريخيّة... فهي إذًا، بين قطبيْن اثنيْن، الأول: نصّي، والثّاني: سياقي؛ وهو الأصل في الاستعارة وما يرتبط بها.
هذا الاجتهاد التّحليلي التأويلي ينمّ عن تجديدٍ مستمرٍ ودؤوبٍ في النظرية والأجرأة؛ إذ يسعى محمد بازّي إلى بلوغ درجةٍ متقدّمة في إحداث أدوات تحليليّة تسعفُ كلّ محلّلٍ في الوصول إلى معاني الخطاب وبناء دلالاته. ومحرك هذه المحاولات التّجديدية الرّغبة في بلوغ درجة متقدّمة في إعطاء مفهومات جديدة للآليات التحليلية وتوسيع دائرة اشتغالها تحليلًا وتأويلًا... ولهذا نجد الاستعارة المنوالية النظريةَ الثّالثة في المسار التّحليلي البلاغي التّأويلي الجديد، وهو ما سبقت الإشارة إليه.
وفي هذا الصّدد يقول محمد بازّي: "إنّ التّصور الاستعاري لفهم البُنى الخِطابية العميقة لا يُلغي الاقتراح الّذي قدّمناه في التّأويلية التّقابليّة، وإنّما يقدّم تصوراتٍ مكملةً لمن أراد تجريب التّحليل الكلّي لاستعارة الخطاب، وسيلاحظ المتتبع أنّنا لم نتجه إلى مفاهيم بلاغيّة ضيقة الأُفق... وإنّما اخترنا المفاهيم الجامعة الّتي يمكن أنْ تضمّ كثيرًا من المفاهيم البلاغيّة الرّافدة؛ فالبُنى التّقابليّة الكونيّة واللغويّة والخطابيّة كما بيّنا في نظريّة التّأويل التّقابلي وفي غيرها، هي الوعاء النّسقي النّاظم لحركة استعاريّة مألوفة عند صناعة الخطاب" (محمد بازّي 29).
يحيل الكلام السّابق على أنّ الاستعارةَ آليّةٌ من الآليات التّأويليّة للخطاب، التي أتت في مراحل التأسيس النظري للتأويلية الجديدة؛ لأنّ الاستعارة فعل يستند إلى منوال محدد بهدف بناء الخطاب، وبناءً على ذلك فقد خرجت الاستعارة من مفهومها الضيّق الّذي اكتنفها في الدّراسات البلاغيّة العربيّة، الأمر الذي دفع إلى وضع تصوّرٍ جديدٍ لا يقل أهميّة عمَّا وُجد في الاجتهادات العربية والغربية بخصوص مبحث الاستعارة، وقد استعار محمد بازّي تصوّره من بعض الرّؤى الّتي وردت في تصورات استعاريّة سابقة له، وانسجام هذه التّصورات مع خصوصيّة الخطابات العربيّة بمختلف أنواعها، خاصّة المتصلة بالجانب الثّقافي والاجتماعي... وهو ما أشار إليه جورج لايكوف (GeorgeLakoff) ومارك جونسن (Mark Johnson) في كتابِهما: "الاستعاراتُ الّتي نحيا بها" في القول الآتي:
"تُمثِّل الاستعارة بالنّسبة لعدد كبير من النّاس أمرًا مرتبطًا بالخيال الشّعري والزّخرف البلاغي، وبالاستعمالات اللّغوية غير العاديّة، وأنّها خاصيّة لغويّة تنصبُّ على الألفاظ وليس على التّفكير أو الأنشطة... إنّ التّصورات الّتي تحكمنا ليست ذات طبيعة ثقافيّة صرف. فهي تتحكم – أيضًا – في سلوكاتِنا اليوميّة البسيطة بكل تفاصيلها... إنّ كيفيّة تفكيرنا وتعاملنا وسلوكياتنا في كل يوم...، ترتبط بشكل وثيق بالاستعارة" (جورج لايكوف ومارك جانسون 21).
فهذا القول قريب في عمومه، من جهة المضمون، مع ما جاء به محمد بازّي الّذي كان همّه المعرفي مُحدَّدًا في وضع نظرية تحليلية للاستعارات الموجودة في الخطاب؛ بهدف الخروج من تلك الرؤى الضيّقة التي قيّدت المفهوم وجعلته أداة ثانويّة من أدوات التّحليل النّصّي لانحساره في المستوى اللّغوي والتّركيبي، وقد كانت النظرية التّسانديّة والتّقابليّة بمنزلةِ المنظار المسهم في إدراك الأبعاد الاستعاريّة في الخطاب؛ لأنّهما عنصران مهمان من عناصر التحليل الاستعاري.
وهذا التّساند والتّقابل في أجزاء الخطاب قد يكون ظاهرًا أو خفيًّا، أو ثنائيًّا أو ثلاثيًّا أو رباعيًّا... أو لغويًّا أو تصوّريًّا، فهاته التّصورات هي الّتي تعطي قوّة تأويليّة للكشف عن الفعل الاستعاري المنوالي في جميع الخطابات المتأسّسة على العناصر اللّغويّة وغير اللّغويّة، فتصبح جلُّ الخِطابات مليئةً بالاستعارة في جهة اللّفظ والتّفكير والثّقافة والسّلوك... وقد سلك الباحث في التّأصيل لهذه النظرية البلاغية الجديدة مسلكًا تأويليًّا يتماشى والمشروعَ العلمي العامّ.
ونجد لهذه النظرية صدًى عند أمبيرتو إيكو (Umberto Eco) في كتابه: "السّيميائيّة وفلسفة اللّغة"، الّذي تحدّث فيه عن الاستعارات الّتي تتعدّى اللّغة إلى أنظمة العلامات الّتي يزخر بها الخطاب، وذلك بقوله: "تتحدّى الاستعارة كلَّ مدخل في أيّ موسوعة كانت؛ وذلك لأنّها كانت قبل كل شيء موضوع تفكير فلسفي ولغوي وجمالي ونفسي... فإنّ الحديث عن الاستعارة هو حديثٌ عن نشاط بلاغي بكلّ ما فيه من تعقيد... فإنّ الحديث عنها يعني حديثًا عن الرّمز وعن رمز الفكرة والأنموذج والأنموذج الأصلي والحلم والرغبة والهذيان والطّقس والأسطورة والسّحر والإبداع والمثال والأيقونة والتّمثيل. وإلى هذا كلّه نضيف اللّغة والعلامات والمدلول والمعنى... فالاستعارة آليّة سيميائيّة ليست من طبيعة اللّغة المستعملة في الكلام" (أمبرتو إيكو 233، 234، 236).
لا يتنافى هذا الكلام في جوهره مع أهداف الاستعارة المنواليّة؛ لأنّها آلية تكشف أبعادَ النّصِّ وقنوات اتصاله بما هو تفكيري وتصوّري وفلسفي ولغوي وجمالي ونفسي واجتماعي ووجودي أيضًا، وهنا يحدث تساند/تكامل/تطالب بين هاته المقومات المؤسسة للخطاب؛ لنصبحَ أمام خطابٍ مكوّن من قطع فسيفسائيّة متعدّدة الألوانِ والأشكال والدّلالات... في صورة منسجمة، وهو ما يجعل الخطاب مليئًا بالرّموز المعبِّرة عن المعاني البيّنة أو الخفيّة، وهذا ما نجده في مجموعةٍ من الخطابات على اختلاف خصائصها الشّكليّة والمضمونيّة. وترجع بنا هذه الأطروحة إلى النظرية التّسانديّة الّتي تأسّست عليها البلاغة التّأويليّة الجديدة في بداياتها الأولى، فيقع التّساند بين الدوائر النصية الصغرى؛ (الصرف، النحو، المعجم، البلاغة...) والدوائر النصية الكبرى؛ (السياق مثلا...). ليكون التّساند والتّقابل أعمدةً مثبتةً لجسرٍ مُتأسّسٍ على قاعدة تأويليّة محكومة ومتمسّكة بِلبنات استعاريّة موسّعة؛ لتصبح هذه القاعدة التّأويليّة مزيّنة باستعاراتٍ منواليّةٍ مستوعِبَةٍ لكلّ الأفعال والعبارات والصّور الّتي التزم بها صانع الخطاب.
لكلّ تصوّر أو منهج أو نظرية منطلقٌ إشكالي محدد يجعله قاعدة للانطلاق؛ بغية تحقيق جملة من الفرضيّات الّتي كانت موضوعة موضع الاحتمال، فتتحقّق فرضيّات وتُبعد أخرى، بحسب ما خلصت إليه الدّراسة بآليات محددة ومنهج مضبوط... والمنطلقات الّتي اعتمدتها الاستعارة المنواليّة متّصلة بكلّ العلوم المسهمةِ في بناء الخطاب، فمنها العلوم النصّيّة ومنها السياقيّة، مع الحفاظ على المبادئ الجوهرية التي تأسست عليها التأويليّة العربيّة في التّراث، فهي تأويلية متصلة بالخطابات الشرعيّة والأدبيّة والفلسفية والكلامية... وهو ما عُرِفَ امتدادًا إلى عصرنا الراهن، هذا ما أشار إليه محمد بازّي عند قوله: "منطلق نظريّة الاستعارة في البلاغة العربيّة، هو تعزيز التّأويليّة الحديثة بتصوراتٍ وأدواتٍ لمقاربة الخطاب في مظاهره المتنوعة، ومنها المظهر الاستعاري" (محمد بازّي 50).
فقد جاء المنظور الاستعاري المنوالي للخطاب لتعزيز النظريتين السّابقتين؛ (التّساند-التّقابل)؛ رغبةً في توسيع دائرة الاشتغال تحليلًا وتأويلًا لمجموعة من الخطابات، ممّا يمكِّنُ الدّارسَ من امتلاك أدوات بديلة وناجعة للوصول إلى المعاني وبناء دلالات جديدة للخطاب. وهذا ضرب من التّوسّع والانفتاح على مجالات معرفيّة أخرى تسعف المحلّل في الوصول إلى ما هو ثاوٍ في الخطاب، مثل استعارة المنهج السّيميائي أو الاجتماعي أو النّفسي أو الجمالي في دائرة الاشتغال التحليلي التّأويلي، وهو ما يحقق في النهاية بلاغةً للخطاب؛ أي بلاغة الخطاب الواصف أو بلاغة الخطاب التّحليلي والتّأويلي، من خلال الكشف عن طبيعة التّأليف بين البُنَى الاستعاريّة الّتي أثثت فضاء الخطاب، وجعلته مؤثرًا إمّا إمتاعًا أو إقناعًا، وهو ما أُثبِتَ في حيزٍ مهم من كتاب: "البُنى الاستعارية".
الخطابُ – كيفما كان نوعه وموضوعه وشكله ومضمونه – عالمٌ منفتحٌ على مناهج متعددة وعلوم متنوعة، سواءً تعلق الأمر بالجانب اللّغوي أو النّحوي أو الصّرفي أو البلاغي أو التّاريخي أو النّفسي... وتنطلق الاستعارة المنواليّة من رؤية موسّعة تقف عند الاستعارة اللّغوية والتّصوريّة ثم تنتقل إلى تصوّرٍ أوسع من ذلك، وهو استعارة المناوِيل التي يُعتمد فيها مقياس التّأويل البليغ الذي نجمل معناه في التأويل الكاشف لنُظم الخطاب.
و"تسمح المقاربات المنواليّة بفهم مسار الخطاب الصناعي الاستعاري انطلاقًا من العمليات الآتية:
أ. تحديدُ البُنى الاستعاريّة اللّغويّة والمنواليّة.
ب. تحديد معاني الاستعارات اللّغوية والمقصد الكلّي منها.
ج- تحديد بنية الأنوال المستعارة ووظائفها ومقاصدها.
د- ربط الحلقات الاستعاريّة: يحصل هذا الربط ذهنيًّا داخل جملة أو فقرة بالانتقال من الاستعارة الخِطابية الأولى إلى بنية استعاريّة ثانية، وثالثة؛ ونتاج كل واحدة منها معنى، ثم نمضي على ذلك إلى نهاية الخطاب. إنّها شبكة استعارية تتكون منها بُنى المقاصد الكلية للخطاب نسميها (سلسلة الوحدات الاستعارية)" (محمد بازّي 71، 72).
إنّ الاشتغال الاستعاري المنوالي بمنزلة آلية إجرائية تُعتمَد في أثناء التّحليل، وقد تمّ إحداثها لإرشادِ المحلّل إلى مركزية الاستعارة في الخِطاب، إلى جانب مسائل لغوية وغير لغوية يتأسس عليها الخطاب، كما أنّها آلية لم تنفِ ما تمنحه الاستعارة اللّغوية من معانٍ جليلة قد تكون بمنزلة ممهدات أولى لكشف الاستعارات المنواليّة الخفيّة، من خلال تحديد المعاني المجازيّة الخفية في اللّغة وغير اللغة، وهذا يعزّز ما ورد في التّراث البلاغي العربي. ثم البحث عن الاستعارات الواردة في الخطاب وعن وظيفتها ومقاصدها وجماليّتها، ليصير الخطاب عالما يعج بالاستعارات، وفي النّهاية يحاول المحلّل والمؤوّل تقويم هذه الأفعال الاستعاريّة، واختبار مدى انسجامها واتساقها مع بنية الخطاب ككلّ، ثم تقويم مستوى فهمها واستيعابها من قبل المتلقي، وفي الأخير يتم البحث عن وظيفتها وأدوارها داخل الخطاب.
وقد بسط الباحث محمد بازّي نماذج تحليلية تأويليّة ضمن كتاب: "البُنى الاستعارية" (محمد بازّي 65، 93)، ليدل المتلقي على منهجيّة الاشتغال وطريقة الأجرأة، مع اختبار الآراء النّظريّة التي أسّس لها طوال فصول النظرية في الكتاب.
ويمكننا تحديد منهجية الاشتغال، بشكل موجز، فيما هو آتٍ:
أولًا: ملاحظة الخطاب وما يتأسس عليه من بنُى استعاريّة.
ثانيًا: كشف البُنى الاستعاريّة في الخطاب.
ثالثًا: وضع افتراضات استعاريّة عامة لا تخرج عن نسق الخطاب.
رابعًا: تحليل الاستعارة المنواليّة.
خامسًا: فتح الآفاق التّأويليّة.
سادسًا: تقويم الاستعارة المنواليّة.
والملاحَظ، من خلال ما سبق، أنّ الاشتغال الاستعاري المنوالي هو اشتغال استقرائي؛ إذ تُبنَى معطيات التّحليل والتّأويل من خلال لبنات جزئيّة يستدعيها النّصّ، والسّياق، والتّصوّرات الذّهنيّة والدّلالات المحتملة، ليتشكّلَ في النّهاية منوالٌ تحليلي لخطاب واحدٍ نُسج من مناولَ عديدةٍ في صورةٍ منسجمةٍ أسهمت جميعُها في بناء عالم الخطاب، فينتقل المحلل والمؤوّل من الكشف عن أسرار هذا العالم إلى بناء عالم جديد أُرْسِيَتْ دعائمه من قِبل الفهم السليم والتحليل الرشيد، الذي شيّد للمتلقي معانيَ جديدة.
إنّ الحديث عن الوظيفة هو حديث عن قيمة الاستعارة المدرجة في خطاب معيّن، وهو ما يجعل من صانعه آخذًا بعين الاعتبار ما تؤول إليه استعمالات اللّغة من النّاحيّة المقاميّة والمقاليّة، ومن الوظائف الّتي تعمل عليها الاستعارة اللّغوية "الإيجاز والبيان والادعاء والمبالغة، والتّوسّع في أدوات التّعبير، والقدرة على تشخيص المعنويات مفيدةً في التّحليل الاستعاري الخاصّ بالبُنى الاستعاريّة اللغوية، فالتّصورات الموسّعة لا تلغي الضّوابط والاجتهادات المدّققة في البلاغة الصّغرى القديمة، ولا تتجاوزها أو تحلّ محلّها في تحليل التّراكيب اللّفظية الاستعاريّة، وإنّما تغنيها وتكملها وتسندها بالنّظر إلى المستويات الّتي لم يشملها التّحليل الاستعاري داخل الجملة؛ للانتقال إلى الاستعارة الجُمليّة والخِطابيّة والمعرفيّة والثقافية" (محمد بازّي 37).
وهذه الوظائف أغنت المعنى المفهومي الجديد للاستعارة، وجعلته متصلًا بالتّصوّر القديم، ومن الوظائف الّتي تعمل على تحقيقها الاستعارة المنواليّة نذكر:
- كشف الخصائص الفنيّة والأسلوبيّة التي يمتاز بها الخطاب.
- معرفة خلفياتِ الخطابِ، انطلاقًا من أنواع الاستعارات الموظّفة.
- إدراك بنية الخطاب اللّغوية والجماليّة والثّقافيّة.
- توسيع أفق فهم عناصر الخطاب؛ لأنّ الخطابات تختلف باختلاف أنواعها ومواضعها.
- تشغيل آليات تأويليّة جديدة لا تقف عند حدود اللّغة.
- جعل الاستعارة اللّغويّة والتّصوريّة خادمة للاستعارات المنواليّة.
- إرشاد المتلقي إلى جوهر الخطاب ومغزاه من خلال التّعابير المستعملة.
- جعل فضاءات الخطاب مفتوحة على عوالمَ تشكّل في نواتها استعارة.
- تشكيل رؤية مفادها أنّ الخطاب هو نسيج من الاستعارات المتجانسة فيما بينها في الجانب التصوّري والثّقافي والنّصّي والاجتماعي والنّفسي والشّكلي والفكري والفلسفي والمفهومي والتّأويلي والسّياسي... إلخ.
وللإشارة فإنّ هذه الوظائف تأتي مخفيّةً في الخطاب، وعلى المحلل والمؤوّل تبيينها من خلال المشيرات التي تفيد بذلك، ولها ما يدعمها حجاجيًا وبرهانيًا واستدلاليًا أيضًا.
نخلصُ إلى أنّ الاستعارة منَ المفهومات الّتي شغلتْ اهتمامَ حقولٍ معرفيّةٍ عديدةٍ في البيئةِ العربيّةِ واليونانية والغربيّةِ، أيضًا. وقد كانت الاستعارةُ في التّراث العربي مقصورةً على الجانب اللّغوي... في الخطاب، بوصفها مجازًا لُغويّا قائمًا على الحذف والتقدير... وهو ما يجعلُ من تأويلِ الكلامِ تأويلًا ضيِّقا يبقى مستقرا في حدودِ اللّغة ولا يتجاوزها إلى استعاراتٍ أخرى قد تكونُ مؤَسِّسَةً لفضاءِ الخِطاب، وهو ما أظهرته كل التعريفات التي أوردها البلاغيون القدماء ودعّموها بنماذجَ تطبيقيةٍ توضح ذلك.
وإدراكًا لهذا القصور الّذي انتابَ هذه الآلية الإجرائية في تحليل الخطاب، حاولت النظرية التّأويليّة الجديدة الوقوفَ عند هذا القصور مستفيدةً من جهودٍ علميّةٍ ترعرعَتْ في بيئةٍ غربيّةٍ، والعمل على تكييفها مع خصائص الخطابات العربيّة على مستوى المبنى والمعنى... وهو ما تُوِّجَ في النّهايّة بـ"الاسْتِعَارَةِ المِنوَالِيَّةِ" التي تأسست على مبدأ: "التَّوَسُّعُ"؛ أي توسيع دلالة الاستعارة من خلال إدراك المناويل الّتي تسهم في بناء الخطاب، وفهمه، وكشف بنيته، وتحليله، وتأويله، وتقويمه أيضًا.
فقد أصبح "المنوال" أداةً ووسيلةً لكشفِ أنساقِ الخِطاب الدّاخلية والخارجية؛ لوجود مناويل متصلة باللّغة وأخرى خارج اللّغة، وبناءً على ذلك نصير أمام استعارات كثيرة في خطاب واحد. وقد حاول محمد بازّي الوقوف عند بعضها قَصْدَ بيان المعنى المراد من التّسميّة، وكيفية اشتغال النظرية الجديدة، فبيَّن معنى الاستعارة الثّقافيّة والنّصيّة والمثاليّة والرّمزيّة والهندسيّة... إلخ؛ لأنّ الاستعارة وفق هذا التصوّر البلاغي التأويلي الجديد، أصبحت فعلًا يعتمده صانع الخطاب في أثناء النسج أو الفهم أو الكشف أو التّحليل أو التّأويل أو التّقويم.
وينطلقُ كلُّ تصوّرٍ جديدٍ من إشكال معرفي؛ ممّا يدفع صاحبه إلى البحث عن مَوْضِعٍ مناسبٍ لإثبات تصوُّره باحثًا عن مسوّغات علميّة تجعله مقبولًا ومعمولًا به عند المتلقّين... وهو ما يمكن تسميّته بمركزيّة الاستعارة في البلاغة التأويليّة الجديدة، فتأخذ الاستعارة المركز الثّالث بعد النظرية التّسانديّة والتّقابليّة، ممّا ينمُّ عن أنّ القراءة العربيّة المعاصرة للبلاغة القديمة وللخطابات بمختلف أنواعها أصبحت تتّسع أو تطمح إلى التّوسّع بإعطاء دلالاتٍ جديدة للمفهوم وآليات التحليل حتّى تصبحَ قادرةً على تأويل كلّ الخطابات المؤثّرة، واستنادًا إلى ذلك نكون قد انتقلنا من بلاغة الأسلوب وبلاغة الخِطاب إلى بلاغة التحليل والتأويل، وهو ما يضمن للخطاب سيرورته وتناسله.
وقد كان منطلَق هذا الاجتهاد إثبات مجموعة من الفرضيّات الّتي انتابت الباحث في أثناء التّأسيس لنظرية بلاغية تأويليّةٍ جديدة قوامها التّراث العربي بشعره ونثره وبلاغته ونقده وتفسيراته القرآنيّة وشروحه الشعرية، مع الانفتاح على ما جاءت به الدّراسات الغربيّة في حقل تحليل الخِطاب؛ رغبةً في تجديد آليات القراءة، وهو ما يشكِّلُ – في حقيقته – استجابةً علميّةً ومعرفيّةً وجماليّةً وتاريخيّةً... لما تمّ تداوله في البيئتيْن العربيّة والغربيّة، إضافة إلى إثبات النظريتين السّابقتيْن؛ التّساند والتّقابل، ودعمهما بنظرية ثالثة تزيد التصوّر اتساعًا واستيعابًا لكلِّ ما جاء في نسيج الخطاب.
كل ما سبق ذكره مُقيَّدٌ بوظيفةٍ؛ ووظيفةُ النظرية الاستعاريّة المنواليّة تتجلى في الكشف عن الخصائص الفنيّة، ومعرفة خلفيّات الخطاب، وإدراك بنياته، وتوسيع أفق فهمه، وتشغيل آليّات تحليلية تأويليّةٍ جديدةٍ، وجعل الاستعارة المنواليّة بديلًا تحليليًّا في رتق عناصر الخطاب بعد فتق بنيته الدالة، وإرشاد المتلقّي إلى مغزاه بكشف بنيته العميقة، ومضمراته المستترة، والتّنبيه إلى أنّ الخطاب فضاءٌ مفتوح على عوالم استعاريّة يحكمها الفعل الاستعاري، الأمرُ الّذي يُظهر مجموعة من الاستعارات المتجانسة فيما بينها، فمنها: الثقافيّة والنصيّة والاجتماعيّة والنفسيّة والشّكليّة والفكريّة والفلسفيّة والمفهوميّة والتّأويليّة والسياسيّة... إلخ.
إنّ الاستعارة المنواليّة استعارة تبحث عن الفعل الاستعاري الّذي اعتمده صاحب الخطاب... وهي استعارة تأثيرية لها قوة حجاجيّة إقناعيّة وجماليّة إمتاعيّة... فهي أداةٌ لتحليل الخطاب واستراتيجيةٌ لبنائِه، وبناءً على ذلك يصبح التّصوّرُ البلاغي التّأويلي الجديد تصوّرًا يسعى إلى تشييد بلاغة الخطاب، وهنا مَكْمن الاجتهاد والجدّة في تشييد الجسور بين المجالات العلميّة والمعرفية في تحليل الخطاب.
أولًا: العربية
ابن الأثير، ضياء الدين. المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر. تحقيق: أحمد حوفي وبدوي طبانة. دار نهضة مصر، القاهرة [د.ت].
ابن المعتز، عبد الله. كتاب البديع. اعتنى بنشره وتعليق المقدمة والفهارس: إغناطيوس كراتشقوفسكي. مكتبة المثنى. بغداد، ط2، 1979.
أبو الفضل، ابن منظور. لسان العرب. دار صادر، بيروت.
أبو هلال، العسكري. الصناعتين الكتابة والشعر. تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم. المكتبة العصرية، بيروت، 2013.
أبو يعقوب، السكاكي. مفتاح العلوم. تحقيق: نعيم زرزور. دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1987.
إيكو، أمبرتو. السيميائية وفلسفة اللغة. ترجمة: أحمد الصمعي. المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2005.
بازّي، محمد. البُنى الاستعارية نحو بلاغة موسّعة. دار الأمان، الرباط، كلمة، تونس، منشورات الاختلاف، الجزائر، منشورات ضفاف، بيروت، ط1، 2017.
–––. التأويلية العربية نحو نموذج تساندي في فهم النصوص والخطابات. الدار العربية للعلوم ناشرون، لبنان. منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2010.
–––. العنوان في الثقافة العربية التّشكيل ومسالك التّأويل. دار الأمان، الرباط، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2012م.
الجاحظ، أبو عثمان. البيان والتبيين. تحقيق: عبد السلام محمد هارون. دار الجيل، بيروت [د.ت].
الجرجاني، عبد القاهر. أسرار البلاغة. تحقيق: محمود محمد شاكر. مكتبة دار المدني، جدة، ط1، 1991.
الرماني، أبو الحسن. "النكت في إعجاز القرآن". ضمن كتاب: ثلاث رسائل في إعجاز القرآن. تحقيق: محمد خلف الله ومحمد زغلول سلام. دار المعارف، القاهرة، ط3، 1976.
الصاوي، أحمد عبد السيد. مفهوم الاستعارة في بحوث اللغويين والنقاد والبلاغيين دراسة تاريخية فنية. منشأة المعارف، الإسكندرية، 1988.
الصفدي، صلاح الدين. نصرة الثائر على المثل السائر. تحقيق: محمد علي سلطاني، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق [د.ت].
عبد الرحمن، طه. سؤال المنهج في أفق أنموذج فكري جديد. المؤسسة العربية للفكر والإبداع، بيروت، ط2، 2015.
عتيق، عبد العزيز. البيان. دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 2006.
علي بن خلف الكاتب. مواد البيان. تحقيق: حاتم الصالح الضامن. دار البشائر، سوريا، ط1، 2003.
فائزي، توفيق. الاستعارة والنص الفلسفي. دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، ط1، 2016.
قدامة بن جعفر. نقد النثر. تحقيق: طه حسين وعبد الحميد العبادي، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1933.
لايكوف، جورج، وجانسون مارك. الاستعارات التي نحيا بها. ترجمة: عبد المجيد جحفة. دار توبقال، الدار البيضاء، ط2، 2009.
الهاشمي، السيد أحمد، جواهر البلاغة. في المعاني والبيان والبديع. ضبط وتدقيق وتوثيق: يوسف الصميلي. المكتبة العصرية، بيروت [د.ت].
ثانيًا: الأجنبية
ʻabd al-Raḥmān, Ṭāhā. Suʼāl al-manhaj fī ufuq Unmūdhaj Fikrī jadīd. (in Arabic), al-Muʼassasah al-ʻArabīyah lil-Fikr al-ibdāʻ, Beyrouth, 2nd ed., 2015.
Abū al-Faḍl, Ibn manẓūr. Lisān al-ʻArab. (in Arabic), Dār Ṣādir, Bayrūt.
Abū Hilāl, al-ʻAskarī. Al-ṣināʻatayn al-kitābah wa-al-shiʻr. (in Arabic), edited by: ʻAlī Muḥammad al-Bajāwī wa-Muḥammad Abū al-Faḍl Ibrāhīm. Al-Maktabah al-ʻAṣrīyah, Bayrūt, 2008.
Abū Yaʻqūb, al-Sakkākī. Miftāḥ al-ʻUlūm. (in Arabic), edited by: Naʻīm Zarzūr. Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, Bayrūt, 2nd ed., 1987.
Al-Hāshimī, al-Sayyid Aḥmad, Jawāhir al-balāghah. Fī al-maʻānī wa-al-bayān wa-al-badīʻ. Edited by: Yūsuf al-Ṣumaylī. (in Arabic), al-Maktabah al-ʻAṣrīyah, Bayrūt.
ʻAlī ibn Khalaf al-Kātib. Mawādd al-Bayān. (in Arabic), edited by: Ḥātim al-Ṣāliḥ al-Ḍāmin. Dār al-Bashāʼir, Sūriyā, 1st ed., 2003.
Al-Jāḥiẓ, Abū ʻUthmān. Al-Bayān wa-al-tabyīn. (in Arabic), edited by: ʻAbd al-Salām Muḥammad Hārūn. Dār al-Jīl, Bayrūt.
al-Jurjānī, ʻAbd al-Qāhir. Asrār al-balāghah. (in Arabic), edited by: Maḥmūd Muḥammad Shākir. Maktabat Dār al-madanī, Jiddah, 1st ed., 1991.
Al-Rummānī, Abū al-Ḥasan. "al-Nukat fī Iʻjāz al-Qurʼān". Within the joint book :thalāth Rasāʼil fī Iʻjāz al-Qurʼān. (in Arabic), edited by: Muḥammad Khalaf Allāh wa-Muḥammad Zaghlūl Sallām. Dār al-Maʻārif, al-Qāhirah, 3rd ed., 1976,.
Al-Ṣafadī, Ṣalāḥ al-Dīn. Nuṣrat al-thāʼir ʻalá al-mathal al-sāʼir. (in Arabic), edited by: Muḥammad ʻAlī Sulṭānī, Maṭbūʻāt Majmaʻ al-lughah al-ʻArabīyah, Damas.
al-Ṣāwī, Aḥmad ʻAbd al-Sayyid. Mafhūm al-Istiʻārah fī Buḥūth al-lughawīyīn wa-al-nuqqād wa-al-balāghīyīn dirāsah tārīkhīyah fannīyah. (in Arabic), Munshaʼat al-Maʻārif, Alexandria, 1988.
ʻAtīq, ʻAbd al-ʻAzīz. Al-Bayān. (in Arabic), Dār al-Āfāq al-ʻArabīyah, al-Qāhirah, 1st ed., 2006.
Bāzzy, Muḥammad. Albuná al-Istiʻārīyah Naḥwa Balāghat mwssʻh. (in Arabic), al-Rabāṭ, Dār al-Amān. 1st ed., 2017.
–––, al-Taʼwīlīyah al-ʻArabīyah Naḥwa namūdhaj tsāndy fī fahm al-nuṣūṣ wālkhṭābāt. (in Arabic), al-Dār al-ʻArabīyah lil-ʻUlūm Nāshirūn. Al-Jazāʼir, Manshūrāt al-Ikhtilāf, Jordan, 1st ed., 2010.
–––. Al-ʻUnwān fī al-Thaqāfah al-ʻArabīyah alttshkyl wa-masālik alttʼwyl. (in Arabic), al-Rabāṭ, Dār al-Ammān, 1st ed., 2012.
Fāʼzy, Tawfīq. Al-Istiʻārah wa-al-naṣṣ al-falsafī. (in Arabic), Dār al-Kitāb al-jadīd al-Muttaḥidah, Bayrūt, 1st ed., 2016.
Ibn alathir, ḍyaā dūn, almatal ssāir fi adab elakatib wa shshār, (in Arabic), edited by: aḥmad Hūfi wa badawi tabbāna, dār annahda, al-Qāhirah.
Ibn al-Muʻtazz, ʻAbd Allāh. Kitāb al-Badīʻ. Take care to publish it and comment the introduction and indexes: Ighnāṭiyūs krātshqwfsky. (in Arabic), Maktabat al-Muthanná. Baghdad, 2nd ed., 1979.
Īkū, Umbirtū. Alsymyāʼyh wa-falsafat al-lughah. Translated by: Aḥmad alṣmʻy. (in Arabic), al-Munaẓẓamah al-ʻArabīyah lil-Tarjamah, Beyrouth, 1st ed., 2005.
Lāykwf, Jūrj, wjānswn Mārk. Al-Istiʻārāt allatī Naḥyā bi-hā. Translated by: ʻAbd al-Majīd Jaḥfah. (in Arabic), Dār Tūbqāl, Casablanca, 2nd ed, 2009.
Qudāmah Ibn Jaʻfar. Naqd al-nathr. (in Arabic), edited by: Ṭāhā Ḥusayn wa-ʻAbd al-Ḥamīd al-ʻAbbādī, Dār al-Kutub al-Miṣrīyah, al-Qāhirah, 1933.