تاريخ الاستلام: 14/01/2024        تاريخ التحكيم: 28/04/2024                  تاريخ القبول: 23/06/2024

تطوير المهارات في زمن الذكاء الاصطناعي: رؤية مستدامة للرفاه

رايس فضيل https://orcid.org/0000-0003-4600-7315

أستاذ التعليم العالي، مخبر الدراسات البيئية والتنمية المستدامة، كلية العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير، جامعة الشهيد الشيخ العربي التبسي–الجزائر

dr.raisfoudil@univ-tebessa.dz

ملخص

يستعرض البحث أهمية تطوير المهارات كوسيلة للتكيف مع أحدث التحولات التكنولوجية وهي الذكاء الاصطناعي؛ حيث تشير الأبحاث إلى وجود ما يعرف بتجويف الوسط فيما يتعلق بالمهارات الموجودة، فالتحولات التكنولوجية وخاصة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تعمل على القضاء على المهارات المتوسطة وزيادة المهارات العالية وكذا المهارات المتدنية ومنه إحداث خلل هيكلي في سوق العمل، وتشير أحدث الدراسات إلى أن ما يقرب من 40% من العمالة العالمية معرض للذكاء الاصطناعي مع وجود تفاوت بين الدول المتقدمة والأسواق الناشئة والبلدان منخفضة الدخل، ويجد صناع السياسة وأصحاب القرار أنفسهم أمام مشكلة عدم مواءمة الوظائف وليس قلتها، بناء عليه يجب على الأفراد تعلم مهارات جديدة وتطوير قدراتهم لتلبية احتياجات سوق العمل الجديدة، وتعظيم دخولهم ليتمكنوا من توسيع خياراتهم في الحياة، من خلال تحسن الإنفاق على الصحة والتعليم، فرخاء الأفراد وتحسن معيشتهم يدفعهم الى البحث عن سبل أكثر سرعة وفاعلية لتعظيم الدخل وبالتالي الرفاه الخاص لكل منهم، ويشير البحث إلى أن هذا التحدي ليس مجرد مسؤولية الأفراد فحسب، بل يشمل أيضًا المؤسسات التعليمية وأصحاب القرار، ويقترح البحث تصميم مناهج تعليمية مستدامة ومبتكرة تعزز من تطوير المهارات الأساسية، وزيادة تدخل الدولة بما يخدم سوق العمل من ناحية تقليل الفجوة المهاراتية التي هي مفتاح تقليل البطالة في ظل هذه التحولات المتسارعة، بالإضافة إلى بناء الجسور بين التعليم والتدريب والصناعة وقطاع الأعمال بصفة عامة، والعمل على تحرير المبادرات خاصة في قطاع التعليم العالي بما يسمح باكتساب المهارات الجديدة وتطوير المهارات القائمة.

الكلمات المفتاحية: المهارات، سوق العمل، الذكاء الاصطناعي، التدريب، الرفاه

 

للاقتباس: فضيل، رايس. (2024). "تطوير المهارات في زمن الذكاء الاصطناعي: رؤية مستدامة للرفاه". سلسلة الأوراق البحثية للشبكة الأكاديمية للحوار التنموي – النسخة الثانية، 2024. https://doi.org/10.29117/andd.2024.013

© 2024، فضيل. سلسلة الأوراق البحثية للشبكة الأكاديمية للحوار التنموي، دار نشر جامعة قطر. نّشرت هذه المقالة وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 

 

Received: 14/01/2024            Peer-reviewed: 28/04/2024               Accepted: 23/06/2024

Skills Development in the Era of Artificial Intelligence: A Sustainable Vision for well-being

Rais Foudil https://orcid.org/0000-0003-4600-7315

Professor of Higher Education, Laboratory of Environmental Studies and Sustainable Development Faculty of Economics, Business, and Management Sciences, University echahid Cheikh El Arabi TebessiAlgeria

dr.raisfoudil@univ-tebessa.dz.

Abstract

The research highlights the importance of skill development as a means of adapting to the latest technological transformations, notably artificial intelligence (AI). Research indicates the existence of what is known as a skills gap, where technological transformations, especially those supported by AI, tend to eliminate intermediate skills while increasing both high and low-level skills, thus causing structural imbalances in the job market. Recent studies suggest that approximately 40% of the global workforce is vulnerable to AI, with variations among advanced economies, emerging markets, and low-income countries. Policymakers find themselves facing the challenge of job-role mismatch, necessitating individuals to acquire new skills and enhance their capabilities to meet the demands of the evolving job market. Maximizing their income enables individuals to expand their life choices, leading to improved spending on health and education, thus enhancing individual well-being and living standards, prompting them to seek faster and more effective means of income maximization and, consequently, personal well-being. The research indicates that addressing this challenge is not solely the responsibility of individuals but also involves educational institutions and decision-makers. It proposes the need for sustainable and innovative educational curricula that promote the development of core skills, increased government intervention to serve the labor market by reducing skill gaps crucial for tackling unemployment amid these rapid transformations, as well as building bridges between education, training, industry, and business sectors in general. It also advocates for initiatives, especially in higher education, to acquire new skills and develop existing ones.

Keywords: Skills; Job market; Artificial intelligence; Training; Well-being

 

Cite as: Foudil, R. (2024). “Skills Development in the Era of Artificial Intelligence: A Sustainable Vision for well-being”. The Academic Network for Development Dialogue (ANDD) Paper Series, Second Edition, 2024. https://doi.org/10.29117/andd.2024.013

© 2024, Foudil, R., Published in The Academic Network for Development Dialogue (ANDD) Paper Series, by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at: https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 

 


1.     مقدمة

تحظى تنمية المهارات باهتمام متزايد في العديد من البلدان، وتقف وراء هذا الاهتمام مجموعة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، ويدرك صناع السياسة أن تقدم بلدانهم والترقي إلى مراتب مرتفعة في الدخل، يفرض عليهم إنتاج سلع وخدمات ذات قيمة مضافة أعلى، وجودة أحسن حيث يمكن ذلك من الحصول على أجور وأرباح أعلى، ولتحقيق ذلك يتطلب الأمر قوة عاملة ماهرة ونظام تعليم وتدريب يعمل على إعداد الشباب بشكل مناسب لسوق العمل، وتسير هذه الحتمية جنبا إلى جنب مع إعادة التفكير السائد في نمط التنمية الاقتصادية الذي لا يسعى إلى النمو السريع فحسب، بل أيضا الى النمو الشامل وهو النمو الذي يحقق الرفاه للجميع.

مع التحولات التكنولوجية التي يعرفها الاقتصاد تتفاوت الفجوة بين ما هو متاح من مهارات اكتسبها الأفراد طيلة مسارهم التعليمي والوظيفي وما تتطلبه الصناعة؛ حيث تضيق هذه الفجوة في الدول التي تعمل جاهدة على تطوير القوة العاملة وتزويدها بالمهارات اللازمة لدخول سوق العمل، وبذلك تضمن ازدهار وتطور صناعتها من جهة ومن جهة ثانية رخاء ورفاها مرتفعا للقوة العاملة، بينما تواجه الدول التي تتسع فيها الفجوة بين ما يملكه الأفراد من مهارات وما يتطلبه سوق العمل، وقد انعكس ذلك في تباطؤ النمو الاقتصادي وضعف الإنتاجية وتواضع القدرات التنافسية للاقتصاد، وضعف الدخول.

ومع التحولات الحالية والمتوقعة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي كتطور لافت في التكنولوجيا وجب التفكير في شكل المهارات المطلوبة لوظائف المستقبل، فالذكاء الاصطناعي مثله مثل الموجات السابقة للأتمتة سيتسبب في تحولات عميقة في سوق العمل وسيفشل الكثير من العمال وطالبي الوظائف والمؤسسات في التكيف معه نظرا لعدم امتلاكهم للمهارات المناسبة التي تمكنهم من الحفاظ على وظيفة مستقرة أو وضعية تنافسية في حالة المؤسسات، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية إتاحته لوظائف جديدة تتطلب مهارات غير موجودة في الوقت الحالي، وإلى أن تتضح الصورة حول التحولات القادمة يجب على الحكومات أن تكون مستعدة لتجهيز العمال بالمهارات المناسبة للظفر بالوظائف المستقبلية، هذه الوظائف تكون أحد أسباب تعظيم رفاهيتهم، ويكون ذلك بصياغة استراتيجية لتطوير المهارات من جهة وتوظيف تلك المهارات في وظائف تعود بالنفع على الاقتصاد ككل.

مشكلة البحث

تأسيسًا على ما سبق تتمثل مشكلة البحث في السؤال التالي:

كيف يمكن بناء قوة عمل تتمتع بالمهارات اللازمة للتكيف مع الأوضاع المتغيرة لسوق العمل في عصر الذكاء الاصطناعي؟

أهداف البحث

لفهم تأثير الذكاء الاصطناعي وانعكاسه على سوق العمل والمهارات المناسبة للتكيف مع وضع متقلب تتحدد الأهداف التالية:

-     تحليل الآثار الفعلية والمحتملة للذكاء الاصطناعي على سوق العمل.

-     تحديد أهم التحديات لاكتساب المهارات المناسبة في عصر الذكاء الاصطناعي.

-     تحديد سمة المهارات المناسبة للوظائف المستقبلية.

-     توضيح العلاقة بين رفاه الأفراد ورصيدهم من المهارات في عصر الذكاء الاصطناعي.

-     إبراز أهمية التعليم والتدريب المهني في توفير فرص الحصول على المهارات المناسبة في عصر الذكاء الاصطناعي.

-      تحديد دور العوامل السياسية الخاصة بالمهارات في زمن الذكاء الاصطناعي.

أهمية البحث

لبحث التغييرات التي يعرفها سوق العمل بسبب اعتماد الذكاء الاصطناعي:

-     لا بد من فهم التحولات العميقة لسوق العمل بسبب اعتماد الذكاء الاصطناعي.

-     تطوير المهارات يفتح آفاقا جديدة للأفراد ويعزز فرص العمل والدخل مما يؤثر إيجابا على رفاه الأفراد ونمو وإنتاجية الاقتصاد.

-     خطط التعليم والتدريب المهني الفعالة للتكيف مع وظائف المستقبل.

-     البحث في الموضوع يمكن أن يوجه أصحاب القرار ويدفعهم إلى مراجعة السياسات القائمة والاستعداد للمستقبل.

-     من الأهمية بمكان تحليل مستقبل الطلب على العمالة والمتطلبات من مهارات العمل مع تزايد وتسارع الرقمنة والأتمتة في العقود المقبلة.

-      من المتوقع فقدان الوظائف أو إعادة هيكلتها لتلبية احتياجات الاقتصاد الجديد، وبالتالي لا بد من صياغة السياسات المناسبة وتنفيذها من أجل تعظيم الفوائد المتوقعة، فضلا عن تخفيف العواقب السلبية.

منهج البحث

استند البحث إلى المنهج الاستقرائي، وذاك بغرض فهم التغيرات التي عرفها سوق العمل والناتجة عن التغيرات التكنولوجية، وانطلاقا من التحليل النقدي يمكن الوصول الى نتائج وتوصيات تخدم موضوع البحث.

2.     آثار الذكاء الاصطناعي على سوق العمل

نعيش اليوم فترة حاسمة من التحول التكنولوجي الذي له بالفعل تأثير عميق على العمل والحياة العملية للجميع، ويعد الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى المستندة إلى البيانات عاملا مؤثرا في هذا التحول، فتقنيات الذكاء الاصطناعي تعمل على تغيير طبيعة العمل ومن يقوم به وكيفية إنجازه، وقبل تناول مختلف الجوانب التي تتأثر بالذكاء الاصطناعي وخاصة عالم العمل والوظائف يجب تعريف هذه التقنية.

يعود التعريف الكلاسيكي للذكاء الاصطناعي إلى عام 1955، عندما وصف جون مكارثي وزملاؤه الباحثون الذكاء الاصطناعي بأنه: جعل الآلة تتصرف بطرق يمكن أن يطلق عليها اسم الذكاء إذا كان الإنسان يتصرف بتلك الطريقة (Kavanagh, 2019)، ويعرف كذلك بأنه مصطلح يصف الآلات القادرة على التعلم من بيئتها لتحقيق هدف ما دون أن تبرمج بشكل صريح للقيام بذلك (Nurkin & Rodriguez, 2019وحسب لجنة سياسة الاقتصاد الرقمي التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وفريق العمل المعني بحوكمة الذكاء الاصطناعي فإن "نظام الذكاء الاصطناعي هو نظام قائم على الآلة، يستنتج بالنسبة للأهداف الصريحة أو الضمنية، من المدخلات التي يتلقاها، كيفية إنشاء مخرجات مثل التنبؤات أو المحتوى أو التوصيات أو القرارات التي يمكن أن تؤثر على البيئات المادية أو الافتراضية (Bertuzzi, 2023).

بناء على ما سبق، فإن الذكاء الاصطناعي يقوم على الآلة، وهذه الأخيرة قادرة على التعلم من بيئتها لتحقيق أهداف لم تحدد بعد، ومصدر قدرتها هو حجم البيانات المقدمة لها وكذا الأساليب المتنوعة مثل التعلم الآلي، البرمجة اللغوية العصبية، رؤية الآلة، الأتمتة والروبوتات، وكل هذا له تأثير كبير على المهام والوظائف في كل الأنشطة، لذلك يتوقع الخبراء والمختصون أن يكون تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل من عدة نواحي، فمن المحتمل أن يكون التأثر سلبيا في بعض الصناعات حيث إن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ربما يؤدي الى تدمير العديد من الوظائف، كما يمكن أن يكون له أثر إيجابي من خلال زيادة الطلب في وظائف محددة، وفي هذه الحالة تكون له آثار مكملة، والتأثير الآخر والذي يعتبر على درجة كبيرة من الأهمية يتمثل في قضية انتشار عدم المساواة في سوق العمل.

من الناحية النظرية، سوف يقوم الذكاء الاصطناعي بأتمتة مهام الإنتاج، ولكنه سيكمل أيضًا القوى العاملة ويخلق مهام جديدة، ولذلك فإن تأثيره على حجم العمالة المطلوبة متناقض فهو سيقضي على العمالة البشرية في حالات معينة (تأثير الإزاحة)، ولكنه قد يزيد أيضًا من الطلب على العمالة في وظائف أخرى لأنه يولد مكاسب إنتاجية (تأثير الإنتاجية) ويخلق وظائف جديدة تمامًا (تأثير إعادة الإدماج)، ومن المستحيل أن نحدد مسبقا أيا من هذه التأثيرات سوف يهيمن، وبالتالي ما إذا كان الطلب الإجمالي على العمالة سيزداد، وتظل الحقيقة هي أن الوظائف ليست كلها مهددة بنفس القدر بسبب الذكاء الاصطناعي، وأن فئات معينة من العمال معرضة لأضرار أكبر من غيرها (Green, 2023).

من حيث المبدأ قد تشهد المؤسسات المعرضة للذكاء الاصطناعي زيادة في التوظيف إذا كان الذكاء الاصطناعي يكمل العمال بشكل مباشر في بعض المهام، مما يزيد الإنتاجية ويشجع المزيد من التوظيف، أو يحل الذكاء الاصطناعي محل العمال في بعض المهام، ولكنه يزيد الإنتاجية بما يكفي لزيادة الطلب في المهام والمهن غير المكشوفة من خلال تأثير الإنتاجية (Acemoglu et al., 2022).

من الواضح أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على إعادة تشكيل سوق العمل، وذلك من خلال تعزيز الإنتاجية والكفاءة واستبدال الوظائف من خلال أتمتة المهام الروتينية، وتتضمن هذه الأخيرة عادة أعمال خط التجميع، ومعالجة البيانات، والأعمال الكتابية، ومراقبة الجودة، ويرى البعض أن أتمتة هذه المهام قد تؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة في مجالات مثل الهندسة الحيوية، والتعلم الإحصائي، وهندسة الروبوتات المطبقة في الطب والتصنيع، هذا من بين مجالات أخرى، سيكون هناك أيضا المزيد من الطلب على المهنيين القادرين على إدارة وتحديث وصيانة أنظمة الذكاء الاصطناعي وسيزداد الطلب على المهارات التقنية مثل البرمجة وتحليل البيانات (Zhoum, 2023).

تشير أحدث دراسات صندوق النقد الدولي إلى أن أنواع تطورات سوق العمل لها آثار مختلفة على المهن، سواء من حيث التعرض أو التكامل مع اعتماد الذكاء الاصطناعي، فعلى سبيل المثال المهن ذات التعرض العالي التي يمكن للذكاء الاصطناعي إكمال مهامها بشكل مستقل قد تشهد انخفاضا في الطلب على العمالة البشرية، مما يؤدي إلى انخفاض الأجور، وقد تشهد الوظائف التي تتطلب إشرافا بشريا على الذكاء الاصطناعي زيادة في الإنتاجية، وهو ما تنشأ عنه زيادة في الطلب على العمالة وأجور العمال الحاليين، وحتى في المهن التي من المرجح أن يكمل فيها الذكاء الاصطناعي العمل البشري، فإن العمال الذين لا يتمتعون بالمهارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي يواجهون خطر انخفاض فرص العمل، وبالتالي فإن سهولة اكتساب المهارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي تحدد التأثير النهائي لهذه التكنولوجيا (Cazzaniga et al., 2024).

بتطور التكنولوجيا يكون الجميع أمام تحدي تعلم واكتساب مهارات جديدة، هذه المهارات في تغير مستمر ومتسارع ففي ظرف وجيز لا يتعدى سنة يمكن أن تظهر المهارة وتتقادم، وهذا التحول لا يشبه التحولات السابقة حيث هناك مجال لتعلم مهارات جديدة وتطبيقها ثم تتلاشى بالتدريج، هذه الميزة تستدعي سياسات فعالة تساعد العمال على التغلب أو مسايرة التسارع والتغير التكنولوجي الكبير.

شكل (1): سحابة مهارات الذكاء الاصطناعي

المصدر: https://oecd.ai/en/data?selectedArea=ai-jobs-and-skills&selectedVisualization=it-skills-word-cloud
 استرجع بتاريخ 15/10/2024

من ناحية أخرى يعد الذكاء الاصطناعي بتكملة وتعزيز العاملين في تنفيذ عدد من المهام، في الخدمات والتصنيع على حد سواء، وربما تعمل زيادة الإنتاجية على تحفيز الطلب على العمالة، وهو ما من شأنه أن يعوض الاضطرابات الوظيفية الناجمة عن الذكاء الاصطناعي، في حالة حدوث هذا الأخير وعلى نفس المنوال فإن الكفاءة التنظيمية – بما في ذلك المهام الإدارية التي تهدف إلى مراقبة وتنسيق وتوجيه العمال – تأخذ قفزة إلى الأمام مع آثار محتملة لتوفير العمالة بالإضافة إلى تغييرات في تكوين الملامح المهنية وموقعها النسبي داخل المنظمات، كما أن قطاعات ومنافذ سوقية جديدة على وشك الظهور وبالتالي فمن الصعب التنبؤ بعدد هذه المهام والتي ستجلب الكثير من الوظائف؛ حيث إن نسبة كبيرة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي الثورية لا تزال في مرحلتها الأولى من التطوير، بمعنى آخر تظل التأثيرات النهائية للذكاء الاصطناعي على التوظيف سؤالا مفتوحًا، الأمر المؤكد هو أن التعرض لتقنيات الذكاء الاصطناعي غير متجانس إلى حد كبير عبر المهن والقطاعات والبلدان والمناطق، ولذلك فإن التغيير الهيكلي هو نتيجة يمكن التنبؤ بها إلى حد ما، كما كان في موجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السابقة، وإعادة تشكيل القطاعات والتحولات المهنية وعمليات إعادة تشكيل المهارات، وسيعتمد حجم وتوزيع التكاليف الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بها على سرعة عملية نشر الذكاء الاصطناعي والمرونة النسبية للوكلاء المعنيين (Guarascio et al., 2023).

3.     تحديات اكتساب المهارات في عصر الذكاء الاصطناعي

نظرًا لما سيحدثه الذكاء الاصطناعي من تحولات في سوق العمل والتي يجهل نوعها ومداها الزمني بدقة، فالأمر المؤكد أن على الجميع التهيؤ لعصر جديد حيث تكون القدرة على التكيف واكتساب المهارات المناسبة أمرا ضروريا لتحسين الرفاهية الفردية والجماعية في المجتمع.

هناك سببان وراء قيام الذكاء الاصطناعي بتعديل احتياجات المهارات (Lassebie, 2023):

-      فمن ناحية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكرر المزيد من المهارات، ولا سيما المهارات المعرفية واليدوية.

-      من ناحية أخرى، يزيد الذكاء الاصطناعي من الطلب على المهارات اللازمة لتطوير الذكاء الاصطناعي والمهارات اللازمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي.

تنتج الحاجة المتزايدة إلى تطوير وصيانة أنظمة الذكاء الاصطناعي مهارات جديدة ذات طابع تقني. بالإضافة إلى ذلك، سيحتاج المحترفون إلى تطوير مهارات للتفاعل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي واستخدامها. يفرض اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشركات طلبًا على العاملين في مجموعة متنوعة من المهن لاستخدام هذه التكنولوجيا والتفاعل معها، مما يؤدي في بعض الحالات إلى تغيير المهام المطلوبة والمهارات المتطلبة لأداء هذه المهن.

في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا الطلب على مهارات الذكاء الاصطناعي نما 4 مرات خلال الفترة من 2010 إلى 2019، وتسعى الشركات جاهدة لتوظيف المزيد من الموظفين ذوي المهارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، ولا يزال الطلب يكتسب زخما، وكما هو متوقع فإن الطلب على مهارات الذكاء الاصطناعي هو الأعلى في قطاع المعلومات، ولكنه مرتفع أيضًا في الخدمات المهنية، والخدمات الإدارية وخدمات الدعم، والقطاعات المالية، ومن بين المهن تمثل مهن الكمبيوتر والرياضيات أعلى كثافة في الطلب على مهارات الذكاء الاصطناعي، تليها مهن الهندسة المعمارية والهندسة والعلوم، باختصار تظهر البيانات أن الطلب على مهارات الذكاء الاصطناعي ينمو بسرعة عبر مجموعة واسعة من القطاعات والمهن ولا يقتصر الأمر على الصناعات والوظائف المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات (Lassebie, 2023).

وقد أثار التخوف من ظهور وانتشار الذكاء الاصطناعي في كل ميادين الحياة عدة أسئلة منها: ما هو الحد الأدنى لمهارات الذكاء الاصطناعي الواجبة لكل وظيفة؟ كيف يمكن للعمال تقليل خطر فقدانهم للوظائف في عصر الذكاء الاصطناعي؟ وغيرها من الأسئلة التي تشير الى أن الواقع يتغير بسرعة لصالح الذكاء الاصطناعي وعلى جميع الموظفين والمهنيين إعداد العدة للبقاء في وظائفهم أو الظفر بوظائف تتيح لهم قدرا محترما من الرفاهية الوظيفية والاجتماعية.

ويمكن التفريق بين الوظائف في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي ونوع المهارات المطلوبة، والوظائف في مجالات أخرى من الاقتصاد تعمل بأدوات الذكاء الاصطناعي لزيادة كفاءتها وتنافسيتها وما إلى ذلك وفي هذه الحالة يكون الأمر مختلفا من ناحية المهارات المطلوبة.

يجب أن يتمتع متخصصو تكنولوجيا المعلومات المهتمون بالمهن في مجال الذكاء الاصطناعي بمهارات علم البيانات للقيام بهذه الخطوة، فالوظائف في مجال الذكاء الاصطناعي وفيرة، ولكن الحصول على شهادات ومعرفة وخلفية محددة أمر ضروري.

-      وفيما يتعلق بالأنواع الجديدة من الوظائف لبناء تقنيات الذكاء الاصطناعي وتدريبها وتحديثها وصيانتها، يتوقع الخبراء إمكانية إنشاء ثلاثة أنواع جديدة من الوظائف (Wilson, Daugherty, & Morini-Bianzino, 2017): الفئة الأولى من "مدربين" على نماذج التعلم الآلي لتعليم أنظمة الذكاء الاصطناعي وكيفية أدائها، وتتضمن هذه الأدوار عادةً المهارات التقنية ومهارات علوم البيانات، على سبيل المثال؛ إذ تحتاج روبوتات الدردشة إلى التدريب على التواصل مع البشر باستخدام لغة رحيمة ومتعاطفة وفهم الفكاهة وخفايا اللغة، وهذا يتطلب تدريبًا سلوكيًا للخوارزمية، وبالتالي مهارات التعامل مع الآخرين لـ"المدرب".

-       الفئة الثانية من الوظائف الجديدة "المفسرون" لأنظمة الذكاء الاصطناعي الذين سيوضحون عمل الخوارزميات والأنواع المختلفة من النتائج التي تولدها، ولا سيما للمديرين والمهنيين غير التقنيين في الشركات التي تنفذ أو تسعى إلى تنفيذ تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة للمستهلكين وعامة الناس، وقد تصبح هذه الوظائف أقل أهمية إذا أصبحت أنظمة الذكاء الاصطناعي أكثر شفافية ووضوحًا، ولكنها تظل حاسمة في الوقت الحالي عندما تبدأ الحكومات في اتخاذ إجراءات لضمان الشفافية، ستتطلب هذه الوظائف معرفة جيدة بالذكاء الاصطناعي،

-      الفئة الثالثة وظائف تتطلب مهارات الاتصال والقدرة على نقل المعلومات التقنية إلى جمهور غير تقني، من بين أمور أخرى، وكذا العمل على تحقيق "الاستدامة" وهي ضمان أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تعمل على النحو المنشود، وتكشف التحيزات والتزييف والأخطاء، ومعالجة العواقب غير المقصودة كما ينبغي وفي الوقت المناسب، ومراقبة نتائج الخوارزميات، والتأكد من استمرارها في العمل على النحو المنشود مع مرور الوقت، مع تغير التكنولوجيا والبيانات والبيئة.

جدول (1): الاحتياجات من المهارات في عصر الذكاء الاصطناعي

 

نوع المهارة

أمثلة

مهارات تطوير وصيانة أنظمة الذكاء الاصطناعي

مهارات الذكاء الاصطناعي المتخصصة

المعرفة العامة بالذكاء الاصطناعي مثل التعلم الآلي معرفة محددة بنماذج الذكاء الاصطناعي

 "التعلم العميق"، "الشبكة العصبية"،... إلخ.

أدوات الذكاء الاصطناعي tensorfl، "pytorch"،... إلخ

وبرامج الذكاء الاصطناعي "java"، "gradle"، "galaxycluster"،... إلخ.

مهارات علم البيانات

تحليل البيانات، برمجة، لغات البرمجة، وخاصة لغة (Python). Big data، تصور البيانات، حوسبة سحابية

المهارات المعرفية الأخرى

إبداع في حل المشاكل

مهارات عرضية

مهارات اجتماعية، مهارات الإدارة

مهارات اعتماد واستخدام والتفاعل مع تطبيقات الذكاء

 الاصطناعي

معرفة الذكاء الاصطناعي الأولية

مبادئ التعلم الآلي

المهارات الرقمية

القدرة على استخدام الكمبيوتر أو الهاتف الذكي

المهارات المعرفية الأخرى

مهارات تحليلية، حل المشاكل، التفكير النقدي

مهارات عرضية

إِبداع، تواصل، العمل بروح الفريق الواحد، تعدد المهام

Source : Lassebie, J. (2023). Skill Needs and Policies in the Age of Artificial Intelligence. Organization for Economic Co-operation and Development (OECD). Retrieved from: https://www.oecd‑ilibrary.org/sites/08785bba‑en/1/3/5/index.html?itemId=/content/publication/08785bba‑en&_csp_=9f4368ffe3fc59de4786c462d2cdc236&itemIGO=oecd&itemContentType=book#tablegrp-d1e16959-12b89ec173

بأخذ الاقتصاد الأمريكي كمثال فيما يتعلق بالوظائف التي تتطلب مهارات الذكاء الاصطناعي تظهر البيانات أن إعلانات وظائف الذكاء الاصطناعي من إجمالي إعلانات الوظائف حسب القطاع استأثر بها كل من قطاع المعلوماتية، والخدمات المهنية والعلمية والتقنية، وقطاع التأمين والتمويل وقطاع التصنيع.

شكل (2): إعلانات وظائف الذكاء الاصطناعي (% من إجمالي إعلانات الوظائف) في الولايات المتحدة حسب القطاع (2021–2022).

Source: Maslej, N., Fattorini, L., Brynjolfsson, E., Etchemendy, J., Ligett, K., Lyons, T., Manyika, J., Ngo, H., Niebles, J. C., Parli, V., Shoham, Y., Wald, R., Clark, J., & Perrault, R. (2023). The AI Index 2023 Annual Report. AI Index Steering Committee, Institute for Human-Centered AI, Stanford University (p. 176) https://aiindex.stanford.edu/wp-content/uploads/2023/04/HAI_AI-Index-Report_2023.pdf

وهناك عشر مهارات متخصصة كانت مطلوبة في إعلانات وظائف الذكاء الاصطناعي قد زادت سنة 2022 مقارنة بما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن، وأهم مهارة زاد عليها الطلب بشكل ملحوظ خلال عقد من الزمن في وظائف الذكاء الاصطناعي هي لغة بايثون بشكل خاص، وهذا دليل على تزايد شعبيتها كلغة ترميز للذكاء الاصطناعي.

شكل (3): أفضل عشر مهارات متخصصة في إعلانات وظائف الذكاء الاصطناعي لعام 2022 في الولايات المتحدة حسب حصة المهارات (2010- 2022)

Source: Maslej, N., Fattorini, L., Brynjolfsson, E., Etchemendy, J., Ligett, K., Lyons, T., Manyika, J., Ngo, H., Niebles, J. C., Parli, V., Shoham, Y., Wald, R., Clark, J., & Perrault, R. (2023). The AI Index 2023 Annual Report. AI Index Steering Committee, Institute for Human-Centered AI, Stanford University. (p. 175) https://aiindex.stanford.edu/wp-content/uploads/2023/04/HAI_AI-Index-Report_2023.pdf

 ومع انتشار الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، سيكون من المهم بشكل متزايد أن يمتلك العمال في مختلف المهن هذه المجموعة الواسعة من المهارات اللازمة للتطوير والتفاعل مع التحولات المتسارعة.

4.     تطوير المهارات ودوره في تحسين الرفاه في عصر الذكاء الاصطناعي

يتواصل اكتساب المهارات طوال الحياة، فالناس يتعلمون ويتكيفون ويشكلون مهاراتهم من خلال العديد من التفاعلات والآليات، داخل الأسرة والجوار، وخلال السنوات التكوينية في المدرسة، وفي العمل، وأثناء التدريب، وتشمل المهارات المعرفية القدرة اللفظية، والذاكرة العاملة، والحساب، وقدرات حل المشكلات، وتعتمد المهارات الاجتماعية على السمات الشخصية التي تكمن وراء السلوكيات مثل العمل الجماعي أو الموثوقية أو الانضباط أو جهد العمل، والمهارات التقنية تمكن من أداء مهام محددة (Hentschel, 2017).

من المؤكد أن العمال في سعيهم لاكتساب المهارات المختلفة يكافحون للحفاظ على وظائفهم في المقام الأول، والتكيف مع التحولات التكنولوجية واستغلال الفرص التي تمكنهم من تحسين مكانتهم الوظيفية، وفوق كل هذا يعتبر اكتساب المهارات مدخلا فعالا لتحسين الدخل المكتسب من الوظائف، والاستمرار في التكوين والتدريب على المهارات الجديدة يزيد من إمكانية تعظيم الدخل، بناء عليه فإن حجم الدخل الذي يحصله الفرد دالة متزايدة في المهارات المكتسبة وتوظيف هذه المهارات في مكان العمل، ولذلك هناك تفاوت في الأجور بين من يمتلكون مهارات متوسطة وأولئك الذين يتمتعون بالمهارات العالية وأهم هذه المهارات مهارات الذكاء الاصطناعي.

سوق العمل كغيره من الأسواق في الاقتصاد تسوده حالة عدم التأكد وفي خضم التغيرات التي يعرفها الاقتصاد والمجتمع تزداد المخاطر والمخاوف من فقدان الوظائف، ويطلق على هذه الحالة انعدام الأمن الوظيفي ويشير هذا الأخير إلى الخوف من فقدان الوظيفة، ويعتبر الافتقار الى المهارات سببًا رئيسيًا في انتشار هذه الظاهرة، وسواء كانت مخاوف الموظفين من فقدان وظائفهم مبررة أم لا، فإن شعورهم بعدم الأمان الوظيفي قد تكون له مع ذلك آثار ضارة اقتصاديا وصحيا، وذلك لعدد من الأسباب والسبب الاقتصادي هو أن الاحتمال الكبير لفقدان الوظيفة يشير إلى فترة محتملة من البطالة وانخفاض الدخل في المستقبل، وبالتالي فإن الدخل المتوقع للشخص على المدى الطويل، ينخفض ​​نتيجة لانعدام الأمن، بالإضافة إلى ذلك فإن أولئك الذين لديهم القليل من المدخرات التي يمكن الاعتماد عليها قد يتعرضون لخطر كبير بسبب فقدان الدخل بعد فقدان الوظيفة، وبما أن الدخل يرتبط بالصحة فإن فقدان الدخل المتوقع الناتج عن انعدام الأمن يمكن أن يؤدي إلى تدهور الصحة، وقد وجدت الدراسات المتعلقة بالبطالة أن تأثيرها على الصحة أكبر بكثير مما يمكن تفسيره ببساطة بخسارة الدخل الناجمة عن البطالة، وأحد الجوانب النفسية المهمة لانعدام الأمن الوظيفي هو الضغط المرتبط بعدم اليقين، والإجهاد المرتفع أو المطول له آثار ضارة على الصحة البدنية والعقلية (Green, 2020).

ونتيجة لذلك، هناك اهتمام كبير بفهم ما إذا كان انعدام الأمن الوظيفي في حد ذاته سببا مهما لضعف الصحة البدنية أو العقلية، وينبغي أن تشكل هذه التكاليف الصحية مصدر قلق محتملا لواضعي سياسات الاقتصاد الكلي الذين يتحكمون في الاستقرار الاقتصادي، ولصانعي سياسات الصحة والتوظيف وغيرهم من الشركاء الاجتماعيين الذين قد يكونون قادرين على التخفيف من الآثار الضارة لانعدام الأمن.

يمكن القول إن نقص المهارات له دور في زيادة مخاطر فقدان الوظائف أو الحرمان من الترقية، أي أن العلاقة بين رصيد المهارات والعائد من الوظيفة علاقة طردية، وإذا تم اختصار عائد الوظيفة في الدخل الذي يحصل عليه العامل باعتبار الدخل وسيلة لتوسيع خيارات الفرد وتمكنه من الإنفاق على التعليم والصحة والتدريب، كما أن لهذا الدخل تأثيرا نفسيا واجتماعيا، كل هذه الجوانب يعكس مستوى الرفاه الذي يتمتع به العمال بمختلف رتبهم، معنى ذلك أن المهارات العالية تمكن من الحصول على أجور عالية والأجور العالية تساعد على تأمين الصحة الجسدية والعقلية للعامل كما تمكنه من الإنفاق على التدريب والتكوين لاكتساب مهارات أكثر وهو ما يجعل العامل يحس بالأمان الوظيفي أكثر.

من الأمثلة التي تدعم الرأي السالف الذكر الأدلة التي يقدمها تحليل بيانات الأجور من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يظهر التحليل أن أجور العمال ذوي المهارات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي مرتفعة، ورغم ذلك فإن نمو هذه الأجور لا يتجاوز نمو أجور الآخرين في المتوسط ​​في جميع بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومع ذلك فإن متوسط ​​منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يخفي اختلافات مهمة بين البلدان على وجه الخصوص، شهدت النمسا وبلجيكا والدنمارك وفنلندا أكبر الفجوات بين نمو الأجور في الساعة لأولئك الذين لديهم مهارات الذكاء الاصطناعي والاقتصاد بشكل عام، للتكيف مع هذه الاختلالات يمكن لأصحاب العمل استخدام التعديلات غير المتعلقة بالأجور، على سبيل المثال قد تستخدم أنواع أخرى من التعويضات المالية، مثل المكافآت المقطوعة أو أسهم الشركة التي يعملون بها، هذا التفسير مناسب بشكل خاص للقوى العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد تشمل المزايا الأخرى غير المتعلقة بالأجور أنظمة التقاعد واستحقاقات التقاعد والتأمين الصحي ودعم قروض الطلاب ووسائل الراحة في مكان العمل (Green & Lamby, 2023).

ما نوع المهارات المهنية المطلوبة بشكل خاص في سوق العمل الذي يتميز بالإنجازات التكنولوجية؟ وكيف يمكن للموظفين الأفراد اكتساب مهارات جديدة مطلوبة بشدة وفي نهاية المطاف الحصول على أجور أفضل؟

تقع هذه الأسئلة في قلب دراسة علمية جديدة (Stephany & Teutloff, 2023) قامت بتحديد وتقييم 962 من المهارات المرتبطة بالعمل والعلاقات المتبادلة بينها، وأظهرت الدراسة أن هناك فروقا ذات دلالة إحصائية في قيمة المهارات المهنية المحددة، إن المهارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص تحصل على أجور أفضل بكثير من معظم المهارات الأخرى في المتوسط، ويؤدي اكتساب مهارات محددة في مجال الذكاء الاصطناعي إلى زيادة الأجور بنسبة 21 %.

تشير العديد من الدراسات الى نتائج متقاربة بشأن أهمية مهارات الذكاء الاصطناعي فمثلا تشير دراسة حديثة أخرى إلى أن معرفة كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد العمال في الحصول على رواتب أعلى، وتوصلت دراسة أخرى إلى أن أصحاب العمل يتوقعون أن يحصل العمال الذين يتمتعون بمهارات الذكاء الاصطناعي على زيادة في الأجور بنسبة 30٪ على الأقل، وتشير دراسة أخرى حول مهارات الذكاء الاصطناعي إلى أنه إذا كانت هناك مراجعة سنوية للترقية فإن استعراض مهارات الذكاء الاصطناعي يكون له بالغ الأثر في الظفر بأحسن الرواتب والدرجات (Mok, 2023).

ومع انتشار الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، سيكون من المهم بشكل متزايد أن يمتلك العمال في مختلف المهن مجموعة واسعة من المهارات اللازمة للتطوير والتفاعل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل فعال، وبشكل أكثر عمومية، فإن قيمة المهارة أو الكفاءة تكون أعلى بكثير إذا كان من الممكن دمجها بشكل مثمر مع مهارات في مجالات أخرى، بمعنى آخر إنها ميزة إضافية إذا كان بإمكانك إضافة مهارة مختلفة تمامًا ولكن مطلوبة لدعم الرصيد الأساسي من المهارات وهذا ينطبق فقط على مهارات الذكاء الاصطناعي وأهميتها كمكمل لبقية المهارات في سوق العمل.

5.     دور التعليم والتدريب في اكتساب وتطوير المهارات المطلوبة

تشير المهارة التي يمكن استخدامها بالتبادل مع الكفاءة إلى القدرة على تنفيذ وظيفية أو مهمة من خلال تطبيق المعرفة المكتسبة بشكل منهجي ومتعمد مع الجهود المستمرة (Sanusi et al., 2022)، ولأن جميع الوظائف تتطلب مجموعة من المهارات التي تتشكل بطرق متعددة وفي ظروف متنوعة، فإن صناع السياسات يواجهون تحديات معقدة في صياغة أفضل مسار لتنمية المهارات (Hentschel, 2017).

تعد المعرفة والمهارات الأساسية والتقنية في عصر الذكاء الاصطناعي ذات أهمية بالغة لضمان قدرة الاشخاص والشركات على استخدام وتصميم خدمات وحلول جديرة بالثقة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مع تحقيق فوائد كبيرة للاقتصاد والمجتمع، وفي ظل التحولات التي يعرفها عالم العمل لم يعد اكتساب المهارات عملية ذات نهاية؛ حيث ستحتاج الشركات إلى إعادة تقييم قدرات القوى العاملة لديها بشكل مستمر، بينما سيحتاج العمال إلى ترقية مهاراتهم بانتظام لتلبية التقدم في التكنولوجيا وطرق العمل الجديدة والتغيرات في متطلبات سوق العمل (Cournoyer, 2019).

تحتاج الشركات والعاملون إلى النظر إلى اكتساب المهارات كوسيلة لتأمين المستقبل سواء كان ذلك يتعلق بأعمالهم أو بآفاق توظيفهم، إنهم بحاجة إلى اعتماد نهج أكثر مرونة، ووضع خطط لإعادة اكتساب المهارات ولكن مع تحديد مسار يمكن تكييفه مع الظروف المتغيرة، وفي هذا المجال يمكن للمؤسسات العامة أن تساعد على تمكين العاملين من الوصول إلى التدريب عندما يحتاجون إليه بشكل مستمر طوال حياتهم المهنية، وفي ظل التسارع التكنولوجي حيث التقنيات والمعرفة والقدرات جديدة جدًا أو تتغير بسرعة كبيرة بحيث لا تتمكن المؤسسات من ملئها من خلال اكتساب المواهب، يجب على قادة الأعمال التأكد من أنهم يستثمرون في برامج تعلم الموظفين لزيادة الاحتفاظ بهم، وتعزيز الرضا الوظيفي لديهم، كما يستوجب الأمر أن يتمتع العمال بسرعة التكيف مع هذه التحولات وهذا من خلال اكتساب المهارات المناسبة.

لا يوجد حصر للمهارات في عصر التغير والاختراق التكنولوجي الدائم ولذلك يجب أن يكون التدريب مسايرا لوتيرة التغير، وذلك حتى يتمكن قادة الأعمال والعمال من مزامنة مهاراتهم مع المستجدات التكنولوجية، وتقليل التهديدات التي تنشأ من هذا الواقع الجديد والذي يمكن وصفه بأنه واقع به فجوة بين احتياجات الوظائف وما يملكه العمال من مهارات، هذه الفجوة وهي فجوة المهارات يمكن أن تعيق تحسن الإنتاجية وكذا الرضا الوظيفي للعمال، ويمكن تقليصها إلى أدنى حد ممكن من خلال التعليم والتدريب؛ حيث يمكن ذلك من تسليح العمال بالمهارات الضرورية التي تمكنهم من رفع كفاءتهم في العمل والتمتع بأحسن الظروف من حيث الدخل أو الرضا والاستقرار الوظيفي.

لتحقيق هذه الغاية المفيدة للجميع يجب التعرف على أهم مداخل التدريب الفعال الذي يكسب العمال المهارات الضرورية، بدءا بالتعليم الأساسي والثانوي والجامعي، يضاف إلى ذلك التكوين والتدريب المهني والتقني، والتدريب في مكان العمل كل هذه المداخل يجب أن تفعل ويتم التنسيق بينها لضمان تحقيق الهدف المنشود وهو سد فجوة المهارات، من هذه المداخل نجد التكوين والتدريب المهني والتقني الذي يعتبر على درجة عالية من الأهمية لتعزيز التوظيف والإنتاجية، وحسب توصيات اليونسكو ومنظمة العمل الدولية يعرف التعليم المهني والتقني بأنه (Corporate author, 2023): مصطلح شامل يشير إلى جوانب العملية التعليمية التي تشمل بالإضافة إلى التعليم العام، دراسة التكنولوجيا والعلوم ذات الصلة، واكتساب المهارات العملية والمواقف والفهم والمعرفة المتعلقة بالمهن في مختلف قطاعات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والجدير بالذكر أن من أهم ما يجب التركيز عليه في أنظمة التعليم والتدريب المهني والتقني هو الجودة وذلك من خلال توفير برامج وخدمات للمتعلمين تلبي معايير عالية، ولا بد من أن تكون هذه البرامج متوافقة مع معايير الصناعة، وكذا مؤسسات مجهزة ومزودة بالموارد الكافية، وقادة مؤسسات متمكنون، ومدرسون ومدربون مكونون تكوينا جيدا، ولا بد من الإشارة إلى أن أجود أنواع التدريب هو التعلم القائم على العمل عالي الجودة، وبالتالي قيام المؤسسات نفسها على التدريب، والتعليم القائم على العمل متنوع وأكثر الأشكال شيوعا هو التلمذة الصناعية والتدريب الداخلي.

التعليم والتدريب المهني الذي يتصف بالمرونة العالية لزيادة جودة المهارات هو منهج للتدريب القائم على الكفاءة (Boahin & Hofman, 2014)، ويكون الهدف هو التأكد من أن المهارات التي تقدمها أنظمة التدريب تتوافق مع المهارات التي تحتاجها الصناعة على المدى الفوري والطويل، ولزيادة الفعالية الخاصة بالنظام، فقد اعتمد العلاج السلوكي المعرفي كاستراتيجية سياسية مركزية بين العديد من الدول لإعادة هيكلة أنظمة التعليم والتدريب المهني وتطوير الكفاءات المطلوبة في سوق العمل، وكانت الأهداف الرئيسية في تنفيذ هذا الابتكار هي خفض معدل البطالة وزيادة الإنتاجية وتحقيق القدرة التنافسية الدولية، علاوة على ذلك يعد العلاج السلوكي المعرفي نهجًا قائمًا على النتائج ويعتبر محركًا ومحفزًا رئيسيًا لمنظور التعلم، ولذلك فإن العلاج السلوكي المعرفي له بعد تعليمي (الكفاءات والمؤهلات) وعنصر سياسي واجتماعي (مسارات وفرص التعلم)، تتمتع دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأستراليا وهولندا بخبرة عدة عقود في تنفيذ العلاج السلوكي المعرفي في أنظمة التعليم والتدريب المهني الخاصة بها، على سبيل المثال اضطرت أستراليا إلى رفع مستوى مهارات القوى العاملة لديها من أجل إجراء إعادة الهيكلة الصناعية والبقاء قادرة على المنافسة مع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخرى، وجدت دراسة أجريت في هذا الموضوع أن ما يقرب من نصف أصحاب العمل الأستراليين (49%) قالوا إن موظفيهم طلبوا تحسين مهاراتهم لتطوير كفاءات جديدة ضمن مناصبهم الحالية، بينما قال (47%) آخرون إن موظفيهم طلبوا الحصول على فرص لإعادة مهاراتهم لأداء أدوار أو مسؤوليات جديدة داخل المنظمة (Robert Half, 2023).

وبالمثل فعلت المملكة المتحدة والكثير من الدول الأخرى التي باتت تدرك أن الهدف من إدخال العلاج السلوكي المعرفي هو سد أوجه القصور في المهارات بين برامج الدراسة واحتياجات الصناعة من أجل خلق فرص العمل وتقليل البطالة بين الخريجين.

كشكل من أشكال التدريب الذي يركز على الصناعة ويحركه الطلب، يتطلب تطوير مناهج العلاج السلوكي المعرفي مدخلات كبيرة من الصناعة لتصبح أكثر ملاءمة لمتطلبات مكان العمل، تتضمن إعادة تصميم المناهج الدراسية التشاور مع الصناعات لمعرفة:

-      الوظائف الحالية، والتي يشار إليها عادةً باسم ملف تعريف الوظائف.

-      تحديد المهام المهنية (الوصف الوظيفي)،

-      المهام والكفاءات المطلوبة لأداء المهام المهنية (المهام الأساسية).

في عصر التكنولوجيا والابتكار والحلول الرقمية ستستمر الوظائف في التطور نتيجة استمرار الإبداع في الإنتاج والاستهلاك، وهذا يعني أن هذه الوظائف ستحتاج إلى تجسيد مستوى أعلى من رأس المال البشري الذي لا يقتصر على التعليم العام فحسب، بل يشمل أيًضا المهارات المرتبطة بالعمل، بما في ذلك المهارات العامة والمهارات الخاصة بالوظيفة، وسيعتمد هذا الإنجاز على قدرة الأنظمة التعليمية على تطوير المهارات المناسبة في أقصر وقت ممكن، ولذلك فإن سياسة التعليم تقع في قلب عملية التغيير الهيكلي الجارية، ومن أجل تكوين المهارات المرتبطة بالعمل، يجب على الأنظمة التعليمية أن تنفذ مبدأ تعليميا مبتكرا ولعل التعليم المزدوج نقطة بداية التحول، والتقليل تدريجيا من المبدأ المتسلسل، وينطوي مبدأ التعليم المزدوج على ضرورة تطوير المهارات المتعلقة بالعمل مع التعليم العام، وليس بعد إكمال التعليم، ويتطلب ذلك أن تكون مهمة أنظمة التعليم هي توليد رأس المال البشري، وليس التعليم فقط، وفي ظل الانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي وجب استغلال هذه التقنية لدعم التعليم المزدوج.

تم إجراء ممارسة جيدة في إيطاليا من قبل شركة (Ducati) لصناعة الدراجات، استثمرت الشركة نصف مليون يورو لبناء معمل داخل المصنع لتدريس المفاهيم الميكانيكية، ثم تطبيق المفهوم المتعلم في منطقة التدريب مباشرة في إنتاج الدراجات، خارج منطقة التدريب مباشرة، وسواء اعتبر مسؤولو الشركة إنتاج المهارات من خلال التلمذة المهنية إحدى مهام الشركات الخاصة، أو شكلا من أشكال المسؤولية الاجتماعية للشركات، فإن النتائج في العام الدراسي 2016/2017، كانت ذات أهمية كبيرة (Salesians, 2017): في السنة الأولى من التجربة شملت مراكز التدريب المهني الـ 150 التي تمت مقابلتها 3250 شركة، وكان ثلثا الشركات (66%) يتعاون بنشاط في بناء وإثراء وتشغيل البرنامج (مسارات التلمذة الصناعية)، وكان أكثر من نصف الشركات (54%) "مقتنعا تمامًا بالفرصة التي أتاحتها لتكوين موارد شابة"، بالإضافة إلى ذلك، كان مستوى الرضا الذي سجله المشاركون في التجربة (لمشغلون، الشركات، الطلاب، العائلات) مرتفعًا، ووصل إلى متوسط ​​تقييم يزيد عن 75%، وعمليًا أقر الجميع (98%) بأن تجربة نظام التعليم المزدوج تمثل فرصة للنمو لكل من مراكز التدريب المهني والشباب.

وفي مجال التعليم المزدوج تعتبر تجربة إيطاليا رغم نجاحها النسبي متواضعة بالمقارنة مع دول أوروبية رائدة في هذا المجال كألمانيا والنمسا وسويسرا، وتجدر الإشارة إلى أهمية ترسخ التقاليد ودور الاعتراف الاجتماعي بقيمة التعليم والتوظيف من أهم اسباب نجاح هذا النمط من الأنظمة الخاصة بتسليح الشباب والطلاب وإعدادهم لتقلد وظائف عند نهاية التكوين، كما أن هذا النمط التعليمي مبني على أسس مؤسسية أحد أركانها هو الشركات التي تجني فوائد كبيرة حيث تؤمن لنفسها إنتاجا مستمرا للمهارات اللازمة للإنتاج، كما أن التزام الدولة يكون على أعلى المستويات من خلال تدعيم التدريب والتعليم المهني كبديل للمسارات التعليمية الأكاديمية.

يمكن القول إن دور التعليم والتدريب المهني مهم لاكتساب المهارات الأساسية كما أنه مهم لاكتساب المهارات التقنية العالية، بشرط توفير الإمكانات الضرورية حيث إن التعليم أو التدريب عبارة عن ذلك الحيز الذي يقع فيه الاحتكاك بين أصحاب المصلحة من طالبي الوظائف وقطاع الأعمال والحكومة، وبذلك فهو قطاع لا غنى عنه في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

6.     تحديات تلبية المتطلبات المهاراتية في سوق متغير

على المستوى الدولي هناك توجه عام لدى كل الدول تقريبا يتمثل في اعتبار القطاعات الاستراتيجية كلا من: الخدمات المالية والتجارية، العلوم الطبيعية، التقنيات، والتقنيات النظيفة، والذكاء الاصطناعي.

هذه القطاعات الخدمية والصناعية تتميز عادة بمجموعة من الخصائص أهمها:

-      قطاعات كثيفة رأس المال وعمالتها على درجة عالية من التعليم، وعادة ما تقود التصدير.

-      قطاعات تقدم أعلى قيمة مضافة للاقتصاد وأعلى الأجور للعمال.

-      قطاعات تتميز بأنها كثيفة البحث والتطوير وبالتالي فهي تتميز بسرعة الابتكار.

نظرا لأهمية هذه القطاعات فإن زيادة التوظيف فيها دليل على أن هناك تحسنا في مهارات الموظفين، كما أن هذه القطاعات ونظرا للخصائص السالفة الذكر تعتبر بيئة مواتية لتطوير وتدريب العمال؛ حيث إن البيئة التكنولوجية التي يميزها التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي أصبح فيها العمال ذوو المهارات التقنية أنفسهم مهددين، فعلى سبيل المثال فإن إطلاق برنامج (chat GPT) أدى إلى موجة من القلق بشأن الكيفية التي يهدد بها التغير التكنولوجي الوظائف، فالمخاوف من فقدان الوظائف بسبب الأتمتة موجودة منذ فترة طويلة، ولكنها تزايدت مع إصدار تحذيرات سنة 2013 من أن ما يقرب من نصف الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية كان معرضا لخطر كبير بسبب الأتمتة، وما شهدته الفترة التالية لهذه التحذيرات هو ارتفاع في معدلات التوظيف، هذا النمو في العمالة يشير إلى أن تأثير الأتمتة المدمر لا تزال تقابله تأثيرات إيجابية غير مباشرة (Costa et al., 2023).

الجدول الموالي يبين ترتيب أفضل عشر مهارات في كل سنة من سنة 2016 إلى سنة 2020، واللافت هو تراجع أهمية بعض المهارات في الترتيب، واللافت أكثر هو زوال بعض المهارات كليا من الترتيب ضمن العشر الأوائل وظهور مهارات لم تكن موجودة، كل هذا يدل على التسارع التكنولوجي وما يعانيه طالبو العمل والحكومات من تحديات للتأقلم.

جدول (2): ترتيب أفضل عشر مهارات خلال السنوات: 2016-2022

 

2016

2017

2018

2019

2020

2021

2022

1

Deep Learning

TensorFlow

CNNs

Pattern Recognition

Data Structures

Information Retrieval

Question Answering

2

Scikit-Learn

Keras

MS Azure ML

Supervised Learning

Pandas

Pandas

Classification

3

TensorFlow

 

Deep Learning

PyTorch

CNNs

PyTorch

Reinforcement Learning

Recommender Systems

4

RapidMiner

Pandas

Keras

Unsupervised Learning

Pattern Recognition

CNNs

Computer Vision

5

Reinforcement Learning

Reinforcement Learning

Supervised Learning

Neural Networks

Artificiel Intelligence (AI)

Scikit-Learn

NLP

6

Unsupervised Learning

Scikit-Learn

 

Pandas

 

PyTorch

Julia

PyTorch

Information Retrieval

7

MS Azure ML

Supervised Learning

TensorFlow

Pandas

Computer Vision

Unsupervised Learning

Algorithm Development

8

Julia

CNNs

Unsupervised Learning

Algorithm Development

Artificial Neural Networks

Algorithm Development

PyTorch

9

Artificial Neural Networks

PyTorch

Reinforcement Learning

Scikit-Learn

NLP

Julia

Machine Learning

10

Supervised Learning

Artificial Neural Networks

Artificial Intelligence (AI)

NLP

Supervised Learning

MS Azure ML

MS Azure ML

Source: https://oecd.ai/en/data?selectedArea=ai-jobs-and-skills&selectedVisualization=fastest-growing-ai-skills

من المؤكد أن عصر التحولات التي يقودها الذكاء الاصطناعي مازال في بداياته خاصة وأن أحد أبرز منتجات هذه المرحلة وهو الذكاء الاصطناعي التوليدي لم يعتمد بشكل كامل ولم تفهم تأثيراته، هذه التطورات ستكون لها انعكاسات سلبية على العمال ذوي المهارات المنخفضة، كما أن آثارا سلبية أخرى مثل خفض الأجور والضغوط الوظيفية ستلحق ببعض المهنيين وإن كان منهم أصحاب مهارات كانت سابقا تصنف على أنها مهارات عالية مثل البرمجة الحاسوبية، من جهة أخرى ستتأثر سياسات التعليم والمهارات ولا بد أن تساعد برامج إعادة المهارات المستهدفة العمال على التكيف، ويجب أن يزود التعليم عمال المستقبل بالمهارات اللازمة للمرونة في سوق العمل المتغير.

كل سياسة تدعم تحقيق النمو المستدام تعطي مكانة هامة لخلق فرص عمل جيدة، هذه الوظائف تتميز بارتفاع أجورها وسرعة نموها وتمتع أصحابها بالاستقرار الوظيفي ويحظون بأحسن الفرص لتطوير مهاراتهم وصقلها بما يتوافق مع مستجدات سوق العمل المتغير، وحسب دراسة قدمها معهد ماكينزي للاستشارات فإن خلق فرص العمل في المستقبل بسبب تأثير الأتمتة يختلف حسب كل بلد وذلك اعتمادا على أربعة عوامل:

مستويات الأجور: ارتفاع الأجور يدعم الحجة التجارية لصالح الأتمتة، ومع ذلك لا يمكن التغاضي عن الأضرار الناشئة عن تراجع الأجور لدى البعض، فمثلا إذا تبنت الشركات الأتمتة لتعزيز الجودة، أو تحقيق رقابة أكثر صرامة على الإنتاج، أو نقل الإنتاج قرب المستهلكين النهائيين في البلدان ذات الأجور المرتفعة، أو تحقيق فوائد أخرى غير خفض تكاليف العمالة، كل هذا مدعاة للقلق ويدعم بقوة المخاوف من تراجع التصنيع قبل الأوان في البلدان النامية بسبب الأتمتة.

نمو الطلب على العمالة: النمو الاقتصادي ضروري لخلق فرص العمل، فالاقتصادات التي تعرف ركودا أو يكون فيها النمو بطيئا لا تخلق سوى القليل من الوظائف الجديدة، إن وجدت، ومن المتوقع بالتالي أن تشهد البلدان التي تتمتع بنمو اقتصادي وإنتاجي وابتكار أقوى المزيد من الطلب الجديد على العمالة، على الرغم من أن حجم وطبيعة خلق فرص العمل سوف يختلف تبعا للقطاعات التي تدفع النمو.

التركيبة السكانية: تؤثر التركيبة السكانية على كل من الطلب والعرض على العمالة، وتمتع البلدان بقوى عاملة سريعة النمو، يعزز نمو ناتجها المحلي الإجمالي إذا تم توظيف الشباب، في حين يمكن أن تعاني البلدان التي تتقلص قوتها العاملة نموا أقل في الناتج المحلي الإجمالي في المستقبل، وهو نمو مستمد فقط من نمو الإنتاجية، ومع ذلك تحتاج الفئة الثانية من البلدان الى الأتمتة لتعويض تقلص المعروض من العمالة، في حين تواجه الأولى تحديات أكبر في خلق فرص العمل.

مزيج القطاعات والمهن الاقتصادية: تعكس إمكانات الأتمتة في البلدان مزيج القطاعات الاقتصادية، ومزيج الوظائف داخل كل قطاع.

7.     الجوانب السياسية في استراتيجية تطوير المهارات

إن الصعوبات التي ينطوي عليها تنفيذ السياسات الموجهة نحو التوظيف والنمو والتي تعطي أولوية عالية للتعليم العالي والتدريب هي صعوبات هائلة؛ حيث تجد الدول أنفسها أمام تحدي الاستثمار بالقدر الكافي في مواردها البشرية، وهذه القضية فيها تفاوت كبير بين الدول، فالدول المتقدمة والدول الناشئة مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة والصين وماليزيا والهند مثلا تستثمر بكثافة في هذا المجال، في حين أن هناك دولا أخرى متخلفة كثيرا عن الركب مما يجعل المهمة صعبة ومعقدة خاصة مع التحولات في عالم التصنيع والشغل حيث أصبح للذكاء الاصطناعي دور محوري.

تسعى الدول من خلال سياساتها المختلفة إلى تعزيز الرفاهية وجعل ثمرات النمو تتوزع بشكل عادل ومستدام على جميع أفراد المجتمع، كما أن الدولة مسؤولة عن توفير فرص للجميع للحصول على عمل لائق ومنتج، وللتغلب على مختلف التحديات في هذا الشأن وجبت مراجعة وتكييف أطر المؤهلات والمهارات، وبذلك فإن الدول والمؤسسات والأفراد مدعوة إلى بناء أنظمة جديدة لتقييم المهارات والاعتراف بها واعتمادها وتطويرها.

تظهر التجارب الدولية أن البلدان التي نجحت في ربط تنمية المهارات بالمكاسب في الإنتاجية والتنمية قد بنت سياسات تنمية المهارات لديها على ثلاثة أهداف استراتيجية ((International Labour Office, 2010:

-      مطابقة العرض مع الطلب على المهارات.

-      مساعدة العمال والمؤسسات على التكيف مع التغيير.

-      بناء الكفاءات واستدامتها لتلبية احتياجات سوق العمل المستقبلية.

الرسالة الأساسية هي أنه لا ينبغي النظر إلى استراتيجية تنمية المهارات أو توفيرها بمعزل عن غيرها، ولذلك فإن التنسيق مع السياسات والاستراتيجيات الأخرى مثل استراتيجية التنمية الوطنية واستراتيجية نمو القطاع أمر بالغ الأهمية، ويمكن تلخيص الحجج المؤيدة لصياغة سياسة وطنية لتنمية المهارات بدلا من البرامج المتقطعة والمحدودة على النحو التالي:

-      تحقيق التماسك للنظام حيث إن السياسة الوطنية تقدم رؤية مشتركة لنظام المهارات الذي تهدف أي دولة إلى بنائه.

-      تسهيل الإجراءات والإصلاحات المنسقة والمخططة؛ حيث تنشر السياسة مجموعة من التغييرات المطلوبة التي يجب اتباعها لتحقيق رؤية نظام المهارات بشكل منسق، كما تؤدي إلى استجابة أكثر شمولية لتخطيط الموارد البشرية تجمع بين مختلف الهيئات الحكومية ومقدمي التعليم والتدريب.

-      تسهيل تنسيق السياسات وتماسكها وتساعد السياسة الوطنية على توضيح جهود تنمية المهارات.

تقدم أي سياسة وطنية توجيهات للإصلاح وتضع الآليات المؤسسية المناسبة وتعدل أو تقدم خططا لدعم الأولويات، وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة بمؤسساتها ذات الصلة هي المسؤولة في المقام الأول عن التدريب قبل التوظيف، في حين أن أصحاب العمل مسؤولون عن المزيد من التدريب وعلى العمال الاستفادة من فرص التعليم والتدريب، ويمكن توضيح هذا الجانب السياسي المهم من خلال إجراءات سياسية محددة، وقد يشمل ذلك:

-      تعزيز المقاربات القطاعية لتنمية المهارات على سبيل المثال مجالس المهارات القطاعية أو خلايا تطوير المهارات تؤدي نفس الوظيفة.

-      تعزيز التعلم في مكان العمل كالتلمذة الصناعية أو غيرها من أشكال التدريب أثناء العمل.

-      الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بما في ذلك الإدارة المشتركة لمؤسسات التدريب، وإشراك القطاعين العام والخاص والمنظمات غير الحكومية في تحسين التوعية.

-      لا بد من الإشارة إلى جانب آخر حاسم في تطوير السياسات هو عملية صنع السياسات؛ حيث ينعكس ذلك على جودة المحتوى أولا ثم مستوى الإجماع والالتزام بالسياسة وتنفيذها بعد ذلك، وأهم المبادئ الأساسية لصياغة سياسات سليمة وفعالة هي:

-      الحوار الاجتماعي وإشراك جميع الفاعلين: وذلك نظرًا لدورهم الأساس في ربط تنمية المهارات بالتوظيف والنمو الاقتصادي، وبالتالي فإن مشاركة العمال وأصحاب العمل أمر ضروري.

-      المشورة والشمول والقيادة: ينبغي أن تكون العملية تشاورية لزيادة الوعي بالتحديات المتعلقة بالمهارات في البلاد ووضع الحلول الممكنة وتحقيق التوافق على العمل المشترك، ويتطلب الأمر أيضا أن تكون العملية شاملة وتتضمن التنسيق بين جميع الوزارات والهيئات المشاركة في تنمية المهارات والوزارات الأخرى ذات الصلة بما في ذلك المالية قصد تخصيص الموارد اللازمة، ولا بد من تحديد وكالة أو وزارة رائدة لتكون قائدة ومسؤولة عن التنفيذ الشامل وإعداد التقارير والتقييم.

-      الاعتماد على الأسس المحلية: ينبغي أن ترتكز نقطة البداية لتطوير السياسات على الظروف الخاصة والإطار المؤسسي القائم، وتحديات المهارات التي يواجهها المجتمع المحلي، وليس على نموذج مثالي لا يتماشى مع الواقع، كما يجب على واضعي السياسات أن يكونوا على اطلاع جيد بالممارسات الدولية الجيدة، وبقدر وجود مثل هذه البيانات يجب الاستناد إلى أدلة سليمة فيما يتعلق بالتحديات التي يجب أن تعالجها السياسة.

لعل الاستدلال بنماذج ناجحة يكون سببًا في إلهام أصحاب القرار للوصول إلى نموذج يعكس الإمكانات المحلية ويعمل على حل المشاكل وتحقيق التوافق الوطني، وإحدى هذه التجارب هي تجربة دولة سنغافورة (Sung & Ramos, 2014)، هذه الدولة تميزت بقدرتها على ربط التعليم والتدريب مع استراتيجيات التنمية الاقتصادية مما أدى إلى ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات التوظيف وتحقيق تنافسية عالية، كانت الاستراتيجية الوطنية مقسمة على مراحل مرتبطة بمدى تقدم التنمية الصناعية والتقنية في البلاد ففي مرحلة الصناعة الخفيفة التي تتطلب عمالة كثيفة تقوم في الغالب على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر كان التركيز منصبا على بناء التعليم الأساسي، والتعليم والتدريب المهني بقيادة التقنية، وتم إنشاء مراكز تدريب مشتركة مع الشركات متعددة الجنسيات مثل شركة (فيليبس) بدعم من وزارة التجارة والصناعة ومجلس التنمية الاقتصادية.

خلال مرحلة التحول إلى التصنيع ذي القيمة العالية: مكونات السيارات، الآلات، الأدوات الطبية والمواد الكيميائية والأدوية، المنتجات الهندسية الدقيقة، تميزت هذه المرحلة بإدخال التعاقد المهني إلى المدارس الثانوية، بالإضافة الى تخطيط القوى العاملة، كما تم بناء المعاهد الفنية الثنائية المشتركة المنشأة (مع اليابان، ألمانيا، فرنسا)، وأنشئ المعهد التكنولوجي الوطني، كما تم إنشاء صندوق تنمية المهارات (1979)، ومجلس الإنتاجية الوطني (1983)، والاهتمام أكثر بترقية مهارات العمال، ولأول مرة تم إدخال التدريب أثناء العمل، المرحلة اللاحقة وهي مرحلة توظيف القدرة التنافسية الاقتصادية والازدهار الوطني فميزها التركيز على المهارات الوسيطة، وتعزيز العلوم والهندسة، والتركيز على المهارات الأساسية، وتم إنشاء نظام التعرف على مهارات سنغافورة (2000)، ووكالة تنمية القوى العاملة في سنغافورة (2003)، ثم إطار مؤهلات مهارات القوى العاملة في سنغافورة (2005).

بهذه الاستراتيجية المحكمة والمتعددة الأطراف تمكنت سنغافورة من احتلال مواقع متقدمة في مؤشرات التنمية البشرية وكذا الصناعات التقنية، وأهم الدروس المستفادة من هذه الاستراتيجية أنها استراتيجية وطنية بكل المقاييس سواء من حيث تغطية كل فئات العمال وكل القطاعات وكذلك من حيث الهيئات التي ساهمت في بناء وتنفيذ الاستراتيجية أو الهيئات المنشأة أثناء التنفيذ، وأهم شيء في هذه الاستراتيجية الوطنية هو الالتزام السياسي الراسخ لدى أصحاب القرار في سنغافورة وإصرارهم على النهوض بالاقتصاد وبناء استراتيجية متحركة يمكنها تقليص الفجوة بين مهارات القوى العاملة والمهارات الضرورية لوظائف المستقبل.

8.     خاتمة وتوصيات

ستؤثر التغييرات العميقة التي يعرفها سوق العمل بسبب اعتماد الأتمتة والذكاء الاصطناعي على الاقتصاد ككل سواء من ناحية تعزيز الإنتاجية والنمو أو من ناحية قدرة العمال على التكيف مع الأوضاع الجديدة التي تتميز بمزاحمة الذكاء الاصطناعي للعديد من الوظائف، وتجدر الإشارة إلى أن دراسة تأثيرات الذكاء الاصطناعي على سوق العمل لا يمكن أن تعطي نتائج مؤكدة نظرا لعدم معرفة الأدوار والمهام التي سينشئها هذا التحول العميق في سوق العمل، وبالتالي ففي ظل سعي الأفراد إلى اكتساب المهارات المناسبة ودعمهم من طرف الحكومات ببناء استراتيجيات مبتكرة لتطوير المهارات، يمكن أن ينشأ عن ذلك واقع وظيفي جديد وتعتبر المهارات المتغير الحاسم لتحسين الرفاهية الفردية للعمال.

بناء على ما سبق، يمكن تقديم التوصيات التالية:

-      على الحكومات وضع خطة طويلة الأمد فيما يتعلق باعتماد الذكاء الاصطناعي والقطاعات التي يمكن أن تحظى بأولوية السياسة العامة، مع الإشارة إلى أن دور العنصر البشري هو الركيزة لهذا التحول ولذلك فإن أي استراتيجيه لاعتماد الذكاء الاصطناعي لا تسبقها وترافقها خطة للتعليم والتدريب سيكون مآلها الفشل، إضافة إلى ذلك على الحكومات رصد الميزانية الضرورية لهذا التحول والالتزام بمواصلة التمويل إلى غاية تحقيق الغاية المنشودة.

-      لا بد من إنشاء لجان مختصة ومتعددة التخصصات لدراسة التحولات الفعلية والمحتملة في سوق العمل، وبناء قاعدة بيانات يتم تحيينها باستمرار بحيث تكون الأساس الذي تبنى عليه أي سياسة للتوظيف.

-      لا بد من دراسة سوق العمل دراسة عميقة ومعرفة الاختلالات الموجودة من جهة العرض والطلب وتحديد أسباب الفجوات الموجودة، وبناء على تحديد هذه الفجوات يمكن الوصول إلى المزيج الأمثل من الأدوات والسياسات التي تعمل على زيادة فرص التوظف.

-      عند تحديد فجوات المهارات في سوق العمل يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الفجوات تتطلب نظرة مختلفة عن الفجوات السابقة حيث إن الوضع الحالي يتميز باعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي بكل أشكاله، وكما سبق فإن آثار هذه التقنيات مازالت غير مؤكدة ولذلك وجب تزويد العمال بمهارات التكيف مع الأوضاع المستقبلية.

-      بناء نظام للتعليم والتدريب المهني والتقني على درجة عالية من المرونة والتفاعل لمواكبة التسارع التكنولوجي، ولا بد للنظام أن يقوم على مناهج تغطي جميع أماكن التعلم: الشركة، المدرسة، الجامعة، مراكز التعليم المهني، ومراكز التدريب، كما يجب أن يتبع النظام نهج المحتوى المفتوح الذي يتجلى في الانفتاح المستمر على المعرفة الجديدة مثل تطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة، مواضيع المشاريع متعددة الأبعاد، مع الحرص على أن يدعم هذا المنهج دمج أنواع مختلفة من مجالات المعرفة والخبرة العملية والمعرفة النظرية المكتسبة من خلال تنفيذ التقنيات التكنولوجية المبتكرة، وكذا أنظمة الذكاء الاصطناعي في مرافق الإنتاج الحقيقية، مع ضمان أن يوفر هذا المنهج التوجيه الصحيح للمدربين والمعلمين لمنحهم المزيد من الحرية لتنظيم عملهم التعليمي بجودة عالية وبشكل عملي.

-      بناء وتنفيذ سياسة وطنية لتطوير المهارات ليس عمل هيئة محددة وإنما يستلزم تكاتف الجهود وتجميع الموارد، وتحديد المسؤوليات، والعمل على المدى الطويل، ولذلك لا بد من إنشاء هيئات وطنية متعددة التخصصات وظيفتها تقديم المشورة وتنفيذ وتقييم السياسة بالإضافة إلى متابعة التحولات في سوق العمل من حيث النقص أو الفائض في المهارات.

-      لا بد من التنسيق بين مختلف الهيئات العامة والخاصة المعنية بتقديم التعليم والتدريب بشتى أشكاله، وإضفاء الطابع المؤسسي على كل الهيئات، وهذا للوصول إلى نموذج تكاملي بينها، فعلى سبيل المثال التدرج في التعليم من الأساسي إلى الجامعي تنتج عنه مؤهلات علمية ونقص في المهارات المهنية، في حين أن هيئات التدريب وظيفتها استقبال الأفراد الذين لم يكملوا تكوينهم العلمي وكذا العمال الراغبون في تحسين مهاراتهم، كل هذا يتطلب أن يكون هناك حد أدنى للمستوى التعليمي.

-      الهدف النهائي من السياسة المتبعة هو جعل الاقتصاد أكثر ديناميكية من حيث توقع التقنيات والمهارات المناسبة وجمع أصحاب المصلحة لتسهيل تنقل العمال وتوظيفهم وتكوينهم بالمهارات المناسبة.

 

المراجع

References:

Acemoglu, D., Autor, D., Hazell, J., & Restrepo, P. (2022). Artificial Intelligence and Jobs: Evidence from Online Vacancies. Journal of Labor Economics, 40 (S1). University of Chicago Press. Retrieved from: https://economics.mit.edu/sites/default/files/publications/AI%20and%20Jobs%20-%20Evidence%20from%20Online%20Vacancies.pdf

Alekseeva, L., Azar, J., Giné, M., Samila, S., & Taska, B. (2021). The demand for AI skills in the labor market. Labour Economics, 71. https://doi.org/10.1016/j.labeco.2021.102002. Retrieved from: https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0927537121000373

Bertuzzi, L.(2023, November 9). OECD updates definition of Artificial Intelligence ‘to inform EU’s AI Act’. EURACTIV MEDIA NETWORK. Retrieved from: https://www.euractiv.com/section/artificial-intelligence/news/oecd-updates-definition-of-artificial-intelligence-to-inform-eus-ai-act/#]

Boahin, P., & Hofman, W. H. A. (2014). Perceived effects of competency-based training on the acquisition of professional skills. International Journal of Educational Development, 36. Retrieved from: https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0738059313001016https://doi.org/10.1016/j.ijedudev.2013.11.003

Cazzaniga, M., Jaumotte, F., Li, L., Melina, G., Panton, A. J., Pizzinelli, C., Rockall, E. J., & Tavares, M. M. (2024). Gen-AI: Artificial Intelligence and the Future of Work. International Monetary Fund. Retrieved from: https://www.imf.org/en/Publications/Staff-Discussion-Notes/Issues/2024/01/14/Gen-AI-Artificial-Intelligence-and-the-Future-of-Work-542379?cid=bl-com-SDNEA2024001.

Corporate author. (2013). Building better formal TVET systems : Principles and practice in low- and middle-income countries. UNESCO, World Bank, International Labour Organization. Retrieved from: https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000386135.

Costa, R., Liu, Z., McNally, S., Murphy, L., Pissarides, C., Rohenkohl, B., Valero, A., & Ventura, G. (2023, October). Learning to grow: How to situate a skills strategy in an economic strategy. Resolution Foundation. Retrieved from: https://economy2030.resolutionfoundation.org/wp-content/uploads/2023/10/Learning-to-grow-report.pdf

Cournoyer, M. (2019, August 21). The Future of Work and Skills Acquisition – A shift in mindset is needed. Job Market Monitor. Retrieved from: https://jobmarketmonitor.com/2019/08/21/skills-acquisition-a-shift-in-mindset-is-needed/

Fabian Stephany, Ole Teutloff (2023). What is the Price of a Skill? The Value of Complementarity. Research Policy. Retrieved from: https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=4234078

Green, A. (2023). Intelligence artificielle et emploi : aucun signe de fléchissement de la demande de main-d’œuvre (pour l’instant). OCDE. https://doi.org/10.1787/aae5dba0-fr

Green, A., & Lamby, L. (2023). The supply, demand and characteristics of the AI workforce across OECD countries. OECD Social, Employment and Migration Working Papers, No. 287. https://doi.org/10.1787/bb17314a-en

Guarascio, D., Reljic, J., & Stöllinger, R. (2023). Artificial Intelligence and Employment: A Look into the Crystal Ball (GLO Discussion Paper No. 1333). Global Labor Organization (GLO). Retrieved from: https://www.econstor.eu/bitstream/10419/278106/1/GLO-DP-1333.pdf

Hentschel, J. (2017). Skills or jobs: Which comes first? IZA World of Labor, 339. https://doi.org/10.15185/izawol.339

International Labour Office. (2010). A Skilled Workforce for Strong, Sustainable and Balanced Growth: A G20 Training Strategy. Geneva. Retrieved from: https://www.oecd.org/g20/summits/toronto/G20-Skills-Strategy.pdf

Kavanagh, C. (2019). New Tech, New Threats, and New Governance Challenges: An Opportunity to Craft Smarter Responses? In Report Part Title: Artificial Intelligence. Carnegie Endowment for International Peace. Retrieved from: https://carnegieendowment.org/files/WP_Camino_Kavanagh___New_Tech_New_Threats1.pdf

Lassebie, J. (2023). Skill Needs and Policies in the Age of Artificial Intelligence. Organization for Economic Co-operation and Development (OECD). Retrieved from : https://www.oecd-ilibrary.org/sites/08785bba-en/1/3/5/index.html?itemId=/content/publication/08785bbaen&_csp_=9f4368ffe3fc59de4786c462d2cdc236&itemIGO=oecd&itemContentType=book#tablegrp-d1e16959-12b89ec173

Maslej, N., Fattorini, L., Brynjolfsson, E., Etchemendy, J., Ligett, K., Lyons, T., Manyika, J., Ngo, H., Niebles, J. C., Parli, V., Shoham, Y., Wald, R., Clark, J., & Perrault, R. (2023). The AI Index 2023 Annual Report. AI Index Steering Committee, Institute for Human-Centered AI, Stanford University. https://aiindex.stanford.edu/wp-content/uploads/2023/04/HAI_AI-Index-Report_2023.pdf

Mok, A. (2023). Want a pay bum p? Learn how to use AI. Here's how much the skill could be worth based on your job. Business Insider. Retrieved from: https://www.businessinsider.com/how-to-get-job-ai-skills-pay-raise-work-2023-12

Nurkin, T., & Rodriguez, S. (2019). A Candle in the Dark: US National Security Strategy for Artificial Intelligence. In Report Part Title: INTRODUCTION. Atlantic Council. Retrieved from: https://www.atlanticcouncil.org/wp-content/uploads/2019/12/AC_CandleinDark120419_FINAL.pdf

OECD.AI (2024), visualisations powered by JSI using data from LinkedIn, accessed on 6/6/2024, www.oecd.ai.

OECD.AI (2024), visualisations powered by JSI using data from www.adzuna.co.uk, accessed on 6/6/2024, www.oecd.ai.

Robert Half. (2023, October 9). What skills does the workplace of the future need in Australia? Retrieved from: https://www.roberthalf.com/au/en/insights/research/what-skills-does-workplace-future-need-australia

Salesians. (2017, November 24). Italy - Dual Education System in Vocational Training: a success that requires regulatory stabilization. ANS. Retrieved from: https://www.infoans.org/en/sections/news/item/4405-italy-dual-education-system-in-vocational-training-a-success-that-requires-regulatory

Sanusi, I. T., Olaleye, S. A., Agbo, F. J., & Chiu, T. K. F. (2022). The role of learners’ competencies in artificial intelligence education. Computers and Education: Artificial Intelligence, 3, 100098. https://doi.org/10.1016/j.caeai.2022.100098

Stanford University. (2023). The 2023 Stanford AI Index. Retrieved from: https://aiindex.stanford.edu/ai-index-report-2023/#individual-chapters

Sung, J., & Ramos, C. (Eds.). (2014). Skills strategies for an inclusive society: The role of the state, the enterprise and the worker. Institute for Adult Learning, Singapore. Retrieved from: https://web.archive.org/web/20150501122705/http://www.ial.edu.sg/files/documents/564/Skills-Strategies-for-an-Inclusive-Society.pdf

Wilson, H., Daugherty, P., & Morini-Bianzino, N. (2017). The Jobs That Artificial Intelligence Will Create. Retrieved from: https://sloanreview.mit.edu/article/will-ai-create-as-many-jobs-as-it-eliminates/

Zhoum, Q. (2023). Research progress on the impact of artificial intelligence on the labor market. Advances in Economics and Management Research, 8. Retrieved from: https://www.michaelwebb.co/webb_ai.pdf

Haut du formulaire